فهمي لأسباب المعضلة المالية اللبنانية في جوهره هو الخضوع التدريجي للسلطة النقدية (مصرف لبنان المركزي) الى تمويل العجز الحكومي المستدام لسنوات طويلة من محفظة موجوداته بالعملة الأجنبية، دون ان يدق المصرف المركزي جرس الانذار بالتوقف عن تمويل العجز بل ظل مستمراً في توليد دين عام...
فهمي لأسباب المعضلة المالية اللبنانية في جوهره هو الخضوع التدريجي للسلطة النقدية (مصرف لبنان المركزي) الى تمويل العجز الحكومي المستدام لسنوات طويلة من محفظة موجوداته بالعملة الأجنبية، دون ان يدق المصرف المركزي جرس الانذار بالتوقف عن تمويل العجز بل ظل مستمراً في توليد دين عام ممول بالإصدار النقدي debt monetization.
اذ افرغت المحفظة الاستثمارية لمصرف لبنان مكوناتها الاجنبية واستبدلتها بالموجودات المحلية (حوالات او سندات الخزينة الحكومية) وباختلال مالي وعجز سنوي مستمر أضعف من كفاية الاحتياطيات الاجنبية لديه.
ولما كان جل موجودات مصرف لبنان المركزي من النقد الاجنبي هي ودائع المصارف اللبنانية المشتق اغلبها من ودائع الجمهور من النقد المذكور نفسه، واجه المصرف المركزي سحوبات او مايسمى بالذعر المالي Stampede للنقد الأجنبي بسبب الاضطرابات السياسية اضطره الى تقنين السحب من العملة الاجنبية والتمسك بسعر صرف ليرة عالي ما ولد ازمة مركبة انعكست على سعر الصرف لليرة نفسها من خلال ظهور سوق موازية سوداء لليرة اللبنانية حالاً.
كان على الاستاذ رياض سلامة حاكم مصرف لبنان ان يكون اكثر حذراً في ادارة سياسته النقدية في وقت مبكر، فبدلاً من ان يمارس مصرف لبنان المركزي لسياسة حكيمة تقتضي خفض قيمة الليرة بالتدريج مع تطور درجة انكشاف الاحتياطات الاجنبية لديه (والتي تؤشرها اختلال محفظة موجوداته الاجنبية لمصلحة السندات الحكومية) لجأ مصرف لبنان المركزي الى لعبة اغراءات سعر الفائدة لكي يحافظ على جاذبية الودائع الاجنبية العائدة للمصارف لديه واستمر بلعبة سعر الفائدة المرتفع الى حين انهيار قدرته في مواجهة طلب الجمهور على النقد الاجنبي بسبب انفجار العجز المتراكم والمزدوج في ميزان المدفوعات والموازنة العامة twin deficit.
لذا اؤيد ما يقال بان محنة لبنان المالية financial distress هي عميقة ولا تحل إلا باتجاهين:
الاول: تعويم الليرة اللبنانية حالاً وتحمل تضخم جامح لمدة مناسبة، والآخر الحصول على تدفقات خارجية تلقائية بسعر فائدة مرتفع او الحصول على قروض خارجية للتعويض عن مشكلات الحساب الجاري لميزان المدفوعات بسبب عزلة لبنان الراهنة... وهو حل يتضمن الكثير من المصاعب في زيادة عبء الدين الخارجي وسيزيد الطين بلة في شارع سياسي ملتهب مالم يستقر سياسياً على الاقل كي يسير بخطة مالية مدروسة كما ذكرت وبالتدرج.
اضف تعليق