اقتصادنا الآن، وببساطة، يمرُّ بأزمةٍ مُرَكّبةٍ من عوامل مختلفة، تجعلُ استمرارهُ بالعملِ كـ اقتصاد أيّاً ما كانت تحفظّاتنا على أدائه، نوعاً من انواع المعجزات المدهشة، وإحدى عجائب العالم المُضافة على عجائبهِ السَبع، كلّ ما لدينا من موارد ماليّةٍ الآن، هي موارد الصادرات النفطية...
اقتصادنا الآن، وببساطة، يمرُّ بأزمةٍ مُرَكّبةٍ من عوامل مختلفة، تجعلُ استمرارهُ بالعملِ كـ "أقتصاد" (أيّاً ما كانت تحفظّاتنا على أدائه)، نوعاً من انواع المعجزات المدهشة، وإحدى عجائب العالم المُضافة على عجائبهِ السَبع.
كلّ ما لدينا من موارد ماليّةٍ الآن، هي موارد الصادرات النفطية. وهذه، الآن، لا تسدّ رمقنا إلاّ بالكادـ لذا دعونا لا نُبالِغُ، كثيراً أو قليلاً، في تضخيم امكاناتنا الاقتصادية، وقدرتنا على الانجاز.
لقد تمّتْ اعادتنا مرّتين الى عصور ما قبل الصناعة خلال 12عام فقط (ما بين 1991و 2003)، بعدها حدث ما حدث، وصولاً الى "نكبة" العام 2014 وما تلاها، ولم يعُد في البلد ما يسمح لنا بالكثير من خيارات التنظير الاقتصادي من جهة، ولا بالاستجابة للكثير من الهتافات والشعارات والمطالب "الشعبويّة"، من جهة اخرى.
نسمع الكثير عن الحاجة لدعم "قطاع خاص" فاعل و شريك للدولة في عملية التنمية الشاملة "المُستدامة"، والكثير عن النهوض بواقع الصناعة والتصنيع، و ضربة العصى "السحريّة" التي ستعملُ على إحلال الواردات، و جعلِ التصنيع من اجل التصدير، نزهةً عابرة، والكثير عن "إحياء" الزراعة التي تحقّق لنا الاكتفاء الذاتي، من حبّة القمح، إلى حبّة البطاطا، والكثير عن السياحة، التي لا يُنفِقُ "السائح" (خلال شهرٍ كاملِ " يسيحُ" فيهِ في العراق)، ما ينفقهُ في ليلةٍ سياحيّةٍ واحدةٍ يقضيها في بلد آخرٍ.. وانتم أدرى بالأسباب.
لا شيء من هذا يمكن أن يحدث الآن (ولا في السنوات العشر القادمة على اقلّ تقديرٍ).. لأنّنا، و ببساطة، لا نستطيعُ تحقيق ذلك، لا قيد الموارد، ولا قيد الاستقرار، ولا قيود السياسة واشتراطات "السياسيين"، ولا قيود الخراب النفسي والمجتمعي، ولا هشاشة الدولة.. تسمح بذلك، علينا أن نعترفَ بأنّنا لا نمتلك الآن ما يُسمى بـ "القطاعات" الاقتصادية، ليس لدينا الآن "قطاع صناعي"، و "صناعات"، بل "ورش" صناعية فقط.
نحنُ الان في عصر "المشاغل" الصناعية "المانيفاكتورات"، وليس في عصر "المشاريع" الصناعية الحديثة، ليس لدينا الان "قطاع زراعي"، بل لدينا "حقول" صغيرة، ومزارع "عائليّة"، لا تتمكن "منتجاتها" من تغطية تكاليفها إلاّ في حالات قليلة ونادرة جدّاً.
لا نستطيع الآن أن ننقل "الطماطة" من البصرة الى بغداد، قبل أن تتلفَ في الكوت، لأنّنا لا نملكُ وسائل النقل الرخيصة والكافية والملائمة لذلك.
إنّ سكّة الحديد موجودة، ولكنّ قطارنا البائس لا يمرُّ فوقها إلاّ مرّتين في اليوم، بينما نحنُ مشغولون ببناء مطارٍ في كلّ مدينةٍ يمُرّ فيها (قطارنا هذا) مرور الكرام.
عن أيّ خطّةٍ لتطوير الزراعةٍ والصناعةٍ نبحثُ ونعملُ ونتحدّث، ونحنُ بلا "حماية" ولا "دعم"، ولا ماء صالح للشرب، ولا ماء صالح للريّ، ولا كهرباء، ولا "كَاز"، ولا مصول ولقاحات، ولا مدارس ومراكز صحيّة، ولا أيّ شيءٍ يُعينُ الزرّاع والصنّاع على العيش.
هذا "الاحباط الشامل" يسمحُ لنا بالدعوةِ لوضع أيدينا على ما نملك من "أصول" ماديّة وبشريّة، وصيانتها، وتحسينها، و العناية بكفاءة استخدامها، وزيادة انتاجيتها، ليس بوسعنا الآن أن نضيف الى هذه الأصول شيئاً يتجاوز قدراتنا بكثير، كلّ "الظروف" التي تحيط بنا الآن.. لا تسمح بذلك.
لنعمل خلال السنوات الخمس القادمة على النهوض بمستوى بنيتنا التحتية القائمة، وتحسين ادارة أصولنا المُهملة بفعل "بركات" الريع النفطيّ، ولندع الأثر الايجابيّ لذلك، يتساقطُ على جميع القطاعات والأنشطة.
لنفعل ذلك، ونعرف الوسائل الأفضل لفعل ذلك، لأنّنا وببساطة، لا نملكُ بدائل واقعيّةٍ لغير ذلك.. ومن الآن، ولخمس سنواتٍ قادمةٍ على أقلّ تقدير، خمس سنواتِ قادمة، نتمنى أن نُنجِز فيها شيئاً كهذا.. على أقلّ تقدير.
اضف تعليق