يبدو أن إخفاق دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع حد لعمليات غسل وتبييض الأموال، رغم دخولها بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المرتبطة بذلك، مقصود؛ في ظل تجميعها لعدد كبير من رجال الأعمال الذين يبيضون أموالهم، حتى باتت في السنوات الأخيرة إحدى الوجهات الرئيسية في العالم لهذه الجرائم...
يبدو أن إخفاق دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع حد لعمليات غسل وتبييض الأموال، رغم دخولها بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المرتبطة بذلك، مقصود؛ في ظل تجميعها لعدد كبير من رجال الأعمال الذين يبيضون أموالهم، حتى باتت في السنوات الأخيرة إحدى الوجهات الرئيسية في العالم لهذه الجرائم.
وصنفت العديد من التقارير الدولية الإمارات على أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات تبييض وغسل الأموال، التي يقدر حجمها العالمي سنوياً بنحو تريليوني دولار، أي ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقديرات أصدرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في 2019، وكشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، انخراط مؤسسات مالية في الإمارات في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات.
وعمليات غسل أو تبييض الأموال جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير شرعي، لغرض حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها، أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جرائم.
وصنف التقرير الإمارات من ضمن البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال، لتكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تدخل ضمن هذا التصنيف، وذكر أن جزءاً من نشاط غسل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا وأشار إلى أن جرائم غسل وتبييض الأموال في الإمارات تشمل بشكل رئيسي القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس.
وأوضح تقرير الخارجية الأمريكية أن نقاط الضعف في النظام المالي الإماراتي تتمثل في عدم وضع ضوابط وتعريفات للكيانات المالية في المناطق الحرة، وفرض الرقابة عليها بما يكفل سد الفجوات في الرقابة وفي العام 2016 أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب، أن الجماعات الإرهابية استغلت الإمارات كمركز لتعاملاتها المالية.
وأفاد معهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال في تقريره السنوي للعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة وجاءت الإمارات، وفقاً لذات التقرير، في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج العربي في مجال مكافحة غسل الأموال.
وفي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية، منتصف العام الماضي، جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول العشر الأولى التي يتجه إليها المجرمون البريطانيون عندما يريدون غسل أموالهم وأوضح التقرير، الذي نشره موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، أن الإمارات أصبحت أهم محطات إعادة التدوير النقدي غير الشرعي في العالم، وإضافة لما سبق من مؤشرات وتقارير دولية، فقد اعترف المصرف المركزي الإماراتي، في عام 2017، أن جرائم غسل الأموال في البلاد ارتفعت بنسبة 30% عام 2016، رغم القوانين التي صدرت في مجال مكافحتها.
وتعد شركة "وول ستريت للصرافة"، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال بالشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في إمارة دبي، مركزاً رئيسياً لغسل أموال عصابات المخدرات العالمية والجماعات الإرهابية، وكشف تقرير لقناة "ABC" الأمريكية، عن تمويل حكومة دبي لشركة "وول ستريت"، للقيام بعمليات غسل أموال استنزفت مئات الملايين من أستراليا.
وأشار التقرير إلى أن الشركة التي كان يديرها الباكستاني الطاف خاناني، المعتقل حالياً بالولايات المتحدة، أجرت عمليات نقل أموال دولية من خلال عمليات تبادل العملات المتعددة وأفاد بأن شبكة خاناني قامت بغسل ما بين 14 مليار دولار و16 مليار دولار سنوياً لمنظمات إجرامية في أنحاء العالم، صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تناولت أيضاً، في تقرير لها، أشهر عمليات تبييض الأموال بالإمارات وخاصة بإمارة دبي وذكرت الصحيفة أن المليونير الهندي ريش كومار جين، المعتقل حالياً في نيودلهي الهندية، هو أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، وكانت معظم أنشطته يقوم بها من إمارة دبي، حيث اتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.
وبحسب "ذا غارديان"، فإن اقتصاد الإمارات مبني على النقد والسيولة المالية غير المشروعة وتؤكد الصحيفة أن هذه الدولة الخليجية هي المكان الذي تقوم فيه المافيا الروسية وتجار المخدرات العالميون بتنظيف نقودهم القذرة ومن أبرز الأدلة على ذلك ما قاله السفير الأمريكي في أفغانستان، أنطوني واين، لصحيفة "ذا غارديان"، حول أنه يتم تهريب 10 ملايين دولار يومياً من كابول إلى دبي في حقائب صغيرة معظمها تأتي من تجار الهيروين الأفغان.
كما نقلت الصحيفة نفسها عن مستثمرين أجانب في الإمارات قولهم: إن "القوانين الجديدة بالإمارات لمكافحة غسل الأموال لم يكن لها أي تأثير ملموس"و كشف فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، في فبراير الماضي، عن أن "خالد"، نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، استخدم حساباً مصرفياً في الإمارات لغسل مبلغ يقدر بنحو 84 مليون دولار في ديسمبر 2014.
الإمارات حاضنة شبكات الاعمال لمشبوهة
لا تزال دولة الامارات العربية المتحدة منذ سنوات تحتضن شبكات الأعمال المشبوهة وغسيل الأموال وتوزيع السلع المزيفة عالمياً وبلداً لا يملك حقوق الملكية الفكرية وصنفت تقارير دولية الإمارات أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات غسيل الأموال، وكشفت عن قلق كبير من الممارسات التجارية فيها .
وذكر التقرير الأمريكي السنوي لحماية حقوق الملكية الفكرية، الصادر عن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، عن قلق كبير من الممارسات التجارية للعديد من الدول حول العالم، من بينها دول عربية كالسعودية والإمارات ومصر وبحسب التقرير فان آلاف الأسواق في دولة الإمارات تعد بوابة لتوزيع السلع المزيفة على المنطقة وأوروبا، مضيفاً أن الدول التي شملها التقرير لا تراعي في المجمل حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، داعياً لاتخاذ إجراءات حازمة في هذا الإطار.
وتواجه الشركات الأمريكية في السعودية والامارات عوائق في مجال تصنيع الأدوية وتفعيل جهود محاربة التقليد والبضائع المزورة، وبحسب التقرير الأمريكي فان دولة الإمارات وضعت على قائمة المراقبة في عام 2018، في ضوء مخاوف قائمة منذ مدة طويلة بشأن مكافحة بيع السلع المزيفة وإعادة شحنها، بالإضافة إلى التغييرات الأخيرة في عدد من السياسات التجارية لأبوظبي.
وكشف التقرير عن وجود سوقين رئيسيين في الإمارات يضمّان أكثر من 5 آلاف متجر لبيع السلع المزيفة، من ضمنها أجهزة الاتصالات والأجهزة المنزلية، وتعد هذه الأسواق بوابات لتوزيع السلع المقلدة أو المزيفة على الأسواق الأخرى في المنطقة وشمال أفريقيا وحتى أوروبا، ووصلت قيمة التعاملات المالية لبيع المنتجات المزيفة والمقلدة إلى 284 مليار دولار عام 2013.
وبدلاً من استيلاء السلطات على السلع المزيفة وتدميرها في المناطق التجارية الحرة، فإن المسؤولين الإماراتيين يسمحون بإعادة تصدير هذه المنتجات ونقلها من جديد وتثار المخاوف بشأن عدم وجود محاكم بالإمارات للنظر في القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية، بالإضافة إلى نقص الشفافية والمعلومات المتاحة المتعلقة بسياسة مصادرة السلع المقرصنة والمقلدة.
وسمحت الامارات بتصنيع منتجات أدوية تخضع لبراءات الاختراع في الولايات المتحدة وحذر التقرير الامريكي أن هذا الوضع يخلق حالة من عدم الاستقرار والارتباك، لدى الجهات الأمريكية المعنيَّة بابتكار وصنع الأدوية.
أبرز وجهات العالم لغسيل الأموال
تحتل الإمارات المرتبة السادسة عربيًّا والثانية والسبعين عالميًّا في المؤشر الدولي لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق تقرير معهد "Basel" للحوكمة، ويضم المؤشر الذي يصدره المعهد 146 دولة، ويتم حساب التصنيفات استنادًا إلى جودة قوانين الدولة المعنية بمكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى مستويات الفساد، ومعايير القطاع المالي والشفافية العامة، ويتم ترتيب الدول من الأكثر إلى الأقل خطورة في ما يتعلق بغسيل الأموال.
وبالرغم من أنه وفق المؤشرات العالمية لا تقع الإمارات في مرتبة متقدمة عالميًّا من حيث غسيل الأموال، إلا أنه كثيرًا ما تثار هذه القضية، فبحسب تقرير نشر بصحيفة "الجارديان" البريطانية، في 24 يونيو الماضي، فإن دبي تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية، التي تعد أسوأ مكان في العالم لغسيل الأموال، مشيرة إلى أن هناك معلومات تكشف أن بريطانيين استخدموا دبي لإخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني، ضرائب للمملكة المتحدة ما بين عامي 2005 و2016، وهو ما يوضح أن المؤشر ربما لا يكشف حقيقة ما يحدث في البلاد.
على الجانب الآخر، كان اسم الإمارات حاضرًا في ما عرف بـ"المغسلة الروسية"، إذ وردت أسماء 150 شركة إماراتية ضمن آلاف الشركات التي تم رصد تورطها بعمليات فساد مالي، وتحويلات بنكية غير مشروعة في 96 بلدًا، خلال التحقيق الذي نشر في 2014، عبر مشروع التحقيقات الصحافية حول الجريمة المنظمة والفساد «OCCRP»، للكشف عن أكبر عملية غسيل أموال في روسيا، والتي تمت عبر 732 بنكًا حول العالم، وصولًا إلى 5140 شركة، إذ ورد خلال التحقيق أسماء بنوك إمارتية أيضًا، وعلى رأسها بنكا الإمارات دبي الوطني وأبوظبي التجاري، لكنهما عدّا نفسيهما ضحيتي هذه العملية.
مجلة "لونوفال أوبستيرفاتور" الفرنسية هي الأخرى تحدثت خلال تحقيق استقصائي حمل عنوان "أوراق دبي" -على شاكلة "أوراق بنما" الشهيرة– عن معلومات تشير إلى تحول الإمارات إلى مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسيل الأموال، وذلك على مدار 20 عامًا مضت، من خلال شبكة تعمل خارج القانون، تضم رجال أعمال ومديري مقاولات كبرى ورياضيين، ولكن بعيدًا عن هذه الحوادث، هناك وقائع جديدة ربما توضح أكثر أن دبي باتت مركزًا عالميًّا بالفعل لعمليات غسيل الأموال، وعلى رأس هذه الوقائع ما حدث في كل من باكستان وأستراليا وإيران.
باكستان.. 150 مليار دولار في عقارات الإمارات
منذ أن قررت المحكمة العليا في باكستان التحقيق في مصادر ثروة أسرة رئيس الوزراء الأسبق، نواز شريف، وتحدثت الأسرة عن أن الأموال التي استخدمتها لشراء العقارات والشركات في لندن والخليج جاءت أساسًا من بيع مصانع الصلب التي كانت تمتلكها في الإمارات، أصبحت الإمارات محل شك لدى السلطات في باكستان.
وكشفت تقارير صحافية أن الحكومة الباكستانية الجديدة تطارد استثمارات بنحو 150 مليار دولار لأثرياء باكستانيين تقول إنهم غسلوها في عقارات بالإمارات، وذلك وفق تقرير قدمته شركة «برايس ووتر هاوس» لتدقيق الحسابات إلى المحكمة العليا في باكستان مؤخرًا، حسبما ذكرت صحيفة «أرابيان بيزنس» الصادرة بالإنجليزية في دبي، ويشير التقرير إلى أن الأموال تعود إلى شخصيات سياسية ومسؤولين ورجال أعمال فاسدين.
أستراليا.. الإمارات مركز عمليات تبادل متعددة للعملات
في الخامس من فبراير (شباط) الماضي، نشر موقع "أي بي سي" تقريرًا من إعداد لانتون بيسر، الصحافي الشهير في مجال الصحافة الاستقصائية، يتهم دبي بأنها منفذ خطير في الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، إذ تحدث خلال التقرير عن أن الإمارات كانت قناة رئيسية لعملية غسل الأموال العالمية التي استنزفت مئات الملايين من الدولارات في أستراليا.
وكشف بيسر الحائز جائزة الصحافة الاستقصائية عام 2010، عن أن أربع عمليات غسيل أموال نفذت في الإمارات عبر "ألطاف خاناني"، المسجون حاليًا في فلوريدا -مسؤول عن غسيل ما يصل إلى 16 مليار دولار سنويًّا لمنظمات الجريمة المنظمة حول العالم-، وذلك من خلال إجراء عمليات نقل دولية لتبادل العملات المتعددة؛ موضحًا أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال تمت إدارتها من خلال صرافة "وول ستريت" المملوكة للدولة، وهي الصرافة نفسها التي خضعت لتحقيقات الكونجرس في هجمات سبتمبر (أيلول) 2001.
وقال التقرير إن الصرافة الإماراتية التي تعد إحدى كبرى شركات تحويل الأموال في الشرق الأوسط؛ حددتها الشرطة الاتحادية الأسترالية على أنها مركز رئيسي "لحركة أرباح المخدرات وتمويل الإرهاب"، ناهيك عن أنه منذ عام 2008، كان خاناني يدير شركة "الزرعوني" للصرافة في دبي، ولكن تم إغلاقها في 2015، بعدما ضبطته إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة.
إيران.. الصرافات الإماراتية بوابة تمويل طهران
تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نموًا وتطورًا ملحوظًا، فبحسب ما أعلن الجمرك الإيراني، في نهاية 2017، فإن الإمارات تأتي في صدارة التبادل التجاري مع طهران، إذ إن حجم التبادل وصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار، بينما تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي قيمة الصادرات الإماراتية إلى إيران تصل إلى نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، وذلك بالرغم من المشاحنات الإعلامية الكبيرة بين البلدين، وقد أعلن مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي أنه خفض نشاط سبع شركات صرافة، بسبب انتهاكات غير محددة لقواعد مكافحة غسيل الأموال وغيرها.
عقارات بريطانيين
في يونيو/حزيران 2018، قالت صحيفة ذي غارديان البريطانية إن دبي تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية المعروفة بأنها أسوأ مكان في العالم من حيث غسيل الأموال، مشيرة إلى أن بريطانيين كلفوا الخزينة البريطانية خسارة مليارات الجنيهات الإسترلينية، وذكرت الصحيفة أن محققين بريطانيين يدرسون معلومات مسربة للعقارات في دبي تبين أن بريطانيين استخدموا دبي لإخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني كضرائب للمملكة المتحدة، ما بين عامي 2005 و2016.
وأوضح رود ستون مساعد مدير وحدة التنسيق الوطنية للإيرادات والجمارك الخاصة بالجريمة المنظمة، أن المحتالين كانوا يودعون البضائع في دبي عام 2005 لشل قدرة سلطات الضرائب على معرفة تحركاتها.
اضف تعليق