في نهاية عام 2022، بلغت الخسائر غير المحققة على الأوراق المالية التي كانت البنوك الأميركية تخطط للاحتفاظ بها حتى آجال استحقاقها نحو 620 مليار دولار. وسوف يؤدي رفع أسعار الفائدة في الأرجح إلى انخفاض القيمة السوقية للأوراق المالية الطويلة الأجل بدرجة أكبر. ليكن. فنحن لا نعرف مقدار خطر...
بقلم: ويليم إتش بويتر
نيويورك ــ عندما تندلع أزمة سيولة في السوق و/أو أزمة سيولة تمويل في وقت حيث التضخم أعلى من المستوى المستهدف، يصبح التوتر بين هدفي البنوك المركزية ــ استقرار الأسعار والاستقرار المالي ــ حتميا. في مثل هذه الحلات، أعتقد أن الاستقرار المالي يجب أن يأتي أولا، لأنه شرط مُـسبَـق للسعي بشكل فَـعّـال إلى تحقيق استقرار الأسعار.
لكن هذا لا يعني أن البنك المركزي ينبغي له أن يوقف أو يعلق سياساته المضادة للتضخم عندما تهدده أزمة مصرفية أو خطر مماثل يتعلق بالاستقرار الجهازي. يجب أن يكون التضارب بين هدف استقرار الأسعار وهدف الاستقرار المالي قابلا للإدارة باستخدام سعر فائدة البنك المركزي لاستهداف التضخم، ومن خلال استخدام حجم وتكوين ميزانيته العمومية كأداة سياسية احترازية كلية لاستهداف الاستقرار المالي. ويشكل التواصل الجدير بالثقة ضرورة أساسية لتحقيق الهدفين.
الواقع أن الاستقرار المالي في اقتصاد كبير متقدم لا يتأثر ماديا بزيادة قدرها 50 نقطة أساس في سعر الفائدة الاسمي القصير الأجل الخالي من المخاطر. بل يتأثر بعلاوة السيولة والمخاطر الائتمانية المترابطة واختفاء المشترين المحتملين والمقرضين في الأسواق المالية غير السائلة ــ عندما يهيمن تقنين الائتمان على كل شيء. أدار بنك إنجلترا هذا الأمر على النحو الصحيح في العام الماضي، أثناء فترة إحكام السياسة النقدية التي فرضتها السياسات غير المتماسكة التي انتهجتها رئيسية الوزراء آنذاك ليز تـرَس، عندما انخرط في عمليات شراء مؤقتة لسندات حكومة المملكة المتحدة الطويلة الأمد وعمل على تأجيل الإحكام الكمي من خلال مبيعات من الأوراق المالية الممتازة من قِـبَـل مرفق شراء الأصول.
كانت عمليات شراء الأصول، التي استمرت من الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول إلى الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، ضرورية لمواجهة الاختلال الوظيفي المادي في الأسواق الممتازة الأطول أمدا. في أول اجتماع للجنة السياسة النقدية عقب عمليات الشراء، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، أشار بنك إنجلترا إلى التزامه المستمر بهدف التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة الرسمية بمقدار 75 نقطة أساس، من 2.25% إلى 3%. وأعقب ذلك برفع أسعار الفائدة مرتين بمقدار 50 نقطة أساس في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول والثاني من فبراير/شباط. كانت الطبيعة الاحترازية التي اتسمت بها عملياته المؤقتة لشراء الأصول لتتجلى بقدر أكبر من الوضوح لو كانت معقمة.
كما أصاب البنك المركزي الأوروبي هذا الشهر عندما رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، على الرغم من الضجة المالية التي أحاطت بالولايات المتحدة في أعقاب إفلاس بنك سيليكون فالي. كان معدل التضخم الرئيسي وفقا للمؤشر المنسق لأسعار المستهلك في فبراير/شباط 8.5%، في حين كان معدل التضخم الأساسي (الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء المتقلبة) وفقا لذات المؤشر 5.6%. عالج البنك المركزي الأوروبي المخاوف بشأن الاستقرار المالي عندما أعلن أن "أدواته السياسية مجهزة بالكامل لتوفير دعم السيولة للنظام المالي في منطقة اليورو إذا لزم الأمر والحفاظ على انتقال السياسة النقدية بسلاسة". علاوة على ذلك، فإن "أداة حماية الانتقال متاحة للتصدي لديناميكيات السوق المنحرفة غير المبررة التي تشكل تهديدا خطيرا لانتقال السياسة النقدية عبر بلدان منطقة اليورو كافة".
ماذا سيفعل بنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه القادم؟ أعتقد أن المخاوف بشأن الاستقرار المالي في أعقاب إفلاس بنك سيليكون فالي وسيجنتشر بنك (Signature Bank) عولجت بفعالية عن طريق ضمان تعويض خسائر كل الودائع في هاتين المؤسستين اللتين أديرتا بشكل رديء. في واقع الأمر، هذا يعني أن كل الودائع في البنوك الأميركي ستكون مـؤَمَّـنة من الآن فصاعدا. هذا من شأنه أن يساهم دون أدنى شك في المخاطر الأخلاقية، لأن الإدارة المصرفية غير المقتدرة أو المتهورة لن تُـعـاقَـب من خلال خسارة المودعين المطلعين. لكن هذا هو الثمن الحتمي الذي يجب أن يترتب على استبعاد الخطر الجهازي الذي تفرضه حالات تهافت المودعين على البنوك لاسترداد ودائعهم. لقد تسنى احتواء الخطر الأخلاقي من خلال السماح بإفلاس البنوك وتعريض المساهمين والدائنين غير المضمونين (وربما حتى الدائنين المضمونين إذا كانت الخسائر كبيرة بالقدر الكافي) لتكلفة سوء إدارة البنوك مهما كانت جسيمة.
لكن هذه الاستجابة الاحترازية لم تكن مثالية، لأن برنامج تمويل القروض المصرفية المحدد الأجل الذي أنشأه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والذي يقدم قروضا لعام واحد للبنوك مع ضمانات بالقيمة الاسمية، لم يصبح متاحا إلا بشروط جزائية. ولأن القيمة السوقية كانت دون القيمة الاسمية لعدد كبير من مؤسسات الدين المؤهلة، فقد أصبح مُـقـرِض الملاذ الأخير مُـقرِض الملاذ الأول ــ حيث يقدم قروضا مدعومة ماديا. ينطبق ذات الوضع الشاذ (تقييم الضمان بالقيمة الاسمية) الآن على القروض عند نافذة الخصم.
في نهاية عام 2022، بلغت الخسائر غير المحققة على الأوراق المالية التي كانت البنوك الأميركية تخطط للاحتفاظ بها حتى آجال استحقاقها نحو 620 مليار دولار. وسوف يؤدي رفع أسعار الفائدة في الأرجح إلى انخفاض القيمة السوقية للأوراق المالية الطويلة الأجل بدرجة أكبر. ليكن. فنحن لا نعرف مقدار خطر المدة الذي تحوطت ضده البنوك (ومن هي الأطراف المقابلة في مثل هذا التحوط). لكننا نعلم أن خسائر البنوك (في الأسواق المنتظمة) بسبب قرارات الاستثمار الخاطئة تشكل جزئا من الآلية الداروينية السليمة التي تدعم اقتصاد السوق، كما هي الحال مع الحل المنظم للمؤسسات المفلسة. يجب أن يكون البنك المركزي، بصفته مقرض الملاذ الأخير وصانع السوق كملاذ أخير، جاهزا لأداء مسؤولياته المتعلقة بالاستقرار المالي عندما يشكل نقص السيولة، أو التهافت على البنوك لاسترداد الودائع، أو غير ذلك من إخفاقات السوق تهديدا جهازيا.
مع استمرا معدل تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية عند مستوى 4.7% في يناير/كانون الثاني، ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع نطاق سياسة استهداف سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه القادم. لكني أخشى أنه قد يتوقف عند 25 نقطة أساس، بسبب قلق في غير محله بشأن العواقب التي يخلفها رفع أسعار الفائدة بدرجة أكبر على الاستقرار المالي. الواقع أن أفضل سبيل لخدمة الاستقرار المالي في الولايات المتحدة في الأمد القريب يتمثل في وقوف الاحتياطي الفيدرالي على أهبة الاستعداد للتدخل كملاذ أخير للإقراض وصنع السوق.
في الأمدين المتوسط والبعيد، يجب إعادة فرض لوائح دود-فرانك الأصلية، التي ألغيت بالنسبة للبنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم في عام 2018، وقد يكون من الواجب إعادة القيود التي كانت مفروضة على أنشطة الاستثمار في الملكية الشخصية التي تزاولها البنوك ــ أو ربما ينبغي التخلي عن النظام المصرفي الاحتياطي المجزأ كليا. كما أن الإشراف الأكثر حزما واقتدارا لن يضر.
اضف تعليق