ريكاردو هوسمان
كمبريدج ــ تُرى نيابة عن من تتحدث جمعيات ومنظمات الأعمال؟ حسنا، شركات الأعمال. ولكن على أي شيء ينطبق وصف "الأعمال"؟
إنها مسألة متزايدة الإلحاح، لأنه في حين غيرت الشركات جذريا الطريقة التي تفكر بها في أنفسها، فإن جمعيات ومنظمات الأعمال لم تلحق بها بعد. وما يترتب على ذلك من تأخير يجعل الرأسمالية أقل شرعية في العديد من الدول.
تتلخص النظرة التقليدية للشركات ــ والتي يتقاسمها كل من كارل ماركس وميلتون فريدمان ــ في أنها منظمة مملوكة لرأسماليين (مساهمين) تُدار نيابة عنهم. وهي تستأجر العمال وتشتري مدخلات أخرى لتعظيم العائدات لصالح من يساهمون بالمال. ويرى فريدمان أن المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الشركة تتمثل في زيادة الأرباح. وأي هدف لا يعود بالفائدة بشكل مباشر على المساهمين هو مجرد ضريبة تشويهية أخرى.
ولكن ما الذي يجعل كل أصحاب المصلحة في أي شركة يتصرفون على نحو يعمل على تعظيم القيمة؟ الواقع أن الشركات الحديثة تناضل من أجل خلق حس المجتمع التعاوني بين الموظفين، والمديرين، والموردين، والمقرضين، والموزعين، ومقدمي الخدمة، والعملاء، والمساهمين، وكل يتعاون من أجل خلق القيمة من خلال تلبية احتياجات العميل وتطلعاته على نحو أفضل.
هذا هو ما يجعل شركة يونايتد اير لاينز تفضل أن يتعامل موظفوها مع الركاب بكياسة. أو الذي يجعل جولدمان ساكس تتمنى أن يمتنع المصرفيون لديها عن مساعدة أو المشاركة في جرائم الفساد الكبرى. أو يجعل شركة أبل تتوقع من مورديها أن يتعاملوا مع عمالهم بشكل إنساني. أو يجعل شركة يونايتد هيلث كير تأمل أن يدير موظفوها عمليات رد الأموال والتعويض بنزاهة. أو يجعل المساهمين في شركة أوبر يخشون أن يتسبب سوء السلوك من قِبَل كبار المسؤولين التنفيذين في دفع المستهلكين إلى تغيير مقدمي الخدمة، ودفع العاملين لديها إلى تركها.
لإنشاء منظمات تعاونية ناجحة، طور البشر حِس "نحن"، أو الشعور بالانتماء إلى ما أطلق عليه المؤرخ والعالِم السياسي ينديكت أندرسون وصف "المجتمع المتخيل". ونحن مدينون لمثل هذه المجتمعات بولائنا، ونشعر بالفخر بالإنجازات التي تحققها، ونتألم إذا تعثرت، ونتمنى لها النجاح المستمر. ونحن نتعاون ليس فقط لأن هذا يصب في مصلحتنا المالية، بل وأيضا لأن مجموعة متنوعة من المشاعر الأخلاقية ــ الولاء، والفخر، والذنب، والخجل، والغضب، والغبطة ــ تجعلنا نعمل ونجتهد من أجل الفريق الذي ننتمي إليه.
كان تركيز أندرسون منصبا على صعود القومية. ولكن الشركات تحاول خلق شعور مماثل من الولاء من خلال تحديد مهمتها، ورؤيتها، وقيمها بالاستعانة بمصطلحات رفيعة سامية. عندما اشترى بنك تشيس مانهاتن مؤسسة جيه. بي مورجان في عام 2000، افترض مديروه أنهم استحوذوا أيضا على الحق في إعادة تسمية المنظمة. وسرعان ما اكتشفوا أن جيه. بي. مورجان كانت مجتمعا متخيلا أكبر مقاما من تشيس مانهاتن في أعين عملائها وموظفيها.
من السهل أن نرى لماذا تفوز رؤية الشركة كمجتمع تعاوني في كليات إدارة الأعمال والشركات الأكثر نجاحا. يتلخص أحد الأسباب في كون المساهمين في أغلب الشركات المتداولة علنا مستثمرين راغبين فقط في التعرف على ما يكفي عن الشركة لكي يقرروا ما إذا كان ينبغي لهم أن يشتروا أو يبيعوا؛ وهم لا يريدون المشاركة في اتخاذ القرارات.
من ناحية أخرى، يساعد خلق حس الولاء والثقة من قِبَل أصحاب المصلحة في تسهيل إدارة العرض. والتركيز الضيق على مصالح المساهمين من شأنه أن يجبر كل أصحاب المصلحة الآخرين إلى ملاحقة مصالح ضيقة هم أيضا، فتزداد المنازعات وترتفع تكاليف المعاملات. وربما يجري تعيين مسؤول تنفيذي من قِبَل مجلس إدارة اختير أعضاؤه بواسطة المساهمين، ولكنه من المفترض أن يمثل ويحفز شبكة من أصحاب المصلحة التي يستند إليها نجاح الشركة. يعين زملاء مؤسسة هارفارد رئيس المؤسسة، ولكنهم يحاولون اختيار شخص قادر على جعل جميع أصحاب المصلحة يشعرون بالفخر.
ومع ذلك، يتشابه التمثيل الاجتماعي والسياسي للأعمال بشكل أوثق مع نموذج فريدمان. فكثيرا ما تتحدث منظمات الأعمال نيابة عن المصالح الضيقة للمالكين الرأسماليين فحسب. وفي دولة تلو الأخرى ــ سواء كان ذلك في الأرجنتين، أو شيلي، أو كولومبيا، أو فرنسا، أو المكسيك، أو المملكة المتحدة ــ تعطي منظمات الأعمال صوتا سياسيا لأرباب العمل، وليس لشبكة من أصحاب المصلحة.
الواقع أن التمثيل السياسي للأعمال التجارية في حد ذاته أمر عظيم القيمة إذا كان تصميمه جيدا. ذلك أن التقدم الاقتصادي يتطلب التنسيق بين اليد الخفية للسوق واليد المرئية للدولة. فتتطلب صناعة الهواتف المحمولة إنشاء حقوق الملكية على الطيف. وتحتاج صناعة العقارات إلى إقناع العملاء بأن بناياتهم السكنية لن تحترق. وتستفيد صناعة تكنولوجيا المعلومات إذا أتقن الأطفال استخدامها في المدرسة.
وكما يُظهِر هذا وغيره من الأمثلة، من الممكن أن تصبح الشركات أكثر كفاءة إذا وفرت الحكومات التركيبة الصحيحة من مجموعة متباينة ومحددة نسبيا ومتطورة من المنافع العامة. وتحتاج منظمات الأعمال إلى التفاعل مع الحكومة من أجل تعريف هذه المنافع العامة التي من شأنها أن تجعل البيئة الاقتصادية أكثر إنتاجية، حتى يصبح بوسعها خلق المزيد من القيمة لصالح أصحاب المصلحة.
بيد أن هذه المهمة مثقلة باعتقاد مفاده أن أولئك على الطاولة لا هدف لوجودهم هناك غير تمثيل المصالح الضيقة لأرباب العمل، كما تشير بوضوح أجنداتهم السياسية ــ التي تركز غالبا على تحويل العبء الضريبي إلى آخرين. ونتيجة لهذا، تشترط الحكومات غالبا أن يجتمعوا في حضور الجمعيات العمالية، حتى يكون للموظفين أيضا صوت.
يعمل ترتيب الطاولة على هذا النحو الثلاثي على تغيير طبيعة المحادثة بشكل كبير، من خلال تركيزها على العمال وغير ذلك من القضايا التوزيعية التي يمكن حلها داخل شبكة الأعمال، على حساب معالجة كيفية توفير المنافع العامة المعززة للإنتاجية والتي يمكنها أن تعود بالفائدة على جميع أصحاب المصلحة. ويحدث هذا لأن التحول الطارئ على تصور كينونة الأعمال لم ينعكس بعد في تصور الهيئة التي ينبغي أن تكون عليها منظمات الأعمال.
بطبيعة الحال، يؤدي هذا الفارق الزمني إلى المواجهة مع أصحاب مصلحة آخرين، والذين يتعين عليهم أن يستجيبوا مع منظماتهم. ولكن إذا تمكنت منظمات الأعمال من تحويل أنفسها على النحو الذي يجعلها تمثل شبكة أصحاب المصلحة وتعطيها صوتا بشأن كيفية بناء الأعمال فعليا، فإنها تصبح قادرة على المساهمة بشكل هائل في إنشاء مجتمع أكثر تعاونا وشمولية.
اضف تعليق