الافراد الذين يمرون في أزمات بالعلاقات الزوجية يعتبرون التحدث عن مشاكلهم الخاصة هو من الضعف والنقص الذي يتسبب بالعار. ولأنها صامتة فإنها تصبح أكثر تعقيدا مع حالات الكبت والتجاهل للحلول الواقعية والوقوع في فخ البدائل السيئة والنتائج الخطيرة، مثل الطلاق ونتائج الطلاق أو الانفصال، أو الطلاق الخفي...

(جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا) رسول الله (ص)

"إن هذا الموضوع من المواضيع التي لا يتم التحدث عنها كثيرا، وهو يدور حول التوتر في العلاقات الزوجية، وهي من الأزمات الخفية والعميقة في المجتمع، فالعلاقات الزوجية هي البنية الأساسية لقيام التراكم البنائي في المجتمع، في كل المراحل اللاحقة للعلاقات الزوجية، من تربية الأبناء إلى تشكيل الأسرة إلى تشكيل الأسر المختلفة المتنوعة، وتشكيل الجماعات، وبالنتيجة تطور المجتمع بشكله ووضعه الخاص، هذا كله قائم على أساس نوعية العلاقات الزوجية الموجودة في المجتمع.

فالعلاقات الزوجية كل البدايات تبدأ منها وعلى ضوئها تتشكل شخصية الفرد وتنمو على ضوء التفاعلات الناتجة عنها. من التشكل النفسي او الاجتماعي او الثقافي للفرد، وينعكس ذلك التشكل الاسري والوضع الاجتماعي، وحتى الاقتصادي.

بالنتيجة من نوعية العلاقة المستقرة أو المتوترة، تحكم على نوعية وصحة وسلامة الفرد في المجتمع، الصحة النفسية، الصحة الجسدية، الصحة الاجتماعية، كيف يكون ويتشكل هذا الفرد، وشخصيته في المجتمع، فبعض الأشخاص والأفراد الذين نراهم في المجتمع، تأثيرات العلاقة بين الأبوين أو بين الزوجين هي التي أثرت على وضعه وبناء شخصيته، ونقصد بذلك ان (البدايات هي التي تؤسّس للنهايات).

وإذا أردت أن تعرف النهايات ولماذا وصل الإنسان إلى هذه النهاية وإلى هذا الوضع، لابد أن ترجع إلى الماضي وتنظر إلى العلاقة بين الزوجين وكيف كانت وكيف أثرت على نفسية الفرد وعلى تشكيل شخصيته.

مع غياب الحلول الصحيحة والسليمة، والمؤثرة في المجتمع، هذه الأزمة الخفية الصامتة تؤدي إلى تصدعات تربوية واجتماعية ومشاكل نفسية، وظهور حالات الطلاق المتزايدة، وبالإضافة إلى ذلك العزوف عن الزواج وحب البقاء على حالة العزوبية، سواء كان بالنسبة للمرأة أو بالنسبة للرجل. وتخلق هذه الازمات الزوجية المتراكمة دوامة متصاعدة من الانطباعات السيئة عن مؤسسة الزواج، متسببة بتزايد العزوف عن الزواج او الوقوع في متسلسلة من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية.

ولكن المشكلة الأساسية لا تكمن في قضية التوتر في العلاقات الزوجية، المشكلة الأساسية تكمن في عدم التحدث والتكلّم في هذه الأمور، وبقاء هذه الأمور صامتة، بحيث ان البعض يعتبر التحدث في هذه الأمور (طبعا هذه القضية تختلف من مجتمع إلى آخر)، من الأمور الخصوصية جدا بحيث إذا تحدث الإنسان عن مشكلته يشعر بالنقص أو بالعار وبالخجل من أن يقول (أنا أعيش مشاكل زوجية).

هذه هي المشكلة الأساسية التي لا يتم التحدث عنها كثيرا، وعندما يتم السكون تتراكم القضايا وتزداد تعقيدا، لأن السكوت يعني البقاء على الأزمة، والأزمة تولّد أزمة أخرى والمشكلة تولد مشكلة، إلى أن يصبح التصدع كبيرا وعظيما، وتصبح عملية الإصلاح صعبة جدا، لذلك نحن نحتاج إلى أن نتكلم في هذه الموضوعات الاجتماعية بانفتاح كثيرا.

وقد تكلمنا عن قضية الطلاق سابقا، وعن قضية العزوبة، ولكن لم نتكلم عن أزمة العلاقات الزوجية.

لماذا اخترتُ هذا العنوان؟

ربما بعض الحضور لديه إشكال في العنوان وينظرون إليه على انه فيه حالة من السلبية، لكن معنى أزمات صامتة لأنه يتم السكوت عنها باعتبارها من الأمور الخاصة والمخجلة، خصوصا ان الافراد الذين يمرون في أزمات بالعلاقات الزوجية يعتبرون التحدث عن مشاكلهم الخاصة هو من الضعف والنقص الذي يتسبب بالعار. ولأنها صامتة فإنها تصبح أكثر تعقيدا مع حالات الكبت والتجاهل للحلول الواقعية والوقوع في فخ البدائل السيئة والنتائج الخطيرة، مثل الطلاق ونتائج الطلاق أو الانفصال، أو لنسمِّهِ الطلاق الخفي الذي يعبر عنه بالانفصال العاطفي بين الزوجين، وهو في الواقع ليس طلاقا، ولكنه جفاء يستمر بين الزوجين إلى آخر العمر، وكأن كل واحد منهما يعيش في جحيمه الخاص. ويبقى في هذا الجحيم من دون أن يجد حلا له، بعض الأشخاص ربما يحصلون على حلول من خلال الطلاق وتنتهي القضية، لكن البعض يبقى يعيش في هذا الجحيم.

لماذا الحلول مستحيلة؟، على العكس من ذلك الحلول ليست مستحيلة، ولكن المجتمع يحوّل هذه الحلول إلى حلول مستحيلة، على مستوى التصارع بين الزوجين، والتكابر بينهما، وعدم التفاهم بينهما إلى حد العناد.

فقد لاحظتُ شخصيا بعض الحالات الموجودة عند بعض الأشخاص، أو بعض المتزوجين وجود حالة من العناد الشديد، في التكابر والتصلّب في الموقف الذي يتخذه، ولا يفكر في أنه لابد أن يحل هذه المشكلة، وفي بعض الأحيان يحدث انفصال بين الزوجين طويل المدى ويبقى بدون حل، وبعض الأشخاص لا يقبل أن يطلّق الزوجة رغم حدوث الانفصال بينهما.

لذلك تحدث حالة من التصارع والتكابر وعدم التفاهم إلى حد التقاطع، فتصبح القضية مستحيلة، بالإضافة إلى عدم البحث عن حلول وسطية، مع العلم إن الإنسان العاقل المتعقّل الذي يبحث عن مصالحه على الأقل، بغض النظر عن القضية الإنسانية أو القضية الشرعية، يبحث عن السعادة، وكما يُقال في علم النفس (يبتعد عن الألم).

لماذا يريد أن يعيش في هذا الألم؟، ألم التصارع والتكابر والتقاطع، لماذا يحب أن يعيش في هذه الأجواء؟، هذا هو الحل المستحيل الموجود عند هؤلاء المتزوجين، ولكن في نفس الوقت هناك حل بسيط جدا، حين يتم الوصول إلى الحلول الوسطى أو التفاهم.

أسباب توتر العلاقات الزوجية:

1- الانفعالات النفسية: مثل الغضب والعجلة في اصدار الاحكام واستخدام العنف في محاولة حل المشكلات. أو الغلبة في حل المشكلات، الانفعال النفسي هو توتر سريع، وهي عملية يعتاد عليها الإنسان في سلوكه ورد فعله تجاه الأشياء التي يتعامل معها في الخارج، فعندما يصل إلى مرحلة رد الفعل، لا يتأنى ولا يصبر بل يصدر منه سلوك تحت الضغط النفسي مما يدل على عدم وجود نضج، لأن العلاقة الزوجية تحتاج إلى الحد الأدنى من النضج النفسي للزوجين حتى لا تصل العلاقة إلى انفعالات سريعة متفجرة تؤدي إلى الغضب والعجلة ثم إلى العنف.

النوازع النفسية: مثل التكبر والانفة والنرجسية والاحتقار الفئوي والطبقي والثقافي. هذه أمور ذاتية نفسية يتربى عليها الإنسان منذ الصغر، وينشأ عليها فتصبح عنده ملَكة، مثل الجُبن الخوف، الشجاعة، الكرم، البخل، الحسد، هذه ملَكات يتربى عليها الإنسان، فالنوازع النفسية تؤثر على عملية طبيعة العلاقة الزوجية. مثلا الإنسان المتكبر الذي يعاني من التعجرف والأنفة، فإذا كانت زوجته في مستوى علمي أقل منه أو مستوى طبقي أقل، يمارس عملية الاحتقار مع الزوجة، أو بالعكس، هذا الاحتقار الفئوي أو الطبقي هو أحد أسباب توتّر العلاقات الزوجية، بالإضافة إلى حالة النرجسية والتمحور على الذات بالنسبة إلى شخص الزوج، أو الزوجة، وبالنتيجة هذا التمحور يريد أن يدور حوله كل العالم، فيريد من الزوجة أن تدور حوله وتصبح مجرد خادمة له.

2- فقدان القدرة على التواصل: وبالتالي التفاهم ومن ثم التعايش مع الاخر، والسبب في ذلك انغلاق الانسان على نفسه وغياب حسن الاستماع، وعدم الشعور بوجود الآخر. يتسبب بسوء التفاهم وعدم معرفة ما يفكر بها الآخر. هذا التواصل بحد ذاته يعد من أهم النقاط الغائبة في المجتمع، فالتواصل ليس تواصلا جسديا فقط، وإنما هو قضية قائمة على قدرة الإنسان على أن يفهم الآخر وكيف يفكر الآخر، وما هي سلوكيات الآخر؟

هذا بحد ذاته فن، وهذا الفن أو هذه المهارة وهذه القدرة، غائبة عن كثير من الناس، أما بسبب نوع من البلادة الزوجية أو البلادة الاجتماعية، أو توجد عنده مشكلات مع المجتمع نتيجة لعدم وجود قدرة على التواصل الفعال والسليم، وهذا من أسباب انسداد الإنسان على نفسه، كما جاء في الآية القرآنية: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد 24، فالقلب المقفل على ذاته، على نفسه على أفكاره على سلوكياته، على انطباعاته ومستبد برأيه، هذا يؤدي بالإنسان إلى فقدان القدرة على التواصل مع الزوجة، أو الزوجة مع الزوج، ويؤدي بالنتيجة إلى سوء تفاهم.

ولذلك كل انسان بحاجة إلى ملَكة في حسن الاستماع، بينما نحن نتحدث أكثر مما نستمع، وعندما يتحدث الإنسان أكثر مما يستمع سوف يخلق حُجُب وحواجز مع الآخرين.

الإنسان الحقيقي الواقعي المتوازن القادر على فهم الآخرين هو الذي يمتلك القدرة على حسن الاستماع.

3- ترك الاهتمام بالآخر واللامبالاة، يؤدي الى جمود العلاقات الزوجية، اللامبالاة من الأمراض الخطيرة الموجودة عند الإنسان، وعدم اهتمام الزوج بالزوجة أو العكس، هذا السلوك يقلل اعتراف هذا الإنسان بالآخر، ويقلل من احترامه، وتقديره، لأن الإنسان يحب أن يُقدَّر ويثمَّن خصوصا من الشخص الذي يحبه، لذا فإن المحبة الحقيقية هي التي يكون فيها تقدير متبادَل، وتثمين لشخصيته.

لكن أغلب الناس لا يفهمون هذه المعادلة، أو غير منتبهين لها، فلا يقوم بالالتزام المطلوب لذلك الشخص، فيؤدي هذا الى جمود العلاقات والجفاء وفقدان الحب والاحترام. وخصوصا مع طغيان الفردية وفقدان الاحساس بالمسؤولية، وعدم حب العمل والارتقاء، والانشغال بالملذات واللهو واللعب والمتع، وانشغال الإنسان بنفسه فحسب.

كما نلاحظ اليوم في مجتمعاتنا، كلما تزداد فرديتها تفقد الشعور الإنساني، فطغيان الفردية تعني فقدان الشعور الإنساني والاهتمام بالآخرين وبمشاكلهم. وهذا يعني الانشغال بالملذات والمتع الخاصة.

وعن الامام الصادق (عليه السلام): (من سعادة الرجل أن يكون القيم على عياله). أي يكون مسؤولا ومهتما بعياله، وعن عن الرسول صلى الله عليه وآله: (من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا)، فالأهلية تعني تحمل المسؤولية، أما الفردية فتؤدي بالإنسان إلى عدم تحمل المسؤولية، والإنسان الناجح في حياته هو الذي يتحمل المسؤولية في حياته كلها.

الإنسان الذي يعزف عن الزواج أو يهرب منه، أو يهرب من الاهتمام بالعلاقات الزوجية، هو الإنسان الذي يهرب من النجاح ويختار الفشل، فالإنسان الذي يحب المتع وينشغل بالملذات فهو يذهب نحو الفشل، فيقول لا توجد فائدة في الحياة، لماذا أتحمل المسؤولية، فمخافة العيلة تعني أن الإنسان الذي يتحمل مسؤولية عائلته هو الإنسان الذي ينجح في نهاية المطاف، وهذا أحد المؤشرات المهمة في عملية الاهتمام بالعائلة.

4-الجهل الجنسي: من أكثر مسببات سوء العلاقات الزوجية، وذلك بسبب غياب الثقافة الجنسية، والاعتماد على الاشباع الجنسي المحض دون مشاعر وعواطف متسببا بالإحباط والاكتئاب النفسي، فالعلاقة الجنسية تكامل بين المادي والمعنوي. والاشباع في حقيقته هو معنوي. الغريزة الجنسية عند الإنسان أقوى الغرائز باعتبارها تمثل حب البقاء، لذلك غريزته الجنسية الشهوانية أقوى من الغرائز الأخرى.

وإن كانت غريزة الطعام قوية أيضا، لكن هذه الغريزة أقوى باعتبارها ترتبط بحب البقاء من ناحية الامتداد الوجودي للإنسان في المستقبل، فالإشباع الجنسي الغريزي المحض يؤدي بالإنسان إلى عدم إشباعه بصورة حقيقية، لأن الإنسان يختلف عن باقي المخلوقات بأنه متعقّل، في أبعاد أخرى وليس في بعد غريزي فقط، فهناك بعد نفسي وروحي ومعنوي وعقلي.

هذه الأبعاد تعمل معا وليس بعدا وحدا، ليس هناك إنسان ذو بعد واحد، وإنما الإنسان ذو الأبعاد المتعددة، فهذه الأبعاد تعمل معا، فإذا أكل الإنسان الطعام مثلا، لمجرد أكل الطعام دون أن يلتذ به، فهذا الإنسان لا يحصل على اللذة الحقيقية، كالإنسان الذي يعمل ويأكل أثناء الأكل لوحده، فهو يأكل فقط ولا يشعر بلذة الطعام، بينما لو أنه جلس مع عائلته، جلسة جميلة ومفرحة مع وجود التواصل العاطفي فيما بينهم، نلاحظ أنه يلتذ بأكل الطعام أكثر مما لوكان لوحده، لذا جاء في فقه الرضا (عليه السلام): (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لعن ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيت وحده). لأن اللذة بالطعام هي لذة معنوية، أكثر مما هي مادية، كذلك اللذة الجنسية، فيها بعد إشباع معنوي، وإشباع عاطفي لكن الكثير يقع فريسة اللذة المادية، فلا يلتذ حقيقة، مثل اللذة التي تأتي من المال الحرام أو الزنا وهي لذات تؤدي إلى الاكتئاب، فلا يشعر بالاستمتاع الحقيقي مجرد شهوة محضة تلتقي مع العبث.

الإشباع الحقيقي في العلاقات الزوجية، يأتي من خلال عملية التواصل المعنوي والعاطفي والمهارات الزوجية المتكاملة، التي تؤدي إلى التفاعل بين الطرفين، طبعا هذا يؤدي إلى التكامل بين المعنوي والمادي في كل شيء عند الإنسان وخصوصا في القضية الجنسية.

6- فقدان القدرة على التعبير بالمشاعر، بل كبتها الى حد التبلد والتحجر، وهذه موجودة في المجتمعات التي تعتبر التعبير عن المشاعر هو ضعف ونقص، مما يتسبب بالانفصال العاطفي وفقدان التواصل وتحجر العلاقات.

7- ارتفاع التوقعات المادية المصلحية، فالزواج الذي ينبني على المصالح المادية، يؤدي إلى أن يكون الزواج مادي أيضا وهذا يعني أن الزواج شكلي وغير حقيقي، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). هذه هي القاعدة، الدين والأخلاق، التقوى والأخلاق الطيبة.

فالإنسان الذي يوجد عنده دين وصدق وأخلاق طيبة ومداراة، وعنده رفق زوجوه، ولا تفكروا في المال، لأن المال متغير والرزق متغيّر يأتي ويذهب، فالإنسان الذي يتزوج وهو فقير، سوف يصبح غنيا في المستقبل، لأن زواجه قام على تحدي الصعوبات، وينبني زواجه وحياته وأسرته على تراكم الجهود فتكون حياته أسعد، أما الشخص المكتفي ماديا وتزوج وهو غني، فيرى أنه لا يحتاج إلى أن يجاهد ويعمل ويناضل، فتصبح حياته مادية.

8- فقدان ثقافة الاستشارة وقبول النصيحة، لا يقبل أن يستشير أحدا، لكن هناك مشكلات مستمرة في الحياة، تحتاج من الإنسان إلى أن يستشير دائما ويقبل النصيحة.

9- سيطرة الأعراف والأفكار النمطية في الذهنية الاجتماعية التي تعطي انطباعات سيئة مسبقة عن الزواج وخصوصا عن الزوجة. مثلا يقول الشباب لبعضهم أنصحك أن لا تتزوج، أو يسمع صديقه يتحدث عن مشاكله الزوجية فتتراكم في ذهنه هذه الانطباعات السيئة، فعندما يتزوج فإن نفس هذه الانطباعات الموجودة في ذهنه يمارسها في علاقاته الزوجية، مثلا يتكلم ضد المرأة وضد الزوجة وهكذا.

10- ثورة شبكات التواصل الاجتماعية خلف صورا وهمية في الذهنيات المستلبة، مما أدى ترسيخ مغالطة المقارنة مع الآخرين. حيث يخلف صورا وهمية عند كثير من الشباب والشابات، ويؤدي إلى ترسيخ مفهوم مغالطة المقارنة، فإياكم ومغالطة المقارنة، لا تقارن نفسك مع الآخرين، ولا تقارن أولادك مع الآخرين، ولا تقارن زوجتك مع الأخريات.

فليكن لديك نوع من التفكير الخاص الذي يرتبط بوضعك وقضيتك، أما المقارنة فهي تدمير للعلاقات الزوجية، مثلا قد يقول الزوج لزوجته أنت لست جميلة مثل تلك الممثلة، أو تلك المغنية، وصانعة المحتوى وهكذا، هذا شيء خاطئ، لذا نلاحظ أن المرأة تذهب وتجري عمليات تجميل كثيرة، إلى أن تصبح امرأة مشوهة، القضية ليست جمال الشكل، وإنما جمال معنوي وارتباط عاطفي حقيقي بين الزوجين.

الحلول والبدائل

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم21/22، هذه خريطة ووصفة كاملة للعلاقات الزوجية، وكيف يصبح الإنسان سكنا، بمعنى موطن للارتياح والاطمئنان والشعور بالاستقرار عند الإنسان.

فالزوجة تحصل على سكن، والزوج يحصل على سكن، ليس بمعنى الدار، فربما يعيش الإنسان في قصر كبير جدا، متوفرة فيه كل الأمور، ولكن ترى هذا الإنسان غير سعيد، لكن قد ترى إنسانا يعيش في غرفة واحدة ويشعر بالراحة مع زوجته، فهذا هو السكن الحقيقي، هذا هو معنى الشعور بالراحة والاستقرار والرضى الذاتي عن الحياة.

من النقاط التي نحتاجها في قضية الحلول والبدائل:

1- التركيز على تعلم اخلاق الحياة: مثل التواضع والتسامح والتغاضي والتغافل والعفو والصفح، هذه السلوكيات ترتكز على ادراك واقعية أن الأهم هو الاهتمام بالأهداف التي توصل الانسان للسعادة والاطمئنان وعدم الوقوع في شباك التفاصيل الجانبية، تحجيم المشكلات وعدم تضخيمها مثلا-الابتعاد عن العناد. فالتفاصيل الجانبية هي المدمرة وكما يقال الشيطان يكمن في التفاصيل، لأن الإنسان يجعل منها جبالا ضخمة.

2- التعلم على إطفاء الغضب الداخلي، الذي يستعر في الاغلب من أوهام تتراكم او الحساسية من أخطاء الطرف الاخر. من خلال سعة الصدر والقلب، وممارسة الصبر والتصبر والتأني في اتخاذ القرار. وعدم السماح للأوهام تأتي إلى الذهن وتجعل قلب الإنسان يشتعل بالغضب، كل واحد منا يوجد لديه هذه الحالة فيصبح في قلبه غضب تجاه آخرين، هذا الغضب يبدأ بفكرة ووهم وينمو إلى أن يصنع شيئا كبيرا من الوهم ضد الطرف الثاني.

وهذه القضية موجودة بين الأزواج بشكل أكبر وأعظم نتيجة للاحتكاك الدائم والمتطلبات المشتركة بين الزوجين، وخصوصا المتطلبات الجنسية، فتحصل أوهام عند الإنسان وعدم فهم للطرف الآخر.

3- الوعي بمفهوم اللذة، والاستمتاع من تكامل الابعاد الثلاثة الجسدية والمعنوية والثقافية، او تحقيق الاعتدال من خلال خلق التوازن بين العقل والغريزة، فتعقل الغريزة يعطي إدراكا عميقا للذة ووعيا جميلا بمفهوم الحياة. تشجيع المجتمع على حل المشكلات الجنسية والزوجية، وكذلك من خلال وجود مؤسسات إرشادية، ويمكن للإنسان أن يتعلم ويأخذ نصيحة من الآخرين ما هو المانع من أن يستشير شخص آخر، لماذا يكون هناك نوع من التكبر على أخذ النصيحة من الآخرين؟

4- تعلم ابراز المشاعر وعدم كبتها مما يؤدي الى تمتين العلاقات الزوجية ورفع الحجب القامعة للتواصل العاطفي. مما يؤدي الى بقاء شعلة المحبة متقدة بين الزوجين.

الرسول (صلى الله عليه وآله): (قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا).

5- تعلم مهارات التواصل الفعال بين الزوجين وبناء أسس التفاهم والقبول بوجود الاختلاف الفكري وإدارة هذا الاختلاف إيجابيا من خلال الحوار.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من حسن بره بأهله زاد الله في عمره)، من ناحيتي الصحة النفسية والجسدية بسبب السعادة الزوجية.

6- اعتماد مبدأ الشراكة والتعاون بين الزوجية وليس التبعية. وترسيخ سلوكيات الاحترام والاهتمام والعطاء والتفاني، فهما يركبان في مركب واحد.

وعن الامام الباقر (عليه السلام): (ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها).

وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): (إذا سقى الرجل امرأته أجر)، (لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة)، (جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا).

7- الحصول على الثقافة الجنسية الصحية من خلال قراءة الكتب الصحية، والدخول في دورات تثقيفية وتعليمية، وخصوصا للمقبلين على الزواج.

8- تشجيع المجتمع على ثقافة الاستشارة لحل المشكلات، من خلال وجود مؤسسات ارشادية متخصصة.

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). النساء 35.

المجتمع المتقدم هو الذي يستطيع ان يتجاوز مشكلاته بلينه بمرونته وعدم تصلبه وعناده، ومن خلال السعي الى حلها وعدم غض الطرف عنها او اقفال القلب او وضع اليد في الاذن.

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان 43/44.

تعقيب عن الزواج المبكر

يحتاج موضوع الزواج المبكر إلى بحث خاص به، لأنني أرى أن الزواج المبكر مهم جدا، لأنه كلما يتأخر سن الزواج يصبح صعبا ومعقدا ومستعجلا، ويحدث اختيار سيّئ، لماذا؟ لشيئين:

أولا: تأخير سن الزواج، خصوصا بالنسبة للرجل، وسوف يأتي للزواج وهو عنده الكثير من التجارب الجنسية، فيأتي للزواج وهو محمل بهذه التجارب الجنسية وأكثرها سيئة، فيحملها على زواجه، ويؤدي هذا إلى سوء العلاقة الزوجية، لأن التجارب الجنسية تختلف عن الزواج.

ثانيا: ماذا تفعل الغريزة الجنسية عند المراهق والشاب؟ أين يذهب بطاقته الجنسية، الكبت يجعله معقدا، أو يذهب نحو الانحراف وإشباع شهوته الجنسية بطريقة ثانية، ثم أن الزواج المبكر ولا اقول بعمر 12 أو 13 سنة، بل 18 أو 19 سنة، هذا عمر جيد، وهذا يجعل الزوجين كلاهما ينشآن معا، وتكون عند الزوجين قدرة على التفاهم، ليس لديهما تصلب، بل عندهما مرونة فيتم التفاهم بينهما ولكن مع وجود شروط، من ضمن الشروط الإعداد الثقافي والمعرفي والنفسي الجيد للعلاقة الزوجية.

* ورقة مقدمة الى مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث في جلسته الحوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي التي عقدها تحت عنوان (العلاقات الزوجية.. أزمات صامتة وحلول مستحيلة)

اضف تعليق