يتوقّع خبراء اقتصاد مرموقون من مختلف دول العالم، وكذلك خبراء المنظمّات الاقتصادية الدوليّة، حدوث ركود اقتصادي عالمي في عام 2020، وبقدر تعلّق الأمر بالعراق، فإنّ هذا سيعني إنخفاضاً في اسعار النفط العالمية، وانخفاضاً في العائدات النفطيّة التي تشكّل%95 من إجمالي ايرادات الموازنة العامة للدولة...
يتوقّع خبراء اقتصاد مرموقون من مختلف دول العالم، وكذلك خبراء المنظمّات الاقتصادية الدوليّة، حدوث ركود اقتصادي عالمي في عام 2020، وبقدر تعلّق الأمر بالعراق، فإنّ هذا سيعني إنخفاضاً في اسعار النفط العالمية، وانخفاضاً في العائدات النفطيّة التي تشكّل%95 من إجمالي ايرادات الموازنة العامة للدولة.
مثال للتوضيح (والأرقام والتفاصيل التي سأذكرها، بهدف تقريب الفكرة لعدد أكبر من الناس، هي "تقديرات" شخصيّة، قد لا تتطابق مع البيانات و"التصنيفات" الرسمية، وبإمكان أي مواطن أن يحصل على بيانات أكثر دقّة من خلال الإطّلاع على البنود الرئيسة للموازنة العامة الإتّحاديّة للسنة المالية 2019، أو من خلال البيانات ذات الصلة في تقارير البنك الدولي، وصندوف النقد الدولي، وهي متاحة في اكثر من موقع على الأنترنت):
- اذا كان العراق يحصل الآن على عائدات نفطيّة سنويّة مقدارها 72 مليار دولار(بصادرات نفطية قدرها 4 مليون برميل يومياً، وبسعر 50 دولار للبرميل)، فإنّ النفقات الرئيسة "الحاكمة" في الموازنة العامة للدولة، والتي لا تحتاج إلى أيّ إجتهاد أو تشكيك أو تأويل، والتي سيتم توزيع الأيرادات عليها على الفور( وبحكم الضرورات) هي كما يأتي:40 مليار دولار رواتب(بمختلف انواعها، بما في ذلك الرواتب التقاعدية ورواتب الحماية الإجتماعية)/ 25 مليار دولار لقطاع النفط والغاز وتكاليف "جولات التراخيص" / 20 مليار دولار لتسديد اقساط الديون والتعويضات .. حيثُ آنَ الأوان للبدء بتسديد ما اقترضنا سابقاً من ديون/ 5 مليار دولار لقطاع الكهرباء والطاقة/2 مليار دولار أدوية / 1 مليار دولار بطاقة تموينية / 2 مليار دولار لتسديد التزامات "حاكمة" أخرى ../ سيكون المجموع 100 مليار دولار.. أي بنقص(عجز) مقداره 28 مليار دولار في الايرادات مقارنةً(فقط) بهذه النفقات. وإذا قمنا بإضافة الأيرادات غير النفطية(التي تقدّر بـ 10 مليار دولار في أفضل الأحوال)، سيكون صافي العجز 18 مليار دولار.
والآن .. وإذا كانت كلّ إيراداتنا النفطية، لا تغطّي هذه النفقات (وهي في الغالب لا تغطّيها، حيثُ تُعاني موازناتنا العامة المُتعاقِبة من عجز "ثابت" لا يقلّ عن 25 مليار دولار سنويّاً، وتحتاج الى مصادر أخرى للتمويلٍ) .. فماذا عن بقيّة النفقات ؟؟؟
ماذا عن نفقات الموازنة الإستثمارية "المسكينة"، وعن مستلزمات النهوض بالبنى التحتيّة البائسة، وعن تكاليف المشاريع المُتوقفّة والمُتلكّئة، وعن نفقات "التنمية"على وجه العموم، في بلدٍ يُعاني غالبية سكانه من الحرمان، والفقر مُتعدّد الأبعاد، وتُعاني كُلّ مُدُنهِ، وأقضيتهِ، ونواحيهِ، وقُراه، من الخراب المُستدام؟
بل ماذا عن الإنفاق على بقيّة بنود الموازنة التشغيلية الأخرى(السلعيّة والخدميّة)، والتي لا تقلّ عن 20 مليار دولار ؟؟؟
في جميع البلدان والدول"النفطيّة" الأخرى، التي تحترمُ نفسها، وتحترمُ مواطنيها(ومنها ايران والسعودية والإمارات..) لا يشكّل النفط أكثر من 35% من ناتجها المحلّي الإجمالي، و 40% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، إلاّ نحن(يشكّل النفط لدينا65 % من الناتج المحلّي الإجمالي، و 95% من ايرادات الموازنة العامة للدولة).
فاذا سيحدثُ لنا إذا انخفض سعر النفط إلى مادون 30 دولاراً للبرميل، و(أو)انخفضت الصادرات النفطية إلى مادون 2 مليون برميل يومياً، بفعل تراجع الطلب العالمي، الناتج بدوره عن الحروب التجارية، وإنحسار الإستثمار، واضطراب أسواق رأس المال، وبالتالي تباطؤ النمو في الإقتصادات الصناعية الكبرى(وغير الكبرى) في العالم؟؟؟
ماذا سنفعلُ بالضبط .. وعلى وجه التحديد ؟؟؟؟؟؟
ماذا سنفعل وإيراداتنا غير النفطيّة شحيحةٌ إلى حدودٍ غير مقبولة، أو معقولة، وديوننا الخارجية كانت بحدود 125 مليار دولار في عام 2017(% 63 من الناتج المحلي الإجمالي)، إرتفعت إلى 132 مليار دولار في عام 2018، ويُتوقَع أن تصِل إلى 138 مليار دولار في عام 2020 (على وفق بيانات صندوق النقد الدولي) ؟
ألم نشبع بعد من اللغو والتهريج والعبث، وهدر الموارد المُتاحة (على قلّتها)؟
ألم نشبع من الحروب "الشخصيّة"، و "البديلة"، و"الأصيلة"، على أختلاف دوافعها ومُسمّياتها، وخرابها الدائم، الطويل ؟؟
نحنُ ليس لدينا "اقتصاد" بالمعنى المُتعارَف عليه في الإقتصاد الحديث. نحنُ لدينا "بازار" .. فماذا سيحدثُ إذا انهارَ مصدر التمويل الرئيس لهذا "البازار" ؟.
ليأتي السيد رئيس مجلس الوزراء بوزراء المالية والتخطيط والنفط والزراعة والصناعة والتجارة والعمل . ويأتي السيد رئيس مجلس النواب بلجانهِ ذات الصلة (وأهمّها اللجنة الماليّة، و لجنة الاقتصاد والإستثمار، ولجنة النفط..). وليأتي السيد رئيس حكومة اقليم كردستان ومعه وزراءه المُناظرين لأقرانهم في الحكومة الإتّحادية. وليأتي السيّد رئيس الجمهورية بممثّلين عن القطاع الخاص(المحلّي والأجنبي)، ويرأس الجلسة. وليستعينَ المُجتَمِعونَ (إذا شاؤا) بخبراء اقتصاد مشهودٌ لهم بالمهنيّة والكفاءة(من الداخلِ والخارج) .. ويجلسُ هؤلاء جميعاً في قاعةٍ واحدة، ويعقدون لقاءهم في بثٍّ مُباشرٍ على الملأ، ويقولون لنا فيه ما لهم وما عليهم، وما لَنا و ماعلينا .. ويعرضون الأرقامَ كما هي، ويُوّضحون البيانات، ويُقدّمون الحقائقَ(مهما كانت صادمة).
ليفعلوا ذلك .. و ليفعلوهُ الان .. لا لشيء .. لا لشيء .. سوى الإجابةِ على أسئلةٍ "بسيطة" وساذجة، ولكنّها باتَت مُلِحّةً، و "مصيريّةً" الأن، وهي : ماذا فعلنا لكم، وبِكُم، أيّها العراقيّون في موازنة عام 2019، وماذا سنفعلُ لكم، وبِكُم، في موازنة عام 2020 ..وكيف.. ولماذا.. وإلى أين؟؟
ألا يستحِقُّ العراقيّون ذلك؟
ألا يستحّقون أن يعرفوا لماذا يتم تهديدهم بعجز "كارثي"، و "مُرعِب"، و "رهيب" في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020، يقدّرهُ البعض بـ 60 مليار دولار تقريباً(70 ترليون دينار) ؟.
ماهو الموضوع الأكثر إستحقاقاً للتشاور والتوافق والنقاش، والإجتماعات و"الإحتجاجات"، والأكثر إستحقاقاً لـ "جهاد" المُوالاة و"المُعارَضة" و "المُقاوَمة"، إذا لم يكنْ هذا الموضوع ؟
ألا يستحِقُّ العراقُ والعراقيّون ذلك؟
وإذا لم يكن العِراقُ والعراقيّون يستحقّون ذلك .. فمن"غيرهُم" يستَحِقّ ؟؟؟؟؟.
اضف تعليق