تعكس المؤشرات الاقتصادية مشاكل مزمنة في اقتصاد الأرجنتين فقد تقلص خلال أربع من السنوات السبع الماضية، وتسببت أوجه القصور الهيكلية في فرض قيود شديدة على نمو الطلب الحقيقي لأكثر من عقد من الزمن، كما أعاقت نمو الاقتصاد بشكل مستدام. وبناء على ذلك لا بد من إجراءات مهمة...
تتعمق أزمة الاقتصاد الأرجنتيني مع توقعات متشائمة، خصوصا جهة عدم القدرة على سداد الديون السيادية فائقة الحجم، في ظل تخوفات من استمرار تراجع سعر العملة المحلية، ووصل الأمر أن حصل على أكبر تمويل من صندوق النقد على الإطلاق، اكد الرئيس الارجنتيني الجديد من يسار الوسط البرتو فرنانديز في خطاب تنصيبه ان بلاده "تريد ان تسدد" ديونها الخارجية لكنها "لا تملك الوسائل للقيام بذلك"، داعيا صندوق النقد الدولي الى تطوير علاقة "بناءة"، واوضح فرنانديز ان حكومة الرئيس السابق الليبرالي ماوريسيو ماكري "تركت البلاد في وضع من العجز الافتراضي" مع دين عام يناهز 315 مليار دولار، اي نحو مئة في المئة من اجمالي الناتج المحلي.
ومنح صندوق النقد الارجنتين العام 2018 قرضا بقيمة 57 مليار دولار على ثلاث سنوات، لكن الرئيس المنتخب قرر عدم تلقي الدفعة الاخيرة من هذا القرض بقيمة 11 مليار دولار بهدف احياء النشاط الاقتصادي في حين توقع الصندوق ان يتراجع هذا النشاط بنسبة 3,1 في المئة هذا العام، واضافة الى تراجع الناتج المحلي الاجمالي، يتوقع ان تنهي الارجنتين هذا العام بتضخم يناهز 55 في المئة ونسبة فقر تقارب اربعين في المئة وبطالة بنسبة 10,4 في المئة مع انهيار لسعر العملة بنسبة اربعين في المئة، وخلال ولايته التي استمرت اربعة اعوام، نجح ماكري في خفض العجز العام من خمسة في المئة الى 0,5 في المئة من اجمالي الناتج المحلي.
نسبة التضخم 55 بالمئة
أفادت التقديرات الأخيرة للبنك المركزي في الأرجنتين أن نسبة التضخم في هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية ستبلغ خلال العام الجاري 55 بالمئة بينما سيسجل إجمالي الناتج الداخلي تراجعا نسبته 2,5 بالمئة، وكانت هذه المؤسسة المالية تتوقع قبل هذه التقديرات، أن تبلغ نسبة التضخم أربعين بالمئة ونسبة الانكماش 1,4 بالمئة، ونشرت هذه التقديرات بينما تراجعت بورصة بوينوس آيرس بنسبة 11,9 بالمئة، في اليوم الثاني من بدء تطبيق مراقبة أسعار صرف العملات التي فرضتها الحكومة على الشركات والأفراد لمحاولة طمأنة الأسواق والمدخرين.
ويفرض المرسوم الذي نشر في الجريدة الرسمية على الشركات المصدرة تحويل الدولار إلى العملة الوطنية البيزوس خلال فترة محددة بما بين خمسة أيام و15 يوم عمل بعد تسلم المبالغ، أو خلال 180 يوما من تاريخ تصدير السلع، ولا يمكن للأفراد تحويل أي مبلغ يتجاوز عشرة آلاف دولار ولا شراء عملات أجنبية أكبر من هذا المبلغ بدون موافقة البنك المركزي الأرجنتيني.
ويشهد الاقتصاد الأرجنتيني انكماشا منذ الربع الثاني من 2018 وفقد فقدت العملة الأرجنتينية عشرين بالمئة من قيمتها في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بينما خسر البنك المركزي أكثر من 12 مليار بيزوس من احتياطيه، كما تشهد البلاد تراجعا في الاستهلاك وإلالق محلات تجارية وزيادة في معدل الفقر (32 بالمئة في 2018) والبطالة (10,1 بالمئة هذه السنة)، ويتوقع البنك المركزي انخفاض إجمالي الناتج الداخلي 1,1 بالمئة في 2020، ما يتناقض مع تقديراتها السابقة وتحدثت عن نمو نسبته 2 بالمئة.
إدارة تدفق رأس المال
قال متحدث أن صندوق النقد الدولي يعكف على تحليل تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها الأرجنتين "لإدارة تدفق رأس المال" وقال المتحدث "الصندوق سيظل على اتصال وثيق مع السلطات في الفترة المقبلة وسيواصل الوقوف إلى جانب الأرجنتين خلال هذه الأوقات الصعبة" وقالت الحكومة الأرجنتينية في مرسوم بنشرتها الرسمية إن البنك المركزي بات مخولا بتقييد شراء الدولار.
وكان وزير الخزانة هيرنان لاكونزا قال إن الأرجنتين ستتفاوض مع حائزي سنداتها الدولية وصندوق النقد الدولي لتمديد آجال التزامات ديونها كوسيلة لضمان قدرة البلاد على الدفع، وتزايدت المخاوف بشأن قدرة الأرجنتين على الوفاء بالتزامات ديونها المقومة بالدولار منذ أن تعرض البيزو لضربة عنيفة بسبب حالة الغموض السياسي عقب الانتخابات التمهيدية التي جرت وخسرت عملة الأرجنتين 22 بالمئة من قيمتها أمام الدولار.
الأرجنتينيون يسحبون أموالهم من المصارف
أعلن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أنّ الأرجنتينيين يسحبون أموالهم من مصارف بلادهم بكميات ضخمة تحسّباً لفوز مرشّح يسار الوسط البيروني ألبرتو فرنانديز في الانتخابات الرئاسية، وقال الرئيس اليميني المتطرّف في تغريدة على تويتر "مع احتمال عودة فرقة منتدى ساو باولو (الذي يجمع الأحزاب اليسارية في أميركا اللاتينية) في الأرجنتين، فإنّ الناس يسحبون أموالهم من البنوك بكميّات ضخمة".
وكان بولسونارو أعرب عن خشيته من هجرة جماعية للأرجنتينيين إلى بلاده إذا تأكّدت في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الأرجنتين، والهزيمة التي مني بها في الانتخابات التمهيدية الرئيس الليبرالي ماوريتسيو ماكري، وبالنسبة إلى بولسونارو فإنّ عودة كيرشنر إلى قمة الدولة قد "تضع الأرجنتين على نفس مسار فنزويلا"، التي تعاني حالياً من أزمة سياسية واقتصادية خطيرة برئاسة الاشتراكي نيكولاس مادورو.
وأعرب الرئيس اليميني المتطرّف عن خشيته من تدفّق المهاجرين الأرجنتينيين على بلاده، كما هي الآن حال الفنزويليين الذين يفرّون بالآلاف من بلدهم الغارق في أزمة اقتصادية وسياسية خطرة إلى البلدان المجاورة، ولا سيّما إلى كولومبيا والبرازيل، ولكنّ بولسونارو تلقّى رداً قوياً من ألبرتو فرنانديز الذي قال "أنا سعيد لأنّه يتحدّث عنّي، إنّه عنصري وعنيف وكاره للنساء"، وبحسب محلّلين برازيليين فإنّ تصريحات بولسونارو تعتبر تدخلاً غير مسبوق لرئيس برازيلي في السياسة الداخلية للأرجنتين، البلد المجاور الذي يعدّ أحد أكبر الشركاء التجاريين للبرازيل.
هبوط فوضوي للبيزو
قال وزير الخزانة الجديد هيرنان لاكونزا إن الأرجنتين لن تسمح بهبوط فوضوي للبيزو وستستخدم احتياطياتها الدولارية لدعم العملة المحلية في مواجهة عدم اليقين السياسي الذي اجتاح البلاد منذ الانتخابات التمهيدية، وأغلق البيزو منخفضا 0.53 بالمئة عند 55.03 مقابل الدولار الأمريكي بينما ارتفعت أسعار الأسهم والسندات المحلية بشكل طفيف، مما يشير إلى أن الإضطرابات التي ضربت الأسواق مؤخرا بدأت تهدأ.
وهوت عملة الأرجنتين وسوق الأسهم والسندات عقب الانتخابات التمهيدية التي أشارت إلى أن مرشح المعارضة اليساري ألبرتو فرنانديز سيحقق فوزا سهلا على الرئيس ماوريسيو ماكري المنتمي ليمين الوسط في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يثير مخاوف من عودة إلى سياسات التدخل في الاقتصاد، وباع البنك المركزي الأرجنتيني 27 مليون دولار من احتياطياته بعد ظهر يوم الأربعاء بمتوسط سعر 56.9863 بيزو للدولار، وقال متعاملون إن البنك المركزي باع في تدخلاته ما إجماليه 641 مليون دولار من احتياطياته الدولارية.
استقال وزير الخزانة الأرجنتيني نيكولاس دوخوفني من منصبه، وقال في رسالة إنه يرى أن الحكومة تحتاج إلى "تجديد كبير" في فريقها الاقتصادي في ظل أزمة شهدت هبوط البيزو وقال دوخوفني في رسالة إلى الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري إنه أعطى كلطاقته لعمله وساهم في خفض العجز الكبير والحد من الإنفاق العام، وأضاف "ارتكبنا أخطاء أيضا، بلا شك، ولم نتردد قط في الاعتراف بذلك وبذلنا كل الجهود الممكنة لتصحيحها".
ارتفاع معدل الفقر إلى 32 بالمئة
ارتفعت نسبة الفقر في الأرجنتين إلى حوالي الثلث في النصف الثاني من 2018 مع تضرر البلد الواقع في أمريكا الجنوبية من ركود اقتصادي وهبوط حاد في قيمة عملته (البيزو) وصعود التضخم بوتيرة أسرع من الأجور، وقالت وكالة الإحصاءات في الأرجنتين إن نسبة الفقر بين السكان بلغت 32 بالمئة، ارتفاعا من 27.3 بالمئة في النصف الأول من 2018 وزادت أيضا نسبة أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 6.7 بالمئة من 4.9 بالمئة.
وهزت الأرجنتين العام الماضي ما سماه الرئيس موريسيو ماكري عواصف اقتصادية دفعت البلاد إلى إبرام إتفاق تمويل بقيمة 56.3 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي وفي إطار ذلك الاتفاق، تعهد ماكري بخفض الانفاق الحكومي وزيادات في أسعار المرافق وهى سياسات أثارت احتجاجات في الشوارع في العاصمة بوينس أيرس ومدن أخرى في أرجاء البلاد وألحقت الاضطرابات الاقتصادية ضررا شديدا بالشركات الصغيرة والأفراد مع صعود التضخم إلى معدل سنوي فوق 50 بالمئة وزيادات حادة في أسعار الفائدة قلصت فرص الحصول على الائتمان وهبوط شديد في قيمة البيزو أمام الدولار الأمريكي.
صندوق النقد الدولي: تمويل بحوالي 56.3 مليار دولار
وافق صندوق النقد الدولي على زيادة حجم تمويل مشروط للأرجنتين إلى حوالي 56.3 مليار دولار مع تشديد إجراءات للمالية العامة تضمنها اتفاق سابق، وكانت حكومة الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري قد توصلت إلى إتفاق مع صندوق النقد بقيمة 50 مليار دولار على أمل أن يوقف موجة مبيعات حادة في العملة المحلية (البيزو)، لكن البيزو واصل الهبوط مما أجبر ماكري على إعادة التفاوض على الاتفاق وعقب اجتماع لمجلس مديري صندوق النقد أصدر الصندوق بيانا مقتضبا لا يحدد شروط اتفاق التمويل المعدل.
وقالت الأرجنتين إن الاتفاق الجديد سيلزم الحكومة بإجراء تخفيضات أكثر حدة في الانفاق وزيادة أكبر في الضرائب لخفض العجز الأولي في الميزانية، الذي من المتوقع أن يبلغ 2.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018، إلى الصفر العام القادم. ويسعى ماكري للفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات في أواخر 2019، وفي رسالة إلى صندوق النقد، قالت الأرجنتين إنها تتوقع أن يصل التضخم إلى ذروة عند مستويات فوق 40 بالمئة في يناير كانون الثاني ثم يهبط بوتيرة سريعة في 2019، وقالت الرسالة أيضا إن الأرجنتين تتوقع أن ينكمش الاقتصاد بين 2 إلى 3 بالمئة في 2018.
وقال مسؤول بصندوق النقد "نتوقع أن يستمر الركود في الفترة المتبقية من 2018 وفي الربع الأول من 2019، على أن يبدأ التعافي في الربع الثاني من العام القادم" وقالت كريستين لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد إن ميزانية اتحادية مقترحة للعام 2019 وافق عليها مجلس النواب بالكونجرس في الأرجنتين ستساعد الحكومة على تحقيق أهدافها، وأضافت قائلة في بيان "إصدارها في قانون سيكون عاملا مهما لإستعادة الثقة".
فرض موازنة تقشف
أقر البرلمان الأرجنتيني في قراءة أولى مشروع موازنة تقشف قدمتها الحكومة لعام 2019 بهدف القضاء تماما على العجز التجاري طبقا لاتفاق بهذا الصدد مع صندوق النقد الدولي، وفجر وبعد 18 ساعة من النقاش وحوادث بين متظاهرين والشرطة أمام البرلمان، تم تبني مشروع الموازنة باغلبية 138 نائبا مقابل 103 نواب ضد وامتناع ثمانية نواب عن التصويت ولا يزال المشروع يحتاج الى مصادقة مجلس الشيوخ، وقال ماريو نيغري رئيس كتلة نواب الائتلاف الحاكم "نحن إزاء أزمة وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها والتبرم الاجتماعي والركود يجبراننا على التصويت على هذا القانون اليوم".
وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية حصلت حكومة الرئيس ماوريسيو ماكري (وسط يمين) على قرض بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لمحاولة إضفاء استقرار على ثالث إقتصاد في أميركا اللاتينية، حيث انهارت العملة بنسبة 50 بالمئة أمام الدولار منذ بداية 2018، وفي مقابل الحصول على القرض، تعهدت الحكومة بإقرار موازنة تقشف، وقلصت الحكومة العجز التجاري الأولي (دون فوائض القرض) من 6 بالمئة في 2015 الى 3,9 بالمئة في 2017، ويتوقع ان يتقلص اكثر في 2018 من هدف الحكومة وهو 2,7 بالمئة.
وواجه الارجنتينيون تضخما بنسبة 40 بالمئة في الاشهر ال12 الاخيرة وأزمة بطالة بسبب عمليات تسريح في القطاعين العام والخاص وتراجع كبير في القدرة الشرائية، وفي هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 44 مليون نسمة، تراجعت القدرة الشرائية كثيرا وبات قسم متزايد من السكان يعارض السياسة الاقتصادية للحكومة.
اضف تعليق