الإصلاح الإقتصادي ليس الورقة البيضاء فقط، ولا قوانين الإصلاح متعددة الألوان فقط، ولا وصفات صندوق النقد والبنك الدوليّان فقط، والأهمّ من كلّ ذلك أن هذا الإصلاح ليس إصلاحاً اقتصاديّا فقط، بل هو اجتماعي، وسياسي، وِقيَمي إذهبوا، وأقرأوا، وتصفّحوا تاريخ الأمم والدول والشعوب مع هذه القضايا كلها...
بدأت بدراسة الاقتصاد في عام 1971، أي قبل خمسين عاماً، أي منذ نصف قرن، حصلتُ على "البكالوريوس" قبل خمسة وأربعين عاما، وعلى "الماجستير" قبل اثنين وثلاثين عاما، وعلى "الدكتوراه" قبل خمسةِ وعشرينَ عاما، وترقّيتُ إلى مرتبة "الأستاذيّة" قبل سنتين فقط لا غير (وبشَقّ الأنفُس)، وأنا على أعتابِ السبعين.
ما أزالُ أقرأ، وأتابِع، وأعمل، وأُدرّس وأتعلّم الكثير من اساتذتي الكبار، وزملائي وأصدقائي الشباب و"الشيّاب"، وأيضاً من تلاميذي "الصغار".
عرفت أشياء، وفاتتني أشياء، وإلى هذه اللحظة أجهل الكثير من "خفايا" هذا "العِلم"، ولا أكتب حرفاً في الإقتصاد، وعن الإقتصاد، دون أن أتّصِل بـ "العارفين" لأتحقّق منهم عن مدى دقة ما أكتب، واسألهم أسئلةً كثيرة، فيدقّقون، ويجيبون، ويصحّحون، ويعترضون، ويوافقون، ويقدّموا الأمثلة، ويوثّقوا "الأدلّة"، ويؤكّدوا صحّة وسلامة بعض "المؤشرّات، ويُفنّدوا غيرها، بعدها "يَلِدُ" مقالٌ من صفحةٍ أو صفحتين، وهو يحتمل الكثير من الصواب، كما يحتمل الكثير من الخطأ.
ولكن، ومنذ أن دخل "الاقتصاد" كمادةٍ سهلةٍ، و"مُسطّحة"، و مُبتذلة، في أحاديث "السياسيين" المُبتدئين، وأصبحَ جُزءاً من صفقاتهم، و"حُصصهم"، ليتحوّل بذلك إلى "لغوٍ" صِرْف، فأنا (والعياذُ بالله من "أنا" هذه) لم أعد أعرفُ عن هذا "الاقتصاد" شيئاً لهُ معنى، أو جدوى.
لقد أربك هؤلاء "الأفذاذ" في علم "الاقتصاد السياسي" حتّى الناس العاديّين الذين بدأوا يطرحونَ على ما تبقّى من "الإقتصاديين"، اسئلةً تبدو منطقيّةً (وأحياناً بسيطةً وساذجة)، ومع ذلك فلن يتمكّنَ اقتصاديٌّ واحد "يحترِمُ نفسه" من الإجابة عليها بشكلِ واضحِ ومُقنِع.
معالي السياسيّين - الإقتصاديّين - التنمويّين - الماليّين - النقوديّين - الخارقين - كُليّي القدرة، الموازنة العامة للدولة ليست بيان سياسي و"تعبوي" فقط .. إذهبوا، واقرأوا، وأعرفوا ماهي، سعر الصرف ليس "كرامة" الدينار المهدورة أمام "استهتار" ورعونة الدولار الأمريكي فقط .. إذهبوا، واقرأوا، وأعرِفوا ما هو.
التضخّم ليس سعر "بُطْل" الزيت السابق مقارنةً بسعره الحالي فقط، إذهبوا، وأقرأوا، واعرفوا ماهو، السياسة التجارية ليست حرباً بين "طماطة" مستوردة، و "طماطة" محليّة فقط .. إذهبوا، وأقرأوا، وأعرفوا ما هي.
السياسة المالية ليست وزارة و"وزير" المالية فقط، والسياسة النقدية ليست "محافظ" البنك المركزي فقط، وخطط التنمية الوطنية ليست "وزارة" و "وزير" التخطيط فقط، وهذه كلها ليست المدراء العامّين في هذه "المؤسسات"، ولا "مدراء المكاتب" الفاعلين فيها إذهبوا، واقرأوا، وتصفّحوا التاريخ الإقتصادي للعراق، وأعرفوا ما هي.
"الإصلاح الإقتصادي" ليس "الورقة البيضاء" فقط، ولا "قوانين" الإصلاح متعددة الألوان فقط، ولا "وصفات" صندوق النقد والبنك الدوليّان فقط .. والأهمّ من كلّ ذلك أن هذا "الإصلاح" ليس إصلاحاً "اقتصاديّا" فقط، بل هو اجتماعي، وسياسي، و "قِيَمي" .. إذهبوا، وأقرأوا، وتصفّحوا تاريخ الأمم والدول والشعوب مع هذه "القضايا" كلها، لتعرفوا ما أنتم بصدده بالضبط، وكيف يمكنكم التعامل مع معطياته بالضبط، بأكبرٍ عائدٍ ممكن، وأقلّ كلفة ممكنة.
وأخيراً فإنّ "الإقتصادي" ليس هو "الدال - نقطة" في الإقتصاد، وليس هو الذي وقفت "لجنة المناقشة" ومنحته "دكتوراه فلسفة" بدرجة "امتياز"(وسط زغاريد الأهل في القاعة، وتهنئة الأصدقاء على "الفيسبوك" )، في الوقت الذي لا تُعادل فيه قيمة "اطروحته كـ "دراسة" قيمة الورق الذي كتبت عليه.
ويقيناً فإنّ "الخبير" الإقتصادي، هو ليس "البروفيسور" الذي حصل على ترقيته لمرتبة "الإستاذيّة" في شهرٍ (أو بضعة أشهر)، دون أن يضيف البروفيسور "حنّون" للإقتصادِ "خردلةً"، ولا "الإقتصاد" لهُ "شُغلٌ" بحنّونِ.
وعن هؤلاء (أي جماعة "الدال نقطة" المجّانيّون، والبروفيسوريّة "عشرة بألف") .. إذهبوا، واقرأوا، وتصفّحوا تاريخ "الإقتصاديّين" العِظام، وأفكارهم، و "مدارسهم" .. لتعرفوا من هم هؤلاء بالضبط، وأيضاً لتعرفوا، كيفَ ولماذا، أصبحنا في الدِرك "الأسفل" من الاقتصاد.
اضف تعليق