ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية (الاصلاح الاقتصادي في العراق الاختلالات، الاسباب، الحلول)، الاقتصاد العراقي اقتصاد هش يعاني من اختلالات هيكلية كثيرة وكبيرة استمرت لمدة طويلة، أسهمت في تراكم الآثار وتفاقمها، وتأخرت نهضة الاقتصاد، مما يتطلب إخضاعهِ لعملية الإصلاح الاقتصادي بعد التشخيص لأهم الاختلالات وأسبابها...
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي في مقر المركز بمدينة كربلاء المقدسة، حلقته النقاشية الموسومة (الاصلاح الاقتصادي في العراق الاختلالات، الاسباب، الحلول)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق (4/ كانون الثاني /2020) بمشاركة مجموعة من الشخصيات الأكاديمية والقانونية ومدراء المراكز البحثية.
افتتح الجلسة حامد عبد الحسين الجبوري، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، حيث قال "من المعروف لدى القاصي والداني، إن الاقتصاد العراقي اقتصاد هش يعاني من اختلالات هيكلية كثيرة وكبيرة استمرت لمدة طويلة، أسهمت في تراكم الآثار وتفاقمها، وتأخر نهضة الاقتصاد العراق، مما يتطلب إخضاعهِ لعملية الإصلاح الاقتصادي بعد التشخيص لأهم الاختلالات وأسبابها"
ثم عرج على تعريف الإصلاح الاقتصادي وكذلك برامجه، فعرفه على إنه "مجموعة السياسات والإجراءات التي يتم اللجوء إليها بهدف تصحيح الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد" وقال فيما يخص البرامج الإصلاحية، "بما إن التوازن الاقتصادي يحصل حينما يتساوى جانبا العرض الكلي والطلب الكلي، لذلك فحين يحصل الاختلال الاقتصادي يعني هناك غياب التوازن ولابد من البحث في اسباب اختلال جانبي التوازن".
وأخذ يفصّل بشكل مختصر برامج الإصلاح الاقتصادي بالآتي:
اولا: برامج إصلاح جانب الطلب
تفترض هذه البرامج ان الاختلال الاقتصادي يحصل كنتيجة لزيادة الطلب الكلي العرض الكلي وذلك بفعل سياسة توسعية عبر السياسة المالية او السياسة النقدية او سعر الصرف، بعيداً عن الطلب الحقيقي، بمعنى إن هناك طلب لا ينطلق من الحاجة الحقيقية وإنما بفعل السياسة التوسعية مما ينجم عنه ارتفاع المستوى العام للأسعار وهذا الارتفاع يجعل السلع الأجنبية أرخص نسبياً فيرتفع الطلب عليها مقابل انخفاض الطلب على المعروض المحلي مما يعني اختلال ميزان المدفوعات.
فاختلال جانب الطلب بفعل التضخم عبر السياسات التوسعية، يتطلب إدارة خاصة لإصلاحه وهذا ما عمل عليه صندوق النقد الدولي من خلال وضعه ما يعرف ببرامج التثبيت الاقتصادي والتي تسعى إلى تحقيق الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي في المدى القصير (سنة إلى 3 سنوات) بواسطة تقليل العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات وكبح التضخم، عن طريق ضغط عناصر الطلب الكلي عبر السياسات الاقتصاد الكلي كالسياسة المالية والنقدية وسعر الصرف وغيرها.
باختصار، إن برامج اصلاح جانب الطلب تهدف إلى خفض الطلب الكلي في الاقتصاد عبر السياسات السابقة للتوائم مع العرض الكلي لمغادرة الاختلال الاقتصادي تحقيق التوازن الاقتصادي.
ثانيا: برامج إصلاح جانب العرض
قد لا يكون سبب الاختلال الاقتصادي هو زيادة الطلب الكلي على حساب العرض الكلي، قد يكون العكس هو السبب، أي قد يكون هناك نقص في المعروض من السلع والخدمات، مما يعني هناك اختلال واضح في جانب العرض يتطلب برامج خاصة لإصلاحه.
بمعنى آخر، هناك اختلالات اقتصادية عميقة يعاني منها الجهاز الإنتاجي في الاقتصاد الذي يعاني غياب الاستقرار الاقتصادي، تتطلب اصلاحات حقيقة تكفل معالجة هذه الاختلالات العميقة ورفع كفاءة الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاقتصادي أخيراً.
تبنى البنك الدولي مسألة تصحيح تلك الاختلالات وأطلق عليها ما يُعرف ببرامج التكييف الهيكلي كونها اصلاحات تصيب الهياكل الاقتصادية التي كانت تعاني من اختلالات تراكمت عبر الزمن نتيجة السياسات الداخلية أو الصدمات الخارجية، وهي برامج مكملة لبرامج التثبيت الاقتصادي لكنها تحتاج لمديات زمنية متوسطة وطويلة تتراوح من 3–10 سنوات.
وكنتيجة لاكتشاف حالة الاختلالات المزمنة بالنسبة للدولة وعدم جدوى السياسات ذات المديات المتوسطة والطويلة في معالجة مشاكل العرض الكلي في الاقتصاد، تم اللجوء التكييف الهيكلي المتمثل في الخصخصة والتحرير واللاتحكمية.
باختصار، إن برامج إصلاح جانب العرض تهدف لزيادة العرض الكلي في الاقتصاد من خلال الاصلاحات الهيكلية آنفة الذكر حتى يتوازن مع الطلب الكلي فيحصل التوازن الاقتصادي وإنهاء الاختلال الاقتصادي.
خلاصة الإصلاح الاقتصادي
يمكن القول إن خلاصة الإصلاح الاقتصادي تتمثل بما يُعرف بإجماع واشنطن الذي توصل إلى الوصايا العشرة المتمثلة بالآتي:
1- الانضباط المالي.
2- تقليل النفقات العامة.
3- اصلاح النظام الضريبي.
4- تحرير سعر الفائدة.
5- تعويم العملة.
6- تحرير التجارة.
7- تحرير الاستثمارات الاجنبية المباشرة.
8- الخصخصة.
9- اللاتحكمية.
10- ضمان حقوق الملكية.
واقع الاقتصاد العراقي... الاختلالات والأسباب والحلول
أولاً: الاختلالات
وكما ذكرنا في المقدمة ان الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات كثيرة وكبيرة يمكن الإشارة إلى أبرزها في الآتي:
1- الاختلال الإنتاجي
حيث نلاحظ من خلال الناتج المحلي الإجمالي، ان القطاع النفطي يشكل أكثر من 46% من الناتج في عام 2018 في حين لم تتجاوز مساهمة القطاع غير النفطي 54% منه لنفس العام، هذا ما يعني هناك اختلال إنتاجي واضح.
2- الاختلال المالي
وذلك من خلال ملاحظة ارتفاع مساهمة الإيرادات النفطية مقارنة بالإيرادات الأخرى، حيث شكلت 89.7% من الإيرادات العامة عام 2018 في حين لم تشكل الإيرادات الأخرى ما نسبته 10.3% من الإيرادات العامة لنفس العام.
3- الاختلال التجاري
يتضح من خلال الميزان التجاري هناك اختلال تجاري صارخ، حيث تتجاوز نسبة مساهمة قيمة الصادرات النفطية 99% من الصادرات السلعية في عام 2018، في حين لم تتجاوز الأخيرة ما نسبته 1% من الصادرات السلعية لنفس العام.
4- اختلال سوق العمل
وذلك بحكم انخفاض الطلب على العمل مقابل زيادة عرض العمل، مما تسبب في رمي جيوش كبيرة من الايدي العاملة خارج النشاط الاقتصادي تسبح في بحر البطالة، التي أخذ معدلاتها ترتفع بشكل مُخيف والتي تتراوح من 10% وصولاً إلى 40% حسب اختلاف المصادر.
ثانياً: الأسباب
هناك العديد من الاسباب التي تكمن خلف تلك الاختلالات يمكن الإشارة لبعضها في الآتي:
1- غياب أولوية التحول، حيث تم تبني التحول المزدوج، السياسي والاقتصادي، بعيداً عن التحول الاجتماعي في الوقت الذي ينبغي أن تكون الأولوية للتحول الاجتماعي على التحول المزدوج أو على أقل تقدير أن يكون هناك تحولاً متناغماً بين التحول المزدوج والتحول الاجتماعي.
2- فقدان الرؤيا الاقتصادية، ففي الوقت الذي أعلنت الدولة التخلي عن التخطيط واحلال السوق كآلية لإدارة الاقتصاد، لاتزال الدولة تمارس الدور الرئيس في الاقتصاد، مما يعني عدم وجود إصلاح اقتصادي حقيقي.
إذ لاتزال الدولة تهيمن على عناصر الانتاج مثل هيمنتها على النفط بشكل كامل، وتملك ما نسبته 80% من الارض، وتملك الكثير من الشركات العاملة والمتوقفة، وتمارس دور كبير في القطاع المصرفي بنسبة ربما لاتقل عن 50%.
3- الاضطراب السياسي والأمني، مما انعكس على واقع البيئة الاستثمارية فاصبح العراق طارد للاستثمار وليس جاذباً له، كونه يحتل المرتبة 168 من أصل 190 دولة عام 2018 (172، 2019) في مؤشر سهولة أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي.
4- شيوع الفساد، يشكل الفساد عائق أساسي أمام البناء الاقتصادي، كونه يمثل كلفة اضافية يتحملها الاقتصاد دون مقابل، مما يقلل كفاءة وأرباح الإنتاج، فيحجم المستثمر عن النشاط الاقتصادي في العراق، حيث يحتل المرتبة 168 من اصل 180 دولة عام 2018.
5- غياب التشريعات ذات العلاقة بالجانب الاقتصادي واهما قانون البنى التحتية، قانون توحيد الاجور بين القطاع العام والخاص، قانون الضمان الاجتماعي، والخصخصة وغيرها من القوانين.
ثالثاً: الحلول
أولاً: محاربة ومنع الفساد، إذ لا يمكن القيام بأي خطوة باتجاه الإصلاح الاقتصادي ما لم يتم معالجة مرض الفساد بشكل حقيقي بعيداً عن المجاملة والتصريحات الإعلامية.
ثانياً: العمل على مسالة التحول الاجتماعي حتى يستقبل المجتمع النظام الجديد ويتفاعل معه ويكسب آثاره، إذ لا يمكن أن يحصل تقدم اقتصادي في ظل إحجام المجتمع وعدم استقباله للنظام الجديد والتفاعل معه.
ثالثاً: وضوح الرؤيا الاقتصادية، أي لابد أن تكون الرؤية الاقتصادية واضحة لدى أصحاب القرار حتى يستطيع أن يضمن سير خطوات الإصلاح بالاتجاه الصحيح المتمثل باقتصاد السوق.
رابعاً: الاهتمام بالجانب التشريعي وذلك من خلال تشريع القوانين ذات الابعاد الاقتصادية كالتي ذكرت آنفاً.
خامساً: إشراك القطاع الخاص في الاقتصاد خصوصاً في المرحلة الأولى حتى يستطيع أن يقود الاقتصاد شيئاً فشيئاً فتنسحب الدولة بشكل تدريجي ايضاً.
سادساً: بناء مناخ استثماري يسهم في جعل العراق بلد جاذب للاستثمار وليس طارد له مما يسهم في بناء الاقتصاد العراقي بشكل حقيقي.
ولإثراء الموضوع أكثر نطرح على مسامعكم الكريمة السؤالين الآتيين:
السؤال الأول: ما هي أسباب اختلال الاقتصاد العراقي؟
ضعف الادارة والهيمنة السياسية على الاقتصاد
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة (التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية)، يؤكد "على أن مشكلة ادارة الموارد الاقتصادية في العراق كانت بسبب تحديد اهداف، لكن هناك ضعف في تحديد الادوات المناسبة للوصول لهذه الاهداف هذا جانب، الجانب الثاني هناك استراتيجيات وخطط جيدة لكن لم يتم العمل بها، وهكذا نصل إلى نتيجة بان مشكلة الاقتصاد العراقي ليست مشكلة موارد مالية أو بشرية كما في باقي البلدان، بالتالي تكمن في ضعف الادارة والهيمنة السياسية على ادارة الملف الاقتصادي".
يكمل آل طعمة "فلذلك موضوع الاصلاح الاقتصادي يبقى موضوع متعلق بالإصلاح السياسي، فمتى ما تحقق الاصلاح السياسي يتحقق الاصلاح الاقتصادي".
عدم الاستقرار السياسي ولد بيئة طاردة للاستثمار
- الدكتور قحطان حسين الحسيني (الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية) يرى "أن العراق مؤهل كي يخطو خطوات ناجحة نحو تحقيق اصلاح اقتصادي وتحقيق تنمية اقتصادية، لكن يبدو أن الجانب السياسي هو الذي يتحكم بهذا المسار، العراق ولسنوات عديدة اتسمت طبيعته وبيئته السياسية بعدم الاستقرار، وهذا الامر جلي سواء كان في ايام النظام السابق أو في زمن الديمقراطية الناشئة، لذلك عدم الاستقرار السياسي ولد بيئة طاردة للاستثمار، خاصة وأن الدول التي حققت طفرات اقتصادية هائلة بنت اقتصادها من خلال الاستثمار، المعول عليه ليس الاقتصاد الحكومي، وانما الاقتصاد الخاص أو الاقتصاد الخاص".
اضاف الحسيني "الاستثمار الذي اعتمدت عليه الدول في تحقيق الطفرات الاقتصادية والنماذج كثيرة بهذه الخصوص ك..( الامارات / تركيا / دول شرق اسيا / اوروبا)، كل هذه الدول اعتمدت على القطاع الخاص، الواقع السياسي في العراق غيب الفرصة ولم يسعى إلى تحقيق بيئة استثمارية صالحة لجذب رؤوس اموال خارجية وبناء اقتصاد قوي في دولة تعتمد على الاقتصاد الريعي، هذا مما خلق نوع من الصراع السياسي سواء كان على مستوى الداخل أو صرع اقليمي أو دولي على الاقتصاد العراقي، فغياب الارادة السياسية الحقيقية في بناء اقتصاد أو اصلاح اقتصاد في العراق غائبة تماما، وهذا يأتي احيانا بسبب جهود محلية أو بجهود خارجية واضحة لمنع الاقتصاد العراقي من التطور والنمو وتحقيق جوانب اصلاحية واسعة".
يكمل الحسيني "ناهيك عن الفساد وغياب التخطيط الاستراتيجي وحتى الرؤية والثقافة الاقتصادية في العراق، فكل العراقيين وصلوا إلى مرحلة من اليأس بان الاقتصاد العراقي بعيد جدا عن حالة التطور الذاتي في المستقبل القريب".
الاستقلال والخروج من ثقافة الهيمنة
- الشيخ مرتضى معاش (رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام) يتصور أن "المشكلة في العراق لا تخضع لمبدأ الثقافة الاقتصادية ولا كون المجتمع غير اقتصادي، بالتالي نحن لدينا مشكلة في الافكار فالنظام الاشتراكي هو مسيطر على عمق الدولة ومنذ قرون طويلة، فالمجتمع العراقي تربى على هذا النظام الريعي وهو شكل من اشكال العبودية، فالحل يبدأ من التحرر سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، ومن ثم ينطلق المجتمع ذاتيا لبناء ذاته، فالإنسان في طبيعته هو كائن اقتصادي، فالسعي إلى الرزق يستدعي التحرك وبناء علاقات اجتماعية تكاملية وتوفير بيئة آمنة وحماية، لكن الاختلال الاساسي في العراق هو النظام البيروقراطي الذي يتحكم في جذور الدولة العراقية، ومن ثم اضيف اليه النظام الاشتراكي، فأصبحت لدينا نظام بيروقراطية عميقة جدا تسلب كل عوامل توفير بيئة الاستثمار الآمنة".
يكمل معاش "العراق بحد ذاته من حيث طبيعته وموارده يعتبر من افضل دول العالم من ناحية الاستثمار، ولكن المعوق الاساس هو ذلك النظام البيروقراطي المستحكم داخل الدولة العراق وداخل الانسان العراقي، لذلك لابد أن نذهب وراء الاستقلال والخروج من ثقافة الهيمنة، بالتالي نخلق لدى الانسان العراقي نوع من التمرد على حالة الخوف من الخروج من عبودية اقتصاد الدولة والتحرر من الاتكال على الدولة الريعية، فهناك اتكالية شديدة وعدم احساس بالأمن من قبل الانسان العراقي، خاصة وأن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحتاج للجرأة والمغامرة ومخاطرة، وهذه هي من عناصر تقدم الامم والشعوب والافراد".
غياب مشروع الدولة
- الدكتور خالد عليوي العرداوي (مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية) يعتقد أن قضية التقدم والتطور مرتبطة بمشروع الدولة ووجود الادوات الجيدة والقيادة الجيدة، لذلك العراق اليوم مشكلته الاساسية تتركز حول غياب مشروع الدولة وغياب القيادة الاستراتيجية، عندها من الطبيعي عند غياب القيادة الاستراتيجية لا يوجد مشروع للدولة، بالتالي ليس الاقتصاد وحده من اخفق في العراق فجميع قطاعات الدولة العراقية هي تعاني من الاخفاق، لذا فان غياب مشروع الدولة سوف يفشل مشروع التنمية الاقتصادية الناجحة لا في الوقت الحاضر ولا في المدى المنظور".
كثرة القوانين تثبط عملية اتخاذ القرار
- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني (التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم) يرى أن صانع القرار السياسي في العراق قد اضاع البوصلة واضاع الهدف، بل هناك مجموعة اجتهادات في البنك المركزي في ادارة السياسة النقدية، ووزارة المالية تجتهد في مسألة ادارة السياسة المالية، ناهيك عن بقية الوزارات كالتجارة والصناعة والزراعة فكل وزارة تجتهد في ميدان عملها، بالتالي فان الحلقة المفقودة هي حلقة مجلس الوزراء التي تنسق بين تلك الجهات، وهذه الحلقة فعلا مفقودة لان مجلس الوزراء ينظر اليه على انه اجتماع لمجموعة من القادة السياسيين، الذين يتبؤون هذه الوزرات كتكريم لهم".
يكمل الحسيني "ففلان الفلاني يستلم المنصب الوزاري من دون مؤهلات ومن دون كفاءة ومن دون تقنية، بالتالي اصبح مجلس الوزراء هو عبارة عن مجموعة من العواجيز الحزبين وغير المهنيين وينظرون لمصالحهم الحزبية، فهذا لا يستطيع بناء سياسية زراعية أو تجارية أو اقتصادية قادرة على ان تنهض بالبلد وفق خطط استراتيجية خمسية، عشرية، اضف إلى ذلك هناك اختلاف في الجانب القانوني فالكثير من التشريعات صدرت وهي تشريعات جيدة، ولكن المعوقات ايضا كانت معوقات قانونية فالقانون لا يتكامل مع بقية القوانين، فتحصل البيروقراطي التي سببها الاساسي هو وجود القوانين وكثرة تلك القوانين، فكثرة القوانين امر سيء جدا لأنه يكتّف الآلة التنفيذية أو الادارية".
يختم الحسيني "فالمدير التنفيذي على سبيل المثال يريد أن يصدر قرار ولكن كثرة القوانين تثبط عملية اتخاذ القرار، بالتالي هذه القوانين لابد أن تصاغ بعقلية الدولة وعقلية التكامل لا التقاطع، وهذا ما نفتقده في العراق".
التشريع يعرقل عمل المستثمر والقطاع الخاص
- الحقوقي احمد جويد (مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات) يصور جسد الدولة كجسد الانسان لا يمكن أن يبنى في جانب ويهدم في جانب اخر، لكن يبقى الاقتصاد هو العمود الفقري في بناء الدولة، اما بخصوص الاختلالات الحاصلة في الاقتصاد العراقي تعود اولا لعدم الاستقرار الامني والسياسي في العراق، الامر الاخر المهم هو الشق التشريعي الذي يعرقل عمل المستثمر والقطاع الخاص، ايضا لا يمكن ان نتغافل عن حالة الفساد المستشري الذي يضرب الدولة ويضرب الجوانب الاقتصادية، لكن تبقى مسالة بناء اقتصادي قوي قائمة في العراق والاختلال الحقيقي هو في جانب الادارة وفي السياسة العامة وفي الفكر".
يكمل جويد "كذلك فان بناء الاقتصاد يحتاج لبناء قطاعات اخرى كتطور التعليم وتطور الفكر الاقتصادي وتعزيز الحالة الامنية والجانب السياسي، ناهيك عن سيادة الدولة وعدم ضرب الصناعة الاجنبية وخدمة المنتوج المحلي ومعالجة القضايا الضريبية، فهذه الاشكاليات اذا ما تحمل حلها ممكن أن نصل لبر الامان".
- علي حسين عبيد (كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام) يعتقد أن المشكلة الاساسية التي تواجه الاقتصاد العراقي والمجتمع العراقي في آن واحد هي غياب الوعي الاقتصادي والثقافة الاقتصادية".
الاصلاح الاقتصادي قرار سياسي
- الدكتور حسين أحمد السرحان (رئيس قسم الدراسات السياسية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية) يجد أن كل قطاعات الحياة في العراق الان وفي الماضي توظف باتجاه ادامة وزخم السلطة وتعزيز قوتها، لذلك من وجهة نظرنا أن الاصلاح الاقتصادي هو قرار سياسي، وهذا عكس السياسة التي يتبعها العراق، فمنذ العام (2003) وهي تسير باتجاه تعزيز زخم السلطة وتعزيز قوتها".
يكمل السرحان "بالإضافة إلى ما تقدم فان الحكومات السابقة في العام (2009 / 2010) فقد استخدمت المال السياسي في الدرجات الوظيفية والترهل الوظيفي الذي حصل في الدولة، لذلك اصبح لدينا فائض كبير بالدرجات الوظيفية من (800 ) إلى (ثلاثة) ملايين موظف، بالتالي تم تجاهل فكرة القطاع الخاص. وفي العام (2014) أيضاً كانت هناك أزمة اقتصادية وكان هناك تفاوت في توزيع الدخول، فبدل أن نتلافى هذا الامر ذهبنا في العام (2015) نحو صندوق النقد الدولي لمساعدتنا، فجاءت فكرة الاستعداد الائتماني القائم على القروض وفي نفس الوقت هناك التزامات على الدولة منها.. (توفير الامن/سن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص/الحماية الكمركية لإنتاج المنتج الوطني)".
يختم السرحان "علما أن مشكلة العراق تتمحور حول الاستيراد من الدول الاقليمية والاجنبية من اجل ادامة الفساد الموجود، هذا الاتفاق عندما تم الالتزام به في العام (2016/ 2017) وحصلت عليه بعض المراجعات، لكننا في العام (2018) لم يتم الوفاء بتلك الالتزامات بسبب صعود اسعار النفط، ايضا القضية الثانية نسبة انجاز تنفيذ الموازنة ولحد الشهر (11/ 2018) لم تتجاوز (61%)، لذلك فان موضوعة الفساد وعدم الكفاءة هي عوارض باتجاه الاصلاح الاقتصادي، لذا نحن نحتاج إلى قرار سياسي باتجاه سلطة حاكمة تعمل على موضوع الامن، فلا اقتصاد بلا امن ولا اقتصاد بلا ادارة وارادة سياسية قوية".
الاصلاح الاقتصادي يبدأ من التعليم
- محمد علاء الصافي (الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث) يرصد حالة عدم وجود الدولة كي ترسم لك سياسة اقتصادية وتعليمية وقانونية واجتماعية، بالتالي فان مشروع الدولة غائب عن العراق، لذلك فقضية الاصلاح في أي مجال من المجالات صعبة التحقيق، فعلى هذا الاساس لا يوجد تخطيط ولا يوجد برنامج حكومي لعمل الحكومة والدولة، الامر الاخر نحن على مستوى التعليم لا نصنع طالب منتج، بل تفكير الطالب ينحصر في كيفية حصوله على الشهادة ومن ثم التعيين، وهنا نعني بطبيعة الحال الطب لان باقي التخصصات ليس لديها مجال للتعيين".
يكمل الصافي "لذلك فان عملية الاصلاح الاقتصادي لابد ان تبدأ من التعليم وان نسعى لخلق جيل يخطط كيف يصنع وكيف يعمل وكيف يخطط لحياته بعيدا عن الالتصاق بالدولة، القضية الاخرى تتعلق بالمنابر الثقافية التي تتحدث عن تطوير المجتمع وتكوين الاقتصاد، فالخطاب دائما ما يأتي عن طريق المؤسسة التعليمية أو عن طريق مؤسسات المجتمع المدني المؤثرة أو من خلال المؤسسة الدينية".
السؤال الثاني: ما هي رؤيتك لإصلاح الاقتصاد العراقي؟
- الشيخ مرتضى معاش، يؤكد على اننا "نحتاج إلى بناء رأي عام اقتصادي، بمعنى، أن كل الجهود السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية تصب لبناء رأي عام حول كيفية بناء الاقتصاد العراقي، وأن يكون لدى الناس من جانب آخر ثقافة اقتصادية، خاصة وان العراق لديه موارد كثيرة وطاقات كبيرة، ولكن لديه سوء في ادارة الطاقات وسوء في فهم الموارد التي يمتلكها العراق، فالعراقي يعتقد ان الأمن الوظيفي يعتمد على التعيين في القطاع العام بحثا عن الامن بعد التقاعد وخوفا من البطالة".
يكمل معاش "لكن هناك في بعض الدول المتقدمة تؤسس مجالس الامن الوظيفي التي تقوم بتطوير مهارات المواطن الذاتية وبالتالي دعم الامن الوظيفي في القطاع الخاص، فهناك ثقافة اقتصادية تلبي البناء الاجتماعي المتماسك القائم على الاقتصاد، فعندما يكون البلد فقيرا في قطاعه الخاص المستقل يكون البناء الاجتماعي هشا والبناء السياسي هشا".
اضاف ايضا " فالمجتمع العراقي يحتاج إلى بناء رأي عام اقتصادي، وان نشجع الناس على التجارة وعلى الاقراض الخيري، وهذا المعنى يعزز حالة الربح الدنيوي والأخروي، وهذا التواصل الاجتماعي الاقتصادي سيؤدي للكثير من الحلول، ولابد من العمل بجد على فكرة التحرر الاقتصادي، وان نخرج من منطقة الحياد التي تقاوم عملية التغيير نحو الاستقلال والاكتفاء، بالتالي نحن نحتاج إلى تغيير قوي لإخراج المحايدين من خوفهم الذين يتكلون على الامتيازات الصغيرة التي تقدمها لهم اقطاعيات الكتل السياسية ومؤسسات ميهمنة".
يختم معاش "فالاقطاعيات الكبيرة والاقطاعيات البديلة التي تنشئ في العراق في موازاة اقتصاد الدولة بديلا عن القطاع الخاص، خطرة جدا ولابد من ازالتها، والسبب لان الاقطاعيات تؤدي إلى التهميش وإلى الطبقية وإلى تدمير بيئة الاعمال الحرة والاستثمار الناجح، النقطة الاخرى هي العسكرة فلا يمكن خلق بيئة آمنة للاقتصاد ومن ثم العمل والاستثمار، اذا كان هناك حالة من العسكرة المستمرة، لذلك اهم نقطة يجب الاشتغال عليها هو توفير قوانين لحماية بيئة الاعمال وحماية الملكية، والازدهار الاقتصادي يقوم على حماية الملكية الشخصية عبر مؤسسات مستقلة، فكيف يكون ذلك والمواطن العراقي يعيش في التجاوز وليست لديه ملكية خاصة".
- الدكتور خالد عليوي العرداوي، يعتقد باننا نخدع أنفسنا كثيرا إذا توقعنا بأن هناك اصلاح للاقتصاد العراقي، ما لم يكون هناك اصلاح للنظام السياسي في العراق، فلن يكون هناك اصلاح للنظام الاقتصادي في العراق، وسوف تبقى الاختلالات الهيكلية بلا رؤية اطلاقا، واي كلام اخر يصبو نحو تقديم عروض وتقديم مقترحات لإصلاح الاختلالات في الاقتصاد العراقي، وفي ظل البيئة الحالية للنظام السياسي في العراق سيكون مصيرها توضع على الرفوف".
- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، يوصي البنك المركزي ان يبقى مستقلا في سياساته، لكن الدستور العراقي صنف الهيئات المستقلة إلى ثلاثة اصناف..( هيئات عاملة/هيئات ساندة/هيئات استشارية)، علما ان البنك المركزي هو من الهيئات الساندة وليس من الهيئات العاملة، وذلك على اعتبار أن الهيئات العاملة هي اذرع السلطة التنفيذية، علما أن الذي يرسم السياسة العامة للدولة ومن ضمن مفاهيمها السياسة النقدية لمجلس الوزراء بموجب المادة (80)، لذلك لابد أن تكون السياسة العامة للدولة لاسيما في جوانبها المالية مرسومة بشكل مهني وتقني صحيح، حتى تأتي ثمارها بشكل صحيح".
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يجد أن الحل يتمركز حول دور المجتمع والمنظمات الخيرية وغيرها، وايضا لابد من التعويل على مسالة مشروع الدولة والقرار السياسي، فاذا تم الجمع بين هاتين الخطين ستكون حتما هناك حلول قوية وسريعة في تحسين الاقتصاد العراقي".
- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يرى أن موضوعة الاصلاح الاقتصادي وفي ظل تلك الظروف والمعادلة الامنية المعقدة صعب جدا، بل هو يحتاج إلى انبثاق طبقة سياسية جديدة وسلطة جديدة، يكون همها بناء مشروع الدولة عبر قناة الامن والاقتصاد".
- محمد علاء الصافي، الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، يعتقد أن موضوعة الاصلاح الاقتصادي صعب في الفترة الحالية، خاصة وأن التحديات التي تحيط بالعراق تنذر بوجود الصراعات الاقليمية والدولية على الساحة العراقية، بالتالي فان مجال التطور الاقتصادي يصبح من المستحيلات السبعة ".
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، يوصي بضرورة الاستفادة من التجارب التي مرت به الكثير من الدول على مستوى الفساد وعلى المستوى السياسي، لذلك هنالك ثلاثة حلول لأجراء اصلاح اقتصادي... الامر الاول هو بناء دولة المؤسسات، الامر الثاني سيادة القانون، الامر الثالث فسح المجال للخبراء والنخب لمسك الملف الاقتصادي، هذه الامور الثلاثة اذا ما تحققت سنخطو نحو الاصلاح، بدون هذه الخطوات الثلاثة سيبقى الامر مجرد اجتهادات وكلام لا يغني من جوع".
اضف تعليق