ارتفاع الغاز الطبيعي هو فرصة مشجعة للدول التي تمتلكه للتوجه نحو استثماره لأسباب مالية واستراتيجية وبيئية، إذ إن استثمار الغاز الطبيعي يعني توفير إيرادات مالية لخزينة الدولة من جانب، وفك تبعية الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز المستورد من الدول الأخرى من جانب ثانٍ، وتقليص انبعاثات...
بحكم أن النفط سلعة بديلة يمكن إحلالها محل الغاز، فإن تغيّر اسعار الغاز انسحب بشكل تلقائي على أسعار النفط والبلدان التي تعتمد عليه بشكل رئيس. بشكل عام، ترتفع أسعار السلع والخدمات حينما يرتفع الطلب عليها والعكس صحيح حينما يزداد عرضها تنخفض أسعارها. ارتفاع اسعار الغاز في الآونة الأخيرة لا تبتعد عن هذا القانون الاقتصادي، بل وأكثر، أي إن الاسعار ارتفعت بفعل زيادة الطلب مقابل انخفاض العرض وتعثر الإمدادات.
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي منُذُ بداية العام الجاري وحتى الوقت الحاضر، بنسب عالية، حيث وصلت حسب بعض التقديرات إلى 400% في أوربا، وذلك لأسباب سيتم تناولها أدناه، هذا الارتفاع لا يخلو من آثار سيتحملها الاقتصاد العالمي بحكم العولمة وبالخصوص التضخم.
أسباب زيادة الطلب
هناك مجموعة من الأسباب دفعت لزيادة الطلب على الغاز ومن ثم ارتفاع اسعاره، يمكن تناول أبرزها في الآتي:
أولاً: التعافي الاقتصادي، دفع إيجاد اللقاح وإجراء التطعيم ضد فيروس كورونا إلى تخفيف القيود المفروضة على الاقتصاد وتعافيه، هذا التعافي دفع لزيادة الطلب على الغاز ومن ثم ارتفاع اسعاره.
ثانياً: إشباع المخزون، نظراً لتوقف الاقتصاد عن العمل بعد انتشار جائحة كورونا، هذا التوقف دفع لزيادة الاعتماد على مخزونات الغاز خلال مدة التوقف، وبعد الانفتاح زاد الطلب على الغاز لاستعادة المخزون وهذا ما أدى لارتفاع أسعاره.
ثالثاً: تقليص التلوث، هناك توجه عالمي لتخفيض غازات الدفيئة والانتقال إلى الطاقة النظيفة من بينها الغاز، ومع تخفيف قيود كورونا انطلق الاقتصاد نحو شراء الغاز مما تسبب في زيادة الطلب وارتفاع أسعاره.
رابعاً: التوقعات، هناك توقعات بأن يكون الشتاء قارص البرودة، مما تسبب في زيادة الطلب على الغاز وزيادة أسعاره.
أسباب انخفاض العرض
كما إن هناك أسباب دفعت لزيادة الطلب على الغاز، هناك أسباب أدت لانخفاض انتاجه وإمداداته، مما تسببت في ارتفاع أسعاره.
أولاً: قلة الاستثمارات، إن تنامي الطب على الغاز بفعل التعافي الاقتصادي وتلبية لاعتبارات البيئة، مقابل ضعف الاستثمارات في انتاج الغاز أدى لانخفاض المعروض منه ومن ثم ارتفاع أسعاره.
ثانياً: انخفاض الامدادات، دفع تراجع الإمدادات من بعض الدول المصدرة، مثل: أستراليا والنرويج، بسبب أعمال الصيانة الدورية والطارئة[i] إلى انخفاض المعروض من الغاز من ثم ارتفاع اسعاره.
ثالثاً: انخفاض المخزونات، نظراً لزيادة الضغط على المخزونات خلال مدة الاغلاق، وفي ظل تعافي الاقتصاد وزيادة الطلب على الغاز مقابل انخفاض المخزونات، مما نجم عنه ارتفاع الاسعار بنسب عالية.
انعكاس ارتفاع اسعار الغاز على البلدان النفطية
هناك علاقة وثيقة بين النفط والغاز من حيث الاسعار، فارتفاع اسعار الغاز لأسباب ذُكرت آنفاً، دفعت لزيادة الطلب على النفط على اعتبار انه سلعة بديلة يمكن إحلالها محل الغاز، هذا الطلب أدى لارتفاع اسعار النفط مؤخراً وبلوغه أكثر 85 دولاراً للبرميل الواحد.
وما عزز من ارتفاع اسعار النفط إلى هذا المستوى ومن المتوقع أن تصل إلى 100 دولار للبرميل الواحد، هو اتفاق أوبك+ القاضي بعدم زيادة الانتاج إلا بكميات محددة-400 ألف برميل يومياً-لان المتوقع زيادة الانتاج والعودة به إلى ما قبل الجائحة.
ونظراً لاعتماد البلدان النفطية على النفط بشكل كبير، فإن ارتفاع أسعار الغاز سيؤثر بالشكل الايجابي على اسعار النفط وهذا ما يُحسن من اداء موازنات هذه البلدان في ظل ضعف اقتصاداتها الداخلية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعتمد العراق على النفط بنسبة تتجاوز 90% من ايراداته وصادراتها وبنسبة تتجاوز 45% من ناتجه المحلي، فارتفاع أسعار النفط بفعل ارتفاع اسعار الغاز دفع لانتعاش التوقعات بخصوص موازنة 2022 وعدم وجود عجز بل وجود فائض سيتم استخدامه لسداد ديون السنوات الاخيرة التي حصلت نتيجة لانخفاض اسعار النفط.
ونظراً لغياب المؤسسات في أغلب البلدان النفطية ومن بينها العراق، فإن ارتفاع أسعار النفط لا ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد والمجتمع، مما يجعل كل منهما يعاني استمرار الضعف والاختلال، لكنه يخفف من حدّة أزمة انخفاض الاسعار وتبعاتها.
إن ارتفاع الغاز الطبيعي هو فرصة مشجعة للدول التي تمتلكه للتوجه نحو استثماره لأسباب مالية واستراتيجية وبيئية، إذ إن استثمار الغاز الطبيعي يعني توفير إيرادات مالية لخزينة الدولة من جانب، وفك تبعية الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز المستورد من الدول الأخرى من جانب ثانٍ، وتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون الناجم عن استخدام النفط الخام ومشتقاته.
ختاماً، لم ترتفع اسعار الغاز الطبيعي لولا وجود اسباب اقتصادية تمثلت في التفاوت بين العرض والطلب على الغاز الطبيعي، انعكست أو ستنعكس بشكل سلبي على الدول المستوردة، وبشكل ايجابي على الدول المنتجة والمصدرة له ولا بُد من استثمار هذه الفرصة من قبل هذه الدول.
اضف تعليق