q
عام 2020 سيكون من أصعب الأعوام على العراقيين اقتصادياً وهذا بسبب سوء الأداء السياسي للحكومة وبسبب انتشار الفساد الكبير في جميع مفاصل الدولة والذي يتسبب بهدر معظم واردات البلد وذهابها الى جيوب الفاسدين وتهريبها لخارج البلد وفي ظل غياب المحاسبة القانونية، هل من حلول في الأفق...

موازنة العراق لعام 2020 والتي لاتزال على طاولة حكومة تصريف الأعمال ولم ترسل لحد الآن الى قبة البرلمان بالرغم من بقاء أيام قليلة على انتهاء العام ستكون كارثية على الاقتصاد العراقي لأسباب عديدة سأحاول تلخيصها في هذه الأسطر القليلة.

ارقام موازنات

الأرقام الأولية للموازنة تقول بأن حجمها سيكون حوالي 150 تريليون دينار تقريباً وهو أكبر من كل أرقام الموازنات الماضية ولكن الدلائل تشير الى أنها ستكون أسوأها على الاطلاق وأول المشاكل وأخطرها هو حجم العجز الكبير فيها والذي تم تثبيته من قبل وزارة المالية عند اعدادها حيث بلغ 72 تريليون دينار، ولكن بعد أكثر من عشرين اجتماعاً بين الوزارة واللجنة المالية في البرلمان والتي رفضت استلام الموازنة بهذا الرقم الكبير من العجز وبعد تعديلات كثيرة تم تخفيض الرقم الى حوالي 50 تريليون دينار.

وحتى بعد هذا التخفيض فان هذا الرقم لوحده يُعدّ كارثة اقتصادية بكل الموازين لأن القواعد المالية في اعداد الموازنات تشترط أن لا يزيد حجم العجز عن 3% من حجم الموازنة في حين يتعدى هذا الرقم 30% من الموازنة، وحسب ما معروف للمختصين في الشأن المالي ان العجز في الموازنة تتم معالجته باسلوبين رئيسين الأول هو تقليل النفقات والثاني هو تعظيم الموارد، ولو أخذنا الاسلوب الأول سنجده صعباً للغاية لأن موازنة 2020 تضمنت فقرات جديدة أدت الى زيادة النفقات بشكل كبير بسبب الضغط الجماهيري الكبير والتظاهرات التي عمّت أرجاء البلاد والتي تطالب بالاصلاح وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات المعدومة حيث تم اضافة تخصيصات مالية للتعيينات الجديدة واعادة المفصولين وتخصيص مبالغ جديدة لتحسين الخدمات المختلفة وكذلك تم تقليل الكثير من الرسوم والضرائب في محاولة من الحكومة لامتصاص الغضب الجماهيري.

أما الاسلوب الثاني وهو تعظيم الموارد للموازنة وهذا شبه مستحيل لأن موازنتنا تعتمد بشكل رئيسي على واردات النفط بنسبة تبلغ أكثر من 93% وحجم صادرات النفط تم تحديده في الموازنة بحوالي ثلاثة ملايين وثمانمائة برميل يومياً وبسعر حوالي 52 دولار للبرميل ومن ضمنها حصة الأقليم البالغة 250 ألف برميل يومياً والتي لاتوجد ضمانة حقيقية بتسليمها من قبل حكومة الإقليم.

ناهيك ان العراق سيقوم بتخفيض انتاجه من النفط بحوالي 189 ألف برميل يومياً وحسب اتفاق منظمة أوبك واعتباراً من الأول من كانون الثاني من العام الجديد واذا أخذنا عامل آخر وهو التوقعات بانخفاض أسعار النفط العالمية بسبب الركود الاقتصادي العالمي المتوقع نتيجة الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين والتوتر الكبير بين أمريكا وايران فستكون مهمة الحكومة في تعظيم موارد الموازنة شبه مستحيلة.

ثاني المشاكل في الموازنة هو حجم الديون الخارجية والداخلية والتي بلغت حوالي 130 مليار دولار يضاف اليها الفوائد الكبيرة التي تتزايد باستمرار على هذه الديون ولقد تم تخصيص حوالي 20 تريليون دينار من الموازنة لتسديد هذه الديون.

ان الحكومة تقف شبه عاجزة عن معالجة هذه المشاكل الكبيرة في الموازنة وستقوم مضطرة لمعالجة العجز الكبير فيها الى اتخاذ اجراءات منها اللجوء الى القروض الموجودة اصلاً في الموازنة والى السيولة المالية الموجودة في وزارة المالية والمتبقي من العجز وسيكون كبيراً حتماً وسيبقى الى نهاية العام.

أصعب الاعوام

حسب ماتقدم وكما أشرنا سابقاً فان عام 2020 سيكون من أصعب الأعوام على العراقيين اقتصادياً وهذا بسبب سوء الأداء السياسي للحكومة وبسبب انتشار الفساد الكبير في جميع مفاصل الدولة والذي يتسبب بهدر معظم واردات البلد وذهابها الى جيوب الفاسدين وتهريبها لخارج البلد وفي ظل غياب المحاسبة القانونية.

في اعتقادي المتواضع بأن الحكومة الجديدة المرتقبة والتي لم تتبين ملامحها لحد الآن والتي ستكون حكومة انتقالية اذا ما أرادت تطويق الأزمة وتقليل هذه المشاكل الاقتصادية الكبيرة وخاصة مشكلة حجم العجز في الموازنة فعليها اجراء تعديلات فورية على فقرات مسودة الموازنة قبل رفعها الى قبة البرلمان وذلك بتقليل حجم الانفاق فيها وذلك بضغط النفقات الحكومية بشكل كبير وهذا ليس مستحيلاً لأن الأرقام المخصصة في هذا المجال مبالغ فيها كثيراً وخاصة مخصصات الرئاسات الثلاثة ومخصصات الوزارات والهيئات والمؤسسات ونفقات الايفادات.

وعلى الحكومة أن تشرع مسرعة لاعادة اعمار القطاعات المنتجة مثل الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة وغيرها لتعظيم موارد الموازنة ولتقليل الاعتماد على النفط ، وعلى جميع السياسيين والمسؤولين أن يعلموا بأننا في حالة اقتصادية غير طبيعية وفي تحدي خطير وعليهم أن يتنازلوا عن كثير من النفقات غير الضرورية والكمالية ونفقات الضيافة ويضحوا بامتيازاتهم الخيالية التي زادت من معاناة المواطن العراقي وجعلته يعيش بأسوأ حالاته وأوصلته الى الخروج بانتفاضة عارمة مطالبة بتغيير كل الطبقة السياسية الفاسدة التي دمرت البلاد وأوصلته الى هذا الحال وأدت الى اسقاط الحكومة كمرحلة أولى وتنتظر الوصول الى التغيير الكامل المنشود، وليعلموا بأن صبر العراقيين قد نفذ ووصل معهم الى طريق مسدود (وليتقوا غضبة الحليم).

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق