تحديات تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة، سواء من حيث السيطرة على الاحتجاجات في الشارع اللبناني، أو وقف تدهور الاقتصاد، وهناك اراء تقول أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها لبنان الآن تتطلب تدخل من المنظمات المالية الدولية لحلها، وجدل حول اللجوء إلى صندوق النقد الدولي على الرغم من إقرار الموازنة...
تحديات تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة، سواء من حيث السيطرة على الاحتجاجات في الشارع اللبناني، أو وقف تدهور الاقتصاد، وهناك اراء تقول أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها لبنان الآن تتطلب تدخل من المنظمات المالية الدولية لحلها، وجدل حول اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وبالرغم من اقرار مجلس النواب اللبناني موازنة العام 2020 التي وضعتها حكومة سعد الحريري السابقة بنسبة عجز تبلغ سبعة في المئة من الناتج الإجمالي المحلي الا ان الاقتصاد يتسارع في الانهيار.
وهزت أزمة لبنان المثقل بالديون الثقة في بنوكه وأثارت مخاوف إزاء قدرته على الوفاء بواحدة من أعلى مستويات الدين العام في العالم، وفي محاولة لمنع هروب رؤوس الأموال مع تباطؤ تدفق العملة الصعبة، فرضت البنوك قيودا غير رسمية على الحصول على الأموال وتحويلها إلى الخارج منذ شهر أكتوبر تشرين الأول، وقال نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني إن أحدث نسخة من الميزانية لم تكن علنية وإنه كان هناك إجماع على أن الإيرادات ستنخفض.
فهل دخل لبنان فعلاً حلقة الانهيار الاقتصادي والمالي؟ أو أن ما تشهده البلاد حالياً ليس إلا الخطوات الأخيرة التي تسبق الإفلاس؟ وفي الحالتين، إلى متى يستطيع لبنان أن يصمد اقتصادياً بما يحول دون انفجاره اجتماعياً؟
مساعدة صندوق النقد الدولي
قال مصدر حكومي إن لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتفادي انهيار مالي، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام، وقال المصدر "هناك تواصل مع صندوق النقد الدولي لكن لبنان سيرسل طلبا رسميا خلال الساعات المقبلة ليكون لديه فريق مخصص للتعامل مع المساعدة الفنية" وتصدرت الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة في لبنان المشهد العام الماضي مع تباطؤ تدفقات رأس المال مما أدى لأزمة سيولة واحتجاجات مناهضة للنخبة الحاكمة وهدر وفساد في الدولة.
تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة التي تولت السلطة الشهر الماضي هبوطا في العملة المحلية وارتفاع التضخم، ويجب عليها أيضا أن تتخذ قرارا حيال استحقاقات الديون السيادية التي تحل قريبا، وفاز مجلس الوزراء اللبناني الجديد في تصويت على الثقة أجراه مجلس النواب في حين اشتبك محتجون حاولوا منع عقد هذه الجلسة مع قوات الأمن مما أسفر عن إصابة المئات، وقال المصدر الحكومي إن لبنان يسعى لمشورة من صندوق النقد الدولي "بشأن ما إذا كان سيسدد استحقاقات السندات الدولية في ظل مخاوف من أن أي إعادة صياغة لديون لبنان يجب أن تتم بطريقة منظمة لتجنب إلحاق أضرار بالنظام المصرفي للبلاد".
إصلاحات اقتصادية هيكلية
قال متحدث باسم صندوق النقد الدولي إن لبنان يحتاج إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لزيادة الثقة واحتواء التضخم في الوقت الذي يتحرك فيه لدعم اقتصاده، وقال جيري رايس المتحدث باسم صندوق النقد الدولي للصحفيين إن لبنان كان قد طلب مساعدة فنية من الصندوق، لكنه لم يطلب أي مساعدة مالية، وقال إنه سيتوجب أن يكون اتخاذ الحكومة اللبنانية أي قرارات بشأن إعادة هيكلة الدين بالتشاور مع الدائنين، لكن صندوق النقد الدولي ليس له دور في ذلك، تصارع حكومة لبنان المثقل بشدة بالديون أزمة اقتصادية أججت احتجاجات عنيفة، ويتعين عليها اتخاذ قرار على وجه السرعة بشأن كيفية التعامل مع مدفوعات ديون يقترب موعد استحقاقها بشدة، بما في ذلك سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار.
وقال رايس إن صندوق النقد الدولي على استعداد لمساعدة السلطات اللبنانية في عملها على حزمة مطلوبة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية للتعامل مع مشكلة ثقة الجمهور، وقال رايس في مؤتمر صحفي دوري لصندوق النقد الدولي "شعورنا حيال (ما) تحتاج السلطات اللبنانية القيام به، هو حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية".
وقال "في هذه المرحلة، ما طلبته سلطات لبنان هو مساعدتنا ومشورتنا الفنية لمساعدتها في الإصلاحات التي تريد تطبيقها لاستعادة الاستقرار والنمو" وقال "هناك بعض المشكلات الهيكلية القائمة منذ فترة طويلة في الكثير من قطاعات الاقتصاد التي يلزم التعامل معها، ونعتقد أن تلك الخطوات ستساعد في تحسين الأوضاع بالنسبة للجميع، وعلى الأخص الطبقة الفقيرة والمتوسطة" لكن أي قرارات بشأن إعادة هيكلة الدين ستكون بيد سلطات لبنان ودائنيه، لا مسؤولي صندوق النقد الدولي.
وقال رايس "تلك قرارات ومفاوضات يقومون بها بالتشاور مع مستشاريهم القانونيين ومستشاريهم الماليين" وقال مصدر كبير من الحكومة اللبنانية إنه من المتوقع وصول فريق فني من صندوق النقد الدولي إلى بيروت في الأيام القليلة المقبلة للمساعدة في وضع خطة اقتصادية ومالية ونقدية، ولم يتضح بعد ما إذا كانت المساعدة الفنية ستتضمن خطة لإعادة هيكلة الديون وأبدى بعض السياسيين الدعم للتشاور مع صندوق النقد الدولي قبل وضع أي خطة فيما بعد لإدارة عملية سداد الديون.
الوقت يكاد ينفد لأخذ القرار الصعب بشأن سندات دولية
تكافح سلطات لبنان الذي يمر بأزمة سيولة لاتخاذ قرار بشأن سندات دولية قيمتها 1.2 مليار دولار تستحق في مارس آذار، لكن مصادر سياسية ومصرفي قالت إنها تميل لسداد مستحقات حامليها من الأجانب ومقايضة المستثمرين المحليين، لبنان، الذي لم يسبق له قط التعثر في سداد دينه الثقيل، في خضم أزمة مالية واقتصادية حطمت الثقة في البنوك وأطلقت شرارة احتجاجات ضد النخب السياسية المتهمة بدفع البلاد نحو الانهيار.
وقال مصدر حكومي ومصدران سياسيان كبيران إن خلافات كبيرة مازالت قائمة بشأن الخيارات: السداد الكامل، أو الطلب من الحائزين المحليين للإصدار مقايضتها بسندات أطول أجلا بما يرجئ السداد ما لا يقل عن عشرة أعوام، أو ببساطة عدم الدفع، وقال اثنان من تلك المصادر وثلاثة مصرفيين كبار إن المقايضة ستخفف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي الآخذة في التناقص وتشتري بعض الوقت. وقالت ثلاثة مصادر إن الحكومة لم تشرع في أي خطوات في اتجاه خيار عدم سداد.
وارتفعت سندات لبنان الدولارية في الأيام الأخيرة، وتجلت الزيادة على الأخص في السندات الأقصر أجلا، مما يشير إلى تنامي التوقعات بأن الحكومة قد تدفع التزامات ديونها الأقرب، ولدى البلد سندات دولية بقيمة 2.5 مليار دولار مستحقة السداد بخلاف مدفوعات فوائد بقيمة 1.9 مليار دولار في 2020، وبحسب بيانات آر.آر.بي.إس بوندز، صعد إصدار مارس آذار 2020 في جلسات التداول الأربعة الأخيرة 12 بالمئة وكان يجري تداوله عند 84.6 سنت للدولار.
في المقابل، يجري تداول سندات لبنان الأطول أجلا عند خمسين سنتا للدولار أو أقل، مما يشير إلى احتمالية أقوى للتعثر في سداد الديون أو إعادة هيكلتها في مرحلة ما، وقال المصدر الحكومي إن لبنان، الذي ينوء بأحد أثقل أعباء الديون في العالم، لن يكون قادرا على تجنب إعادة هيكلة الدين في وقت ما وسيحتاج مساعدة من صندوق النقد الدولي، مما سيتطلب إجماعا في المشهد السياسي المتشظي بلبنان، وقال بول مكنمارا مدير الاستثمار لدى جي.إيه.إم لإدارة الأصول "تأجيل المواجهة بالسداد يعني حسب كثير من المال من الموارد الشحيحة وهناك المزيد من الاستحقاقات قادمة في أبريل نيسان ويونيو حزيران، لذا هو متنفس إضافي لأشهر قليلة فحسب"، وتحذر وكالات التصنيف الائتماني من أن المقايضة قد تنطوي على تعثر انتقائي، وقال أحد المصرفيين الكبار إنه يتوقع أن تطلب الحكومة من حاملي السندات المحليين الموافقة على المقايضة، وقال "هذا سيء بالنسبة للبنوك... لكن لا يبدو أن لدينا الكثير من الخيارات".
التعامل بالدولار في شركات الطيران مع إلانهيار الاقتصادي وأزمة السيولة
أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، التي يمتلك المصرف المركزي غالبية الأسهم فيها، أنها ستبدأ التعامل بالدولار الأميركي فقط في ظل إنهيار اقتصادي وأزمة سيولة حادة تشهدها البلاد منذ أشهر، وأوردت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية الأحد "تبدأ شركة طيران الشرق الأوسط +الميدل إيست+ وشركات الطيران العاملة في لبنان، بقبول الدفع بالدولار الاميركي فقط، للراغبين بالسفر على متنها".
وأضاف البيان أن شركات الطيران "ستقبل بطاقات الدفع كافة إضافة الى الشيكات المصرفية، شرط أن تكون العملية بالعملة الاجنبية"، مشيراً إلى أنه "بإمكان المسافرين تسديد رسوم الحمولة الزائدة ورسوم تعديل الحجز بالليرة اللبنانية" في مطار بيروت، وبرغم الأزمة الاقتصادية، أبقت شركة "ميدل ايست" خلال الأشهر الماضية على قبولها الدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي المثبت على 1507 للدولار الواحد، بينما يتخطى سعر الصرف في السوق الموازية الألفي ليرة ووصل في فترات إلى 2400.
وفي المقابل، كانت شركات السياحة والسفر تطلب الدفع بالدولار أو بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، ما دفع الزبائن بالتوجه إلى مكاتب "ميدل الإيست" مباشرة لشراء تذاكرهم، ويأتي قرار "الميدل إيست" في وقت يعاني المواطنون للحصول على أموالهم من المصارف التي شددت تدريجياً منذ الصيف القيود على العمليات النقدية والسحب، خصوصاً بالدولار، والتحويلات إلى الخارج.
وبات السقف المسموح به في عدد من المصارف لا يتخطى 600 دولار شهرياً وبدلاً من الحصول على النقد، باتت المصارف تعطي المواطنين شيكات مصرفية بأموالهم، لدفع مستحقاتهم، وأثار قرار "الميدل ايست" استياء ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب أحدهم "الميدل ايست تابعة للدولة اللبنانية، (هذه) مخالفة فاضحة للقوانين (...) نحن لا نتجه نحو الإنهيار، نحن في وسط الإنهيار".
وكتبت أخرى ساخرة "لكل شخص يطالب بمقاطعة الميدل ايست، نقول له: ليس معنا دولار من الأساس لندفع"، وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية وبلغ الدين العام نحو 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
ويتزامن الانهيار الاقتصادي المتسارع مع مخاوف من عدم تمكن لبنان من سداد جزء من الدين العام المتراكم والذي سيستحق في أذار/مارس المقبل، ودعت جمعية المصارف إلى ضرورة تسديد سندات اليوروبوندز في موعدها حفاظاً على ثقة المستثمرين بلبنان، في خطوة حذر محللون من أنها ستفاقم الوضع سوءاً ومن شأنها اضعاف احتياطي العملات الأجنبية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.
اقرار ميزانية 2020
أقر البرلمان اللبناني ميزانية الدولة لعام 2020 رغم أن رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان قال إن الايرادات المتوقعة قد لا تكون واقعية لأن البلاد تواجه أزمة اقتصادية ومالية كبيرة، وقال كنعان إن نسبة العجز المتوقعة في الموازنة هي سبعة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وهي أكبر من المعدل المأمول به أصلا والذي بلغ 0.6 بالمئة مع انكماش الاقتصاد وخنقه بسبب أزمة السيولة.
وأثناء اجتماع النواب في البرلمان بوسط بيروت لمناقشة الميزانية قام المتظاهرون بإلقاء الحجارة على رجال شرطة تم نشرهم بالقرب من البرلمان، وكانت حكومة سعد الحريري قد صاغت أصل ميزانية 2020 قبل أن تستقيل في أكتوبر تشرين الأول تحت ضغط الاحتجاجات ضد النخبة الحاكمة التي دفعت لبنان نحو أسوأ أزمة منذ عقود، وأمام البرلمان، قال رئيس الوزراء حسان دياب الذي تشكلت حكومته.
ولبنان في خضم أزمة مالية واقتصادية ناجمة عن عقود من سوء الإدارة وفساد الدولة فضلا عن أزمة سيولة دفعت البنوك إلى فرض قيود غير رسمية على أموال المودعين وتراجع سعر الليرة، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن الحكومة اللبنانية الجديدة يجب أن تجري تغييرات وأضاف "يجب على الحكومة أن تتخذ اجراءات لا غنى عنها إنها مسألة تتعلق ببقائها" ويقول محللون إن الحكومة الجديدة ستكافح من أجل كسب الدعم الأجنبي خاصة من دول الخليج العربية التي تشعر بالقلق مع واشنطن من نفوذ حزب الله المتزايد في بيروت.
وقال كنعان في مستهل الجلسة البرلمانية إن "الواردات المعاد تقديرها قد لا تكون واقعية في ضوء الانكماش الاقتصادي" وأضاف أنه يجب تخفيض أسعار الفائدة وإلا فإن إيرادات الدولة لن تكون قادرة على تغطية تكلفة خدمة الديون مضيفا أنه سمع أن أسعار الفائدة ستنخفض "ونحن بانتظار الالتزام الكامل"، وقال كنعان العضو في التيار الوطني الحر، وهو الحزب الذي رشح ستة وزراء من بين 20 وزيرا في حكومة دياب، "لا يمكن الاستمرار باعتماد سياسة الفوائد المرتفعة بهدف استقطاب الودائع المصرفية".
اضف تعليق