كانت التعريفات التي أعلنها ترمب في "يوم التحرير" تتويجا لأول شهرين رهيبين قضتهما إدارته على الساحة العالمية. إنها في احتياج شديد إلى فوز لتعزيز الهيبة الأميركية في مختلف أنحاء العالم وإقناع المستثمرين بأن الولايات المتحدة لم تتحول إلى مكان عدمي ومدمر للذات تماما. ومن شأن نسخة محسنة قليلا...
بقلم: سيمون جونسون
لوس أنجلوس ــ من المؤسف أننا لن نجد على الإطلاق أي تعبير استحسان من الممكن أن يُـقال عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء فعالية "يوم التحرير" التي أقامها مؤخرا في حديقة الورود (Rose Garden) في البيت الأبيض. ومهما حاول المرء أن "يُـعَـقـلِـن" سياسات ترمب الاقتصادية، فلن يجد ببساطة أي مبرر منطقي متماسك لتعريفاته التجارية "المتبادلة" المفترضة.
تلخص كيم كلوزنج من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس الأمر على أفضل وجه: "سوف تُـثـقِـل أكبر زيادة ضريبية في أكثر من خمسين عاما كاهل المستهلكين الأميركيين، فتفرض على الأسرة المتوسطة زيادة في الضرائب تبلغ آلاف الدولارات". على نحو مماثل، أصاب مايكل سترين من معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة كبد الحقيقة، حيث لاحظ: "هذه التعريفات الجديدة ستقلل، ولن تزيد، من فرص العمل في قطاع التصنيع. وسوف تنتقص من القدرة التنافسية التي تتمتع بها شركات التصنيع". أما عن المنهجية الأساسية التي يقوم عليها حساب معدلات التعريفة الجمركية الجديدة، يقول دوج هولتز-إيكن صراحة: "إنهم يعتمدون على أساس يتعذر تبريره لإدارة سياسة يتعذر الدفاع عنها".
عملت كلوزنج في إدارة الضرائب في وزارة الخزانة في عهد الرئيس جو بايدن، في حين يُـعَـد سترين وهولتز-إيكن من الاقتصاديين الجمهوريين المرموقين. عندما يتفق هؤلاء الثلاثة تمام الاتفاق، فهذا مؤشر قوي على أن تعريفات ترمب الجمركية الأخيرة تمثل كارثة وطنية وشيكة.
من المثير للانتباه أن اليوم السابق لإعلان ترمب شهد تقدم خمسين من أعضاء مجلس الشيوخ، بقيادة الجمهوري ليندسي جراهام والديمقراطي ريتشارد بلومنتال، بمقترح أفضل للتعريفات الجمركية من الحزبين، الغرض منه الضغط على روسيا لحملها على السعي إلى سلام حقيقي مع أوكرانيا. الواقع أن بنية الاقتراح العامة معقولة، والخلل الأكثر وضوحا الذي يعيبه ــ حيث يقضي بفرض تعريفات جمركية على الدول التي تستورد النفط من روسيا، وليس على روسيا ذاتها ــ قابل للإصلاح تماما.
من المهم هنا أن نعلم أن مشروع القانون المقدم من أعضاء مجلس الشيوخ من الممكن أن يخلف تأثيرا حقيقيا دون إقراره بالضرورة في مجلس النواب. فمجرد التهديد باتخاذ إجراء من جانب الكونجرس على هذه الجبهة سيكون كافيا لاجتذاب انتباه الكرملين. بعد كل الارتباكات التي ألَـمَّت بالتجارة، والمساعدات الخارجية، والعلاقات مع أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وغيرهم من حلفاء الولايات المتحدة، يحتاج ترمب إلى فوز على الساحة الدولية. وهذا القانون من الممكن أن يساعده في تحقيق هذه الغاية، بل وربما يتقاسم جراهام، وبلومنتال، وترمب جائزة نوبل للسلام إذا ما كانت روسيا تسعى حقا إلى سلام حقيقي.
مؤخرا، قَـدَّمَ جلين هوبارد (رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد جورج دبليو بوش) وكاثرين ولفرام (التي عملت في قضايا متصلة كمسؤولة كبيرة في وزارة الخزانة أثناء إدارة بايدن) عرضا شديد الوضوح للطريقة الصحيحة للتفكير في كيفية ممارسة الضغط على روسيا. يشير هوبارد وولفرام إلى أن روسيا تحتاج إلى عائدات مستمرة من العملة الصعبة لشراء الأسلحة وغيرها من الإمدادات الأساسية المرتبطة بالحرب من الخارج، وأن صادراتها من الوقود الأحفوري (التي تبلغ قيمتها نحو 600 مليون دولار يوميا) هي مصدر الكرملين الوحيد المهم من الإيرادات الدولارية. الاستراتيجية التي يقترحانها بسيطة ورائعة:
"ينبغي للإدارة الأميركية أن تفرض عقوبات على أي شركة أو فرد ــ في أي بلد ــ متورط في بيع النفط والغاز الروسيين. قد يكون بوسع روسيا تجنب هذه العقوبات الثانوية المزعومة من خلال دفع رسوم عن كل شحنة إلى وزارة الخزانة الأميركية. سوف يُـعَـد هذا الدفع تعريفة روسية شاملة، وسوف تبدأ منخفضة لكنها ستزيد كل أسبوع يمر دون التوصل إلى اتفاق سلام".
يُـنقَـل معظم النفط الروسي بواسطة السفن، ويتولى خبراء تجاريون تتبع جميع هذه الشحنات (والمعاملات المالية المرتبطة بها) بدقة شديدة. وبالتالي، سيكون من السهل التأكد من تحميل جميع أطراف الصفقة المسؤولية، بما في ذلك أي شركة مالِكة أو مشغلة، وشركة التأمين على الشحنة، والمشتري، إذا تخلفت روسيا عن دفع التعريفة المطلوبة على أي شحنة. وإذا امتنعت هذه الأطراف الخاصة بدورها عن السداد في غضون 30 يوما على سبيل المثال، فإنها بذلك تكون خاضعة هي ذاتها للعقوبات. تؤكد أدلة حديثة أن لا أحد ــ بما في ذلك الكيانات الهندية والصينية ــ يريد أن يقع في فخ العقوبات الأميركية.
إن فرض تعريفة جمركية بقيمة 20 دولارا للبرميل الواحد على النفط الروسي كفيل بأن يدرّ ما بين 40 إلى 50 مليار دولار سنويا، تُـدفع للولايات المتحدة. في ظروف مثالية، من شأن التهديد المتمثل في التعريفة الروسية الشاملة أن يفرض على روسيا القدر الكافي من الضغط لحملها على الدخول في مفاوضات جادة، في حين من الممكن أن تشكل إزالة هذه التعريفة جزءا من صفقة تنهي الغزو الروسي المدمر وغير الشرعي تماما وتجلب السلام الدائم لأوكرانيا. سيكون من السهل تصميم هذا الأمر بحيث يؤدي أي عدوان عسكري جديد إلى تجديد أو زيادة الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التعريفة الروسية الشاملة على الفور. للخروج من التعريفة الروسية الشاملة، ما على روسيا إلا أن تتوقف عن مهاجمة الناس.
إذا استمرت روسيا في التفاوض على أساس من سوء النوايا، ستظل الولايات المتحدة تجمع المليارات سنويا بموجب اتفاقية التعريفة الروسية الشاملة. في هذا السيناريو، ستتحمل روسيا على الأقل التكاليف المفروضة على آخرين بسبب اعتدائها الشامل على أوكرانيا. أثناء جائحة كوفيد-19، لم تخفض روسيا إنتاج النفط، حتى عندما انخفضت الأسعار العالمية إلى ما دون 20 دولارا. وفي ظل اتفاقية التعريفة الروسية الشاملة، ستحتاج روسيا إلى الإيرادات أكثر من أي وقت مضى، لذا لن نشهد أي انخفاض في إمدادات النفط العالمية.
كانت التعريفات التي أعلنها ترمب في "يوم التحرير" تتويجا لأول شهرين رهيبين قضتهما إدارته على الساحة العالمية. إنها في احتياج شديد إلى فوز لتعزيز الهيبة الأميركية في مختلف أنحاء العالم وإقناع المستثمرين بأن الولايات المتحدة لم تتحول إلى مكان عدمي ومدمر للذات تماما. ومن شأن نسخة محسنة قليلا من اقتراح التعريفة الجمركية المقدم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ــ نسخة تفرض تكاليف حقيقية على روسيا ــ أن تؤدي هذا الغرض على وجه التحديد.
اضف تعليق