q
تشبث العديد من أهل الاقتصاد لفترة طويلة للغاية برأي مفاده أن رأس المال لا ينبغي أن يخضع للضريبة، على أساس أن القيام بذلك يثبط المدخرات ويقلل من الاستثمار. لكن الأدلة التي قد تؤكد هذه الادعاءات ليست دامغة. تشير تقديرات حديثة إلى أن المعروض من رأس المال...
بقلم: دارون أسيموغلو

كمبريدج ــ سوف تتحدد هيئة الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في حكم الولايات المتحدة تبعا للجهود المبذولة لاحتواء مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وتسليم اللقاحات على نطاق واسع. ولكن في الأمد المتوسط، سيحدد الاقتصاد مدى نجاح الإدارة. في هذا الصدد، أشار بايدن إلى أن الإصلاح الضريبي سيكون على رأس الأولويات، وأصدر خططا لمعالجة المشكلات المالية التي طال أمدها مثل نقص إيرادات الحكومة الفيدرالية وعدم تصاعدية النظام الضريبي. لكن هذه المقترحات لا تقترب بعد بالقدر الكافي من معالجة خط الصدع الرئيسي في قانون الضرائب: المعاملة التفضيلية المفرطة للدخل الرأسمالي (الأرباح والعائدات على الأصول المالية والمدخرات).

كانت الضرائب المفروضة على رأس المال في الولايات المتحدة أخف دوما من الضرائب المفروضة على العمل. في بـحـثي الذي أجريته مع أندريا مانيرا من معهد ماساتشوستس وباسكوال ريستريبو من جامعة بوسطن، تشير تقديراتنا إلى أن الضريبة الفعلية على العمل (مع وضع الضرائب على الرواتب والدخل الفيدرالي في الحسبان) في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين كانت نحو 25%، وهذا يعني أن كل دولار يحصل عليه الموظف يتكلف 1.25 دولار. في المقابل، كانت الضريبة الفعلية على رأس المال نحو 15% فقط.

ثم تفاقم الوضع منذ ذلك الحين، مع انخفاض الضرائب الفعلية على رأس المال. في أعقاب التخفيضات الضريبية التي أقرها الجمهوريون في عام 2017، كان رأس المال مثل المعدات والبرمجيات يواجه معدل ضريبي بلغ نحو 5%، في حين ظلت الضريبة الفعلية على العمل دون تغيير إلى حد كبير.

تُـعَـد الضرائب الشديدة التدني المفروضة على رأس المال اليوم نتيجة للعديد من التطورات. فقد انخفضت الضرائب الهامشية المفروضة على الأسر الغنية ــ التي تميل إلى الحصول على الحصة الأكبر في دخلها من رأس المال ــ وغيرت العديد من الشركات وضعها الضريبي لتصبح شركات مساهمة من الفئة S، وهي معفاة من ضريبة دخل الشركات. لكن العامل الأكبر يتمثل في مخصصات الإهلاك المتزايدة السخاء بموجب قانون الضرائب الأميركي، والذي سمح للشركات بخصم قدر كبير من الإنفاق الاستثماري من التزاماتها الضريبية، حتى أن بعض الشركات تحصل فعليا على دعم استثماري صاف.

الواقع أن هذه الحال من عدم التماثل بين رأس المال والعمل والتي بدأت في ثمانينيات القرن العشرين تسببت في اتساع فجوة التفاوت في الدخل وتشوه قرارات الاستثمار وتشغيل العمالة. واليوم لا تزال عواقب هذه الحال أشد خطورة، بسبب اتساع نطاق التكنولوجيات التي تستطيع الشركات استخدامها لأتـمتة عملياتها (تشغيلها آليا). فالآن تتوفر العديد من الآلات والخوارزميات القادرة على أداء المهام التي يقوم بها العمال البشر، ويشجع قانون الضرائب الشركات بقوة على تبني هذه الآلات والخوارزميات، حتى إلى درجة الإفراط.

لنتأمل هنا الاختيار بين توظيف عشرة عمال للسنوات العشر القادمة، براتب 100 ألف دولار سنويا، أو شراء آلة قيمتها 11 مليون دولار تؤدي ذات المهام بالضبط. تعادل تكلفة الخيار الأول 12.5 مليون دولار (10 مليون دولار للعمال، بالإضافة إلى الضرائب)، في حين تعادل تكلفة الخيار الثاني 11.55 مليون دولار فقط (سعر الآلة بالإضافة إلى الضريبة الفعلية على رأس المال بنسبة 5%). القرار سهل. فرغم أن العمال في هذه الحالة أكثر كفاءة من رأس المال (حيث يتلقون 10 مليون دولار عن عمل يتطلب القيام به آلة قيمتها 11 مليون دولار)، فإن قانون الضرائب يدفع الشركة إلى تفضيل التشغيل الآلي الذي يزيل الوظائف.

من المؤكد أن تصميم المزيد من التكنولوجيات، بما في ذلك التكنولوجيات الرقمية، لتكميل عمل البشر بدلا من الحلول محله، كفيل بأن يجعل الاستثمار الرأسمالي الإضافي في غير احتياج إلى إلغاء الوظائف، بل وربما حتى يعمل على تعزيز إنتاجية العمل الإجمالية. ولكن من المؤسف أن هذه ليست الحال.

تُـرى كيف انتهت بنا الحال إلى تطبيق سياسات ضريبية تعمل صراحة على تغذية التفاوت بين الناس وإهدار الوظائف؟ بادئ ذي بدء، أصبحت الشركات الضخمة أعلى صوتا وأقوى من الناحية السياسية على مدار العقود العديدة الماضية ــ وليس فقط بسبب حكم "مواطنون متحدون" الصادر عن المحكمة العليا في عام 2010، الذي فتح الباب على مصراعيه لإنفاق الشركات على الحملات الانتخابية. ولعل الأمر الأكثر أهمية يتمثل في زيادة قوة جماعات الضغط الصناعية، حيث لم يعد نفوذ الشركات مقتصرا على التأثير على المشرعين، بل تجاوزه غالبا إلى كتابة التشريعات.

ولم تكن مهنة الاقتصاد عاملا مساعدا. فقد تشبث العديد من أهل الاقتصاد لفترة طويلة للغاية برأي مفاده أن رأس المال لا ينبغي أن يخضع للضريبة، على أساس أن القيام بذلك يثبط المدخرات ويقلل من الاستثمار. لكن الأدلة التي قد تؤكد هذه الادعاءات ليست دامغة. تشير تقديرات حديثة إلى أن المعروض من رأس المال لا يستجيب إلا بشكل متواضع لمعدلات الضرائب. ولأن ضرائب العمل تشوه أيضا مجموعة واسعة من القرارات الاقتصادية، فلا يوجد سبب مقنع دائما لتفضيل أحدهما على الآخر.

هذه ليست دعوة لتطبيق ذلك النوع من ضريبة الثروة الذي تحول إلى قضية ساخنة في الانتخابات الرئاسية التمهيدية في الحزب الديمقراطي. بل يتمثل المقصد هنا في وضع قانون ضريبي لا يضر بشكل مفرط بالعمالة في مواجهة الآلات. والآن وقد أصبحنا في وسط أسوأ أزمة اقتصادية منذ أجيال، فمن غير المستحسن زيادة الضرائب على رأس المال بشكل مفاجئ. ولكن مع خروجنا من الركود الناجم عن كوفيد-19، سيحتاج الاقتصاد إلى الوظائف والمزيد من الإيرادات الضريبية، ليس فقط لخدمة دين وطني أضخم، بل وأيضا لزيادة الاستثمار في الرعاية الصحية، والبنية الأساسية، والتعليم.

على مدار السنوات العشرين الأخيرة، ارتفعت حصة رأس المال في الدخل الوطني في الولايات المتحدة بشكل كبير، من نحو 35% في عام 2002 إلى نحو 45% اعتبارا من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعلى هذا فإن إعادة الضرائب على رأس المال إلى مستوياتها السابقة في التسعينيات ببساطة من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الإيرادات الفيدرالية بشكل كبير ــ وربما بنسبة قد تصل إلى 4% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

علاوة على ذلك، يشير بـحـثي مع مانيرا وريستريبو إلى أن مجرد تقليص مخصصات الإهلاك السخية قد يعكس اتجاه أكثر من نصف الانخفاض في الضرائب المفروضة على رأس المال منذ التسعينيات. وإذا ألغيت الإعفاءات العديدة التي مكنت الشركات وأصحاب الدخل الرأسمالي من تجنب الضرائب، فربما يتبقى قدر كاف من العائدات الإضافية لمساعدة العمال بشكل مباشر، من خلال خفض الضرائب على الرواتب وإعادة توجيه المزيد من التمويل إلى الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية للمسنين، على سبيل المثال.

كما أن إنهاء المعاملة الضريبية المتميزة لرأس المال من شأنه أيضا أن يقطع شوطا نحو إزالة حوافز الأتمتة المفرطة. لكن هذا لن يكون كافيا في الأرجح. ذلك أن خلق وظائف جيدة وآمنة بأجر لائق يتطلب أيضا اتخاذ تدابير أخرى لتشجيع الشركات على الاستثمار في عمالها وفي التكنولوجيات المكملة للعمالة بدلا من تلك التي تحل محلها. في كل الأحوال، يجب أن تكون إزالة المحاباة الضريبية لرأس المال والأتمتة خطوة أولى حاسمة.

* دارون أسيموغلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مؤلف مشارك (مع جيمس أ.روبنسون) بعنوان لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر والممر الضيق: الدول والمجتمعات ومصير الحرية
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق