تمتد آثار الصراعات فلا تقتصر على الاقتصاد وحسب، فتسبب معاناة إنسانية جمَّة وتزهق أرواحا وتزيد الهشاشة وانعدام الأمن الغذائي. ويمكن للمؤسسات والأساسيات الاقتصادية القوية (مثل إتاحة حيز في الموازنات الحكومية للاستجابة للاحتياجات الإنسانية والاجتماعية) أن تساعد على توفير هوامش أمان للاقتصاد في مواجهة تأثيرها...

إن الاقتصادات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أشد تأثرا بالصراعات – فحتى بعد مُضي عقد على اشتعال صراع حاد، يظل نصيب الفرد من الدخل فيها أقل بنحو 10%. 

ولا خلاف على فكرة أن الصراع العنيف يخفض الناتج الاقتصادي. ومع هذا، من الواضح أن تداعياته تكون أشد وأطول أمدا في هاتين المنطقتين مقارنة بمعظم المناطق الأخرى، كما نوضح من خلال أحد الفصول في أحدث تقاريرنا عن آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

فبعد مُضي عام على اشتعال صراع حاد، ينخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في بلدان هاتين المنطقتين بنحو 2% مقارنة بما كان عليه قبل الصراع، ويمتد هذا التراجع ويصل إلى حوالي 10% بعد مُضي عشر سنوات. وعلى العكس من ذلك، عادة ما تشهد البلدان في المناطق الأخرى هبوطا مماثلا، يبلغ نحو 2%، بعد العام الأول من اشتعال الصراع، لكنها سرعان ما تتعافي بشكل كبير بعد العام الخامس، كما يتبين من الرسم البياني لهذا الأسبوع.

آثار طويلة الأمد اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تعاني من آثار وقوع صراع حاد على مدار عقد تقريبا، بينما الآثار في المناطق الأخرى سرعان ما تتلاشى بعد خمس سنوات. تأثير الصراعات على نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي.

وتؤكد النتائج المستخلصة حدوث آثار معاكسة على الأداء الاقتصادي، فضلا على ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض الاستهلاك والاستثمار والصادرات وإيرادات المالية العامة. وتحليلنا، الذي يستند إلى أحداث شهدتها الفترة من 1989 إلى 2022 التي يتتبعها برنامج أوبسالا لبيانات الصراعات، يتضمن فترات من أعمال العنف الفتاكة بين مجموعات أحدها على الأقل هو الحكومة أو بين جماعتين منظمتين، لا تمثل أي منهما الحكومة. وقد تحمَّلت بعض دول المنطقة الأشد تضررا من الصراعات – وهي أفغانستان والعراق والصومال والسودان وسوريا – شكلا ما من أشكال الصراع خلال معظم فترة العينة.

والآثار الأسوأ، التي تشهدها منطقتا الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهما من أشد المناطق عرضة للصراعات، يُرَجَّح أن تكون انعكاسا للآثار الأشد حدة التي تنجم عن الصراعات عالية الكثافة (وهي أكثر تواترا في هاتين المنطقتين) وتفشي أوضاع مسبقة ساهمت في تفاقم المشهد. فعلى سبيل المثال، تشير النتائج التي استخلصناها إلى أن البلدان ذات المؤسسات الأضعف غالبا ما تتكبد خسائر أفدح من غيرها من البلدان. ولا تؤثر الصراعات على البلدان المعنية مباشرة فحسب، بل يمكن أن تمتد آثارها غير المباشرة إلى بلدان أخرى، مع اختلاف الأثر بناء على قنوات انكشافها.

وتمتد آثار الصراعات فلا تقتصر على الاقتصاد وحسب، فتسبب معاناة إنسانية جمَّة وتزهق أرواحا وتزيد الهشاشة وانعدام الأمن الغذائي. ويمكن للمؤسسات والأساسيات الاقتصادية القوية (مثل إتاحة حيز في الموازنات الحكومية للاستجابة للاحتياجات الإنسانية والاجتماعية) أن تساعد على توفير هوامش أمان للاقتصاد في مواجهة تأثيرها.

https://www.imf.org/

اضف تعليق