يتطلب العمل على زيادة التخصيصات الاستثمارية وترشيد النفقات الجارية لتلافي انخفاض اهميه النفط مستقبلاً او نفاده. كذلك العمل على زيادة الطاقة التنفيذية على المستوى المركزي (الوزاري) للمشاريع الاتحادية من خلال وضع الخطط ومتابعة تنفيذها. العمل ايضاً على زيادة التخصيصات الاستثمارية للمحافظات لأجل التوسع في تنفيذ المشاريع...
في الوقت الذي يعد العراق بأمس الحاجة للنفقات الاستثمارية، إلا إنه يعاني من ضعف التخصيصات الاستثمارية والطاقة التنفيذية لها، وهذا ما يديم ضعف الاقتصاد.
ان ضعف التخصيصات الاستثمارية وضعف الطاقة التنفيذية يعني استمرار اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط في التمويل وعلى الاقتصاد العالمي في تلبية احتياجاته والنتيجة استمرار ضعفه وتبعيته.
المشكلة الاخطر، ان النفط ثروة ناضبة ومتذبذب وستنخفض اهميتها الاقتصادية عاجلاً أم آجلاً وان العراق لم يستثمرها في بناء اقتصاد حقيقي، وما يجري حالياً هو توظيفها في المجالات التشغيلية لا الاستثمارية!
التخصيصات الاستثمارية
بلغت التخصيصات الجارية في موازنة 2023 أكثر قليلاً من 149 تريليون دينار، بينما التخصيصات الاستثمارية بلغت أكثر قليلاً من 49 تريليون دينار[i].
بمعنى ان التخصيصات الاستثمارية تشكل ما يُقارب 25%، في حين تشكل النفقات الجارية أكثر من 75% من اجمالي التخصيصات البالغة 198 تريليون دينار للعام ذاته.
وهذا ما يعني تضاؤل التخصيصات الاستثمارية بشكل كبير لحساب التخصيصات الجارية، وهذا ما يكشف عن مدى ضعف التخطيط في العراق.
الطاقة التنفيذية
وعند النظر للتقرير الخاص بالمصروف الفعلية لعام 2023، سنلاحظ ان المصروفات الجارية تجاوزت قليلاً 118 تريليون دينار، في حين المصروفات الاستثمارية تجاوزت قليلاً 24 تريليون دينار، وبلغ اجمالي المصروفات أكثر من 142 تريليون دينار[ii].
وعند مقارنة المصروفات الجارية بالتخصيصات الجارية سنلاحظ ان حجم الوفرة من التخصيصات الجارية هو 31 تريليون دينار الذي لم يتم صرفه، وان نسبة التنفيذ هي 79%.
بينما حجم الوفرة من التخصيصات الاستثمارية بلغ 25 تريليون دينار، وان نسبة التنفيذ هي ما يُقارب 49%، بمعنى إن أكثر من نصف التخصيصات الاستثمارية لم تُصرف!
نسب التنفيذ هذه وبالخصوص الأخيرة توضح، مدى ضعف الطاقة التنفيذية للتخصيصات الاستثمارية، حيث لم تسطع انجاز 51 من المشاريع الاستثمارية التي خصصت لها تلك الاستثمارات.
الاستثمار والتنفيذ المركزي واللامركزي
ويمكن ايضاح حجم التخصيصات الاستثمارية ونسب التنفيذ حسب الادارة (مركزية-وزارة-أم لامركزية-محافظة) وذلك من خلال اختيار عينة من الوزارات والمحافظات.
نسب التنفيذ لبعض الوزارات لعام 2023
نلاحظ من خلال الجدول أعلاه، ان التخصيصات الاستثمارية نوعاً ما جيدة للوزارات المختارة، لكن مستوى التنفيذ ضعيف، باستثناء وزارة النفط كانت نسبة التنفيذ فيها ما يُقارب 70%، في حين وزارة الاعمار والاسكان والبلديات العامة ووزارة النقل والصحة والبيئة كانت نسب تنفيذها متواضعة وهي 40.30%، و30.72%، 23.59% على التوالي.
بمعنى ان متوسط التنفيذ المركزي(الوزاري) لم تتجاوز نسبته 41%، ويُمكن أن يعود هذا التواضع في التنفيذ لأمور عديدها منها:
1- ضعف التخطيط حيث لم تستطع الجهات المخططة من تحديد ما هو المطلوب بشكل دقيق، مما دفعها للمبالغة في حجم التخصيصات الاستثمارية.
2- ضعف التنفيذ، بمعنى ان الجهات التنفيذية غير قادرة على تنفيذ المشاريع الاستثمارية رغم وجود التخصيصات الاستثمارية.
3- الفساد، قد يكون الفساد حاضراً في التخطيط والتنفيذ، بمعنى إنه اسهم في زيادة التخصيصات الاستثمارية بشكل مُبالغ فيه ولا يتناسب مع القدرات التنفيذية من جانب والضغط على الجهات التنفيذية لأجل عدم التنفيذ من جانب آخر، وقد يكون كلا الجانبين معاً.
نسب التنفيذ لبعض المحافظات لعام 2023
نلاحظ من خلال الجدول أعلاه، ان التخصيصات الاستثمارية للمحافظات المختارة لم تكُن كما هو الحال بالنسبة للوزارات من حيث الحجم؛ حيث كانت التخصيصات الاستثمارية للمحافظات المختارة أقل مقارنة بالتخصيصات الاستثمارية للوزارات، ومع ذلك كانت نسب التنفيذ لجميع المحافظات المختارة افضل من الوزارات المختارة.
حيث حصدت الانبار أعلى نسبة تنفيذ وهي 232% من المحافظات المختارة، ثم تلتها نينوى بنسبة تنفيذ 230.94%، بعدها بغداد بنسبة تنفيذ 91.24% وأخيراً البصرة بنسبة تنفيذ 87.49% عام 2023.
بمعنى ان متوسط التنفيذ اللامركزي (المحافظات) تجاوزت نسبته 160%، أي تم صرف جميع الاموال المخصصة بل وتجاوزت الاموال المخصصة بنسبة 60%؛ وبهذا يكون التنفيذ اللامركزي أفضل من المركزي (الوزاري) الذي اتضح أعلاه، وقد يعزى هذا الأمر لعوامل عديدة منها:
1- الصلاحيات، أي نقل الصلاحيات من الوزارات كان له دور في زيادة نسبة تنفيذ المحافظات بالمقارنة مع الوزارات.
2- الاعمار، بعض المحافظات ارتفعت فيها نسبة التنفيذ نظراً للظروف التي حصلت فيها، فمثلاً الانبار ونينوى واجزاء من بغداد تعرضت للدمار بفعل الارهاب وتحريرها منه وأصبح توجه كبير نحو لأعمارها ولذلك ارتفعت نسب التنفيذ فيها.
3- الانتخابات، يُمكن ان يكون تفكير بعض المحافظين للفوز في الانتخابات دور في زيادة التنفيذ.
جدير بالذكر، ان كل ما ذُكر أعلاه، يتعلق بالتخطيط والتنفيذ الماليين، اي ما ستنفقه الحكومة خلال سنة قادمة، وما انفقته الحكومة فعلاً دون الاخذ بنظر الاعتبار مدى تحقق هذا الانفاق على ارض الواقع.
ولتجنب الاسهاب والتشتت سيتم تناول التنفيذ على مستوى القطاعات، الزراعي والصناعي والنقل والاتصالات والمباني والخدمات والتربية والتعليم، في مقال آخر.
استنتاجات
1- ضعف التخصيصات الاستثمارية لحساب النفقات الجارية، وهذا ما يعكس ضعف الرؤية الاقتصادية خصوصاً في ظل اعتماد العراق على النفط بشكل كبير.
2- ضعف الطاقة التنفيذية خصوصاً على مستوى التنفيذ المركزي(الوزاري) رغم ان حجم التخصيصات لها جيد.
3- التنفيذ اللامركزي (المحافظات) جيد رغم ان التخصيصات الاستثمارية ليس بالمستوى المرغوب.
التوصيات
وهذا يتطلب العمل على زيادة التخصيصات الاستثمارية وترشيد النفقات الجارية لتلافي انخفاض اهميه النفط مستقبلاً او نفاده.
كذلك العمل على زيادة الطاقة التنفيذية على المستوى المركزي (الوزاري) للمشاريع الاتحادية من خلال وضع الخطط ومتابعة تنفيذها.
العمل ايضاً على زيادة التخصيصات الاستثمارية للمحافظات لأجل التوسع في تنفيذ المشاريع وتلبية احتياجات المواطنين.
رسم ادوار الوزارات والمحافظات بشكل تكاملي واضح، لمنع التضارب وسرعة الانجاز.
خلاصة القول، ان زيادة التخصيصات الاستثمارية، ورفع الطاقة التنفيذية، ورسم دور تكاملي واضح بين الوزارات والمحافظات في ظل رؤية اقتصادية واضحة يتحرك الجميع لتحقيقها، كل هذا يبني اقتصاداً قوياً.
اضف تعليق