من المتوقع أن تنعكس هذه الأزمة على العراق بالشكل الإيجابي إذا ما أحسنت الإدارة السياسية التعامل معها وتوظيفها بالشكل الذي يخدم ويجعل مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات الدينية والقومية وغيرها.
في ظل تقارب الدول مع بعضها البعض بفعل نظام العولمة عبر أدواته المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، أصبحت الأحداث التي تطرأ على الساحة الدولية والإقليمية سرعان ما تجد صداها على الساحة المحلية وخاصة بالنسبة للدول النامية.
السؤال الذي يطرح نفسه هل التطورات الخليجية بين السعودية وحلفائها من ناحية وقطر وحلفائها من ناحية أخرى، ستترك آثارا على العراق بالشكل السلبي أم الايجابي؟
من المتوقع أن تنعكس هذه الأزمة على العراق بالشكل الإيجابي إذا ما أحسنت الإدارة السياسية في كيفية التعامل معها وتوظيفها بالشكل الذي يخدم يجعل مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات الدينية والقومية وغيرها، وعدم السعي إلى التخندق مع طرف معين من الأطراف المتصارعة.
يمكن استنتاج ذلك الانعكاس من عدة نقاط يمكن توضيحها بما يأتي:
1- تحسن المناخ الاستثماري في العراق
تشير الكثير من وسائل الإعلام المحلية والدولية بمختلف اشكالها إلى أن الداعم للإرهاب في المنطقة هو دول الخليج، وانعدام الأمن وغياب الاستقرار بفعل الإرهاب من ناحية وضعف الجهاز الأمني المحلي من ناحية أخرى، يجعل مناخ الاستثمار غير جاذب للاستثمارات الأجنبية بل يكون طاردا للاستثمارات المحلية، وهذا ما يؤثر على النشاط الاقتصادي والنمو الاقتصادي وانهيار البنى التحتية للبلد الذي يعاني أو يتعرض للإرهاب.
ولذا فالأزمة الخليجية يمكن بل بالتأكيد ستقلل من الإرهاب من ناحية وتحقيق الاستقرار من ناحية أخرى وبالتالي تحسن المناخ الاستثماري في العراق.
2- تطور الأزمة في الخليج وتفاقمها ما بين الطرفين سيؤدي إلى تقليل ثقة المستثمرين بالمناخ الاستثماري لمنطقة الخليج بالنسبة لكلا الطرفين، فينخفض الاستثمار الأجنبي الموجه نحو الخليج من ناحية وأحجام الاستثمار المحلي من ناحية أخرى تحسبا لأي طارئ قد يحصل ويؤدي إلى تحقيق خسائر كبيرة، هذا ما قد يدفع إلى هجرة رؤوس الأموال والأيدي العاملة سواء كانا محليين او أجنبيين، نحو مناطق أكثر أمنا واستقراراً، إذ معروف إن رأس المال جبان دائماً ما يبحث عن البيئة الآمنة.
وفي ظل تحرير أغلب مناطق العراق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، ولم يبقى سوى جزء بسيط من الجانب الأيمن لمحافظة الموصل وسيُعلن عن تحريرها بالكامل قريباً إن شاء الله، هذا ما يعزز من البيئة الاستثمارية للاقتصاد العراقي ويكون جاهز لاحتواء رؤوس الأموال المهاجرة من منطقة الخليج وربما يكون جاهزا لاستقطاب الأيدي العاملة الماهرة الأجنبية التي تعمل فيها، خصوصاً وأن العراق بأمس الحاجة إلى رؤوس الأموال والخبرات والكفاءات للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
3- تحسن الوضع الأمني والاستثماري والاقتصادي بالتزامن مع الأزمة الأخيرة في الخليج التي يعرف بتمويلها الإرهاب والجماعات المتطرفة لأسباب سياسية وغابات دينية ومذهبية، هذه الأعمال ستعيد الثقة بالعراق والعودة به إلى موقعه الإقليمي والعالمي.
ففي الوقت الذي اهتمت أغلب دول العالم النامية والمتقدمة على حدٍ سواء بتحشيد كل إمكاناتها المادية والمالية وإجراء التحالفات الدولية والإقليمية لمحاربة داعش والقضاء عليه، استطاع العراق وبسواعد أبناءه الغيارى التصدي لهذا التنظيم التكفيري وكسر شوكته. هذا الانتصار يجعل العراق محط أنظار الدول المتقدمة ورجال الأعمال والمستثمرين خصوصاً وأن العراق يتميز بموقعه الاستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب فضلاً عن خيراته الكثيرة وامتلاك مخزون كبير من الثروات المعدنية وخاصة النفط والغاز والكبريت والفوسفات ونهرا دجلة والفرات وغيرها، كل هذا العوامل تجعله جاذب للاستثمار.
4- وفي حال تطور الأزمة الخليجية وتجاوزت قطع العلاقات وصولاً إلى الخيار العسكري هذا الخيار سينعكس بشكل إيجابي كبير على الاقتصاد العراقي، لأنه معروف ان العراق ودول الخليج تعتمد على النفط بشكل كبير جداً، فحينما تحصل الحرب العسكرية بين دول الخليج فإن إمدادات النفط ستصاب بالشلل، وهذا الأمر سرعان ما ينعكس على عرض النفط أي تنخفض الكميات المعروضة في السوق العالمية خصوصاً إذا ما علمنا أن دول الخليج لها الجزء الأكبر من عرض النفط العالمي، مقابل استقرار الطلب النفطي العالي، فترتفع أسعار النفط بشكل كبير جداً وترتفع إيرادات العراق النفطية بشكل كبير أيضا لارتفاع أسعار النفط من ناحية وزيادة الصادرات النفطية تعويضا للنقص الحاصل من صادرات الخليج النفطية كنتيجة للحرب العسكرية من ناحية أخرى.
5- ارتفاع أسعار النفط بسبب الصراع الخليجي يؤدي إلى ارتفاع الإيرادات النفطية وثم زيادة الإنفاق العام بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، وفي هذه الحالة (زيادة الإيرادات النفطية) ضرورة تبني خطة اقتصادية محكمة لتفادي ما يعرف بلعنة النفط او المرض الهولندي, التي يعاني منها العراق حالياً، أي لابد من توظيف النفط بالشكل الذي يضمن تحويله من ثروة تحت الأرض إلى ثروة فوق الأرض عبر إقامة المصانع والمعامل والمنشآت المنتجة للسلع والخدمات، والاهتمام بجميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية حتى يتم تحقيق التنويع الاقتصادي لتلافي التقلبات التي يمكن أن تحصل بالاقتصاد الوطني في حال انه يعتمد على مورد واحد او موارد محدودة جداً.
حيث لا يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي بمعزل عن الإيرادات النفطية على الأقل في المرحلة الأولى، وما يشجع على تحقيق تنوع الاقتصاد في العراق هو نظام الحكم عند مقارنته لدول الخليج، إذ معروف إن نظام الحكم في الأخيرة هو النظام الملكي ما يقوله الملك هو النافذ بغض النظر عن مدى ملائمته مع مصالح البلد، وبعيد عن الكفاءة والمهنية والشفافية وعدم مشاركة الجمهور بما يخصهم.
بينما نظام الحكم في العراق هو النظام ديمقراطي بشكل عام، حتى وأن لم ينجح في الوقت الراهن بشكل كامل بفعل تدخلات خارجية والفساد الإداري والمالي وقصور البعض وعدم إدراكهم لما هو مطلوب منهم، إلا أنه في نهاية المطاف من خلال ثبات مصداقية وشفافية المهني والمخلص وصاحب الكفاءة سيتبوأ مركز الحكم ويعمل وفقا لمصلحة البلد بالاعتماد على معايير الشفافية والمهنية والكفاءة والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، لان الزمن كفيل بكشف وإزالة المفسدين المتلاعبين بأموال الناس فيتم عزلهم بشكل تلقائي، ويتم تحقيق مقولة" الشخص المناسب في المكان المناسب"
6- زيادة الإيرادات النفطية العراق في حال استمرار الخلافات الخليجية وارتفاع أسعار النفط مستقبلا، يدفع بالعراق إلى زيادة الاهتمام بالجانب التعليمي والصحي وذلك من أجل رفع مستواهما من خلال إعادة ترتيب الأولويات وإعادة الاهتمام بالخبرات المحلية مع الاستعانة بالخبرات الأجنبية، هذا الاهتمام سيؤدي إلى خلق مجتمع واعٍ متعلم يعرف ما له وما عليه، بالإضافة إلى زيادة الاعتناء به صحياً سواء معالجة الأمراض التي يعاني منها او محاربة نشوء الأمراض التي ممكن أن تصيبه. فيكون المجتمع متعلم ومتعاف نفسيا وجسديا، يعمل بكل حرية فيكون مجتمع مبدع متألق في سماء العطاء والإنتاج.
7- ان تحسن المناخ الاستثماري بفعل العوامل السابقة، سيؤدي إلى تخفيض معدلات الفقر والبطالة وتحسين ميزان المدفوعات وتقليص عجز الموازنة العامة وزيادة النمو الاقتصادي، وبهذه النقاط يعود العراق، إلى موقعه الذي كان يتصف به في السابق، وتأخذه الدول الإقليمية والدولية بعين الاعتبار كما كانت تنظر له في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم.
لابد من التعامل مع الأزمة الخليجية بالحكمة والتعقل وبما يخدم مصلحة البلد بعيداً عن المهاترات والتصريحات التي تؤيد طرف دون آخر وعلى حساب طرف آخر لأغراض قومية ومذهبية وذلك لإرضاء أجندات إقليمية ودولية.
اضف تعليق