الانسان بطبيعته يحب ملكيته الخاصة وحريته الاقتصادية ويسعى، من ذاته دون أي أكراه؛ لتحقيق الربح لتنمية ثروته وتعزيز رفاهيته، وما يكفل تحقيق هذه العناصر هو نظام القطاع الخاص، لذلك يُعد الأخير هو الأكثر انسجاماً وتفاعلاً وطبيعة الانسان وبالتالي يجعل الاقتصاد أقوى. ويمكن تأكيد ذلك من خلال تجارب...
في العادة ان الاستبداد لا يعترف بقواعد ومعايير بل ان مزاجه وتفكيره ورأيه هي القواعد والمعايير فيعمل على توظيف كل شيء، بما فيها الاقتصاد؛ لصالحه وبما يسهم في ترسيخ وجوده.
حيث يمثل الاقتصاد عصب الحياة، ومن يسيطر على الاقتصاد يسيطر على الحياة، لذلك دائماً ما يضع الاستبداد يده على الاقتصاد لأجل السيطرة على الحياة وضمان بقاء وجوده في أي بلد.
كيف يسيطر الاستبداد على الاقتصاد؟
لا يمكن معرفة الاجابة على هذا السؤال بسهولة دون معرفة كيف يسير الاقتصاد اولاً وذلك من خلال معرفة النظام الاقتصادي.
إذ ان اي اقتصاد لا يمكن أن يسير بلا نظام اقتصادي يُمثل الاطار العام الذي يسير الاقتصاد وفقاً له، وأبرز الانظمة الاقتصادية وضوحاً هو النظام القائم على الدولة والنظام القائم على القطاع الخاص.
يختلف نظام الدولة عن نظام القطاع الخاص بثلاثة عناصر من الضروري معرفتها لتعطينا صورة واضحة عن تكوين وكيف يسير الاقتصاد وكيف يسيطر عليه الاستبداد لاحقاً.
حيث يضم نظام الدولة ثلاثة عناصر مهمة وهي:
اولاً: الملكية العامة
ثانياً: التخطيط المركزي
ثالثاً: الربح الاجتماعي
أي ان عناصر الانتاج تعود لعموم المجتمع ولا يُمكن لأحد الانفراد بها والسيطرة عليها لان ملكيتها تعود للجميع.
ثم يأتي جهاز التخطيط المركزي ليأخذ على عاتقه وضع وتنفيذ الخطط الاقتصادية للاقتصاد برمته من رأس الهرم نزولاً لقاعدة الهرم.
كما تهدف الدولة عبر الملكية العامة لعناصر الانتاج والتخطيط المركزي للاقتصاد برمته لمحاربة الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
بمعنى آخر، ان الدولة هي المحرك الرئيس للاقتصاد من خلال ملكيتها لعناصر الانتاج والتخطيط المركزي لجميع قطاعاته ومن أعلى الهرم لأدناه وذلك لاعتبارات اجتماعية بالدرجة الاولى، وما للقطاع الخاص إلا دور ثانوي.
وفي المقابل يضم نظام القطاع الخاص ثلاثة عناصر مهمة وهي
اولاً الملكية الخاصة
ثانياً: المنافسة
ثالثاً: الربح الاقتصادي
أي ان عناصر الانتاج تعود ملكيتها للأفراد، وتكون متاحة امامهم ولا يحق لاحد، بما فيه الدولة؛ منع الافراد من التصرف بها إلا ما يتعارض مع المصلحة العامة.
كما تمثل المنافسة أحد مكونات السوق المهمة وهي من يضبط ايقاع الاقتصاد، حيث يتنافس المنتجون على اكتساب حصة أكبر في السوق لأجل اهدافهم الاقتصادية.
وان هدف الافراد من ممارسة نشاطهم الاقتصادي هو تحقيق الربح كونه يسهم في تنمية ثرواتهم.
اذن، القطاع الخاص، من افراد وشركات؛ هو المحرك الرئيس للاقتصاد من خلال الملكية الخاصة والمنافسة وذلك لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الاولى.
كيف يسير الاقتصاد؟
بعد ان اتضحت عناصر تكوين النظامين نأتي الآن لبيان كيف يسير الاقتصاد وفق النظامين وكما يلي:
وفق القطاع الخاص
يسير الاقتصاد وفق نظام القطاع الخاص بشكل حر دون أي تجميد أو تحديد من قبل الدولة، أي لم يتم تحديد الاسعار او الاجور بشكل مركزي وانما من خلال تفاعل السوق (العرض والطلب).
فعندما يرتفع سعر سلعة معينة سينخفض الطلب عليها وتنخفض اسعارها وصولاً للسعر التوازني الذي يتساوى عنده العرض مع الطلب، والعكس صحيح عندما ينخفض سعر سلعة معينة سيزداد الطلب عليها وترتفع اسعارها وصولاً للسعر التوازني ايضا.ً
حيث لا يمكن لاحد، لا المستهلكين ولا المنتجين؛ من التحكم بالأسعار، سوى تفاعل العرض والطلب؛ لأنه في الوقت الذي يرغب المنتجين بالأسعار المرتفعة لزيادة الارباح، يرغب المستهلكين بالأسعار المنخفضة لزيادة منفعتهم.
ونظراً لاستحالة تحقيق رغبة واهداف الطرفين في آن واحد، سيضطر كل منهما للتنازل قليلاً عن رغبته والقبول بأهداف أقل حجماً، في هذه اللحظة ستحصل الاسعار التوازنية لان المنتجين سيبيعون ويحققون أرباح والمستهلكين سيشترون ويحققون منفعة بشكل اختياري لا اجباري.
وفق الدولة
بينما الاقتصاد الذي يسير وفق نظام الدولة لا يمكن أن يعمل بشكل حر لان التخطيط المركزي يحدد الاسعار ويجمد الاجور في الاقتصاد بشكل اداري من أعلى جهة لأدنى جهة.
كما يعمل على توجيه الموارد نحو هذا القطاع أو ذاك حسب قراءة الجهات التخطيطية والجهات المسؤولة عليها.
في هذه الحالة لا يمكن الخروج عن هذه الاسعار والاجور والموارد ومن يخرج عنها سيتعرض للعقوبة الادارية كونه لم يلتزم بالتوجيهات الادارية ذات الشأن الاقتصادي.
وان التوجيه المركزي للأسعار والاجور والموارد قد لايكون دقيقاً بفعل تدخل الرغبة والمزاج بعيداً المعقولية والموضوعية، وفي هذه الحالة يكون اداء الاقتصاد أقل كفاءة لكنه يسير وفق التخطيط المركزي لجميع الموارد الاقتصادية بحكم الملكية العامة.
إذن، الاقتصاد يسير بشكل تفاعلي بين القرارات الاقتصادية للمنتجين والمستهلكين داخل السوق في حالة نظام القطاع الخاص، لكنه يسير وفق القرارات الادارية المركزية في حالة نظام الدولة.
بعبارة أخرى، ان الاقتصاد الذي يسير بشكل تفاعلي هو اقتصاد قائم على الحرية الاقتصادية لان القرارات الاقتصادية تتخذ من قبل الافراد بدون أي تدخل بها من قبل الدولة لا اقتصادياً ولا سياسياً والعكس صحيح.
أيهما افضل؟
وتجدر الاشارة لمسألة الأفضلية بين النظامين، ويتضح من خلال عناصر ومسيرة النظامين، ان الاقتصاد القائم على القطاع الخاص أفضل من القائم على الدولة لأنه يجعل الاقتصاد أقوى بحكم انسجامه مع طبيعة الانسان، حيث ان أي نظام ينسجم وطبيعة الانسان سيكون أقوى بلا شك.
ان الانسان بطبيعته يحب ملكيته الخاصة وحريته الاقتصادية ويسعى، من ذاته دون أي أكراه؛ لتحقيق الربح لتنمية ثروته وتعزيز رفاهيته، وما يكفل تحقيق هذه العناصر هو نظام القطاع الخاص، لذلك يُعد الأخير هو الأكثر انسجاماً وتفاعلاً وطبيعة الانسان وبالتالي يجعل الاقتصاد أقوى.
ويمكن تأكيد ذلك من خلال تجارب الواقع، ان أغلب الدول التي تعتمد القطاع الخاص أو في طريقها لاعتماده نظاماً لاقتصادها هي دول متقدمة أو آخذة بالتقدم، خصوصاً إذا ما كان النظام الديمقراطي، سياسياً؛ هو السائد فيها، والعكس صحيح.
أي ان أغلب الدول التي تعتمد الدولة أو في طريقها لاعتمادها نظاماً لاقتصادها هي دولة متخلفة أو في طريقها للتخلف، خصوصاً إذا ما كان الاستبداد السياسي هو السائد.
كيف يسيطر الاستبداد على الاقتصاد؟
هناك علاقة وثيقة بين السياسة والاقتصاد، حيث ان السياسية ترسم الاطر العامة للمجالات الأخرى بما فيها الاقتصاد.
وفي الغالب عندما تكون الديمقراطية السياسية هي السائدة يتم اعتماد نظام القطاع الخاص، وعندما يكون الاستبداد السياسي هو السائد يتم اعتماد نظام الدولة لتشغيل الاقتصاد.
لان الاستبداد السياسي والاقتصاد القائم على الدولة يسيران بشكل طردي في حين الاستبداد السياسي والاقتصاد القائم على القطاع الخاص لا يسيران بشكل طردي.
بمعنى ان القطاع الخاص لايخدم الاستبداد السياسي، لان القطاع الخاص يبحث عن الحفاظ على ملكيته الخاصة وتنمية ثروته بدافع الربح الاقتصادي وان الاستبداد لا يسمح له بهذا الحال ويريد أن يصب كل شيء لصالحه.
بينما الاقتصاد القائم على الدولة يجعل الباب مُشرعاً أمام الاستبداد للتدخل والسيطرة على الموارد وتوجيه الاقتصاد وفقاً لما يراه هو لا وفقاً لما يراه أصحاب الخبرة والاختصاص.
فتصبح الملكية والموارد كلها للاستبداد السياسي ويقوم التخطيط المركزي برسم السياسة الاقتصادية للبلد في إطار ما يتطلع إليه القابع على سدة الحكم، فتصبح حياة الاقتصاد وموته بيد السيد الرئيس!
الاستبداد والاقتصاد المستدام
المشكلة الأكبر، ان الاستبداد لايريد أن يًكون سياسياً وحسب بل يريد أن يكون استبداداً شمولياً فيروم حصر جميع الموارد والقطاعات بيده ولا يسمح للمجتمع باكتشافها واستثمارها بشكل مستقل عنه، بل ويعمل على توجيهها نحو القطاعات التي تخدمه وذلك لضمان بقاءه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ان هيمنة الاستبداد على الموارد وتوجيها نحو قطاعات الأمن والدفاع في سبيل السيطرة على المجتمع وخصوصاً المعارضة او الهجوم على الدول الأخرى، أمر لايخدم الاقتصاد بقدر ما يدمره.
وقد يوجّه، الاستبداد؛ الموارد نحو القطاعات البشرية كالتربية والتعليمية وغيرها، والموضوع لا يتعلق بتوجيه الموارد نحو القطاعات البشرية وحسب بل الموضوع يتعلق في مدى قدرة الاستبداد على خلق مجتمع قادر على بناء اقتصاد قوي مستدام؟!
لا يسمح الاستبداد السياسي ان يجعل المجتمع قادرا على بناء اقتصاد قوي مستدام، لان بقاء الاستبداد السياسي قائم على تخلف المجتمع وحاجته له فليس من مصلحته (الاستبداد) بناء مجتمع متقدم قادر على بناء اقتصاداً متقدماً ومن ثم لا يحتاجه، وأبرز مثال على ذلك هو العراق.
كما ان الاقتصاد القائم على الدولة لا يستطيع أن يبني اقتصاداً قوياً مستداماً، لانه لايستطيع تحقيق الاستخدام الامثل للموارد، إضافة الى انه أقل انسجاماً مع طبيعة الانسان، كما ذكر آنفاً، وأبرز مثال على ذلك هو تجربة دول الاتحاد السوفيتي.
خلاصة القول، حينما تكون الديمقراطية، سياسياً؛ والقطاع الخاص، اقتصادياً؛ يسيران في اتجاه واحد، سيتحسن اداء الاقتصاد ويصبح قوياً ومستداماً، وحين يسير الاستبداد، سياسياً؛ ونظام الدولة، اقتصادياً؛ فًي اتجاه واحد سيتعثر اداء الاقتصاد ويصبح ضعيفاً ومتذبذباً.
اضف تعليق