ضرورة العمل على تحقيق التوازن في الموازنة، وذلك من خلال إعادة النظر بدور الدولة في الاقتصاد، أي كلما تنسحب الدولة ستنخفض الاعباء المترتبة عليه وهنا سيتحقق توازن الموازنة. كذلك، العمل على تعزيز الايرادات غير النفطية لأجل تقليل الاعتماد على الايرادات النفطية والحد من الاثار المرتبطة...
تعطي التخصيصات الاستثمارية في الموازنة العامة دوراً أكبر للوزارات وهي أقل تنفيذاً، وأقل للمحافظات وهي أكبر تنفيذاً لتلك التخصيصات.
اولا: الموازنة العامة 2023
في الوقت الذي بلغ اجمالي النفقات 198.910 تريليون دينار، بلغ اجمالي الايرادات 134.552 تريليون دينار، ونظراً لزيادة النفقات على الايرادات اصبحت الموازنة تعاني من عجز مالي قدره 64.375 تريليون دينار.
1- اجمالي الايرادات
حيث قدرت الايرادات النفطية بما فيها صادرات المنتجات النفطية 117.252 تريليون دينار، بينما قدرت الايرادات غير النفطية 17.300 تريليون دينار.
2- اجمالي النفقات (التخصيصات)
وفي الوقت الذي قدرت النفقات الجارية 149.559 تريليون دينار، قدرت النفقات الرأسمالية 49.350 تريليون علماً انها تضم مجموعة متنوعة من الانفاق الاستثماري.
ثانيا: التخصيصات والمصروفات الاستثمارية
بلغ مجموع التخصيصات الاستثمارية لجميع الوزارات والمحافظات والجهات الاخرى 49.350 تريليون دينار، حسب قانون موازنة 2023، فيما بلغت المصروفات الاستثمارية 24.190 تريليون دينار حسب التقرير الفعلي لوزارة المالية لغاية 31 كانون الاول لعام 2023.
يتضح بشكل عام من الشكل أعلاه، ان التخصيصات الاستثمارية تفوق المصروفات الاستثمارية، بمعنى لم يتم إنفاق جميع التخصيصات الاستثمارية نحو المجالات التي خصصت لأجلها، وظهرت وفرة كبيرة، وهذا يعود لأمرين الاول ضعف الطاقة التنفيذية والثاني ضعف التخطيط، ولكن الأرجح ضعف الطاقة التنفيذية لان العراق بحاجة للمزيد من الاستثمارات.
ثالثاً: التنفيذ المركزي واللامركزي
ان التخصيصات الاستثمارية أعلاه، تم توزيعها على الوزارات والمحافظات وجهات أخرى لأجل تنفيذها، ولذلك سيتم تناول الموضوع حسب التنفيذ إن كان مركزي (وزارات) أو لامركزي (محافظات) لأجل بيان أيهما أفضل من حيث التنفيذ.
وتجب الاشارة، إلى ان كل ما يُذكر هنا، يتعلق بالتخطيط والتنفيذ الماليين، اي ما ستنفقه الحكومة خلال سنة قادمة، وما انفقته الحكومة فعلاً دون الاخذ بنظر الاعتبار مدى تحقق هذا الانفاق على ارض الواقع.
1- التخصيصات والمصروفات الاستثمارية حسب التنفيذ المركزي
بلغت التخصيصات الاستثمارية التي خصصت للوزارات (التخصيص المركزي) أكثر من 37.653 تريليون دينار، بينما المبالغ التي صرفتها تلك الوزارات (التنفيذ المركزي) من التخصيص المركزي بلغت أكثر من 15.319 تريليون دينار، بمعنى ان المبالغ المصروفة من قبل الوزارات لم تتجاوز نسبتها 41% من المبالغ المخصص لها، والمتبقي(الوفرة) (أكثر من 22.334 تريليون دينار) والشكل أدناه يوضح ذلك.
أي ان الوزارات (التنفيذ المركزي) ضعيفة في تنفيذ المشاريع الاستثمارية التي حددتها مسبقاً، وذلك لأسباب ذاتية تتعلق بضعف الادارة والفساد أو اسباب موضوعية تتعلق بعدم وجود بيئة مشجعة على تنفيذ خططها كضعف الاستقرار الامني او السياسي او الاجتماعي.
ويمكن ملاحظة خارطة التنفيذ المركزي حسب الوزارات في الشكل أدناه.
نلاحظ من خلال الشكل أعلاه، هناك اختلاف في نسب تنفيذ الموازنة الاستثمارية على مستوى الوزارات، البعض منها ترتفع نسبته لتصل 98% لوزارة الموارد المائية و69% لوزارة النفط و59% لوزارة التربية و52% لوزارة الصناعة والمعادن.
والبعض منها منخفضة لتشكل 40% لوزارة الاعمار والاسكان والبلديات، 37% لوزارة الشباب والرياضة، و33% لوزارة الداخلية، 31% لوزارة النقل، 29% لوزارة المالية، 24% لوزارة الصحة والبيئة.
والبعض منها تتراوح نسبته بين 15% -20% كوزارة العدل ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الكهرباء، وبقية الوزارات لم تتجاوز 5% من تخصيصاتها الاستثمارية.
وعند اخذ المتوسط لنسب تنفيذ جميع الوزارات يتضح ان متوسط التنفيذ المركزي لم يتجاوز27%، وهذه نسبة متواضعة جداً في اقتصاد بحاجة لمزيد من التنفيذ لأجل النهوض بواقعه وخصوصاً البنية التحتية.
2- التخصيصات والمصروفات الاستثمارية حسب التنفيذ اللامركزي
بلغت التخصيص الاستثماري لمجموع المحافظات أكثر من 4.339 تريليون دينار، فيما بلغت المبالغ المصروفة (التنفيذ اللامركزي) أكثر من 6.139 تريليون دينار، بمعنى ان التنفيذ اللامركزي تجاوز التخصيص الاستثماري (الوفرة بالسالب) بأكثر من 1.799 تريليون دينار وكما موضح في الشكل أدناه.
ويمكن ملاحظة خارطة التنفيذ اللامركزي حسب المحافظات، أي ما هي نسبة المبالغ الاستثمارية المصروفة نسبة للتخصيصات الاستثمارية لكل محافظة وكما موضح في الشكل أدناه.
يتضح من هذا الشكل هناك اختلاف بين المحافظات على مستوى نسب تنفيذ التخصيصات الاستثمارية، فعلى سبيل المثال نلاحظ ان محافظة كربلاء كانت أفضل المحافظات في حين محافظة بابل تعد هي الأسوء من بين محافظات العراق.
وعلى الرغم من اختلاف نسب التنفيذ بين المحافظات إلا أن اغلبها كانت جيدة، حيث أغلبها تجاوزت ما خُصص لها في حين الأقلية (البصرة، بغداد، بابل، الديوانية) لم تتجاوز المبالغ المخصص لها، ومع ذلك كانت نوعاً ما نسب جيدة، فعلى سبيل المثال كانت محافظة بابل أقل النسب تنفيذاً وهي 70%.
ويجب التذكير مرة أخرى، ان نسب التنفيذ لا تعطي حكم قاطع على انجاز المشاريع على ارض الواقع بقدر ما تعطي دلالة على ان هناك قدرة على صرف الاموال بالاتجاه المطلوب لكن هل تم انجاز المشاريع التي صرفت عليها تلك الاموال بالشكل المطلوب، هذا غير معلوم وفق نسب التنفيذ ويتطلب الأمر البحث عن مؤشرات أخرى لمعرفة مدى انجازها بشكل مطلوب.
استنتاجات
عموماً يمكن استنتاج مجموعة نقاط مما تم عرضه أعلاه:
1- على الرغم من اتجاه الاقتصاد العراقي نحو اقتصاد السوق الذي يحتم انخفاض دور الدولة إلا ان دورها لازال كبيراً ومستمر بحكم استمرار تضخم الموازنة سنة بعد أخرى واستمرار عدم توازنها.
2- اختلال هيكل اجمالي الايرادات، حيث لاتزال الايرادات النفطية تشكل أكثر من 87% من الايرادات العامة في حين تشكل الايرادات الاخرى أقل من 13%.
3- اختلال هيكل اجمالي النفقات، حيث لاتزال النفقات الجارية تشكل أكثر من 75% من اجمالي النفقات في حين لا تتجاوز النفقات الاستثمارية 25%.
4- مع اتجاه العراق دستورياً نحو النظام اللامركزي إلا إنه واقعاً وعلى مستوى التخصيصات الاستثمارية كانت للوزارات أكبر من المحافظات.
5- على الرغم من زيادة التخصيصات الاستثمارية للوزارات إلا ان التنفيذ المركزي كان ضعيف جداً والنسب أعلاه توضح ذلك.
6- وعلى الرغم من انخفاض التخصيصات الاستثمارية للمحافظات إلا ان التنفيذ اللامركزي كان جيد بل وبعض المحافظات تجاوزت ما مخصص لها وكما موضح في النسب أعلاه ايضاً.
ضرورة العمل على:
بعد العرض والاستنتاجات أعلاه، يمكن القول هناك ضرورة مهمة لإعادة النظر بهيكل الموازنة بشكل عام من ناحية والتنفيذ للتخصيصات الاستثمارية بشكل خاص.
بمعنى ضرورة العمل على تحقيق التوازن في الموازنة، وذلك من خلال إعادة النظر بدور الدولة في الاقتصاد، أي كلما تنسحب الدولة ستنخفض الاعباء المترتبة عليه وهنا سيتحقق توازن الموازنة.
كذلك، العمل على تعزيز الايرادات غير النفطية لأجل تقليل الاعتماد على الايرادات النفطية والحد من الاثار المرتبطة بها واستمرار التمويل بسلاسة.
اعادة توجيه النفقات العامة وترشيدها، من خلال زيادة النفقات الاستثمارية وترشيد النفقات الجارية، وهذا ستكون اثار ايجابية على الاستدامة المالية.
لأجل ترسيخ مبدأ اللامركزية من الضروري زيادة التخصيصات الاستثمارية للمحافظات بشكل أكبر من الوزارات خصوصاً وأنها أفضل تنفيذاً من الوزارات كما اتضح أعلاه.
العمل على إزالة أية عواقب تقف أمام التنفيذ اللامركزي سواء كانت عقبات تشريعية أو سياسية أو غيرها.
فتح قنوات تواصل حقيقية بين الوزارات والمحافظات لأجل قيام الاولى بمد الثانية بالخطط والخبرات اللازمة التي تزيد من كفاءة التنفيذ اللامركزي.
توجيه الاعلام لتثقيف المجتمع بأن التنفيذ لم يُكن مركزياً كما كان سابقاً بل أصبح لا مركزياً مما يتطلب منهم أن ينقلوا متطلباتهم لحكوماتهم المحلية وبنفس الوقت أن يتفاعلوا معها لأجل سرعة تنفيذ المشاريع التي تخدمهم.
خلاصة القول، ان الموازنة العامة تعاني من اختلال واضح حجماً وهيكلياً وتنفيذاً، مما يتطلب إعادة النظر بها بالشكل الذي يتناسب والتوجه الجديد، أي أن تكون أقل حجماً، وأكثر توازناً ايراداً وانفاقاً، وأكثر لامركزيةً.
اضف تعليق