وعلى مدى الأعوام الثلاثين الماضية، غالبًا ما تم الخلط بين التعاون الدولي والعولمة، وتحرير الأسواق، وإلغاء القيود التنظيمية، والخصخصة، وتدفقات رأس المال. ومع ذلك، تتسم المناقشات المحلية والدولية القائمة بقضايا أخرى، بما في ذلك جودة الوظائف والرفاهية الاجتماعية، وتغير المناخ، والتداعيات الجيوستراتيجية المُترتبة على سلاسل التوريد العالمية، والمنافسة...
بقلم: نغير وودز
أكسفورد - يجد زعماء العالم الذين يحضرون الاجتماعات السنوية لمجموعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش هذا الأسبوع صعوبة في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة.
بداية، تتأرجح العديد من الاقتصادات النامية ــ بما في ذلك مصر، وإثيوبيا، وغانا، وكينيا، وباكستان، وسريلانكا، وتونس، وأوكرانيا، وزامبيا ــ على حافة التخلف عن سداد ديونها أو تخلفت بالفعل عن السداد. ومن ناحية أخرى، يُظهِر تقرير المناخ العالمي الأخير الصادر عن الأمم المتحدة أننا بعيدون عن تحقيق هدف إبقاء درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية للحد من الاحترار العالمي.
وفي حين قد يُوفر النمو الاقتصادي القوي الموارد اللازمة لمعالجة هذه التحديات، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع حدوث ركود عالمي ومعركة طويلة الأمد ضد التضخم. وفي غياب التعاون الدولي، فقد تقع البلدان في فخ جهود بطيئة وفوضوية ومُكلفة لإدارة ديونها، ومكافحة تغير المناخ، وتحفيز النمو.
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها العالم أزمة مُشابهة. وكما يُشير المؤرخ الاقتصادي مارتن داونتون في كتابه الذي سيصدر قريبًا بعنوان "الحكومة الاقتصادية للعالم 1933-2023"، فقد اجتمع صُناع السياسات من 66 دولة في مؤتمر لندن الاقتصادي عام 1933 لمعالجة تحديات مشابهة بشكل مخيف لتلك التي نواجهها اليوم: الديون، والحمائية، وعدم الاستقرار المالي، والاستقطاب. وفي ظل تراجع الاقتصاد العالمي الحاد وانهيار أسعار السلع الأساسية، فقد انخفض الطلب على السلع الصناعية. ومع ارتفاع معدلات البطالة، تصاعدت التوترات بين الأجندات السياسية المحلية والمخاوف الاقتصادية الدولية.
لقد بدا مؤتمر لندن فاشلاً منذ البداية، حيث أدت الاضطرابات السياسية والاقتصادية إلى صعود الزعماء المتطرفين. في إيطاليا، أتاح الانكماش الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى صعود بينيتو موسوليني إلى السلطة. وفي ألمانيا، تم مؤخراً تعيين أدولف هتلر مستشاراً. وحكم جوزيف ستالين الاتحاد السوفييتي بقبضة من حديد، وتورطت الصين في حرب أهلية بعد أن غزتها الإمبراطورية اليابانية قبل عامين فقط.
فقد كانت هناك خلافات عميقة داخل كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حول الاستجابة المناسبة للأزمة. وفي ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بشأن الديون في فترة الحرب، وصف صحفي أمريكي المؤتمر بأنه "مؤامرة لإلغاء الديون المُستحقة لأمريكا".
لقد تأرجح مؤتمر لندن بين الدعوات إلى التعاون الدولي ورفضها من قِبَل أولئك الذين "كانوا يسعون بلا جدوى لعيش حياة الناسك" على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي كورديل هال. وعلى الرغم من الخلافات والمشاحنات التي استمرت لأكثر من شهر، غادر المشاركون دون اتخاذ أي قرارات. ويعزو داونتون هذه النتيجة إلى الخلافات بين السياسيين ومحافظي البنوك المركزية و"المجموعة المتنوعة" من الخبراء الحاضرين حول التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي وكيفية معالجتها.
وفي مراكش، سيحاول ممثلو 190 دولة، تواجه كل منها نزاعاتها الداخلية، تحقيق التوازن بين التعاون الدولي والسياسات الداخلية. يُقدم كتاب داونتون العديد من السيناريوهات التحذيرية التي يتعين عليهم أخذها بعين الاعتبار.
وفي حين أن الجزء الأول من كتاب داونتون، والذي يركز على الاستجابة لأزمة الكساد العظيم، ليس مُشجعًا، فإن الجزء الثاني، الذي يغطي حقبة بريتون وودز، يتضمن أمثلة أكثر نجاحًاً للتعاون الدولي الفعّال. فقد كان إنشاء مؤسسات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سبباً في تسهيل التوصل إلى فهم أعمق للمشاكل الاقتصادية العالمية والحلول المحتملة، حيث تمكن الخبراء من جمع وتحليل البيانات الواردة من جميع البلدان الأعضاء.
وعلى عكس العديد من الأعمال الأخرى، يُسلط داونتون الضوء على تلك التي أُحيلت إلى أطراف هذا النظام الناشئ، حيث تتعمق روايته في سياسات غانا والهند والعالم النامي خلال الحرب الباردة. وفي ستينيات القرن العشرين، ساهمت جولة كينيدي للاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (التي خلفتها منظمة التجارة العالمية) في خفض التعريفات الصناعية. ونتيجة لتهميش مخاوفها ومصالحها، لجأت البلدان النامية إلى منتديات دولية بديلة مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والنظام الاقتصادي الدولي الجديد.
يرصد الجزء الثالث من كتاب داونتون صعود الإجماع "العالمي المُفرط" و "الليبرالي الجديد" في واشنطن. ومع تحول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى وكلاء للعولمة، تم إنشاء منظمة التجارة العالمية، وانتشرت رأسمالية الاحتكار واقتصادات الربح، ووصلت إلى عمق الاتحاد الأوروبي.
يبدأ الجزء الأخير من رواية داونتون بالأزمة المالية في عام 2008، ويستكشف التهديدات التي تواجه النظام العالمي القائم. ثم يقترح داونتون مجموعة من المسارات المحتملة نحو "رأسمالية أكثر عدالة وشمولاً"، بما في ذلك إنفاذ قوانين المنافسة بشكل أكثر صرامة، وفرض ضرائب تصاعدية، ومبادرات التوظيف، وتسوية الأوضاع المالية، وإلغاء التمويل، وتنفيذ صفقة خضراء جديدة.
يُركز الكتاب على موضوع رئيسي يتمثل في الطبيعة المثيرة للجدل للتعاون الدولي. في وقت مبكر، علمنا أنه في الثلاثينيات من القرن الماضي، قامت مجموعة من المستشارين المقربين للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بتقديم عدد كبير من وجهات النظر المتضاربة بشأن السياسة الاقتصادية الخارجية. ولم تبدأ الحمائية وعدم استقرار العملة في فترة الكساد العظيم في التراجع إلا بعد أن انحاز فرانكلين روزفلت إلى كبار مسؤوليه من المؤيدين للعولمة.
وخلال النصف الأول من القرن العشرين، نظرت المملكة المتحدة في ثلاث رؤى اقتصادية عالمية متنافسة. أكدت الرؤية الأولى على العمالة الكاملة، وهو ما يتطلب سياسات مُعاكسة للتقلبات الدورية، والمخزونات الاحتياطية الدولية للحفاظ على استقرار الطلب والأسعار، والأشغال العامة التي يتم تمويلها من قبل البنك الدولي للإنشاء والتعمير (ذراع الإقراض التابع للبنك الدولي) لتعويض تقلبات سوق العمل.
أما الرؤية الثانية فقد ركزت على منطقة الجنيه الإسترليني، متصورة عالمًا منقسمًا بين الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني حيث تحافظ المملكة المتحدة على الأفضليات الإمبراطورية وتتطلع إلى أفريقيا باعتبارها سوقًا مُتنامية. وفي قلب المنظور الثالث نجد العلاقة الأنجلو-أميركية، التي تشير إلى أن بريطانيا لا ينبغي لها أن تنحاز إلى إمبراطوريتها ولا إلى أوروبا، بل ينبغي لها أن تتعاون بدلاً من ذلك مع الولايات المتحدة في إطار اقتصاد قائم على الدولار. تعكس السياسة البريطانية المعاصرة هذه المناقشات، حيث يناقش المسؤولون ما إذا كان ينبغي تعزيز العلاقات مع أوروبا، الثروة المشتركة (كجزء من إستراتيجيتها في التعامل مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ)، أو مع الولايات المتحدة.
في كل عصر يتم استكشافه، يُقدم داونتون للقُرّاء نسيجًا غنيًا من الأفكار المتنافسة، مما يُؤكد على التحدي المُتمثل في صياغة اتفاقيات متعددة الأطراف بين العشرات من البلدان، لكل منها نزاعاتها الداخلية الخاصة. وكما لاحظ داونتون، فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى في عصر يتسم بعدم اليقين والجدال حول بنية الاقتصاد السياسي العالمي.
وعلى مدى الأعوام الثلاثين الماضية، غالبًا ما تم الخلط بين التعاون الدولي والعولمة، وتحرير الأسواق، وإلغاء القيود التنظيمية، والخصخصة، وتدفقات رأس المال. ومع ذلك، تتسم المناقشات المحلية والدولية القائمة بقضايا أخرى، بما في ذلك جودة الوظائف والرفاهية الاجتماعية، وتغير المناخ، والتداعيات الجيوستراتيجية المُترتبة على سلاسل التوريد العالمية، والمنافسة التكنولوجية المدفوعة باعتبارات الأمن القومي، والتطبيع المتزايد للعقوبات والحرب الاقتصادية.
ورغم تعارض هذه الأولويات مع التعاون المُيسر للعولمة الذي يصفه داونتون، فإن الاتفاقيات والمؤسسات التي تم تشكيلها على مدى القرن الماضي تُمكننا من تحقيق شكل جديد ومختلف من أشكال التعاون. وقد قام صُناع السياسات وممثلو المنظمات الدولية الذين حضروا اجتماعات مراكش بدراسة التحديات المحلية والدولية، مما سمح لهم باستكشاف حلول تعاونية وإبراز اهتمامات ومشاغل البلدان الأعضاء خلال المُفاوضات.
وعلى الرغم من أن هذه العملية قد تبدو غير فعّالة وشاقة، إلا أنها تظل تُشكل ضرورة أساسية لعالم يُقدر سيادة الدول ويُعزز التعاون الدولي. وفي حين يُسلط كتاب داونتون الضوء على العقبات العديدة التي تُواجه مثل هذه الجهود، فإنه يُبرز أيضًا الطرق العديدة التي يمكن من خلالها إنشاء نظام دولي فعال.
اضف تعليق