يلعب عنصر التكاليف دوراً محورياً في الاقتصاد وذلك لما له من تأثير كبير على بيئة الاستثمار. فكلما كانت تكاليف الانتاج بشكل عام وتكاليف بدء الاعمال التجارية بشكل خاص مرتفعة ستجعل بيئة الاستثمار أقل جاذبية فينخفض على أثرها حجم الاستثمار فيتراجع اداء الاقتصاد والعكس صحيح. تُعني كلفة بدء الاعمال...
يلعب عنصر التكاليف دوراً محورياً في الاقتصاد وذلك لما له من تأثير كبير على بيئة الاستثمار. فكلما كانت تكاليف الانتاج بشكل عام وتكاليف بدء الاعمال التجارية بشكل خاص مرتفعة ستجعل بيئة الاستثمار أقل جاذبية فينخفض على أثرها حجم الاستثمار فيتراجع اداء الاقتصاد والعكس صحيح.
كلفة بدء الاعمال التجارية في العراق
تُعني كلفة بدء الاعمال التجارية جميع الرسوم التي يتطلب دفعها من قبل رجال الأعمال للجهات المختصة لأجل تأسيس الأعمال التجارية، كالحد الادنى المدفوع من رأس المال، رسوم فتح حساب مصرفي، رسوم الاقرارات الضريبة وغيرها.
وبهذا الصدد، يذكر البنك الدولي إن بدء النشاط التجاري يشمل جميع الإجراءات المطلوبة رسمياً من رواد الأعمال أو المطبقة في الممارسات العملية لبدء نشاط صناعي أو تجاري وتشغيله، بالإضافة إلى الوقت والتكلفة اللازمين والحد الأدنى المدفوع من رأس المال.
وتتضمن هذه الإجراءات استخراج كافة التراخيص والتصاريح اللازمة، واستيفاء أي إشعارات أو إثباتات أو بيانات يتطلب تسجيلها لدى الأجهزة المختصة والتي تتعلق بالشركة والموظفين، وكل هذه تمثل تكلفة[i].
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يضع العراق شرطاً لتأسيس الشركات يتمثل في ألا يقل الحد الأدنى لرأس مال الشركات المساهمة عن مليوني دينار، ولا يقل الحد الأدنى لشركة محدودة المسؤولية عن مليون دينار، ولا يقل راس مال بقية الشركات عن 500 ألف دينار[ii]. ودفع رسوم 10 الاف دينار عن كل محل تجاري جديد[iii]. ولا يسمح للأجانب ممارسة عمليات البيع بالمفرد إلا بعد إيداع 100 الف دولار كضمان في حساب بدون فائدة لدى مصرف مخول بالعمل في العراق[iv]، وغيرها.
وسيتم اعتماد موقع الاقتصاد العالمي لمعرفة نسب كلف بدء الاعمال التجارية في العراق والدول المجاورة[v] مع استخراج متوسطات النسب للمدة الزمنية ومجموع الدول المجاورة.
يشكل متوسط كلفة بدء الاعمال التجارية في العراق للمدة 2012-2019 ما نسبته 43.60% من دخل الفرد، مما يعني أن كلفة بدء الاعمال التجارية مرتفعة جداً.
وإذا ما تم استبعاد أعلى النسبيتين 70.50% و 51.90% لعام 2012 و2016 على التوالي لاعتبارهما نسب استثنائية فإن متوسط كلفة بدء الاعمال التجارية سيشكل ما نسبته 37.71% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019 باستثناء عامي 2012 و 2016.
وعند النظر لكلفة بدأ الاعمال التجارية في العراق، من خلال الشكل أدناه، سنجد إنها تتصف بالتذبذب بين الارتفاع والانخفاض، لأسباب قد تتعلق بكثرة التعقيد مما يتسبب في كثرة الاجراءات وإطالة الوقت فتنعكس على كلفة بدء الاعمال التجارية، حيث شكلت ما نسبته 70.50% من دخل الفرد عام 2012، ثم انخفضت لتتراوح ما بين 36.70% و 37.40% من دخل الفرد للأعوام 2013-2015، وكما واضح في الشكل أدناه.
ثم سرعان ما عادت لترتفع 51.90% من دخل الفرد عام 2016 ثم أخذت تنخفض إلى 43.30% و38.80% و34.20% في الاعوام 2017 و 2018 و2019.
نعم من الملاحظ إن كلفة بدء الاعمال التجارية مرتفعة جداً في العراق، وإنها آخذه بالانخفاض خصوصاً السنوات الأخيرة.
ولكن السؤال المطروح هل ان هذا الانخفاض حقق مستوى الطموح؟ هذا ما سيتضح من خلال مقارنتها مع كلفة بدء الأعمال التجارية في الدول المجاورة.
كلفة بدء الاعمال التجارية في البلدان المجاورة
يمكن ملاحظة كلفة بدء الاعمال التجارية في الدول المجاورة من خلال الشكل أدناه، حيث نلاحظ ان كل الدول المجاورة، سوريا والاردن والسعودية والكويت وايران وتركيا؛ تتصف بانخفاض كلفة بدء الاعمال التجارية عند مقارنتها في العراق.
وسيتم تناول الدول المجاورة من الأقل كلفة إلى الأعلى كلفة في بدء الأعمال التجارية ونلاحظ فيما بعد مدى الفرق بينها وبين العراق.
الكويت
حيث تحتل الكويت المرتبة الأولى من بين الدول المجاورة في كلفة بدء الاعمال التجارية بحيث تشكل ما نسبته 1.9% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019، علماً ان انها تتمثل في منحنى اللون البرتقالي.
ايران
تأتي ايران في المرتبة الثانية من بين الدول المجاورة في انخفاض كلفة بدء الاعمال التجارية حيث تشكل ما نسبته 2.2% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019، علماً انها تتمثل في منحنى اللون الأخضر.
السعودية العربية
ثم تأتي السعودية في المرتبة الثالثة من بين الدول المجاورة في كلفة بدء الاعمال التجارية حيث تشكل ما نسبته 6.3% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019، علماً انها تتمثل في منحنى اللون البنفسجي.
سوريا
تقع سوريا في المرتبة الرابعة من بين الدول المجاورة في كلفة بدء الاعمال التجارية تشكل ما نسبته 10.4% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019، علماً إن سوريا تتمثل في منحنى اللون الازرق.
تركيا
كما وتقع تركيا في المرتبة الخامسة من بين الدول المجاورة في كلفة بدء الاعمال التجارية تشكل ما نسبته 17% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2019، علماً إن تركيا تتمثل في منحنى اللون الوردي.
الاردن
وأخيراُ تقع الاردن في المرتبة السادسة من بين الدول المجاورة في مؤشر كلفة بدء الاعمال التجارية حيث تشكل أعلى نسبة من بينها وهي 22.5% من دخل الفرد في المتوسط للمدة 2012-2015، علماً إن الاردن تتمثل في اللون الاحمر.
العراق والدول المجاورة
وعند اجراء المقارنة بين كلفة بدء الاعمال التجارية في العراق من جانب ومجموع الدول المجاورة من جانب آخر، سنجد ان الدول المجاورة تتفوق على العراق من حيث انخفاض كلفة بدء الاعمال التجارية.
حيث اتضح أعلاه، ان كلفة بدء الاعمال التجارية في العراق تشكّل ما نسبته 43.60% و37% من دخل الفرد بعد استبعاد أعلى النسبتين في المتوسط للمدة 2012-2019 هذا من جانب، ومن جان آخر تُشكّل كلفة بدء الاعمال التجارية في المتوسط للمدة 2012-2019 لمتوسط الدول المجاورة ( مجموع متوسطات نسبة كلفة بدء الأعمال في الدول المجاورة/ عدد الدول المجاورة) ما نسبته 10.05% من دخل الفرد لمتوسط الدول المجاورة للمدة ذاتها.
وعند مقارنة هذه النسب نلاحظ إن كلفة بدء الاعمال التجارية في العراق تفوق بشكل كبير جداً، أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف؛ كلفة بدء الاعمال التجارية في الدول المجاورة.
هذه النتيجة اسهمت في هروب رؤوس الاموال الوطنية فضلاً عن الأجنبية نحو الدول المجاورة من جانب وزيادة الاستيرادات منها من جانب آخر، كلا الأمرين انعكسا سلباً على الاقتصاد الوطني.
ومن أجل احياء الاقتصاد الوطني لابُد من جذب رؤوس الاموال الوطنية والأجنبية وتقليص الاستيرادات وكلا الأمرين يتطلبان العمل على تخفيض كلفة بدء الاعمال التجارية بالإضافة لعوامل أخرى خارج نطاق هذا المقال.
سيما وان انخفاض كلفة بدء الاعمال التجارية تمثل مؤشر على جاذبية الاستثمار، بمعنى كلما تنخفض كلفة بدء الاعمال التجارية في البلد كلما يزداد الاستثمار الاجنبي وهذا ما ينعكس ايجاباً على الاقتصاد الوطني برمته.
وان تخفيض كلفة بدء الاعمال التجارية يتطلب بشكل عام إعادة النظر بالرسوم والقوانين واللوائح الموضوعة من قبل الجهات الرسمية باتجاه التخفيض والسلاسة.
اضف تعليق