q
لو ان النمو الاقتصادي الأقوى هو الذي يدفع أسعار الفائدة للارتفاع في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الروابط التجارية الإيجابية لبعض الأسواق الناشئة قد تساعد في التعويض عن أي تأثيرات مالية سلبية. ثانيا، ان من المنطقي الافتراض بإن الاحتياطي الفيدرالي سوف يرسل الإشارات المسبقة هذه المرة بشكل ملائم...
بقلم: أوتافيانو كانوتو

ساو باولو- في أوائل يوليو، انخفض العائد على سندات الخزينة الامريكية لأجل عشر سنوات الى أقل مستوى له خلال أربعة شهور كما هبطت أسواق الأسهم بسبب مخاوف من ان التوقعات الوردية لهذا العام بالنسبة للنمو الاقتصادي لن تتحقق ولكن ما تزال وجهة النظر السائدة ان الارتفاع الأخير في التضخم سوف يكون مؤقتا مما يسمح للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالتخفيض السلس لميزانيته العمومية في وقت ما في المستقبل.

ان هذه الحلقة من حلقات السوق لهذا الشهر يمكن ارجاعها جزئيا الى فبراير ومارس من هذا العام عندما ارتفعت أسعار السندات طويلة الأجل الامريكية بسبب توقعات بإن الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ قريبا بتشديد سياسته النقدية ومع الحزم المالية الضخمة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن، جاءت مخاوف جديدة تتعلق بالتضخم والتوسع الاقتصادي غير المنضبط. لقد ارتفعت عوائد سندات الخزينة لأجل عشر سنوات حسب الأصول من نسبة اقل من 1،2% الى ما يقارب من 1،8% قبل ان تستقر وتتراجع الى مستويات سابقة هذا الشهر.

وعلى الرغم من وجود بعض التوتر بعد اجتماع يونيو للجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة المسؤولة عن وضع السياسات وذلك عندما اتخذ بعض أعضاء اللجنة موقفًا أكثر تشددًا، تمكن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من الحفاظ على الهدوء في الأسواق وذلك من خلال الوعد بإعطاء اخطار مسبق بفترة كافية قبل البدء في تقليص مشترياته الشهرية من السندات ومنذ ذلك الحين انخفضت أسعار الفائدة بوتيرة ملحوظة.

لكن ما يزال الوضع يكتنفه الغموض بالنسبة للأسواق الناشئة والتي عانى معظمها من هروب رؤوس الأموال كنتيجة لحالة الذعر في فبراير-مارس وما رافقها من ارتفاع في أسعار الفائدة في السوق الأمريكي وعلى الرغم من ان تلك التدفقات الخارجة من تلك الأسواق قد رجعت اليها منذ ذلك الحين، فإن هناك دائما احتمالية بإن الاحتياطي الفيدرالي سوف يشعر بأنه ملزم بالتراجع مجددا مما يثير تساؤلات عن ما اذا كنا نتجه الى ازمة تشبه الازمة التي هزت الأسواق العالمية سنة 2013 عندما ارتفعت عوائد السندات الامريكية بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء برنامج التخفيف الكمي الخاص به.

تذكر انه في يونيو من ذلك العام، اقترح رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك بين بيرنانكي ان اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة قد تبدأ قريبا في ابطاء مشترياتها من السندات وبهذا البيان العابر الوحيد، أشعل بيرنانكي بدون قصد موجة من الارتفاعات في أسعار الفائدة وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.

لقد كانت لدى الدول الهشة الخمس – جنوب افريقيا والبرازيل والهند واندونيسيا وتركيا- في ذلك الوقت عجز في الحساب الجاري بالإضافة الى الاعتماد القوي على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية ولسنوات عديدة شهدت تلك الدول الآثار غير المباشرة للسياسات النقدية الأمريكية شديدة التساهل، والتي دفعت المستثمرين للبحث عن عوائد أعلى في الأسواق الناشئة وعندما أشار بيرنانكي الى إمكانية التشديد التدريجي للسياسة النقدية، أصيب المستثمرون بالذعر لفترة قصيرة.

لقد وقعت موجة أخرى من تدفقات رؤوس الأموال لخارج الأسواق الناشئة في مايو 2018 وذلك عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي بالفعل بتخفيض حيازاته من الأصول ولكن هذا التخفيض التدريجي- الذي تبعه بيع في أسواق السندات الامريكية وارتفاع سعر الدولار- تم إيقافه سنة 2019 وفي هذه المرة انخفضت الدول الهشة الخمس الى اثنتين فقط (تركيا والأرجنتين) وكلاهما كان يعاني من عجز مرتفع في الحساب الجاري وتعرض حاد لتقلبات سعر الصرف وذلك بسبب الاحجام الكبيرة من الدين بالعملات الأجنبية في البلدين.

ان هذا يرجعنا مرة أخرى لهذا العام فطبقا لمعهد التمويل الدولي فإن الذعر الحاصل في الأسواق في فبراير-مارس كان كافيا للتسبب في انخفاض كبير في تدفقات المحافظ غير المقيمة الى الأسواق الناشئة وعلى الرغم من انه قد تم استعادة تلك الخسائر جزئيا خلال الأشهر الثلاثة اللاحقة فإن المخاوف من ارتفاع عوائد السندات الامريكية بعد ابطاء التخفيف الكمي مجددا أي تكرار ما حصل سنة 2013 سوف يبقى بارزا خلال السنتين القادمتين وخاصة إذا بدا ان الاحتياطي الفيدرالي سوف يبدأ بالتشدد بشكل أسرع مما هو متوقع حاليا.

لكن من الأهمية بمكان تذكر اننا لم نعد في سنة 2013 ففي تلك الفترة كان معدل العجز في الحسابات الجارية للدول الخمس الهشة حوالي 4،4% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما نسبته 0،4 % اليوم وبالإضافة الى ذلك فإن تدفق الموارد الخارجية للأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة لم يكن قريبا من الحجم الذي كان عليه في السنوات التي سبقت الذعر الحاصل في 2013 كما لا توجد مبالغة في تقييم أسعار الصرف الحقيقية كما كان عليه الحال في تلك الفترة وباستثناء تركيا فلقد انخفض اجمالي الاحتياجات التمويلية الخارجية للدول الخمس الهشة كنسبة من الاحتياطات الأجنبية بشكل كبير.

ان هناك عاملين إضافيين من العوامل المخففة التي يجب النظر اليها. أولا، لو ان النمو الاقتصادي الأقوى هو الذي يدفع أسعار الفائدة للارتفاع في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الروابط التجارية الإيجابية لبعض الأسواق الناشئة قد تساعد في التعويض عن أي تأثيرات مالية سلبية. ثانيا، ان من المنطقي الافتراض بإن الاحتياطي الفيدرالي سوف يرسل الإشارات المسبقة هذه المرة بشكل ملائم أكثر مما يخفف من خطر حلقة أخرى من حلقات الذعر.

لكن ماذا عن مشكلة " العجز المزدوج” في العديد من الاقتصادات الناشئة؟ لا يستطيع المرء ان يستبعد حقيقة ان الأسواق الناشئة عانت من تدفق كبير لرؤوس الأموال خارجها في العام الماضي بشكل تزامن مع تصاعد العجز المالي في تلك الأسواق استجابة للجائحة ولكن على الرغم من ازمة كوفيد-19 فإن الأسواق الناشئة بشكل عام كانت قادرة على تمويل العجز المالي الأكبر لديها وذلك من خلال الاعتماد على المستثمرين المحليين وفي بعض الحالات بنوكها المركزية ومنذ النصف الثاني من سنة 2020، فإن مشتريات الأوراق المالية الحكومية من قبل غير المقيمين في بعض الأسواق الناشئة قد بدأت بالتحسن مجددا.

صحيح أنه نظرا لأن بعض إصدارات الأوراق المالية المقومة بعملات اجنبية قد تبقى ضرورية، فإن المخاطر المرتبطة بتدفقات العملات الأجنبية المتغيرة لم يتم التخلص منها بالكامل. لا تزال بلدان مثل كولومبيا وتشيلي لديها مستويات عالية نسبيا من الديون المقومة بالدولار وفي بعض الأسواق الناشئة ستظل تدفقات المحافظ الوافدة حيوية من اجل تمويل العجز المالي.

لكن في نهاية المطاف فإن المخاطر الأكبر التي تواجه الأسواق الناشئة تكمن في جوانب أخرى فبدلا من القلق من حصول حالة ذعر تشبه ما حصل سنة 2013 عندما ارتفعت عوائد السندات الامريكية بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء برنامج التخفيف الكمي الخاص به، يجب علينا ان نشعر بقلق أكبر من الرتم البطيء للتطعيم مما يؤثر سلبا على التعافي لمرحلة ما بعد كوفيد والارتفاع في أسعار السلع مما يؤدي للتضخم والاستراتيجيات الاقتصادية التي تعمل على مجرد استعادة معدلات النمو المنخفضة لمرحلة ما قبل الجائحة.

* أوتافيانو كانوتو، زميل أقدم في مركز السياسات للجنوب الجديد، شغل سابقًا منصب نائب الرئيس والمدير التنفيذي للبنك الدولي، والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، ونائب الرئيس في بنك التنمية للبلدان الأمريكية.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق