q
أثار انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية قبل ثلاث سنوات محاولات للبحث عن تفسير لمثل هذه النتيجة الصادمة. احد التفسيرات الرئيسية لهذه النتيجة هي ان معارضي ترامب من الديمقراطيين لم يكونوا واعين بشكل كاف بمشكلة عدم المساواة في الدخل أو انهم تجاهلوا اقتراح حلول فعالة...
بقلم: جيفري فرانكل

كامبريدج- لقد أثار انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية قبل ثلاث سنوات محاولات للبحث عن تفسير لمثل هذه النتيجة الصادمة. ان أحد التفسيرات الرئيسية لهذه النتيجة هي ان معارضي ترامب من الديمقراطيين لم يكونوا واعين بشكل كاف بمشكلة عدم المساواة في الدخل أو انهم تجاهلوا اقتراح حلول فعالة.

ربما هذا الطرح يفسر المقترحات الراديكالية لمعالجة عدم المساواة التي تقدم بها بعض المرشحين الرئيسيين للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة لسنة 2020. لقد اقترحت عضو مجلس الشيوخ الامريكي اليزابيث وارن على سبيل المثال ضريبة سنوية (كانت في البداية 2% والان تصل الى 6%) على ثروات الامريكان الاكثر ثراءا.

ان المشكلة مع ضريبة الثروة هي ليست كونها راديكالية وانا مثل العديد من الاقتصاديين ادعم ضريبة كربون مرتفعة- وهي ايضا سياسة راديكالية ولكنها الطريقة الاكثر فعالية من الناحية الاقتصادية للتعامل مع مشكلة التغير المناخي العالمية ولكن ضريبة الثروة وبكل بساطة هي ليست اكثر الطرق فعالية في التعامل مع مشكلة عدم المساواة.

في واقع الامر هناك على اقل تقدير ستة تغييرات عملية يمكن ان تجعل نظام الضرائب الامريكي اكثر تقدمية وهي اقتراحات تم تقديمها من قبل اشخاص يمثلون غالبية اعضاء الحزب الديمقراطي مثل الرئيس باراك اوباما – والذي دعم قانون حماية المرضى والرعاية بأسعار معقولة وغيرها من السياسات التي تقلل من عدم المساواة –ولكن في معظم الحالات تم الوقوف ضدها واعاقتها من قبل الجمهوريون.

ان هذه المقترحات هي مقترحات عملية في حالتين. بادىء ذي بدء لو تم تبنيها فإنها قابلة للتنفيذ بشكل اكبر من ضريبة الثروة وأقل احتمالية لإن تؤدي الى مضاعفات جانبية غير مقصودة ومكلفة وبالإضافة الى ذلك فإن الدراسات المتعلقة بالانتخابات الاخيرة للكونغرس الامريكي وجدت ان مقاربة الناخب التقليدي الوسطي ما تزال سائدة وعلى الرغم من ان مقترحات اليسار الراديكالي تجتذب ناخبين جدد من اليسار فإنها تنفر اعداد اكبر بكثير من الناخبين من اليمين وهذا يعني ان المرشحين السياسيين الامريكيين هم اكثر احتمالية لإن يتم انتخابهم عندما يقترحون سياسات معتدلة وليس عندما يدعون لتبني اجراءات راديكالية.

ان اول مقترح يتعلق بالسياسات هو تعزيز ضريبة العقارات. يمكن ان تبدأ الولايات المتحدة بإعادة فرض الضريبة على جميع العقارات التي يزيد سعرها عن 5 مليون دولار امريكي ولكن الأهم من ذلك كله هو التخلص من "الخطوة للاعلى" المتعلقة بتقييم الاصول في العقار والتي تسمح حاليا لأجيال من الناس بتوريث المكتسبات الرأسمالية بدون دفع ضريبة عليها. سيكون أسهل بكثير لجهاز الايرادات الداخلية ان يضع قيمة دولارية على الاصول على اساس مرة بالعمر (اي على العقار قبل توريثه للورثة) عوضا عن محاولة عمل ذلك كل عام بموجب ضريبة ثروة. ان عمل ذلك سيحقق الهدف نفسه لضريبة الثروة وهو التعامل مع تراكم الثروة بسبب انتقالها بين الاجيال والتي لا يتم فرض ضرائب عليها حاليا.

ثانيا، يجب ان يعطي صناع السياسات لجهاز الايرادات الداخلية الموارد التي يحتاجها لجمع الضرائب المستحقة. لقد لاحظت ناتاشا سارين ولاري سامرز مؤخرا ان جهاز الايرادات الداخلية يفشل حاليا في جمع 15% تقريبا من اجمالي الالتزامات الضريبية – وهذا يفيد بشكل رئيسي اصحاب الدخل المرتفع. ان من المستحيل جسر الهوة بشكل كامل ولكن يجادل سارين وسامرز انه من خلال منح جهاز الايرادات الداخلية المزيد من الموارد سيكون هناك نسبة فائدة عالية وجني أكثر من تريليون دولار امريكي من صافي الايرادات الاضافية خلال العقد القادم.

ثالثا، ان توسعة الاعفاءات الضريبية على الدخل ستساعد في تعزيز الحوافز المتعلقة بالتشجيع على العمل ولكن الحاصل حاليا هو ان الامريكيين الذين يحاولون انتشال انفسهم من براثن الفقر والانضمام الى الطبقة المتوسطة- ليس الغنية- هم عادة ما يواجهون اعلى معدل ضريبة هامشية فعالة (بعد الاخذ بعين الاعتبار الفوائد المفقودة). ان توسعة الاعفاءات الضريبية لمزيد من الاسر سيؤدي الى زيادة حجم الكعكة الاقتصادية واقتسامها بطريقة أكثر عدالة مما يعزز من كلا من الفعالية والمساواة.

رابعا : يجب جعل ضريبة الرواتب اكثر تقدمية. ان نظام الضمان الاجتماعي الامريكي ليس تقدميا بالشكل الذي يعتقده الكثير من الناس فحتى العمال الذين لا يجنون اموال كافية لدفع ضريبة الدخل الفيدرالية يتوجب عليهم مع ذلك دفع ضريبة رواتب. يجب رفع عتبة فرض مثل هذه الضريبة مع استرداد الايرادات المفقودة من خلال رفع السقف (حاليا 118500 دولار امريكي من الاجور) والتي لا يعود الامريكان يدفعونها فوق ذلك السقف.

خامسا : يجب على الحكومة الامريكية ايضا ان تجعل ضريبة الدخل اكثر تقدمية فعلى سبيل المثال من خلال تجسير الهوة بين معدلات الضريبة على الدخل الاستثماري والاجور ومن الواضح انه يتوجب على الحكومة الغاء ثغرة الفائدة المحمولة.

اخيرا، يتوجب على الكونجرس ان يناقش مجددا تخفيض ضريبة الشركات لجعلها تتعادل مع الايرادات. لقد كانت هناك افكار جيدة تتعلق بتخفيض معدل ضريبة الشركات في امريكا لجعلها أقرب لتلك الموجودة في بلدان اخرى لكن جميع اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين صوتوا لمصلحة الخفض الضريبي وذلك حسب الاعتقاد المعلن انها ستعزز النمو الاقتصادي لدرجة ان تصبح متعادلة مع الايرادات ومن غير المفاجىء ان ذلك لم يحصل فالشركات حولت مكاسبها الى المساهمين على شكل ارباح وامكانية شراء الاسهم مجددا عوضا عن الاستثمار في رأس المال كما كانت النية تتجه مما أدى الى انخفاض الايرادات. ان الشركات الامريكية الان تدفع فعليا اقل مستوى من الضرائب كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي بين الاقتصادات المتقدمة الرئيسية.

ان الحل لا يأتي من خلال الحد من قدرة الشركات على ان تشتري مجددا اسهمها كما اقترح السيناتور بيرني ساندرز (مرشح رئيسي اخر لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة) والسيناتور تشاك شومر. ان الحل عوضا عن ذلك هو اغلاق الثغرات وذلك من اجل اعادة ايرادات ضريبة الشركات الاجمالية الى مستوى ما قبل الاصلاح. ان اكبر مصدر محتمل للإيرادات هو الحد من خصم الضريبة على مبالغ الفائدة-مقترح اخر يمكن ان يكون جيدا للناتج المحلي الاجمالي وتوزيع الدخل. لو كانت هناك ازمة مالية مشابهة لتلك التي حصلت آبان الازمة المالية 2007-2009، فإن من المرجح اليوم ان تأتي من زيادة الدين التجاري للشركات- وخاصة ما يطلق عليه النوع الذي لا تنظمه الاحكام والقواعد- عوضا عن ديون الاسكان الزائدة عن الحد. ان الحد من خصومات معدل الفائدة قد تحفز الشركات على تقوية هيكلتها المالية.

لحسن الحظ فإن قلة من مرشحي الرئاسة الديمقراطيين قد الزموا انفسهم بشكل لا رجعة فيه بالسياسات المتطرفة والوقت ما زال مبكرا لوارن او غيرها لتبني المزيد من الاقتراحات التي تتعامل مع عدم المساواة والتي هي اكثر عملية من ضريبة الثروة وعادة ما تسبقها.

* جيفري فرانكل، أستاذ في كلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، وشغل سابقا منصب عضوا في مجلس الرئيس بيل كلينتون للمستشارين الاقتصاديين
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق