ويرى اقتصاديون ان استمرار الوضع الحالي بهذه الشاكلة في ظل تأخر اقرار موازنة 2022 سيؤدي الى شلل في الحياة المالية، حيث تلتزم الحكومة بأسلوب إنفاق محدود من دون القدرة الكافية على ردع المشاكل الاقتصادية ومعالجتها، مما يستدعي ضرورة الاسراع في الوصول الى وضع اقتصادي آمن بما يتلاءم والوضع الحالي...
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته الشهرية ضمن ملتقى النبأ الاسبوعي والتي حملت عنوان (الازمات السياسية في العراق وانعكاساتها على المشهد الاقتصادي) وذلك في يوم السبت الموافق 8/10/2022 الساعة الرابعة والنصف في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.
افتتح الحلقة مدير المركز الدكتور خالد عليوي العرداوي بالتحية والترحيب بالحضور ثم فسح المجال للباحث الدكتور ايهاب علي النواب بإلقاء الورقة النقاشية التي ورد فيها:
"عانى ولايزال الاقتصاد العراقي من جملة من الازمات والمنعطفات السياسية الحادة التي انعكست بشكل مباشر على واقعه الاقتصادي والاجتماعي بعد العام 2003، اذ فقد الاقتصاد العراقي هويته الاقتصادية التي كان يتميز بها قبل الـ 2003 كاقتصاد اشتراكي يعتمد النزعة المركزية الشديدة في ادارة موارد الدولة الى اقتصاد غير واضح المعالم وعبارة عن خليط من سياسات مشوهة في ادارة هذه الموارد وان كان من المفترض ان يكون الاطار العام لكل هذا هو الاقتصاد الحر، الا ان ما يوجد اليوم هو خلاف ذلك، وهذا يبدو واضحا من خلال تعاقب الازمات الاقتصادية وتراجع وتدهور مستويات المعيشة وتزايد لمعدلات الفقر وتفشي لظاهرة الفساد وغياب التخطيط الاقتصادي وتراجع مساهمة القطاعات الاقتصادية الرئيسة في الناتج المحلي الاجمالي والاعتماد كليا على النفط، لاسيما في السنوات الاخيرة، حيث مر الاقتصاد العراقي في أحداث هامة خلال هذه السنوات، جعلته يتعرض لهزات وانتكاسات جديدة اضافة لما يمر به وهي :
1- الاحتجاجات في تشرين الاول 2019.
2- جائحة كورونا في أواخر 2019.
3- الانخفاض في أسعار النفط عالمياً 2020.
4- الحرب الروسية الاوكرانية في 2022.
5- الانسداد السياسي في 2021-2022.
وهذه الاحداث المتتالية انعكست بشكل واضح على مؤشرات النشاط الاقتصادي. حيث أشار الاصدار الجديد من تقرير المرصد الاقتصادي للعراق 2022، الى ان البلاد تخرج تدريجيا من حالة الركود العميق في 2020، الا انه وبالرغم من التوقعات الايجابية بنمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4% في المتوسط بين عامي 2022 و2024، الا ان توقعات الاقتصاد الكلي تحيطها درجة كبيرة من المخاطر بسبب الاعتماد المستمر على النفط.
وعلى الرغم من العودة التدريجية للحياة عالمياً، بعد انحسار تفشي فايروس كورونا وتعافي الاقتصاد العالمي تدريجياً، واجه العراق أزمة سياسية جديدة، فعلى الرغم من اختيار وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، ونجاح هذه الحكومة في ادارة بعض ملفات الدولة بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات التي حدثت في تشرين الاول، مثل اجراء انتخابات مبكرة واقرار للقانون الموازنة في 2021 وتبني لورقة الاصلاح البيضاء وان كانت لا تزال مثاراً للشك والجدل وكذلك السعي لتحقيق علاقات سياسية متوازنة مع دول الجوار والمنطقة عبر مجموعة من الاتفاقيات وعقد للقاءات المشتركة.
برزت للسطح أزمة جديدة تتمثل في تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، حيث شهد العراق حالة من الصراع بين الفرقاء السياسيين حول تشكيل الحكومة، ونجم عن ذلك تأخير اقرار قانون الموازنة العامة لعام 2022، وهو ما دفع البرلمان الى تشريع واقرار قانون الامن الغذائي الطارئ لسد حاجة البلد من مفردات البطاقة التموينية والتعاقد على شراء النقص من مادة الحنطة من الخارج، وان كان القانون تضمن بعض الفقرات التي ليس لها علاقة بالأمن الغذائي، كتثبيت المتعاقدين ودفع أجورهم... الخ.
ويرى اقتصاديون ان استمرار الوضع الحالي بهذه الشاكلة في ظل تأخر اقرار موازنة 2022 سيؤدي الى شلل في الحياة المالية، حيث تلتزم الحكومة بأسلوب إنفاق محدود من دون القدرة الكافية على ردع المشاكل الاقتصادية ومعالجتها، مما يستدعي ضرورة الاسراع في الوصول الى وضع اقتصادي آمن بما يتلاءم والوضع الحالي.
كما إن تأخر تشريع قانون الموازنة أدى الى تباطؤ مجمل النشاط الاقتصادي بما فيه الانفاق الاستثماري وصولا الى متعلقات جانبية مثل الانفاق على بعض الفئات الهشة كالحماية الاجتماعية ورعاية الشرائح الفقيرة.
وعلى الرغم من توقع ان يصل حجم الاحتياطي النقدي الاجنبي في نهاية هذا العام الى 90 مليار دولار، نتيجة لتغيير سعر الصرف وارتفاع اسعار النفط، تبقى التوقعات قائمة في عدم الاستفادة من هذه الوفرة المالية نتيجة لحالة الانسداد السياسي التي يعاني من البلد، خصوصا وان معدلات الفقر في تزايد، اذ تجاوزت حدود الـ 31%، فضلاً عن تأخير اقرار الموازنة وصرف الرواتب... الخ.
ومع توجه الوضع السياسي الى حالة من الانسداد التام لاسيما بعد استقالة ممثلي التيار الصدري من البرلمان وحدوث بعض المواجهات والصدامات التي حدثت بين أنصار التيار الصدري المطالبين بتشكيل حكومة أغلبية وبعض من جمهور تشرين والمستقلين إذا ما صح التعبير وجمهور الإطار التنسيقي، والتي وقع ضحيتها بعض القتلى والعديد من الجرحى، بعد دخولهم للمنطقة الخضراء.
حدث انسحاب كامل لكافة المعتصمين داخل المنطقة الخضراء وامام قبة البرلمان، وهذا ما دفع أطراف الاطار التنسيقي الى تبني خيار العودة لعقد جلسة لمجلس النواب وتحديد مرشحهم لشغل منصب رئيس مجلس النواب، عبر عقد أول جلسة بعد الاحداث الاخيرة واختيار نواب جُدد لرئيس مجلس النواب، وبالتالي قد يشهد المشهد السياسي حالة من الانفراج بغض النظر عن طبيعتها قد تنتهي بإقرار قانون الموازنة العام لسنة 2023، في حال انتخاب حكومة جديدة وبقاء الوضع السياسي دون تصعيد جديد".
أسئلة الحوار:
السؤال الأول / ما هي أهم المخاطر التي قد يواجهها الاقتصاد العراقي في ظل الظروف الراهنة والوضع السياسي الحالي؟
السؤال الثاني/ ما هي الخطوات اللازمة لاحتواء المخاطر السياسية التي يمكن أن تؤدي الى الازمات الاقتصادية؟
المداخلات:
تجميد مفهوم الاقتصاد وفوضى التخطيط
الدكتور رياض المسعودي/ برلماني سابق:
تم تجميد الاقتصاد العراقي خلال مرحلة الثمانينات بسبب الحرب العراقية–الايرانية بحكم ان 90% من الاموال تذهب لشراء او صناعة السلع الحربية، واستمر هذا التجميد خلال مرحلة التسعينات بسبب غزو العراق للكويت والذي تسبب في فرض الحصار الاقتصادي حتى عام 2003.
بعد 2003 كانت هناك رغبة لبناء الاقتصاد ولكن المشكلة التلاعب بمفهوم التخطيط منذ تأسس الجمهورية عام 1958 وحتى عام 2003، تمثل هذا التلاعب التغيير المستمر لجهات التخطيط تارة وزارة وأخرى هيئة وثالثة مديرية لأجل عدم بناء خطط تنموية منتجة، فغياب التخطيط انعكس وألقى بضلاله على مفهوم الاقتصاد بشكل عام.
يحمل الدستور الصادر عام 2005 جنبة سياسية أي انه المحدد لمسار جميع القطاعات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وحدد في المادة 78 ان رئيس مجلس الوزراء وليس الحكومة هو المسؤول عن السياسة العامة للدولة ومنها الاقتصاد، والواقع ان رئيس مجلس الوزراء غير مسؤول حالياً عن هذا الجانب لأسباب سياسية، حيث سُلب منه هذا الحق.
تشير المادة 80 رابعا الى صلاحيات مجلس الوزراء اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية، أي ان مفهوم الاقتصاد ليس مفهوماً تراجعياً وانما مفهوماً تقدمياً لان عبارة التنمية لا تعني التراجع بل تعني التطور خصوصاً إذا ما لاحظنا الفرق بين النمو الذي يمكن أن يكون سالباً في حين لا يمكن للتنمية أن تكون سالبة.
ايضاً المادة 61 من الدستور العراقي وان الجهة التي تشرع الموازنة العامة هو مجلس النواب العراقي، وبالتالي سُلبت هذه المادة من الحكومة ولا تستطيع ان تخطط وتنفذ.
المادة 24 والمادة 25 من الدستور كان ينبغي أن ترسم لنا طبيعة النظام الاقتصادي وفق باب الحريات من بينها الحرية الاقتصادية وحرية رؤوس الاموال وحرية الايدي العاملة وتشجيع القطاع الخاص في المادة 25 وهنا يطرح السؤال أين تشجيع القطاع الخاص؟!
تعد الموازنة العامة الواجهة العامة للاقتصاد وتعمل الدول بجدية على تقوية الجانب الاستثماري على حساب الجانب التشغيلي فلماذا تعمل الأحزاب السياسية في البرلمان العراقي على استمرار تضخيم الجانب التشغيلي على حساب الجانب الاستثماري؟! السبب لكي تفشل الحكومة.
الجانب المهم، لماذا لا يتم التركيز على موضوعة راس المال البشري في الموازنة العامة حيث لا يوجد شيء للتنمية البشرية حيث يتم التأكيد على الامور التشغيلية-الاستهلاكية.
نقطة مهمة أخرى، الاستثمارات الاجنبية حيث تمثل لو تم استقطابها راس مال مضاف إلى راس المال العراقي، حيث توجد استثمارات عراقية في المملكة الاردنية الهاشمية بحدود 18 مليار دولار، ولو كان 50% من هذه الاموال يُعاد حقنها في الاقتصاد لأصبحت قادرة على تحفيز الاقتصاد العراقي نحو اتجاهات متنوعة.
على مستوى المؤشرات الدولية، نلاحظ موقع العراقي في مؤشر سهولة اداء الاعمال 172 من أصل 191 دولة في عام 2022 وهذا ما يعطي انطباع متشائم عن البيئة التجارية والاستثمارية.
غياب التحول الرقمي، حيث يخسر العراق 6 مليار دولار نتيجة لعدم التحول الرقمي، وذلك لعدم وجود فئات نقدية يمكن ان تغطي جميع أقيام السلع والخدمات مما يضطر إلى تخفيض القيمة إلى مستوى الفئات المتاحة على سبيل المثال لو كان سعر قلم الرصاص 300 دينار لن يستطيع البائع بيعه بهذا السعر نتيجة لعدم وجود فئة 50 دينار مما يعني خسارة مقدارها 50 دينار.
حسب أحدث التقارير، يُعد العراق الاول عربياً والسادس أو السابع عالمياً في النمو الاقتصادي ولكن هذه الارقام ارقام وهمية حيث لا توجد قطاعات انتاجية حقيقية غير القطاع النفطي، بتعبير أخر لو تم سحب القطاع النفطي من الاقتصاد العراقي لأصبح في وضع مأساوي، حيث لا توجد عوائد ناجمة عن بقية القطاعات أي ان القطاع القائد النفط.
الموازنات في العراق توزع على الوزارات والمحافظات والهيئات على مقدار مدافعة الاحزاب التي تمتلك هذه الوزارات والمحافظات والهيئات.
الاصلاح السياسي الوجه الآخر للإصلاح الاقتصادي
الدكتور حيدر آل طعمة/ تدريسي في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات:
تتمثل أبرز المخاطر في عدة جوانب:
الجانب الاول تعميق الاختلالات الاقتصادية سواء على المستوى الخارجي (ميزان المدفوعات) أو على المستوى الداخلي.
الجانب الثاني ضعف الرقابة حيث توجد مشكلة في الجانب الرقابي حتى على مستوى قانون الامن الغذائي حيث يعاني من ضعف الرقابة على اليات صرف وتنفيذ هذا القانون.
الجانب الثالث هو عدم اقرار الموازنة، حيث تُعد الموازنة بحد ذاتها اداة رقابية بصرف النظر عن مدى تحقيق أدافها او المشاريع المضمنة فيها، وهي ضامنة لمسارات الصرف والتنفيذ.
الجانب الرابع يتعلق بالتنويع الاقتصادي والورقة البيضاء، حيث كان هناك مجموعة من البرامج تم البدء في البعض منها في الحكومة السابقة في البرنامج الحكومي وتم الاستمرار فيا في الورقة البيضاء، كل هذه البرامج والسياسات حالياً عُطلت.
ان بقاء الوضع على ما هو عليه، ما هو إلا زيادة انكشاف العراق على العالم الخارجي.
لكن ما يُسعف العراق حالياً هو تزامن المشكلة السياسية مع ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية، بينما لو تزامنت هذه المشكلة في عام 2020 مع انخفاض اسعار النفط ستكون النتيجة مختلفة تماماً عما هو عليه الآن، بمعنى قد تؤدي لانهيار النظام السياسي بحكم الثورات التي ستنجم عن السياسات المتخذة كتخفيض الرواتب ورفع سعر صرف الدولار.
لكن ما أسعف العراق حالياً بالتزامن مع الأزمة السياسية الراهنة هو تعافي اسعار النفط وارتفاع الاحتياطي الاجنبي إلى قرابة 87 مليار دولار والذي يعني زيادة قدرة البنك المركزي في الدفاع عن سعر الصرف الحالي والذي يعني استقرار مستويات الاسعار لان العراق بلد يستورد معظم السلع، وهذه مؤشرات ايجابية.
وفيما يخص السؤال الثاني، يُعد الاصلاح الاقتصادي هو الوجه الآخر للإصلاح السياسي، حيث ان الحديث عن الاصلاح الاقتصادي بدون الاصلاح السياسي هو مجرد هذر.
ان الخطط التي وضعت من قبل الجهات الحكومية لو تم اعتمادها لقطع العراق شوطاً جيداً على مستوى التنمية وتنويع الاقتصاد، لكن في الحقيقة هناك غياب للمنهج ولذلك لا يمكن الحديث عن الاصلاح الاقتصادي دون الاصلاح السياسي.
ضعف ثقافة بناء الدولة
الدكتور حميد مسلم الطرفي:
1- إن العراق تبنى النظام الاشتراكي وفق الخطتين الخمسيتين 1970-1975 و1975-1980 وأنجز بذلك بعض أهدافه الاقتصادية من بنى تحتية ومشاريع صناعية إلا أنه قضى على كل تلك البنى والمنجزات شيئاً فشيئاً من عام 1980-2003 عبر الحروب التي خاضها والتخبط الاقتصادي ولم يعد للنظام الاشتراكي معلماً ولا ملمحاً فقد بيعت المصانع وخصخصت الصناعة والتجارة وانتشر الفساد المالي والاداري في عموم البلد.
2- إن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة بنيوية فالنظام السياسي هو من يحدد النظام الاقتصادي المتبع وهو من يدفع بهذا الاقتصاد صعوداً أو نزولاً حسب قدراته على ضبط الأمن وانسيابية السلطة وضبط ادارة المرافق العامة في الدولة، لكن هذا لا يمنع من القول أن انهيار النظام الاقتصاد أو اضطرابه هو الآخر يؤثر على استقرار النظام السياسي وثباته، فمازال أكثر الباحثين يرجح أن قيام الحرب العالمية الثانية ما كان ليتم لولا الركود الاقتصادي الكبير في تلك الايام.
3- في العراق اليوم ونتيجة عدم الاستقرار السياسي منذ 2003 وحتى الآن أفقد صاحب القرار القدرة على وضع سياسة اقتصادية تتلاءم وحجم الايرادات العراقية وقادرة على ايجاد بدائل للسلعة الريعية الوحيدة وهي النفط وسبب ذلك ما يلي :
أ - إحجام الشركات العملاقة في العالم عن القدوم الى العراق بسبب الظروف الأمنية.
ب- اهتمام الحكومات المتعاقبة على ارضاء الجمهور تعويضاً لما فاتهم من حرمان وكسباً لأصواتهم الانتخابية.
ج- ضعف ثقافة بناء الدولة لدى الطبقة السياسية الحاكمة وإحجامها عن استشارة ذوي الخبرة في علوم السياسة والاقتصاد.
د- تدخل دولة الاحتلال وبالذات من 2003 ولغاية 2012 في القرار السياسي والاقتصادي لوجود قواتها على الأرض.
هـ - المناكفات السياسية بين القادة الى حد السعي لإفشال احدهما الآخر.
القوى السياسية لا تدرك التغيير والبناء
الدكتور حسين أحمد السرحان/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
حصل عام 2003 تغيير سياسي بمعنى حصل تغيير في النظام السياسي وفق رؤية ومنهج جديد تبعه تغيير اقتصادي وفق فلسفات ومناهج جديدة، ونظراً لعدم إدراك القوى السياسية الجديدة التي سيطرت على السلطة لهذا التغيير الجديد وكيفية العمل به أصبح الوضع مأسويا خصوصاً وإن أعلى سلطة تتحدث بفخر عن ارتفاع الاحتياطي الاجنبي الذي قد يصل إلى 100 مليار دولار في حين ان دول أخرى كهولندا واسرائيل تصدر سنوياً مئات المليارات من سلعها المنتجة محلياً!
فيما يتعلق بالتخطيط، هناك العديد من الخطط والاستراتيجيات التي أعدها خبراء محليون ودوليون التي باستطاعتها وضع العراق وفق المسار الصحيح لو تم اعتمادها من قبل القوى السياسية ولكن بسبب عدم إدراك القوى السياسية لهذه الخطط والاستراتيجيات واهتمامها بالمصالح الضيقة على حساب المصالح العليا للبلد ظلت هذه الخطط والاستراتيجيات حبراً على ورق.
ان المشكلة لا تتعلق بحجم الموازنة عند مقارنتها بالسعودية لان بعض الدول الأخرى كالأردن لديها موازنة أقل لكنها تمتلك بنية تحتية وخدمات أفضل، بمعنى ان المشكلة في الطبقة السياسية التي تدير الاموال العامة وليس في حجم الاموال وذلك لا يمكن أن تأتي هذه الطبقة بحلول إلا بتغييرها بالكامل.
كما لا يمكن أن تأتي بالاستثمارات الاجنبية في ظل انفلات السلاح ودفع الرشى، لان الاستثمارات الاجنبية تبحث عن بيئة آمنة تخلو من الفساد وهي غير متاحة في العراق حالياً.
تعثر الاقتصاد وارتباك الوضع السياسي
السيد مصطفى ملا هذال/ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
هناك علاقة وثيقة بين الجانب السياسي والجانب الاقتصادي، وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة، حيث تمثلت في الصراعات السياسية التي تسببت في المزيد من المشروعات المتوقفة والمتلكئة في أغلب محافظات العراق منذ سنوات عديدة.
فيما يتعلق بالاستثمارات الاجنبية حيث اشار السفير الفرنسي إلى رغبة الكثير من الشركات الفرنسية للاستثمار في العراق لكن ما يمنعها هو الارتباك الداخلي، لان راس المال جبان لا يخاطر بنفسه في بيئة غير آمنة.
خلاصة القول، لا يمكن أن نشهد اقتصادا ناميا متطورا في ظل وضع سياسي مرتبك، بمعنى لابُد من معالجة الوضع السياسي المرتبك والذي سينعكس تلقائياً على الاقتصاد بشكل واضح.
ضمور القطاع الخاص والصدام المسلح
صلاح الجشعمي/ مشاور قانوني لمؤسسة مصباح الحسين للإغاثة والتنمية:
هناك مجموعة مخاطر يمكن الاشارة لأبرزها وهي:
ضمور القطاع الخاص والذي يشمل قانون الشركات قانون الاستثمار وقانون الاراضي.
الفساد، وتتمثل خطورته في عدم وجود قانون خاص بالفساد.
عدم وجود التشريعات الضريبية المبسطة الكفيلة بخلق راس المال الوطني.
الصدام المسلح، ان حدوث أي صدام مسلح بين الفصائل المسلحة ستهدد الاقتصاد العراقي.
دخول العراق ضمن قرارات مجلس الامن باعتباره مناطق تهدد الامن والسلم الدولي، وإذا ما دخل بالفعل سيكون اقتصاده مأساوي.
توعية الجمهور بالاستقلال الاقتصادي
الشيخ مرتضى معاش:
بدأت المشكلة في العراق عندما انهار النظام الملكي حيث كان سبب الانهيار هو الاقطاع، الذي يُعد نظام رأسمالي سيء؛ وذلك بسبب التفاوت الكبير الذي خلفه بين طبقة واسعة مهمشة وطبقة أقلية مُسيطرة على الموارد.
كما أسهم الاقتصاد الاشتراكي في النظام الجمهوري فيما بعد في أزمة بنيوية مركّزة جداً، أدت إلى تداخل السياسة بالاقتصاد بشكل كبير إلى حد الاندماج وأصبحت ثقافة مركزية مُسيطرة على تفكير الناس والبقاء في القطاع العام الذي أصبح القطاع المهيمن والمسيطر في كل الاحوال والمناسبات واستمر هذا الوضع حتى بعد عام 2003.
حيث ورث العراق من العهدين أمرين:
الأول: النظام الاقطاعي حيث تأسست اقطاعيات كبيرة جداً، بشكل أحزاب ومؤسسات؛ أسست هذه الاقطاعيات علاقة زبائنية، وتمتلك امتيازات خاصة وتمتلك نفوذ خاص، وتسيطر على الموازنة العامة للدولة.
الثاني: القطاع العام أي هيمنة القطاع العام وهذه الهيمنة ليست انتاجية بقدر ما هي توظيفية أي تقوم بالتوظيف لأغراض سياسية بهدف جعل الشعب مستعبد من قبل الاقطاعيات الجديدة والاحزاب.
بمعنى ان الشعب ليس لديه استقلال اقتصادي، فالذي يولد الاستقلال السياسي هو الرقابة على الاداء السياسي والحوكمة والمتابعة والمحاسبة على هذه الكتل، لذلك هذه الكتل والاحزاب والاقطاعيات تحاول دائماً ألا تسمح للقطاع الخاص أن يعمل وينمو.
إضافة إلى ذلك، ان البيروقراطية هي تستنزف القطاع الخاص وتمنعه من التقدم والعمل.
كما ان الفرق بين المؤسسات الاقتصادية والسياسية هو مسألة الرقابة فالأولى فيها رقابة في حين الثانية تفتقد لها في حال اذا كان النظام مركزياً.
وحتى لو تم تغيير الطبقة السياسية برمتها لن يتغير الوضع كثيراً لان المشكلة ليست في الجانب السياسي بقدر ما تتعلق بثقافة المجتمع التي تبحث عن التوظيف بعيداً عن اقتصاد السوق وعالم الأعمال.
الحل الاساسي لمغادرة المخاطر هو توعية الجمهور وتوجيهه نحو القطاع الخاص وعالم الاعمال والاستقلال الاقتصادي وتقوية المؤسسات الاقتصادية واستقلالها بعيداً عن هيمنة الدولة، هذا هو الحل الأساسي لكنه صعب جداً لان الفساد مستمكن جداً ولا يسمح بالتحول من الاقتصاد الاقطاعي الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الذي يعتمد على المؤسسات الاقتصادية المستقلة.
غياب الرؤية الاقتصادي والطاقة البديلة
حامد الجبوري/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
هناك نوعان من المخاطر وهي مخاطر خارجية تتمثل في مصادر الطاقة البديلة ومخاطر داخلية تتمثل في غياب الرؤية الاقتصادية أدت إلى استمرار ضعف الاقتصاد.
ترتبط المخاطر الخارجية بالمخاطر الداخلية حيث تتمثل الاخيرة في الرؤية الاقتصادية بمعنى هل القوى السياسية لديها رؤية اقتصادية لكيفية بناء اقتصاد العراقي قادر على مواجهة التحديات والمخاطر التي تأتي من العالم الخارجي؟
في الواقع نلاحظ ان القوى السياسية تفتقد للرؤية الاقتصادية حيث نلاحظ السلطة تروم الرجوع لدور الدولة في الاقتصاد من خلال انشاء المصانع والشركات، وهذا ما يُخالف ما جاء به الدستور من توجه جديد في الشأن الاقتصاد حيث يدفع إلى القطاع الخاص واقتصاد السوق، بمعنى هناك ازدواجية لدى السلطة التشريعية والتنفيذية وتفتقد لرؤية اقتصادية في كيفية بناء اقتصاد سليم يسير بشكل سلس باتجاه الأمام والنمو.
غياب الرؤية الاقتصادية لدى القوى السياسية انعكس على تردي الواقع الاقتصادي واستمرار ريعيته وتفاقم الفساد بالتزامن مع وجود الثروة المالية المتأتية من النفط.
كذلك أسهم (غياب الرؤية الاقتصادية) في عدم الاستعداد لمواجهة المخاطر المستقبلية التي ستنجم عن مصادر الطاقة البديلة وتأثيرها على اسعار النفط الذي يعتبر حجر الزاوية في الاقتصاد العراقي، لان اكتشاف الطاقة البديلة يعني انخفاض اسعار النفط وانخفاض الايرادات النفطية التي تعتمد عليها الموازنة العامة.
حيث نلاحظ هناك توليفة واضحة بين المخاطر الداخلية والمخاطر الخارجية ولا يمكن التخلص من هذه المخاطر من دون وجود رؤية اقتصادية قادرة على بناء الاقتصاد الوطني ومواجهة المخاطر الخارجية.
العراق بحاجة لصانع قرار يعلم الحدود ويوزع المهام
خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
النظام السياسي دائماً له العلوية في الدولة، وإذا فسد هذا النظام سيُفسد بقية الانظمة أياً كانت، نظام اجتماعي أو نظام اقتصادي أو نظام تربوي أو نظام ثقافي؛ بل حتى الذوق في الفن انحدر إلى الأسوء ليس بسبب عدم وجود فنانين بل ان الفنان المبدع لم يجد مكانه المناسب ليؤدي دوره وهكذا بالنسبة للاقتصاد حيث لم يجد خبراء الاقتصاد مكانهم المناسب وجاء قادة السلطة بمن لا يخالفهم بالرأي وهكذا مع جميع القطاعات.
ولذلك، في اعتقادي لا يوجد حل للازمة الاقتصادية في العراق بل ستستمر، وما يجعلها تدوم لمدة أطول مسألة الاقتصاد الريعي، فطالما النفط موجود ويتم استخراجه من باطن الارض ويتم توزيع جزء منه على الشعب لأجل إسكاته وجزء آخر يذهب لتغذية منظومة الفساد، سيستمر هذا الوضع.
والمشكلة ان منظومة الفساد استطاعت ان تجعل الفساد ثقافة اجتماعية غير مستهجنة بل مقبولة من قبل المجتمع ويمارسها بسهولة إذا ما توفرت الفرصة.
ومتى ما مر العراق بأزمة اقتصادية حقيقة، بحيث تؤدي بطريقة ما إلى انقطاع امدادات النفط؛ تهدد الجميع وتجعلهم يشعرون بالخطر كما حصل في احتجاجات 2019 عند ذلك يمكن أن نصل إلى حلول ناجعة تخدم اقتصاد البلد.
ونظراً لاستمرار امدادات النفط ستستمر الأزمة الاقتصادية ولكن في يومً من الايام ستنفجر هذه الأزمة ويكون انفجارها شديدا مع بقاء الطبقة السياسية كما هي عليه الان من مستوى في الوعي والتفكير.
العراق بحاجة الى صانع قرار يعي ما يريد ولديه الحدود واضحة، بمعنى لا يخلط الامور ويحشر السياسة في جميع الملفات بل يعرف ويحترف توزيع الملفات والمهام، إي يعيد الملفات لأصحاب الاختصاص حيث يولي الاقتصاد لخبراء الاقتصاد، والصحة لخبراء الصحة وهكذا لبقية الملف، إذ لا يمكن أن تحصل على نتائج مختلفة باتباع نفس الطريقة كما يقول انشتاين.
اضف تعليق