ونظرًا لأن الأموال المضافة إلى الاقتصاد خلال فترة الركود من خلال الإقراض وشراء الأصول من قبل البنوك المركزية أو إزالتها من الاقتصاد، من خلال تخفيض الديون أو التصفية، تحدث في قطاعات اقتصادية محددة وليس في جميع الأسواق في وقت واحد، فإن كل من التضخم والانكماش يميلان إلى الحدوث في نفس الوقت...
بقلم: د. هاني الشعراني
يمكن تعريف تأثير كانتيلون Cantillon Effect بتغيّر أسعار السلع والخدمات، بسبب تغيّر كمية النقود المعروضة في الأسواق. كما يمكن تعريفه أيضًا بالتوسع غير المتساوي في كمية الأموال المعروضة في قطاعات الاقتصاد المختلفة.
مصطلح «تأثير كانتيلون» صاغه المصرفي والفيلسوف الفرنسي ريتشارد كانتيلون في القرن الثامن عشر. وكتب كتاب Essai sur la Nature du Commerce en Général أو «مقال عن طبيعة التجارة بشكل عام» الذي يُشار إليه أيضًا باسم «مقال النظرية الاقتصادية».
الاقتصادي الفرنسي اعتبر أن وجود عرض ووفرة من الأموال عبر البنوك، لا يعني تلقائيًا أن الطلب على كل أنواع الأصول والسلع سيرتفع في وقت واحد. كما يُظهر التاريخ أن أسعار بعض الأصول قد تحظى باهتمام على حساب البعض الآخر، ما يؤدي إلى ارتفاع في أسعارها وانخفاض أسعار الأصول الأخرى. كما يؤدي هذا الاختلال في التوازن، إلى ازدهار بعض المجالات الاقتصادية وتردي البعض الآخر.
ونظرًا لأن الأموال المضافة إلى الاقتصاد خلال فترة الركود من خلال الإقراض وشراء الأصول من قبل البنوك المركزية أو إزالتها من الاقتصاد، من خلال تخفيض الديون أو التصفية، تحدث في قطاعات اقتصادية محددة وليس في جميع الأسواق في وقت واحد، فإن كل من التضخم والانكماش يميلان إلى الحدوث في نفس الوقت، ما يؤدي إلى تغيرات متباينة في أسعار السلع في الأسواق. وقد تربك هذه التغيرات، المراقبين حول ما إذا كان الاقتصاد يمر بتضخم أو انكماش شامل.
أربع أمثلة على تأثير كانتيلون
يوضح تأثير كانتيلون أن الأفراد والمؤسسات الذين يتلقون الأموال الجديدة يتمتعون بفرصة شراء السلع والخدمات بأسعار ما قبل التضخم. وبمجرد أن تتدفق النقود الجديد إلى عامة الناس، تزداد مستويات الأسعار، الأمر الذي يفرض على المواطنين العاديين شراء السلع بأسعار أعلى.
فيما يلي أربع أمثلة يمكن استخدامها لتفسير تأثير كانتيلون:
1- الذهب
في مقالته عن النظرية الاقتصادية، يستخدم الخبير الاقتصادي ريتشارد كانتيلون الذهب كمثال لوصف نظريته. ويقول إذا اكتشفت دولة منجم ذهب جديد في أراضيها، فإن سعر الذهب ليس هو العامل الوحيد الذي يتغير.
يعتقد كانتيلون أن الأشخاص الذين يجدون الذهب سينفقون أموالهم الجديدة على الكماليات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لعامة الناس. وحتى يتم تداول النقود الجديدة، يدفع عامة السكان أسعارًا أعلى دون الحصول على نفس الأموال التي يحصل عليها عمال مناجم الذهب الأمر الذي يؤدي حدوث التضخم والانكماش بصورة متسلسلة.
2- المواد الخام والعقارات
في ظل وجود كساد اقتصادي من المرجح أن يبقى الطلب على المواد الخام المستخدمة مثل الطاقة والملابس والطعام مرتفعًا نسبيًا، لأنها مشتريات أساسية من قبل المستهلكين. وغالبًا ما يستمر الناس في شرائها بغض النظر عن ارتفاع الأسعار أو لا، ما يؤدي إلى انخفاض قدرة المستهلكين على استخدام الأموال لشراء الأصول الأخرى.
وفي هذه الأوضاع فإن أصول مثل العقارات عرضة لانخفاض الأسعار. وعندما يكون الوضع الاقتصادي في حالة ركود وتزداد البطالة وأسعار السلع الرئيسية، لا يمكن للناس تبرير شراء منزل أو أي شيء آخر باهظ الثمن ويعتبر غير ضروري حتى لو كانت معدلات الفائدة منخفضة.
تؤدي هذه الحالة من التباين بين الأموال المتوفرة في كل قطاع إلى ارتفاع الطلب بشكل كبير على بعض الأصول، يقابلها انخفاض الطلب على الأصول الأخرى. وفجأة ترتفع الأسعار في جزء من الاقتصاد وتهبط في جزء آخر، ما يؤدي إلى حدوث مزيج من التضخم والانكماش.
3- تكلفة المعيشة
عندما يزداد مقدار المال المعروض في الاقتصاد ترتفع الأسعار، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حدوث التضخم. ويؤدي هذا التضخم مع مرور الوقت إلى ارتفاع تكلفة المعيشة رغم بقاء معظم الرواتب كما هي.
4- سوق الأوراق المالية
يمكن لشركات الأسهم الخاصة والمستثمرين شراء الأسهم بأسعار منخفضة بسبب حدوثها في فترة ما قبل التضخم، لبيعها بعد ذلك بأسعار أكبر. ويحدث هذا النوع من التداول وتحقيق الربح بسبب الطريقة دخول كميات كبيرة من المال إلى أسواق رأس المال.
ماذا يحدث في الولايات المتحدة؟
في محاولة لفهم ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن الرجوع إلى نظريات كانتيلون، إذ أن نظريته كانت تقوم على مبدأ «من كان قريبًا من الملك والأثرياء» من المحتمل أن يكون استفاد من الأموال المعروضة في الاقتصاد قبل غيره.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، اعتمدت معظم البنوك المركزية والسلطات النقدية على النمط الكينزي نسبة إلى الاقتصاي البريطاني جون ماينرد كينز. ففي أوقات الأزمات المالية، تُستخدم هذه البنوك المركزية لزيادة الأموال المعروضة لتوزيع رأس المال أي الإقراض لتهدئة الأسواق وتحريك العجلة الاقتصادية.
وتحصل المؤسسات الكبرى مثل المؤسسات المصرفية الكبيرة واللاعبين في سوق رأس المال على إمكانية الوصول إلى هذه الأموال المعروضة قبل غيرهم، لكي تقوم باستثمارها وإقراضها. ومن ثم تبدأ الأسعار في الارتفاع دون أن يتلقى السكان أي أموال جديدة، وبالتالي يكون المستفيد الأكبر من هذه العملية المؤسسات والمصارف الكبرى.
وفي الولايات المتحدة استفادت شركات التكنولوجيا مثل أمازون Amazon، على سبيل المثال، وخاصة أنها تمارس الضغط على الحكومة الأمريكية، ومعها شركات الطيران الأمريكية، من قانون CARES الأمريكي في عام 2020 الذي زاد حجم النقود دون أن يستطيع تحسين ظروف المواطنين الأمريكيين، خاصة خلال فترة الإغلاق الحكومية بسبب انتشار فيروس كورونا وفقًا موقع موقع SWFI.
بينما يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الآن بالتحذير من مخاطر عدم المساواة في الدخل وتعرض العديد من المصارف للأزمات المالية في الولايات المتحدة، فما هي السياسات التي يمكن استخدامها للتخفيف من تأثير كانتيلون.
اضف تعليق