تعد القوى العاملة التي تتمتع بالصحة والمهارة العامل الأكثر أهمية في جذب أصحاب العمل والشركات في القطاعات الرئيسية والاحتفاظ بهم، ولهذا السبب فإن العديد من الولايات والمدن والمناطق تزيد من استثماراتها في تنمية القوى العاملة لضمان تمتع سكانها بالمهارات المناسبة للاستفادة من فرص العمل الجديدة في البنية التحتية...
بقلم: لورا تايسون، ليني ميندونكا

بيركلي -يترسخ حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية جيل جديد من السياسات الصناعية، فتحت ظل قيادة الرئيس جو بايدن، أنشأت الحكومة الفيدرالية برامج جديدة رئيسية من خلال قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف (550 مليار دولار)، وقانون الرقائق والعلوم (280 مليار دولار)، وقانون الحد من التضخم (394 مليار دولار). إن هذه ليست إجراءات تقليدية تتعلق بالإنفاق من أجل تحفيز الطلب، بل هي كما توضّح وزيرة الخزانة جانيت يلين استثمارات تتعلق بالتوريد بغرض تعزيز القدرة الاقتصادية الأمريكية بشكل عام وفي القطاعات الرئيسية مثل أشباه الموصلات والطاقة المتجددة.

وفي حين تختلف الأحكام الفردية وعمليات التمويل في تلك البرامج الثلاثة، الا انها تستند جميعًا إلى نموذج القطاعين العام والخاص والذي لعب دورًا حيويًا بالنسبة للقدرة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الماضي. إن هذه البرامج مصممة لاجتذاب الاستثمار الخاص وتسريع وتيرته وليس بديلاً عنه، ومن ثم فإن جزءًا كبيرًا من تمويلها -في واقع الأمر غالبيتها في حالة قانون الحد من التضخم وقانون الرقائق- يأتي على شكل إعفاءات ضريبية للشركات.

ستشجع البرامج أيضًا المزيد من التغييرات التنظيمية الداعمة -على سبيل المثال في مجال السماح بمشاريع الطاقة الخضراء وتحديد مواقعها- من قبل حكومات الولايات والحكومات المحلية والمسؤولة عن الجزء الأكبر من التنمية الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية. إن هذه البرامج تشترك في العديد من الخصائص التي أصبحت تعكس نهجًا جديدًا "مستدامًا ومنصفًا" للسياسة الصناعية حيث تشمل التركيز على التنمية الاقتصادية الإقليمية على أساس الأولويات المحلية ومع التركيز على بناء القدرات في المجتمعات المهمشة بالإضافة الى روابط صريحة بالتعليم ما بعد الثانوي وتنمية القوى العاملة وتحقيق التكامل عبر القطاعات مع الخدمات الرئيسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

وبينما نجاح هذه البرامج سيتطلب تعاونًا من قبل حكومات الولايات والحكومات المحلية، فإن تلك السلطات ستتنافس أيضًا على التمويل والاستثمارات الجديدة، فعلى سبيل المثال ستقوم وزارة التجارة بتخصيص مبلغ 39 مليار دولار من قانون الرقائق للاستثمارات في تصنيع أشباه الموصلات المحلية حيث ستقوم بتقييم مقترحات الشركات للمنح والقروض وهذا سوف يعتمد الى حد ما على الدعم من حكومات الولايات والحكومات المحلية، وبناءً على ذلك تعمل عدة ولايات الآن على تطوير حوافز سخية لمساعدة شركاتها.

ستتنافس الولايات أيضًا –جنبًا الى جنب مع شركاتها ومنظماتها المدنية وغير الربحية- على 122 مليار دولار من التمويل المتعلق بالمناخ في إطار قانون الحد من التضخم. بينما تشرف وزارة الخزانة على الإعفاءات الضريبية، فإن برنامج المنح الجديد لوكالة حماية البيئة بقيمة 27 مليار دولار -صندوق الحد من غازات الاحتباس الحراري- يوفر 7 مليارات دولار للمدن والولايات بشكل مباشر، ويخصص 20 مليار دولار للكيانات غير الربحية التي تستثمر مباشرة في المشاريع الصديقة للبيئة باستخدام كيانات تمويلية أخرى مثل البنوك الخضراء غير الربحية. يوجد بالفعل ثلاثة وعشرون بنكًا أخضر في 17 ولاية بما في ذلك ولاية كاليفورنيا وقد استفادت من مبلغ 2 مليار دولار من الأموال العامة من أجل تحقيق استثمارات خضراء بقيمة 7 مليارات دولار.

تشتمل جميع مشاريع القوانين الثلاثة على برامج تستند إلى المكان ومصممة لتعزيز النمو الشامل وقد أدت هذه البرامج الى بذل جهود تكميلية على مستوى الولاية والمستوى المحلي. لقد أدخلت ولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، صندوق المرونة الاقتصادية المجتمعية بميزانية تبلغ 600 مليون دولار لمدة أربع سنوات لدعم التعاون الإقليمي والتنمية الشاملة كما خصصت فينيكس تمويل محلي كبير وأجرت تغييرات تنظيمية لجذب استثمار بقيمة 40 مليار دولار من شركة تي س م سي فيما يتعلق بإنتاج جديد لأشباه الموصلات.

إن نشر النطاق العريض مهم بشكل خاص للتنمية الاقتصادية الإقليمية، وكما أظهرت جائحة كوفيد-19 لا تزال الولايات المتحدة تعاني من فروقات رقمية صارخة حيث يفتقر أكثر من 24 مليون أمريكي إلى النطاق العريض عالي السرعة كما يحتاج الكثيرون إلى محو الأمية الرقمية، لكن بفضل برنامج البنية التحتية وخطة الإنقاذ الأمريكية التي سبقته، تم تخصيص أكثر من 100 مليار دولار من التمويل الفيدرالي لتوفير النطاق العريض لكل أسرة. إن هذا يُعتبر أكبر استثمار عام لربط الأمريكيين ببعضهم البعض منذ إنشاء نظام الطرق السريعة بين الولايات. ومع ذلك، فإن سد الفجوات في التوصيل بين البنية التحتية المتعلقة بالإنترنت والمستخدم النهائي يمثل تحديًا محليًا للغاية والتنسيق عبر جميع مستويات الحكومة يُعد أمرًا بالغ الأهمية.

أخيرًا، تعد القوى العاملة التي تتمتع بالصحة والمهارة العامل الأكثر أهمية في جذب أصحاب العمل والشركات في القطاعات الرئيسية والاحتفاظ بهم، ولهذا السبب فإن العديد من الولايات والمدن والمناطق تزيد من استثماراتها في تنمية القوى العاملة لضمان تمتع سكانها بالمهارات المناسبة للاستفادة من فرص العمل الجديدة في البنية التحتية وأشباه الموصلات والصناعات المتعلقة بالمناخ.

إن ولاية كاليفورنيا هي مثال على ذلك. تنفق الولاية أكثر من أي ولاية أخرى على التعليم العالي وقد استثمرت في برامج التدريب المهني الجديدة لكليات المجتمع والمسارات المهنية للتعليم الفني في مدارسها العامة، وطبقا لأفضل الحالات فإن برامج تطوير القوى العاملة تمتد من مرحلة ما قبل المدرسة إلى التعليم العالي ومن ثم الارتباط مع صاحب العمل.

تدرك برامج السياسة الصناعية الثلاثة الكبرى لإدارة بايدن أهمية رأس المال البشري في بناء القدرة على التوريد ويقدم كل منها بعض الدعم لتنمية المهارات - بشكل أساسي من خلال الإعفاءات الضريبية لأصحاب العمل. يحتوي قانون الحد من التضخم على سبيل المثال على عشرات الإعفاءات الضريبية المتعلقة بالطاقة لتوسيع الوصول إلى التعليم المهني والوظائف بالأجور السائدة. لكن اعتمادًا مقترحًا بقيمة 40 مليار دولار لتنمية مهارات القوى العاملة لم يدخل في مشروع القانون النهائي مما يعني أن المهمة قد تُركت إلى حد كبير للمدن والولايات وأصحاب العمل والأفراد.

عادةً ما تكون جهود التنمية الاقتصادية الإقليمية الجديدة عابرة للقطاعات والحكومات – وذلك من مستوى الولاية والمستوى المحلي إلى المستوى الفيدرالي، وفي كثير من الأحيان، تتولى جهود التنمية الإقليمية واحدة أو أكثر من المؤسسات التنسيقية والتي تلعب دورًا قياديًا وتنخرط مع المنظمات المجتمعية الأخرى والقطاعات والمؤسسات الرئيسية، مثل مقدمي التعليم والرعاية الصحية. أما في كاليفورنيا فلقد أنشأت مؤسسة سنترال فالي كوميونيتي خطة تنمية (تتألف من 19 استثمارًا ذا أولوية يبلغ مجموعها 4 مليارات دولار تقريبًا على مدى العقد المقبل) بتوجيه من لجنة توجيهية تضم 300 من قادة المجتمع. ان هناك الكثير من الجهود المماثلة قيد الاعداد في جميع أنحاء البلاد، وهناك حاجة إلى المزيد من تلك الجهود.

إن السياسة الصناعية تعتبر محورية بالنسبة لبرنامج بايدن الاقتصادي. إن التوصل الى سياسة صناعية صحيحة ليس بالأمر السهل ولكن التوصل الى سياسة صناعية على أساس المكان سيكون أكثر صعوبة. لكن القيام بذلك الآن يعتبر أمرًا ضروريًا لتحقيق نمو أكثر إنصافًا واستدامة.

.........................................

* لورا تايسون، الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس أثناء إدارة كلينتون، وهي أستاذة في كلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، وعضو مجلس المستشارين في مجموعة أنجلينو.
** ليني ميندونكا، الشريك الفخري الأول في شركة ماكينزي وشركاؤه، هو كبير المستشارين الاقتصاديين والتجاريين السابقين لحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم ورئيس هيئة السكك الحديدية عالية السرعة في كاليفورنيا.
https://www.project-syndicate.org/

اضف تعليق