في ظل تغييب القراءة الاقتصادية ذات الآفاق المستقبلية وحضور النظرة السياسية ذات الأفق الآنية والتفكير بمصالحها الخاصة ، تجاه الثروة النفطية ستظهر النتائج سلبية وعلى رأسها مشكلة المرض الهولندي المتمثلة في زيادة الاعتماد على المورد الريعي ويؤدي إلى تقلص مساهمة الأنشطة الإنتاجية...
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ملتقاه الشهري، تحت عنوان (ثروة العراق النفطية بين النظرة السياسية والقراءة الاقتصادية)، وذلك في ملتقى النبأ الاسبوعي وبمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية، والذي يعقد كل سبت في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
أكد الباحث حامد الجبوري من مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ورقته على: "ان الثروة النفطية في الوقت الحاضر تلعب دوراً مهماً وكبيراً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وفي أغلب المجالات وخصوصاً السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية وغيرها، وذلك لما يتمتع به النفط من مميزات تجعله يحتل هذه الأهمية الكبيرة كارتفاع الحرارة التي يولدها وسهولة نقله وانخفاض تكاليف إنتاجه وزيادة عدد مشتقاته ودخوله في إنتاج ما يقارب 300 ألف إلى 350 ألف منتج بالإضافة إلى انه اقل تلويثاً للبيئة ". "فضلاً عن الموارد المالية، التي يولدها من خلال بيعه كمادة خام او مشتقات نفطية للعالم الخارجي وذلك بعد سد الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض نحو الخارج، حيث تسهم موارده في حال تم توظيفها بناءاً على التخطيط والبناء الاقتصادي السليم، في استمرارية النمو الاقتصادي على المدى البعيد، وتحقيق الاستدامة المالية المتمثلة في قدرة الدولة على الإيفاء ببرامجها الايرادية والانفاقية دون خفض برامجها والوفاء بالتزاماتها المالية المستقبلة، ورفد احتياجات التنويع الاقتصادي بالأموال الكافية، والذي من شأنه يؤدي إلى تقليص البطالة وتحسين التجارة استيراداً وتصديراً، كما تسهم موارده في زيادة الاحتياطي الأجنبي الذي يدعم العملة الوطنية التي تنعكس على حياة المواطن بشكل مباشر".
"وفي ظل تغييب القراءة الاقتصادية ذات الآفاق المستقبلية وحضور النظرة السياسية ذات الأفق الآنية والتفكير بمصالحها الخاصة على حساب المصالح العامة، تجاه الثروة النفطية وإيراداتها المالية ستظهر النتائج سلبية وعلى رأسها مشكلة المرض الهولندي المتمثلة في زيادة الاعتماد على المورد الريعي ويؤدي إلى تقلص مساهمة الأنشطة الإنتاجية في الاقتصاد، وذلك بحكم زيادة العملة الأجنبية في الاقتصاد فيزاد الطلب على العملة المحلية فترتفع أسعارها ومن ثم ارتفاع أسعار المنتجات المحلية فتنخفض قدرتها التنافسية وانخفاض الصادرات وزيادة البطالة، هذا من جانب".
"ومن جانب آخر ان انتعاش القطاع الريعي سيسهم في ارتفاع أجور العاملين فيه وهذا ما يحفز العاملين في القطاعات الأخرى على الانتقال للقطاع الريعي رغبة بالأجور المرتفعة فينخفض حجم القوى العاملة في القطاعات الأخرى فترتفع أجورها في هذه القطاعات ومن ثم ترتفع تكاليف الإنتاج فترتفع الأسعار وتنخفض القدرة التنافسية فتزداد البطالة ايضاً".
"حيث لم تأخذ النظرة السياسية الثروة النفطية على انها ثروة ناضبة وايراداتها متقلبة ومعرضة للمخاطر المستقبلية بفعل التطور التكنلوجي فضلاً عن التلوث البيئي وإنها ثروة عامة تشمل الجميع، ولذا فاستمرار النظرة السياسية على حساب القراءة الاقتصادية والمشاريع الحقيقية ستعيد انتاج الاثار السلبية المذكورة آنفاً وتجعلها متكررة ومستمرة مع استمرار سيادة النظرة السياسية على القراءة الاقتصادية".
وهذه تنظر للثروة النفطية من زاوية معينة تختلف عن النظرة السياسية، فهي ترى ان هذه الثروة لها مجموعة خصائص متمثلة بالآتي:
1- غير متجددة اي انها ثروة ناضبة وان مدى سرعة نضوبها مرهون بمدى الضغط عليها اي كلما زاد انتاجها كنتيجة لزيادة النمو الاقتصادي او النمو الصناعي او النمو السكاني، كلما انخفض عمرها وازدادت سرعة نضوبها والعكس صحيح.
2- ان اسعارها متذبذبة ومتقلبة تبعاً للظروف الطبيعية والاقتصادية والسياسية التي تحصل في الاسواق العالمية كون النفط سلعة ستراتيجة يتم تحديد اسعارها دولياً وليس محلياً، اي لا يمكن للدولة المنتجة لها ان تحدد اسعارها.
3- مُعرضة للمخاطر المستقبلية التي تهدد هيمنها وقيمتها الاقتصادية وذلك بحكم التطور التقني الباحث عن ايجاد البدائل المنافسة لها كالنفط الصخري مثلاً.
4- التلوث البيئي الذي تسببه هذه الثروة لمالكيها دون تمتعهم بالمنافع التي توفرها والتي هي من حقوقهم.
5- ثروة وطنية عامة تشمل الجميع ولا تقتصر على جيل دون آخر ولا فرد دون اخر ضمن جيل معين.
"وعلى ضوء هذه الخصاص تعمل القراءة الاقتصادية على التفكير بزراعة النفط فوق الارض بعد استخراجه من باطن الارض، وذلك من خلال استخدام الايرادات النفطية في بناء اقتصاد قوي متين قادر على تلبية متطلبات المجتمع وتطلعاته وطموحه وتلافي الآثار السلبية التي تتركها مستقبلاً في حال نضوبها او تدهور ايراداتها او انخفاض اهميتها الاقتصادية او زيادة الاعتماد عليها دون اخذ مسألة العدالة الاجتماعية والبيئة بعين الاعتبار كما هو حاصل في حال سيادة النظرة السياسية".
" وهذا ما حصل في العراق فعلاً حين تسيدت النظرة السياسية على القراءة الاقتصادية تجاه الموارد النفطية، حيث نلاحظ ارتفاع مساهمة القطاع النفطي في العديد من المؤشرات الاقتصادية وأهما الناتج المحلي الاجمالي عندما شكلت أكثر 46% بالمتوسط للمدة 2006-2016، وأكثر من 90% من الايرادات المالية والصادرات السلعية بالمتوسط لنفس المدة، وكذلك ارتفاع حجم البطالة بأغلب انواعها، حيث تتراوح ما بين 30-40 والبعض يقول وصلت 50 و60".
"أضف الى ذلك شيوع الفساد بمختلف اشكاله، حتى احتل المرتبة 166 من أصل 176 دولة ضمها تقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2016. فضلاً عن بلوغ حجم الفقر 22.5 حسب ما اشارت اليه وزارة التخطيط، وزيادة حالات الانتحار وتعاطي المخدرات وارتفاع الامية وزيادة الامراض وغيرها وما يؤكد هذا الكلام هو احتلال العراق المرتبة 121 من أصل 188 دولة في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره الامم المتحدة".
"يعد العراق من البلدان الغنية بالموارد النفطية وذلك بحكم امتلاكه احتياطي نفطي يقدر بأكثر من 148 مليار برميل من النفط الخام في عام 2016 حسب احصائيات منظمة الأوبك، وبهذا الاحتياطي فهو يحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد كل من فنزويلا (302) والسعودية(266) وإيران (158) مليار برميل لنفس العام".
"وفي ضوء الانتاج الحالي البالغ 4 مليون برميل يومياً فإن عمر نضوب النفط سيكون 100 عام وفي حال تم بلوغ الهدف الذي رسمته وزارة التخطيط في خطتها 2013-2017 إلا وهو الوصول بالانتاج اليومي الى 9.5 مليون برميل يومياً فان عمر النضوب سيكون 43عام، إلا ان هذا الهدف لم يتحقق لحد الآن مع انتهاء عام 2017. ولكن من الممكن ان يرتفع الانتاج الحالي مستقبلاً إلى 6 مليون برميل يومياً ويكون عمر النضوب هو 68 عام، في عام 2086، ولكن السؤال المطروح على ماذا سيعتمد العراقيين بعد نضوب النفط؟"!
"إن استمرار فعالية النظرة السياسية للموارد النفطية وتوظيفها بالشكل الذي يخدم المشاريع السياسية الضيقة، أي استخدامها من اجل الوصول الى السلطة السياسية عبر سياسة التوظيف المثقوبة لحصد أكبر عدد من الاصوات الانتخابية والفوز بالسلطة السياسية تشريعية أم تنفيذية ام قضائية لمدة قصيرة كون هذه السلطة اصبحت احدى وسائل تكوين الدخل المترف سواء من خلال الامتيازات المخصصة لها ام من خلال المزايدات التي تحصل بين الفرقاء السياسيين أم غيرها".
وتفضل، القراءة الاقتصادية، اللجوء الى تحجيم دور الدولة في الاقتصاد وفسح المجال امام القطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد تحت اشراف الدولة لان التحجيم سيؤدي الى ترجمة القراءة الاقتصادية على ارض، الواقع وتحجيم النظرة السياسية وعدم توظيف الايرادات النفطية لصالح المشاريع السياسية العشوائية وقصيرة المدى.
س1/ ما هي أسباب تغليب النظرة السياسية على القراءة الاقتصادية تجاه ثروة العراق النفطية؟ مع العلم ان هذه الثروة ترافقها الكثير من المشاكل التي ذكرت آنفاً؟
الاقتصاد العراقي احادي الجانب
- الدكتور قحطان الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يصف الاقتصاد العراقي بانه احادي الجانب، وهو قائم على اساس أن مجمل الواردات التي تدخل للدولة هي تعتمد على تصدير النفط، وهذه بحد ذاتها مشكلة متجذرة في الاقتصاد العراقي، فالنظرة السياسية هي مؤثرة وفاعلة في التخطيط الاقتصادي في العراق، وذلك لأسباب عديدة منها أن النظام السياسي الذي قام ما بعد(2003)، يؤرخ إلى حقيقة أن الانتخابات وأن التداول السلمي للسلطة، جعل النظرة السياسية هي الغالبة وهي المهيمنة على القرار الاقتصادي.
وهنا لابد من تناول موضوعين اساسيين او نقطتين مهمتين، جعلت السياسي أو المسؤول في العراق، يتبع اساليب اقتصادية غير مجدية وغير علمية وبالتالي هي اضرت بالاقتصاد العراقي، النقطة الاولى تتمحور حول اهداف واغراض انتخابية، وهي تدخل في مجال المزايدات الانتخابية، حيث تتركز نحو التوظيف المفرط للأيادي العاملة، ونلاحظ أن (70%) من موازنة العراق سنويا تذهب للرواتب. وجعل السياسيين في موقف الداعم للتعيين من اجل كسب التأييد والولاء الشعبي والجماهيري، فالبطالة المقنعة هي مشكلة متجذرة في الاقتصاد العراقي بعد العام(2003)، وهذا حله ليس بالشيء الهين والسهل، حي لايمكن تسريح اعداد كبيرة من الموظفين خصوصا مع ضخامة عددهم.
النقطة الاخرى التي اضرت بالاقتصاد العراقي هي قضية الاقراض لدواعي سياسية ولغرض كسب التأييد مما جعل المسؤولين يستحصلون على موافقات غير اصولية نوعا ما، في منح مبالغ من القروض كبيرة لأشخاص بعينهم، علما أن تلك القروض لم تستثمر في مشاريع تعود على الاقتصاد العراقي بالنفع، كتخصيصها لمشاريع زراعية صناعية استثمارية، لكنها حقيقة تصرف بشكل وهمي وعلى قضايا بعيد عن العنوان الاساسي، خصوصا وان بعض المصارف قامت بتأجيل سداد القروض، بالتالي هذا اربك العملية الاقتصادية واربك الاستثمار".
القضية سياسية وليست اقتصادية
- الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "يتصور أن المشكلة الاساسية في الاقتصاد العراقي، تأسست منذ تشكيل النظام الجمهوري وتأسيس الدولة الاشتراكية ودولة القطاع العام، فدولة القطاع العام هي دولة مركزية تؤدي إلى هيمنة الدولة على الاقتصاد، بالتالي اصبحت القضية سياسية وليست اقتصادية، فالمهم كيف تهيمن الدولة على الموارد الاقتصادية ومحاولة توجيهها لصالح السلطة المركزية، وهذا مما ادى إلى استنزاف ثروات العراق الاقتصادية في الحروب. بالتالي هذا اصبح تفكيرا مترسخا في عقلية الشعب العراقي، الذي امسى اسير تلك القراءة القائمة على التوظيف في الدولة، فضلا عن عدم التفكير بالأجيال القادمة وعدم التفكير بالاستدامة، لذلك فما دام القطاع العام مهيمنا بشكل مركزي فلا يمكن الخروج من الدوامة السياسية، ناهيك عن الدخول في اقتصاد السوق وعالم الحرية الاقتصادية وتحول المواطن العراقي إلى انسان قادر على الانتاج".
الدولة هي من تعين
- الدكتور محمد سعيد عبد الصاحب الشكرجي، اكاديمي ودبلوماسي سابق "يرى أن النظرة السياسية الشمولية هي التي تعكر صفو الواقع الاقتصادي، بالتالي تصبح كل القدرات الاقتصادية هي بيد الحاكم المتسلط يسيرها كيف يريد، وهذا ما حصل فعلا ايام النظام السابق حينما كانت الثروة النفطية، هي التي اعطت لصدام حرية شن الحروب وأن يكون طاغية ويتفرعن، لذا اليوم نحن امام فرصة سانحة لان الحكومة لا تمتلك زمام الامور بشكل مطلق، حيث هناك مجلس النواب وهناك الاعلام وهناك الضغط الجماهيري والشعبي، وهذا كله يجعل من السلطة امام خيارات صعبة ولا تشبه السلطة السابقة. اما بالنسبة للتعيين فالناس تعودوا على ثقافة أن الدولة هي من تعين جميع افراد الشعب، لذا هذا الامر أصبح مطلبا جماهيريا وثقافة رائجة في الواقع العراقي".
الصراع على السلطة هو صراع على الثروة
- الحاج جواد العطار، عضو برلمان سابق "يصف أن الصراع على السلطة هو صراع على الثروة، وهذا ينسحب على الصراع المحلي والاقليمي والدولي، بالتالي المعارك بأجمعها هي تقوم على الثروة، فاليوم ومهما قيل عن النفط هو يأتي في الدرجة الاولى، فمن يمتلك القدرة المالية والقدرة النفطية هو يمتلك السلطة والعكس صحيح، لذلك يكون النفط وإلى مدى متوسط او بعيد هو محل اهتمام السياسيين المحليين والاقليميين والدوليين، النقطة الاخرى المهمة هي مشروع اقتصادي واضح المعالم لدى الماسكين في السلطة غير واضح، خصوصا وأن الدولة بالأساس هي غير منسجمة ولا تستطيع أن تمرر مشروعها. فالزراعة انتهت خصوصا ومع ذلك التوجه القائم اليوم نحو الزحف إلى الاراضي الزراعية، وبالتالي حتى الخيار والطماطم يتم استيرادها من الكويت، فاذا لا يوجد بديل للسياسية الاقتصادية العراقية سوى بيع النفط ومقايضتها بسلع اخرى".
من يمتلك المال هو من يمتلك السلطة
- احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "يرى وعلى طول التاريخ أن من يمتلك المال هو من يمتلك السلطة، وهذه القضية لا تخص العراق فقط، لكن هذا البلد واقعا قتل جميع القطاعات الاخرى كالصناعة والزراعة، وركز اهتمامه على النفط فقط باعتباره الايراد الوحيد للموازنة العراقية، وبالتالي الاخوة القائمين على العملية السياسية في العراق كان همهم الاول كيفية توزيع هذه الثروة، من اجل أن يحصلوا على المكاسب السياسية، والدليل على ذلك كل موازنة وخاصة الموازنات الانتخابية هي تتعرض لعسر في الولادة، بل أن موازنة العام(2014) تم اسقاط الجنين فضلا عن أن موازنة عام(2018) هي تحتاج لعملية قيصرية، خاصة ومع غياب التخطيط الاقتصادي. اما بالنسبة للجريمة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة على العراق من قبل(2003) وما بعدها، هي انها استنزفت موارد الاجيال اللاحقة في المستقبل، وهم بالتأكيد سيعانون الامرين بسبب السياسيات الظالمة التي اتبعتها الحكومة في نهجها الاقتصادي".
لا يوجد رؤية اقتصادية عند القابضين على السلطة
- الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز آدم، "يتصور أن تغليب القراءة السياسية على التخطيط الاقتصادي في السياسة النفطية واداراتها في البلد، يرجع لخلل بنيوي في العراق فضلا عن عدم قدرة السياسيين عن تداركه خلال(15)سنة الماضية، فكان هم القائمين على وزارة النفط زيادة الانتاج بأي ثمن، وبالتالي هم اتبعوا بعض الطرق التي ربما تصوروا بانها ستخدمهم في رفع مستويات الانتاج، وذلك من خلال التعاقد مع بعض الشركات الاجنبية وجولات التراخيص. وهذه إلى الان مخفية على الشعب العراقي وهي تفتقر للكثير من الشفافية، ولذلك احيطت حولها الكثير من الشوائب، فعلى سبيل المثال (ما هي مستحقات هذه الشركات/ كيف تم توقيع العقود مع تلك الشركات/من تبنى هذا الموضوع)، وهذا يرجع إلى خلل بنيوي كما اسلفنا ولعدم وجود قانون للنفط والغاز في العراق بعد العام(2003)، فالدستور العراقي لعام (2005) جزم بالمادة(111)، بأن النفط والغاز ملك الشعب العراقي. لكن السياسيين اقتسموا هذه الثروة فيما بينهم، فإقليم كردستان على سبيل المثال غازل الحكومة المركزية لفترة معينة، ثم ذهب إلى استثمار الثروة النفطية في الاقليم من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، والحكومة المركزية وفي الدورة الثانية والثالثة حاولت أن تعطي بعض التنازلات للإقليم، والاعتراف بسياسة الامر الواقع والعقود التي ابرمها نوع من الارضاء لاستجلاب رضى بعض النواب، الموازنة في العراق كانت ولا تزال تبني على اساس الفقرات وليس على اساس البرامج. فلا يوجد عندنا برامج لتنمية الثروة النفطية وهذه مشكلة حقيقية سوف لن تحل في القريب العاجل، ايضا مشكلة المادة (12) في الدستور التي بينت أن حقوق النفط والغاز، التي ستستثمر فيما بعد بالتنسيق وبالتعاون ما بين الحكومة المركزية وبين الاقاليم المنتجة والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وهنا خطئ فادح قانوني باعتبار أنه المحافظات ليس لها دخل في هذا الموضوع، الاقاليم إلى حد ما باعتبار أن هذه سياسة تجارية اتحادية صرفة، أو هو عبارة عن قرار يقترب من أن يكون قراراً سياديا، بالتالي يمكن ايجاز ذلك بأن المادة (112) كان فيها مشاكل جمة، ايضا المادة(111) كانت في صياغتها سليمة ولكن في تطبيقها غير سليم. وذلك بسبب الاحزاب السياسية ومناكفتاهم، وعدم النهوض بالواقع الاقتصادي العراقي راجع إلى انه لا يوجد رؤية اقتصادية عند القابضين على السلطة، كذلك لا توجد خطط اقتصادية حقيقية، ايضا لا يوجد على الاطلاق مسالة اعادة قراءة للأخطاء السابقة في كل قوانين الموازنات، واعتمادها بشكل شبه كامل على النفط، وهي مجرد تكرار لنفس الاخطاء، وذلك لان واضعي الموازنة هم اناس يريدون تسيير الامور هكذا ومن دون وضع حلول استراتيجية في المستقبل".
- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يعتقد أن ما يحصل في العراق الان هو عبارة عن تغليب النظرة السياسية على القراءة الاقتصادية، لا يمكن تبريرها في الوضع الاستثنائي الذي يمر فيه البلد حاليا، والخشية كل الخشية أن تستمر تلك الحالة وطالما كانت الارادة السياسية منسجمة مع رغبات تلك الكتل السياسية، أضف إلى ذلك فإن النظرة السياسية بتغليبها سيكون التركيز على القطاع العام وقتل القطاع الخاص".
السياسات العامة قائمة على ردة الفعل
- الدكتور حسين احمد السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية/جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجي "يرى أن فلسفة الدولة وهويتها السياسية والاقتصادية تتحدد في آن واحد، وبالتالي هوية الدولة السياسية تؤثر كثيرا على صياغة الفلسفة الاقتصادية الواضحة للدولة والعكس صحيح، فالعراق حقيقة هو ليس الدولة النفطية الوحيدة في الشرق الاوسط والمنطقة الذي يعتمد اعتماد كلي على النفط، ولكن هذه الدول نجحت كثيرا في تحديد هويتها السياسية وايضا تحديد فلسفتها الاقتصادية لطبيعة النظام الاقتصادي. لاسيما وأن هوية الدولة الاقتصادية والسياسية قبل العام (2003) كانت واضحة إلى حداً كبير، وبالتالي فإن جميع السياسات العامة وجميع التشريعات والاطر التشريعية في جانبها الاقتصادي، التزمت بهوية الدولة السياسية والاقتصادية وأن هناك اقتصاد اشتراكي قائم، على توسيع واتساع القطاع العام، بعد(2003) عادت الدولة التي تتغير فيها النظم السياسية تمر في مرحلة انتقالية، وهذه المرحلة الانتقالية تتطلب حقيقة بعض التضحيات وهي نوع من انواع الصدمة على المستوى الاقتصادي أو حتى على مستوى النظم السياسي.
فاليوم النظام السياسي بعد(2003) هو لن ينهار كنظام فقط وانما انهارت الدولة ككل، وبالتالي بدأنا بتأسيس دولة ومؤسسات جديدة وسرعان ما اعتلت عملية البناء الكثير من الاشكاليات السياسية، وواحدة من هذه الاشكاليات ان القوى السياسية التي جاءت للعراق، هي حقيقة لا تمتلك مشروع للدولة وليس لديها رؤية لهوية الدولة، لذلك عندما كتبوا الدستور وضعوا في المادة(25)(ا/ب/ج/د/ه)، على ان الدولة تضمن بناء الاقتصاد العراقي على اسس حديثة. وبالتالي وحتى توفر لك ارضية واسعة لطبيعة الاطر التشريعية القادمة، فالإشكالية السياسية لم تكون على الثروة النفطية فقط وانما جميع القوانين الاقتصادية، بالتالي اذا ما وضعنا متابعة ودراسة لكل التشريعات والاطر التشريعية في جانبها الاقتصادي بعد(2003)، حقيقة نلاحظ من يقرر هذه القوانين هو الجانب السياسي، وغالبا ما تتفوق التوافقات السياسية أو الاختلافات السياسية على إقرار هكذا قوانين، وحتى لو اقرت نرى الاختلافات السياسية تؤثر على التطبيق، واوضح نموذج لدينا هو التعرفة الكمركية.
فاليوم مثلا البعض يشكل على موضوع القطاع الزراعي، فلو كان هناك تطبيق فعلي لقوانين حماية التعرفة الكمركية ولحماية المنتج الوطني، بالتالي لابد على القطاعات الانتاجية أن تعمل، ولكنه للأسف الاشكالية السياسية التي تتمحور حولها مصالح الكتل السياسية في الاستيراد والتصدير، واقعا هي من عطل تنفيذ هذه القوانين، لذلك بقى الاقتصاد وبقيت السياسات العامة في جانبها الاقتصادي، اسيرة للتوافقات السياسية والتي هي لا تمتلك للأسف أية رؤية للسياسات العامة للدولة، لذا فان السياسات العامة بعد(2003) قائمة على ردة الفعل، وبالتالي لا يمكن رسم سياسة عامة من دون احصاء سكاني".
النظرة السياسية ادت إلى استغلال الاراضي الزراعية استغلالا جائرا
- علاء محمد ناجي باحث في مركز الفرات، "يؤكد أن اسباب تغلب النظرة السياسية على القراءة الاقتصادية يعود زمنها إلى النظام الجمهوري في العراق، علما أن العراق واجه ثلاث مراحل وهي النظام الملكي والجمهوري واخيرا النظام البرلماني، كل هذه المراحل التي مر فيها العراق عانى الامرين من الحروب ومن الفساد، النظرة السياسية حاليا فيها خلل خصوصا من جانب الرؤية الاقتصادية، وهذه النظرة السياسية ادت إلى استغلال الاراضي الزراعية استغلال جائر، بالتالي هذه الاسباب مجتمعة افضت إلى بروز البطالة والجريمة، فضلا عن ذلك هناك مسالة القروض التي يدين بها العراق للعديد من الدول، وهذا الامر بالتأكيد هو رهن السياسات غير المدروسة التي تتبعها الحكومة".
المشكلة والحل يتركز تحت قبة البرلمان العراقي
- الاستاذ المساعد الدكتور حيدر آل طعمه تدريسي في كلية الإدارة والإقتصاد - جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد "أن المشكلة والحل يتركز تحت قبة البرلمان العراقي، حيث نلاحظ على سبيل المثال أن كافة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد وكافة الخطط الرامية للنهوض بالتنمية الاقتصادية، هي مضمنة في خطط التنمية التي تعدها وزارة التخطيط، وهي بالتأكيد دائما ما تعد خطط سنوية وخمسية وبالاستعانة بخبراء اقتصاد واستشاريين حتى دوليين. لكن ما يحصل أن هذه الخطط التنموية هي غير ملزمة للبرلمان وهي غير مضمنة في الموازنات العامة، لذلك واحدة من الامور التي يدعو الاقتصاديين إليها هي أن تكون ملزمة، الامر الاخر الكثير من الامور التي سنت في مجلس الوزراء وارسلت على شكل قوانين إلى مجلس النواب، اجهضت في مجلس النواب بسبب صراع بين الكتل وصراع بين السياسيين، اذا لا يمكن الحديث عن ادارة كفؤة للموارد الاقتصادية، في ظل وجود مجلس تشريعي مشوه بهذا الشكل، من حيث اقرار القوانين ومن حيث الرقابة".
- عماد كاظم بجاي، خبير اقتصادي في مصرف الرافدين، يعلق قائلا "هناك سيطرة واضحة للأحزاب السياسية على الواقع الاقتصادي بصورة عامة في العراق، والدليل على ذلك أن وزارة التخطيط مثلا هي تابعة لحزب معي أو جهة معينة وهكذا دواليك بقية الوزارات، يضاف إلى ذلك وجود الشخص المناسب في المكان غير المناسب، فمنذ(2003) إلى الان لا يوجد أي وزير في وزارة المالية كما اسلفنا هو من ذوي الاختصاص".
س2// ماهي الحلول المقترحة لجعل النظرة السياسية متناغمة مع القراءة الاقتصادية تجاه ثروة العراق النفطية وليس العكس؟ علماً إن هذه الثروة قد تنفذ في عام 2086؟
- الدكتور قحطان الحسيني "يدعو إلى سحب مسؤولية التخطيط الاقتصادي من البرلمان، وذلك كون تلك القضية اثرت بشكل سلبي على الاقتصاد العراقي، إلى جانب ذلك محاولة اسناد تلك القضية إلى لجنة من الخبراء، حيث تقع عليهم مسؤولية التصدي للخيارات الاقتصادية بناء على رؤية اقتصادية سليمة".
- الشيخ مرتضى معاش "الحلول الاساسية تتشكل من خلال التحول نحو الاقتصاد الخاص، والتحول ايضا نحو التنوع الاقتصادي، وايضا محاولة الخروج من سيطرة النفط والتحول من الدولة المركزية إلى الدولة اللامركزية، إلى جانب ذلك تفويض المواطن العراقي من اجل ادارة اموره الاقتصادية بعيداً عن هيمنة الدولة، ايضا لابد أن تكون لدى المواطن العراقي حرية بعيدا عن السيطرة البيروقراطية، خاصة وأن القوانين العراقية تساهم في عملية شل الاقتصاد العراقي، خصوصا في قضية الاستثمار ومنع الحركة المالية ومرض الاكتناز".
- الدكتور محمد سعيد عبد الصاحب الشكرجي " يعول على الاصلاح الاقتصاد الذي من شأنها تغيير النهج الاقتصادي، وبما يتلائم مع اقتصاد السواق والحاجة الماسة لليد العاملة خارج نطاق المؤسسة الرسمية".
- الدكتور علاء الحسيني "يرى أن الحلول تنبع من مسالة مهمة، وهي تشكيل هيئة عليا في البلد من اجل وضع سياسة نفطية حقيقية، وصياغة قواعد قانونية تتمتع بالشفافية والوضوح في التصرف بهذه الثروة السيادية، والتي هي شبه وحيدة متبقة للشعب العراقي".
- حيدر الاجودي "يوصي بضرورة التركيز على القطاع الخاص دون سواه".
- الدكتور حسين احمد السرحان "يجد أن السياسات الاقتصادية لابد أن تبعد عن الكتل السياسية، وهذا نهج دستور محدد، خاصة وان رسم السياسات العامة وتنفيذها هي من صلاحيات مجلس الوزراء، لذلك مجلس الوزراء عندما عمل بهذه الصلاحيات واجه مشكلات كبيرة، فعندما ارادت حكومة السيد العبادي أن تلغي اشكالية اعتلت اقرار الموازنة منذ العام(2003) وإلى الان، وهذه الاشكالية السياسية بسبب أن الحكومات السابقة كانت تعتمد رضى الاكراد في توليها لرئاسة الحكومات، فحقيقة كانت تعطي بمنطق غير عادل، فاليوم عندما جئنا للتصدي لهذه الاشكالية برزت المشكلة اكثر".
- علاء محمد ناجي "يرى هناك بون شاسع ما بين السياسة وعلم الاقتصاد، لذا لابد من فصل رجل السياسة عن رسم الخطط الاقتصادية والتنموية للبلد، ايضا لابد من دمج الخبرات البشرية في العراق مع الخبرات الاجنبية، وذلك من اجل النهوض بالواقع الاقتصادي العراقي، اضافة إلى ذلك تطوير الشركات الاقتصادية".
- الاستاذ المساعد الدكتور حيدر آل طعمه "يجد أن هناك حلين الاول هو ضرورة اختيار طبقة من التكنوقراط الذين يتحملون مسؤولية اصدار القوانين ومتابعة الاجراءات بمعنى آخر (طبقة ناضجة)، الحل الآخر هو اعادة النظر بالمنظومة السياسية وأن يكون النظام رئاسي".
-عماد كاظم بجاي "يصف الحل بأنه بيد المواطن العراقي، وهذا يتشكل من خلال اختيار الاشخاص الاكفاء إلى البرلمان العراقي، الشيء الاخر التركيز على القطاع الخاص فضلا عن القطاعات الاخرى الزراعية والصناعية والتجاري، وذلك حتى نضمن عدم التركيز النفط".
اضف تعليق