YANIS VAROUFAKIS
أثينا ــ إذا رحبنا بالعام الجديد باتخاذ موقف وقح في التعامل مع صراع الإيديولوجيات الاقتصادية، فكيف قد ينظر ممثلو المعسكرات المعارضة لهديا عيد الميلاد (الكريسماس)؟ بتنحية الطيش والنزق جانبا، تكشف الإجابة عن غطرسة وخواء كل النظريات الاقتصادية.
الكلاسيكيون الجدد: بسبب نظرتهم إلى الأفراد باعتبارهم خوارزميات تعمل عل تعظيم المنفعة، وهوسهم بنموذج من المعاملات التي تدفعها المنفعة البحتة، لا يرى الكلاسيكيون الجدد أي مغزى في مثل هذا الشكل غير الفعّال جوهريا من تبادل هدايا عيد الميلاد. فعندما تتلقى جيل هدية من جاك بتكلفة (إكس) دولار، ولكن المنفعة التي تعود بها عليها هذه الهدية أقل من تلك التي قد تكتسبها من السلعة (واي)، التي تباع بالتجزئة بقيمة (واي) دولار (أي أقل من إكس دولار أو يعادله)، فإن جيل تضطر إما إلى قبول خسارة المنفعة أو القيام بالمهمة المكلفة المنقوصة عادة المتمثلة في إبدال هدية جاك بالسلعة واي. وفي الحالتين ينطوي الأمر على خسارة في الحمل الساكن.
من هذا المنظور، تُصبح الهدية الوحيدة الفعّالة التي لا تنطوي على إهدار هي مظروف يحتوي على مبلغ نقدي. ولكن لأن الكريسماس يدور حول تبادل الهدايا، على عكس العروض من جانب واحد، فماذا قد يكون الغرض من تبادل جاك وجيل لمظروفين يحتويان على مبالغ نقدية؟ إذا كان كل من المظروفين يحتوي على نفس المبلغ، فإن هذه الممارسة تُصبِح عقيمة، إن لم يكن التبادل محرجا للشخص الذي أعطى مبلغا أقل وهو ما قد يضر بالعلاقة بين جاك وجيل. وعلى هذا فإن الكلاسيكيين الجدد يعتنقون فرضية الشخص الشديد البخل والتقتير: "أفضل هدية هي اللاهدية".
أتباع جون ماينارد كينز: لمنع الركود من التحول إلى كساد، لابد أن يجري عكس اتجاه تراجع الطلب الكلي من خلال زيادة الاستثمار، وهو ما يستلزم أن يعتقد رواد المشاريع أن الاستهلاك المتزايد من شأنه أن يمحو الناتج الإضافي الذي قد تجلبه الاستثمارات الجديدة. ويُعَد قضاء الكلاسيكيين الجدد على تبادل هدايا عيد الميلاد، أو حتى محاولتهم احتواء سخاء عيد الميلاد، نتيجة كارثية خلال فترات الركود.
وربما يذهب أتباع كينز في واقع الأمر إلى حد الزعم بأن من واجب الحكومة أن تعمل على تشجيع تبادل الهدايا (ما دامت الهدايا مشتراة، وليست مصنوعة يدويا أو منتجة منزليا)، وربما حتى توفير إعانات الدعم لإعطاء الهدايا من خلال خفض الضرائب على المبيعات أثناء موسم العطلات. بل لماذا نتوقف عند موسم عطلات واحد؟ خلال فترات الركود، ربما يكون من المستحب الاحتفال بالكريسماس ثلاث مرات (والأفضل أن تكون متباعدة خلال العام).
بيد أن أتباع كينز يؤكدون أيضا على أهمية تقليص العجز الحكومي، فضلا عن كبح جماح الاستهلاك الكلي، عندما يكون الاقتصاد مزدهرا. ولتحقيق هذه الغاية، ربما يوصون بفرض ضريبة خاصة على الهدايا أو ضريبة مبيعات أثناء موسم الأعياد بمجرد تعافي النمو، أو ربما حتى إلغاء عيد الميلاد عندما تتجاوز وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي المستوى الذي يتسق مع التشغيل الكامل للعمالة.
المدرسة النقدية: من منطلق اقتناعها بأن المعروض النقدي لابد أن يكون الأداة الاقتصادية الوحيدة لدى الحكومة، وأن هذه الأداة لابد أن تستخدم فقط للحفاظ على استقرار الأسعار من خلال الموازنة بين المعروض النقدي في مقابل الإنتاج الكلي، ينبغي للبنوك المركزية أن تعمل على زيادة أسعار الفائدة الاسمية تدريجيا بمجرد انتهاء الصيف ثم تخفضها بشكل حاد بحلول كل يناير/كانون الثاني. وتعتمد التغييرات التي يوصون بها في أسعار الفائدة الاسمية على هدف التضخم الذي تحدده البنوك المركزية وسعر الفائدة الحقيقي الأساسي للاقتصاد، والذي لابد أن يعكس المعدلات اللازمة للحفاظ على وتيرة التغيير في الطلب الاستهلاكي والإبقاء على توازن المخزونات السلعية لدى شركات التجزئة الكبرى. (أجل، هذا صحيح: أنصار المدرسة النقدية هم أكثر أهل الاقتصادي إضجارا وتبلدا على وجه الأرض).
التوقعات العقلانية: يختلف هؤلاء الاقتصاديون المنتمون إلى مدرسة شيكاغو مع كل من أتباع جون ماينارد كينز وأنصار المدرسة النقدية. فهم على عكس أتباع كينز يعتقدون أن التحفيز المالي الناتج عن الإنفاق على هدايا عيد الميلاد في مواسم الأعياد الراكدة لن يشجع منتجي الهدايا على تعزيز الناتج. ولن ينخدع رواد الأعمال بالتدخل من قِبَل الحكومة، وسوف يتكهنون بأن الزيادة الحالية في الطلب على الهدايا سوف يعوض عنها في الأمد البعيد انخفاض حاد (مع تحول إعانات الدعم الحكومية إلى زيادات ضريبية وعدد أقل من أعياد الميلاد المحتفل بها خلال الأوقات الطيبة). ومع بقاء معدلات الناتج وتشغيل العمالة ثابتة، فإن إعانات الدعم الحكومية وأعياد الميلاد الإضافية لن تنتج إلا المزيد من الديون وارتفاع الأسعار.
المدرسة التحررية النمساوية: يُبدي أنصار فريدريش فون هايك ولودفيج فون ميسيس اعتراضين أساسيين على مسألة عيد الميلاد. فأولا، هناك الجانب غير الليبرالي من موسم العطلات: فالدولة لا يحق لها أن تجبر رواد الأعمال على إغلاق أبوابهم رغما عنهم (لأربعة أيام، الخامس والعشرين والسادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، ثم الأول والثاني من يناير/كانون الثاني) على مدار أسبوعين. وثانيا، يميل ازدهار الاستهلاك المطول قبل عيد الميلاد إلى توسيع الائتمان، والتسبب بالتالي في نشوء فقاعات في سوق الألعاب والإلكترونيات خلال الخريف والتي تنفجر في يناير، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة محتملة ربما تدوم بقية العام.
المدرسة التجريبية: اقتناعا منهم بأن الملاحظة هي أداتنا الوحيدة في مواجهة الجهل الاقتصادي، يُبدي أتباع هذه المدرسة يقينا ثابتا بأن المقترحات النظرية الوحيدة التي يمكن الدفاع عنها هي تلك المستمدة من أنماط التمييز التي بموجبها تسبق التغيرات الطارئة على المتغيرات الخارجية المنشأ تلك الطارئة على المتغيرات الداخلية المنشأ، وبالتالي تلك التي تثبت تجريبيا (على سبيل المثال، من خلال اختبارات جرانجر) اتجاه العلاقة السببية. ويقود هذا المنظور التجريبيين إلى استنتاج آمن مفاده أن عيد الميلاد، وفورة تبادل الهدايا، ترجع إلى زيادة سابقة في المعروض من النقد، ومع تساوي كل العوامل الأخرى، انخفاض المدخرات.
الماركسيون: في المجتمعات حيث يُستَمَد الربح حصرا من القيمة الفائضة "المتبرع بها" (كجزء من عملية العمل الرأسمالي) من قِبَل العمال، والتي تعكس القدرة الاستخراجية التي تتمتع بها الرأسمالية (المورثة لهم بفضل حقوق ملكية أحادية الجانب لوسائل الإنتاج)، يكتسب تقليد تبادل هدايا عيد الميلاد أهمية جدلية.
فمن ناحية، تُعَد هدية عيد الميلاد واحة للتبادل غير السوقي والتي تشير إلى احتمال نشوء نظام توزيع غير رأسمالي. ومن ناحية أخرى، تقدم لرأس المال فرصة أخرى لتسخير أرقى الغرائز الإنسانية لتعظيم الربح، من خلال تحويل كل ما هو نقي وطيب بشأن موسم الأعياد إلى سلعة. وقد يزعم الأنقياء ــ أولئك الذين يدافعون حتى الآن عن "قانون انخفاض معدل الربح (الطويل الأجل)" ــ أن قدرة رأس المال على جني الربح من عيد الميلاد تتضاءل من عام إلى آخر، الأمر الذي يسمح بدوره بنشوء قوى اجتماعية وسياسية تعمل في الأمد البعيد على تقويض موسم الأعياد.
من الواضح أن أياً من هذه النظريات من غير الممكن أن تفسر لنا لماذا يشارك الناس، من عام إلى آخر، في طقوس تبادل إعطاء الهدايا. ولهذا، ينبغي لنا أن نكون ممتنين.
اضف تعليق