العلاقة بين النمو الاقتصادي والفقر وفجوات التفاوت معقدة، والقوى التي تؤثر على هذه العلاقة في البلدان الأكثر ثراء قد لا تكون فاعلة في الهند. لقد ساعد النمو الاقتصادي في انتشال أكثر من 250 مليون هندي من براثن الفقر في غضون مدة قصيرة نسبيا. ونتيجة لهذا، اتسعت فجوة التفاوت...
بقلم: أميت تياجي

دبي ــ في الأشهر القليلة الأخيرة، ظهرت عِـدة تقارير تدق نواقيس الخطر بشأن تزايد اتساع فجوة التفاوت في الدخل والثروة في الهند. الإحصاءات التي استشهدت بها التقارير ليست خاطئة، لكنها منقوصة. وقد أنتجت قصصا إخبارية مثيرة لكنها مضللة.

على سبيل المثال، يشير مقال يستند إلى تقرير حديث صادر عن منظمة أوكسفام بعنوان "التفاوت بين الناس يَـقـتُـل" إلى أن "الهند تحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم من حيث عدد أصحاب المليارات بين مواطنيها". تشير القصة إلى أن الهند بها 142 مليارديرا لكنها تتجاهل أن عدد سكان الهند 1.4 مليار نسمة. أي أن واحدا فقط من كل عشرة ملايين هندي ملياردير، في حين تبلغ "كثافة أصحاب المليارات" في روسيا ثمانية بين كل عشرة ملايين، وثلاثة في البرازيل، وأكثر من أربعة في الصين، ونحو 22 في الولايات المتحدة. على نحو مماثل، في حين أن عدد أصحاب المليارات في الهند يفوق فعليا مجموعهم في فرنسا والسويد وسويسرا"، فإن هذه البلدان الثلاثة مجتمعة، تصبح لديها 18 ضعف أصحاب المليارات في الهند بمقياس الكثافة.

ليس من المستغرب أن يكون عدد أصحاب المليارات في الدول الغنية أكبر نسبة إلى عدد سكانها مقارنة بالدول الفقيرة. لمقارنة أكثر دقة، لنتأمل هنا كثافة أصحاب المليارات في البلدان المتوسطة الدخل. مقارنة بأكبر عشرين اقتصادا متوسط الدخل في العالم، تحتل الهند مرتبة منخفضة للغاية. وبلدان مثل البرازيل وماليزيا وتايلاند لديها عدد أكبر كثيرا من أصحاب المليارات مقارنة بحجمها.

أوكسفام ليست المنظمة الوحيدة التي أشارت إلى فجوة الثروة في الهند. في شهر ديسمبر/كانون الأول، أدرج تقرير التفاوت العالمي 2022، المنشور الأساسي الذي يصدره مختبر التفاوت العالمي التابع لكلية باريس للاقتصاد، الهند بين أكثر بلدان العالم تفاوتا. أثار هذا البحث، الذي تولى تنسيقه عدد من كبار خبراء الاقتصاد، عناوين إخبارية مثيرة ــ "دولة فقيرة تضم نخبة ثرية: الهند ذاهبة إلى المجهول"، أو حتى ما هو أسوأ من ذلك، "كيف تعمل القومية الهندوسية على تمكين انزلاق الهند إلى هوة التفاوت" ــ وبهذا تحول الأمر إلى قضية سياسية محلية.

من المؤكد أن فجوة التفاوت في الدخل والثروة تزايدت اتساعا في الهند في السنوات الأخيرة. وفقا لتقرير التفاوت العالمي، فإن أغنى 10% من الهنود يمثلون 57.1% من إجمالي الدخل، مقارنة بنحو 13.2% فقط للنصف الأكثر فقرا. والتفاوت في الثروة أشد وضوحا. إذ يمتلك النصف الأكثر فقرا من السكان الهنود 5.9% فقط من إجمالي ثروة الهند، في حين يسيطر أكثر 10% ثراء على 64.7%.

ولكن هل تدعم هذه الأرقام حقا الادعاء بأن الهند واحدة من أكثر دول العالم تفاوتا؟

برغم أن النصف الأشد فقرا في الهند يمتلك نسبة صغيرة من إجمالي ثروة البلد، فإن المنتمين إلى هذا النصف ما زالوا أفضل حالا من أقرانهم في أغلب البلدان. وفي حين تحتل الهند المرتبة 67 بين أكبر 100 اقتصاد في العالم من حيث الدخل الذي يجنيه أفقر 50% بين سكانها، فإنها تحتل المرتبة 17 من حيث النسبة المئوية للثروة التي يمتلكها النصف الأكثر فقرا.

على أية حال، الإحصائيات التي تقارن بين أعلى 10% وأدنى 50% ليست المقياس الوحيد للتفاوت بين الناس، على الرغم من سهولة فهمها. طبقا لحسابات مستمدة من بيانات تقرير التفاوت العالمي، فإن معامل جيني في الهند ــ وهو مؤشر مستخدم على نطاق واسع يتراوح من الـصِـفر الذي يشير إلى المساواة الكاملة، إلى الواحد الصحيح الذي يشير إلى التفاوت التام ــ يبلغ 0.6 للتفاوت في الدخل و0.7 للتفاوت في الثروة. ومقارنة بأكبر 100 اقتصاد في العالم، تقع الهند في الوسط من حيث التفاوت في الثروة وبين أعلى 20 اقتصاد من حيث التفاوت في الدخل.

في عموم الأمر، الهند ليست مثالا نموذجيا للمساواة بين الناس، لكنها أيضا ليست واحدة من أكثر دول العالم تفاوتا.

السؤال الأكثر جوهرية هو ما إذا كان من الواجب أن تستمر الهند في التركيز على النمو الاقتصادي للحد من الفقر، حتى لو تسبب ذلك في اتساع فجوة التفاوت. وفقا للمسح الاقتصادي الذي أجرته الحكومة الهندية للفترة 2020-2021، الإجابة هي "أجل قاطعة"، ولا ينبغي لهذه الإجابة أن تفاجئنا. الواقع أن الحكومة تراهن على أن "المد المتزايد الارتفاع من شأنه أن يرفع كل القوارب"، ويبدو أن الحقائق تدعم هذه المقولة.

في العقد الممتد من 2006 إلى 2016، بلغ متوسط نمو الاقتصاد الهندي سنويا 7.6% ــ وهو أحد أسرع التوسعات في غضون عشر سنوات في تاريخ البلاد. بالتزامن مع هذا النمو اتسعت فجوة التفاوت: فقد ارتفعت حصة الدخل التي تذهب إلى أكثر 10% ثراء من 47.8% إلى 57.1%، في حين انخفضت حصة النصف الأكثر فقرا من 16.1% إلى 13.1%. ولكن على مدار ذات الفترة، انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد ــ مقياس عريض يغطي الصحة، والتعليم، ومستويات المعيشة ــ من 642 مليون شخص إلى 370 مليونا.

برغم أن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) أهدرت بعض هذه المكاسب، تُـظـهِـر ورقة عمل حديثة صادرة عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية انخفاض التفاوت في الدخل في الهند. كما شهد الهنود الأكثر ثراء انخفاضا أشد حدة في الدخل مقارنة بالفقراء، حيث تأثرت أعمالهم بالانكماش الاقتصادي. وسجل الطلب على وظائف قطاع الخدمات التي يشغلها الهنود الأكثر ثراء انخفاضا حادا. يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الهندي بنسبة 24% خلال الفترة 2021-2023، ونأمل أن يؤدي هذا إلى الحد من الفقر وتضييق فجوة التفاوت.

الواقع أن العلاقة بين النمو الاقتصادي والفقر وفجوات التفاوت معقدة، والقوى التي تؤثر على هذه العلاقة في البلدان الأكثر ثراء قد لا تكون فاعلة في الهند. لقد ساعد النمو الاقتصادي في انتشال أكثر من 250 مليون هندي من براثن الفقر في غضون مدة قصيرة نسبيا. ونتيجة لهذا، اتسعت فجوة التفاوت ــ ولكن ليس إلى المستويات التي ينبغي أن تكون كافية لإطلاق أجراس الإنذار.

* أميت تياجي، رئيس إدارة المخاطر في زاند
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق