مؤشرات الثقة بالديمقراطية بانها علامات أو دلائل يمكن من خلالها قياس مدى اقتناع المواطنين بشرعية النظام الديمقراطي، ورضاهم عن أدائه، واستعدادهم للدفاع عنه. المشاركة بالانتخابات، وإقبال واسع على التصويت في الانتخابات المحلية والعامة بالإضافة الى مؤشر على إيمان الناس بأن صوتهم له قيمة ويؤثر في القرار. الإيمان بالتداول السلمي...
عقد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ملتقاه الفكري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "مؤشرات فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي وخيارات المستقبل"، بمشاركة عدد من مدراء مراكز دراسات بحثية، وأكاديميين، وإعلاميين، اعدّ الورقة البحثية الدكتور اسعد كاظم شبيب- أستاذ الفكر السياسي في جامعة الكوفة، وقدمها الدكتور لطيف القصاب- باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، واستعرضت الورقة أزمة الثقة في النظام الديمقراطي وتطبيقاته، خاصة في السياق العراقي. كما تناولت مؤشرات فقدان الثقة مثل الفساد واحتجاز السلطة من قبل النخب والأحزاب المتنفذة، وقارنت الورقة بين المفهوم المثالي للديمقراطية والتطبيقات المشوهة التي أدت إلى فشل التجارب الديمقراطية. والبحث في البدائل الممكنة لمواجهة هذه الأزمة، مع التأكيد على أن الإصلاح وبناء دولة المؤسسات هو الخيار الأفضل لتجاوز هذا التراجع السياسي والاجتماعي. وأضاف الباحث:
أولاً: دلالة معنى مؤشرات فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي، يشير معنى مؤشرات الثقة بالديمقراطية بانها علامات أو دلائل يمكن من خلالها قياس مدى اقتناع المواطنين بشرعية النظام الديمقراطي، ورضاهم عن أدائه، واستعدادهم للدفاع عنه. هذه المؤشرات تستخدمها الدراسات السياسية والبحوث الاجتماعية لقياس قوة واستقرار النظم الديمقراطية.
ثانياً: مؤشرات علامات الرضا بالنظام الديمقراطي، يعرض علماء السياسة عدد من المؤشرات التي تدلل على المقبولية العالية والرضا بالنظام الديمقراطي ومن تلك المؤشرات الآتي:
1. المشاركة السياسية الفعالة: وهذا المؤشر تدلل عليه المحددات الاتية: نسب عالية في المشاركة بالانتخابات، وإقبال واسع على التصويت في الانتخابات المحلية والعامة بالإضافة الى مؤشر على إيمان الناس بأن صوتهم له قيمة ويؤثر في القرار. والانخراط في الأحزاب والمنظمات المدنية: من خلال وجود عدد جيد من المواطنين المنتسبين لأحزاب سياسية، نقابات، منظمات حقوقية أو تطوعية وهي دلالة على تفاعل شعبي إيجابي مع النظام السياسي. والإقبال على المشاركة في الاستشارات العامة: مثل الاستفتاءات، والحوارات الوطنية، والمبادرات المدنية.
2. الرضا عن أداء النظام السياسي: يقاس هذا المؤشر من خلال ثقة المواطنين بالمؤسسات الديمقراطية مثل البرلمان، القضاء، الأجهزة الرقابية، والإعلام المستقل. ويتم قياسها غالبًا عبر استطلاعات رأي (مثل استطلاعات "Pew Research" أو "Afrobarometer"). والرضا عن الحكومة والبرلمان بنسب عالية من الرضا تعني قبولاً عامًا بشرعية المؤسسات والعملية السياسية.
3. القبول بشرعية النظام الديمقراطي: عبر الإيمان بالتداول السلمي للسلطة واستعداد جميع الأطراف لقبول نتائج الانتخابات حتى لو جاءت ضد مصالحهم. وعدم اللجوء للعنف أو الانقلابات، ورفض البدائل غير الديمقراطية. بالإضافة الى نسبة كبيرة من الناس ترفض الحكم العسكري، أو حكم الفرد، أو "الدولة الدينية المطلقة".
4. الالتزام بسيادة القانون والحريات: تكون عبر احترام القانون والمؤسسات اذ يُظهر الناس التزامًا بالقانون ويحترمون قرارات القضاء ويثقون بأن القانون يُطبق بعدالة على الجميع. وقدرة المواطنين على التعبير عن آرائهم بحرية، وتشكيل جمعيات أو تنظيم احتجاجات سلمية دون خوف.
5. الإحساس بالتمثيل السياسي: ويكون ذلك عبر الشعور بأن صوت الفرد مسموع والمواطنون يشعرون أن الحكومة تمثلهم وتستمع لمطالبهم. وجود قنوات تواصل فعّالة بين الدولة والمجتمع (مثلاً: مجلس النواب، المجالس المحلية، منصات رقمية).
6. الاستقرار السياسي والاجتماعي: عبر قلة الاحتجاجات العنيفة أو الانقسامات المجتمعية الحادة وعندما تكون الخلافات السياسية ضمن الأطر الديمقراطية (البرلمان، المناظرات، الانتخابات).
ثالثاً: مؤشرات فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي، من مؤشرات فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي هو غياب المحددات الخمسة المذكورة في المحور السابق الى جانب بروز عدد من الحالات في النظام السياسي فحسب المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون في كتابة "أزمة الديمقراطية" (The Crisis of Democracy) الصادر عام 1975، كتبه بالاشتراك مع ميشيل كروزييه وجوجو واتانوكي، بتكليف من "اللجنة الثلاثية" (The Trilateral Commission) لذا فان تلك المؤشرات تكون على النحو الاتي:
1. ضعف السلطة المؤسسية التقليدية: ويتمثل هذا المؤشر عبر فقدان الهيبة والثقة بالمؤسسات الحاكمة: الرئاسة، البرلمان، القضاء، والتشكيك بسلطة الحكومة وقدرتها على تنفيذ القوانين مثال: انتشار التظاهرات، العصيان المدني، أو تحدي الدولة بشكل مباشر.
2. تراجع الطاعة والانضباط الاجتماعي: عبر ظهور نمط ثقافي يشكك في كل أشكال السلطة، وضعف احترام القانون والمؤسسات، وتغليب الفردية على الانضباط الجماعي.
3. تضخم المطالب وتناقضها: عبر كثرة المطالب من فئات المجتمع (نقابات، طلبة، نساء، أقليات...)، وتعارض هذه المطالب أحيانًا، مما يؤدي إلى شلل حكومي.
4. استنزاف شرعية النظام السياسي: عبر شعور عام بأن النظام لا يُمثل الجميع، أو لا يخدم الصالح العام، وتزايد النقد السياسي الحاد ضد النظام بدل السعي للإصلاح الداخلي.
5. صعود الحركات المناهضة للمؤسسات (Anti-Institutionalism): عبر توسع الحركات الشعبوية أو الراديكالية التي تهاجم المؤسسات التقليدية. وفقدان الثقة بالأحزاب السياسية والمنظمات الوسيطة (مثل النقابات والبرلمانات).
ومما تقدم فان تجاوز "أزمة الديمقراطية" يحتاج إلى "إعادة التوازن" بين المشاركة والقدرة المؤسسية أي أن الديمقراطية لا يجب أن تُفهم على أنها "إرضاء كل المطالب"، بل يجب أن تحكمها مؤسسات قوية قادرة على التوجيه وضبط الإيقاع السياسي.
وتكمن خيارات المستقبل بالنسبة للحالة العراقية كنموذج في عدد من السيناريوهات أبرزها سيناريو الإصلاح السياسي التدريجي من داخل النظام السياسي في العراق: ويكون ذلك عبر دعم قوى جديدة، وتعديلات دستورية شاملة، وتقوية القضاء، وتعديل قانون الانتخابات، وتفكيك نظام المحاصصة بالتدريج. ويتطلب ذلك إرادة سياسية وضغط شعبي مستمر.
وفي ضوء هذه الورقة البحثية، تجلت الأسئلة الجوهرية التي تشكلت محورا للنقاش السياسي امام السادة الحضور بالآتي:
السؤال الأول: لماذا تراجعت الثقة بالديمقراطية التي طالما حلمت بها الشعوب التي عاشت تحت نير الديكتاتورية؟.
السؤال الثاني: ما البديل الذي ستختاره هذه الشعوب مستقبلا بعد ان جربت حكمين متعاكسين في المفهوم والطبيعة؟.
المداخلات
الخيارات المسدودة للشعوب بين الديمقراطية والدكتاتورية
- د. خالد الاسدي- مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
إن الديمقراطية، كما نعلم جميعًا، تحمل في جوهرها معنى ساميًا يتطلع إليه البشر في مختلف أنحاء العالم، فهي تعني في أبسط تعريفاتها "حكم الشعب"، فالناس يتصورون أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع يمنحهم فرصة اختيار من يمثلهم ويحقق تطلعاتهم، غير أن الواقع كثيرًا ما يخالف هذه التوقعات، وكما يُقال في المثل الدارج: "تنتخب فلان فيخرج غيره".
هذا التباين بين إرادة الناخبين والنتائج العملية ولّد فجوةً واضحة بين الشعوب وطبقتها السياسية، فغالبية الديمقراطيات الحديثة مبنية إما على قطبين أساسيين يتبادلان السلطة، كما هو الحال في بعض النماذج الغربية، أو على برلمانات يغلب عليها الطابع الحزبي والسياسي المسبق، بحيث تصبح أداة بيد القوى المتنفذة أكثر مما هي تجسيد لإرادة الناخبين، ونتيجة لذلك، تزعزعت الثقة الشعبية بهذه المنظومة، وبدأ الإحساس بفقدان الديمقراطية لمصداقيتها يتسع يومًا بعد يوم.
أما فيما يتعلق بالبدائل، فإن الخيارات تبدو محدودة أمام الشعوب، فقد جُرِّبت الأنظمة الجمهورية ذات الطابع الدكتاتوري، كما جُرِّبت الديمقراطية، لكنها كانت في كثير من الأحيان ديمقراطية شكلية أو "كاذبة". وهكذا، يجد المواطن نفسه أمام فراغ سياسي وحاجة ماسة إلى صيغة حكم جديدة تُمكّنه من الوصول إلى أهدافه الحقيقية، وتعيد ربط العلاقة بين إرادته ومخرجات النظام السياسي.
الديمقراطية بين العقد الاجتماعي وفقدان الثقة
- د. علاء الحسيني- مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
الديمقراطية ليست شيئًا يمكن قياسه بشكل مباشر أو النظر إليه ككيان ملموس، بل هي في جوهرها نتاج للعقد الاجتماعي بين الشعب والحاكم، كلما كان هذا العقد أكثر تطورًا واقترابًا من الإرادة العامة وضمان حقوق الناس، اقتربنا من الحكم الديمقراطي الحقيقي. أما إذا كان على العكس، ابتعدنا عن جوهر الديمقراطية واقتربنا من أشكال الحكم الاستبدادي أو الدكتاتوري.
هذا المفهوم يختلف بطبيعة الحال باختلاف الزمان والمكان. فما كان صالحًا في زمن الإغريق، على سبيل المثال، لا يمكن أن يُطبَّق اليوم بنفس الآليات والظروف، ففي تلك الحقبة وُلدت فكرة "الديمقراطية المباشرة"، حيث كان المواطنون يمارسون الحكم بشكل مباشر من خلال الاجتماعات العامة، غير أن هذه الممارسة كانت محدودة وشكلية، إذ اقتصرت على الأحرار دون العبيد أو النساء، مما جعلها "ديمقراطية نخبوية" أكثر منها شاملة.
مع تطور المجتمعات، نشأت الديمقراطية شبه المباشرة، والتي لا تزال حاضرة حتى اليوم في النموذج السويسري، حيث تُمزَج الآليات المباشرة بالتمثيل النيابي، وقد أثبتت التجربة السويسرية نجاحًا لافتًا في هذا المجال، أما بقية دول العالم، فقد تبنت بشكل أوسع الديمقراطية التمثيلية أو النيابية، حيث ينتخب الشعب ممثليه لفترة محددة (أربع أو خمس أو ست سنوات) ليمارسوا الحكم نيابة عنه.
وهنا تحديدًا تبرز المشكلة: العلاقة بين الناخب والنائب. ففي كثير من التجارب، ومن بينها التجربة العراقية، يلاحظ أن هذه العلاقة تتفكك مباشرة بعد الانتخابات. فالنائب يشعر أنه أصبح حرًّا طليقًا طيلة مدته البرلمانية، ولا يعود إلى ناخبيه إلا عند اقتراب الاستحقاق الانتخابي الجديد، حيث تُفتح المكاتب وتُعلَّق الصور وتبدأ الوعود، وهذا الانفصال بين الممثل والناخب هو أحد أبرز أسباب اهتزاز الثقة بالديمقراطية.
ولعل الأخطر أن عامة الناس، في العراق وخارجه، باتوا ينظرون إلى المترشحين باعتبارهم ساعين إلى السلطة والامتيازات أكثر من كونهم ممثلين حقيقيين للشعب، صحيح أن هذا الحكم قد يكون عامًا ولا ينطبق على الجميع، لكن الصورة النمطية الراسخة في أذهان الناس تُضعف مكانة الديمقراطية في وعيهم وتزيد من الفجوة مع ممثليهم.
وإذا ما توسعنا في النظر إلى التجارب العالمية، نجد أن فقدان الثقة لا يقتصر على العراق وحده، بل يطال حتى الديمقراطيات العريقة، فقد اندثرت الكثير من المعايير الأساسية، مثل وجود نظام حزبي حقيقي وفاعل، ففي كثير من الأحيان، تتحول الأحزاب إلى كيانات شكلية أو غطاء لديكتاتوريات مصغرة، كذلك يبرز غياب الفصل الحقيقي بين السلطات، إذ نشهد اليوم تداخلاً واسعًا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل وحتى تدخلات مباشرة في عمل السلطة القضائية، هذه التدخلات لا تقتصر على العراق وحده، لكنها هنا أكثر وضوحًا وأشد تأثيرًا على ثقة الناس بالقانون والنظام.
ومن المؤشرات الأخرى على تراجع الثقة: غياب التطبيق الفعلي للدساتير، فالدستور يُوضع ليُطبق لا ليُعطل، ومع ذلك، نجد أن النصوص الدستورية في العراق معطلة إلى حد كبير، إذ يُقدَّر أن 99% من مواده لا تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي، الحقوق والحريات المنصوص عليها مهملة، والحياة السياسية تعاني من هيمنة السلطة التنفيذية دون رادع مؤسسي فاعل، لا من القضاء ولا من البرلمان ولا حتى من ضغط شعبي حقيقي.
كل هذه العوامل مجتمعة غياب النظام الحزبي الحقيقي، ضعف الفصل بين السلطات، تعطيل الدساتير، وانفصال الممثلين عن ناخبيهم، جعلت من فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا. فالديمقراطية، إذا لم تتحول إلى ممارسة حقيقية تلامس حياة الناس وتحمي حقوقهم، ستظل مجرد شعار فارغ يزيد من خيبة الشعوب بدل أن يكون وسيلة لتحقيق إرادتهم.
إشكالية الكفاءة والاختيار في التجربة الديمقراطية
- الاستاذ علاء الكاظمي- باحث اكاديمي:
إحدى أبرز الإشكاليات التي تواجه الديمقراطية المعاصرة أنها تفتح المجال أمام غير الكفوئين للتصدي للعمل السياسي، فالنظام الديمقراطي لا يشترط مؤهلات محددة في من يترشح لقيادة الأمة أو المشاركة في صناعة القرار وهكذا، قد نجد رياضيًا أو إعلاميًا أو فنانًا أو شخصًا ذا حضور اجتماعي يدخل معترك السياسة دون خبرة أو معرفة كافية، ليجد نفسه في عالم مختلف تمامًا، والنتيجة الطبيعية أن يصدر عنه قرارات مرتبكة تؤدي لاحقًا إلى صدمة المجتمع من ضعف الأداء السياسي.
وقد عايشتُ شخصيًا مثالًا على ذلك: أحد الأحزاب كان يُلح على شقيقي وهو مدرس لغة إنجليزية للترشح إلى الانتخابات البرلمانية، رغم أنه لا يمتلك خبرة سياسية كافية، وقد عرضوا عليه الترشح مع ضمان الفوز نظرًا لامتلاكهم قاعدة جماهيرية واسعة، فقلت لهم: إن الترشح ممكن بشرطين أساسيين؛ الأول أن يتم توفير فريق من الخبراء لمساعدة المرشح في القضايا القانونية والاقتصادية والسياسية المعقدة، إذ لا يمكن لشخص غير متخصص أن يقرر فيها منفردًا. أما الشرط الثاني فهو أن يتم التعامل مع شخصية المرشح بعقلانية، لأنه إنسان عاطفي سريع الانفعال، وقد يندفع داخل البرلمان في مواقف تضر بالصالح العام. مثل هذه النماذج تبيّن لنا بوضوح أن فتح الباب على مصراعيه أمام كل من يرغب بالترشح دون معايير للكفاءة يفرز بطبيعة الحال قيادات غير مؤهلة.
إلى جانب هذه المعضلة، هناك ثغرات أخرى داخل النظام الديمقراطي، من أبرزها غياب العقوبات الرادعة للكذب والخداع السياسي، فكثير من المرشحين يقدّمون وعودًا انتخابية براقة سرعان ما يكتشف المواطن أنها مجرد وعود زائفة، بل إن بعض الديمقراطيات التي تُعد نموذجًا عالميًا سمحت بوصول شخصيات اتُّهمت بالكذب والخداع إلى أعلى المناصب، وبهذا تتحول الوعود غير الصادقة إلى أحد أهم أسباب فقدان الثقة بالعملية الديمقراطية.
النقطة الثالثة تتعلق بآلية الاختيار نفسها، فالغالبية العظمى من الشعب وهم عموم الناس لا تملك في كثير من الأحيان الوعي السياسي الكافي لتمييز المرشحين الأكفأ، وبالتالي يكون الاختيار عشوائيًا أو قائمًا على الشعبية أو الكاريزما الشخصية أكثر من اعتماده على الكفاءة والخبرة، وهكذا فإن غياب الوعي المجتمعي يؤدي إلى إفراز عملية سياسية هشة يقودها أشخاص غير مؤهلين، مما يكرّس ضعف الثقة بالديمقراطية.
وفي تقديري، فإن رفع مستوى وعي الشعوب وإدراكها هو المدخل الأساس لمعالجة هذه الإشكالية، وإذا ما قارنّا ذلك بالنظام الإسلامي كما ورد في النصوص الدينية نجد أن هذا النظام لا يترك المجال مفتوحًا لأي شخص ليتصدر القيادة السياسية، بل يشترط معايير دقيقة في القيادة، فالأنبياء والأئمة لم يكونوا نتاج اختيار شعبي عشوائي، بل جاء اختيارهم بنص إلهي يضمن اجتماع صفات العلم والمعرفة والكفاءة والأخلاق، وحتى المرجعيات الدينية لا تُترك للهوى أو الرغبة، بل تخضع لشروط صارمة تضمن أن يكون القائد مؤهلًا بحق.
هذه الفكرة تعالج إلى حد كبير مشكلة "عشوائية الاختيار" في الديمقراطية، فإذا اختارت الأمة قادتها على أساس الكفاءة والجدارة، فإن النتائج السياسية ستنعكس إيجابًا بالضرورة، أما إذا ظل الباب مفتوحًا أمام كل من يملك طموحًا شخصيًا أو حضورًا اجتماعيًا، فإن النتيجة الطبيعية ستكون فقدان الثقة المستمر بالعملية الديمقراطية.
الديمقراطية بين أزماتها البنيوية وخيارات الإصلاح
- الشيخ مرتضى معاش- باحث في الفكر الإسلامي:
يمكن القول إن أصل الخلل يكمن في الديمقراطية نفسها، وليس فقط في مَن يمارسونها أو يدّعونها، فحتى أكثر الدول الديمقراطية عراقةً تعاني من ثغرات كبيرة تُفضي في نهاية المطاف إلى تقويض الديمقراطية من داخلها، المثال الأبرز على ذلك هو الديمقراطية الأمريكية، التي يُنظر إليها عادةً كأنموذج عالمي، لكنها في الحقيقة أصبحت منخورة من الداخل، وأدت إلى فقدان قطاعات واسعة من الناس الثقة بآلياتها.
إن صعود الشعبوية في العالم ما هو إلا انعكاس مباشر لهذا الفشل، فالناس اكتشفوا أن الديمقراطية كما تُمارَس اليوم ليست سوى أكذوبة صُمِّمت على مقاس النافذين واللوبيات، لا توجد مبادئ ثابتة أو صلبة للديمقراطية، بل هي أشبه بمفهوم "هلامي"، يتشكل حسب مصالح القوى المؤثرة، نرى ذلك في كيفية توظيف الرؤساء والسياسيين لها، أو في كيفية استغلال اللوبيات المالية والسياسية (مثل اللوبي الصهيوني) لقدراتها على التحكم بمسار القرار السياسي.
النقطة الثانية التي عمّقت أزمة الديمقراطية هي الليبرالية نفسها، خاصةً بمفهومها الاجتماعي المتشابك مع الرأسمالية، فبدلًا من أن تكون الديمقراطية أداة لتحقيق العدالة، أصبحت في بعض السياقات وسيلة لتمكين أقليات محددة على حساب الأكثرية، مما خلق شعورًا عامًا بالغبن، تجربة الانتخابات الأمريكية أوضحت ذلك حين شعر العمال باعتبارهم الطبقة الأوسع، أن قضاياهم تُهمَّش مقابل الاهتمام المفرط للحزب الديمقراطي بملفات الجندر وخصوصا التحول الجندري. وهكذا، تمّت مصادرة الديمقراطية لمصلحة قضايا جزئية، فباتت الديمقراطية "معيبة" في نظر قطاعات واسعة من المجتمع.
هذا الواقع جعل الناس يفقدون الثقة بالنموذج الغربي، ويتطلعون إلى نماذج بديلة مثل الصين، التي تمزج بين الرأسمالية والتنمية في إطار سياسي استبدادي، ورغم نجاح هذا النموذج في بعض المؤشرات الاقتصادية، فإنه يظل نموذجًا غير قابل للاستمرار، لغياب المعارضة وضمانات تداول السلطة، فالنظام القائم على حزب واحد يبقى عرضة للانحراف إذا صعد قائد متطرف أو غير كفؤ، مما قد يقود إلى كوارث كبرى.
من جهة أخرى، يواجه النظام الديمقراطي أزمة إضافية تتمثل في الفردية المفرطة، فقد أدت الفردانية إلى إضعاف الجماعات والمؤسسات القادرة على لعب دور "لوبيات ضغط" تحفظ التوازن وتحد من استبداد السلطة، غياب هذه التكتلات جعل المواطن المعزول عاجزًا عن التأثير الفعلي، وأسهم في إضعاف المعارضة السياسية، التي يُفترض أنها ركن أساسي في أي نظام ديمقراطي.
أما عن البدائل، فالدكتاتورية ليست خيارًا مقبولًا أو آمنًا، حتى لو بدا في بعض الأحيان أكثر فاعلية في اتخاذ القرار، فهي تفتقد الضمانات، وتبقى رهينة شخصية الحاكم. من هنا، يمكن النظر إلى خيار ثالث هو الديمقراطية الاستشارية، وهي صيغة تستند إلى مبادئ أخلاقية وفطرية، تحترم الإنسان، وتقوم على العدل والإنصاف، هذا النموذج، كما ورد في التراث السياسي الإسلامي (مثل عهد الإمام علي لمالك الأشتر)، يوازن بين الحرية والرقابة، ويمنح الشرعية للحاكم حدوثًا وبقاء، بحيث يمكن سحبها منه عند فقدان النزاهة أو الكفاءة.
وإذا لم يكن هذا الخيار مطروحًا بواقعية في المدى القريب، فإن البديل الأقل صعوبة هو إصلاح الديمقراطية القائمة يشمل ذلك: تقييد مدة بقاء الأفراد في السلطة، الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث، إبعاد المال عن التحكم بالعملية السياسية، وتقوية المؤسسات المستقلة لمواجهة محاولات الاستحواذ.
بهذا المعنى، فإن الديمقراطية رغم ما اعتراها من ثغرات وانحرافات تظل أفضل من النماذج الاستبدادية، لكنها بحاجة ماسة إلى إصلاح عميق يعيد إليها جوهرها الحقيقي، ويمنع سقوطها في قبضة قوى الشعبوية أو الدكتاتورية الجديدة.
الديمقراطية بين الشكل والجوهر
- الاستاذ احمد جويد- مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
النظام الديمقراطي في جوهره هو نظام من صنع البشر، ابتكره الإنسان ليمنح الشرعية للحكم عبر صناديق الاقتراع، لكن عند التدقيق نجده في كثير من الأحيان، لا يختلف كثيرًا عن الأنظمة الاستبدادية من حيث جوهره، إذ يُستخدم لتكريس نفوذ أصحاب المال واللوبيات والشركات الكبرى.
النموذج الأمريكي مثال واضح: منذ عقود لم نرَ سوى حزبين يتناوبان على السلطة، بينما تُدار اللعبة السياسية في حقيقتها من خلف الكواليس عبر مصالح المتنفذين، كل حزب يلتف حوله ممولون ولوبيات تدعمه وفق مصالحها: قضايا الإجهاض، المثلية، الضرائب، التأمين الصحي... وهكذا تصبح الديمقراطية مجرد غطاء شرعي لمعادلات القوة الاقتصادية والاجتماعية.
أكثر من ذلك، منح النظام الأمريكي الرئيس المنتخب صلاحيات واسعة جدًا تجعله أقرب أحيانًا إلى الحاكم الفرد، الرئيس بجرّة قلم يستطيع أن يلغي معاهدات دولية أو ينسحب من اتفاقيات مصيرية، كما فعل ترامب مع اتفاقية المناخ والاتفاق النووي الإيراني، هذا يُظهر أن الديمقراطية، حتى في أعرق صورها، ليست بعيدة عن مزالق التفرد بالسلطة.
أما في العراق، فالمشهد مختلف في الشكل لكنه مشابه في الجوهر، النظام السياسي العراقي قائم على الشراكة بين أحزاب متنفذة، وكلها تسعى إلى إضفاء الشرعية على وجودها عبر الانتخابات، لكنها لا تمتلك القدرة ولا الظروف الدولية تسمح لها بالهيمنة المطلقة على الحكم عبر انقلاب أو تفرد بالحكم، لذلك تبقى الديمقراطية في العراق شكلية، مجرد واجهة تمنح الأحزاب غطاءً قانونيًا للاستمرار في السلطة.
الخطورة أن هذه "الديمقراطية الشكلية" لم تنجح حتى في حماية الحريات الأساسية، اليوم نشهد انحسارًا كبيرًا في حرية التعبير، حتى على مستوى منشور في وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى اعتقال أستاذ جامعي في منتصف الليل، الأخطر أن النقابات التي يُفترض أن تكون خط الدفاع عن الحريات، تماهت مع الأحزاب وتحولت إلى جزء من لعبة المصالح.
هكذا يتضح أن ما نعيشه ليس ديمقراطية حقيقية، بل مجرد تقليد شكلي، أفضل قليلًا من حكم الفرد المطلق، لكنه أبعد ما يكون عن الجوهر الحقيقي للديمقراطية التي تعطي الشعب سلطة حقيقية في تقرير مصيره.
الديمقراطية بين الفكرة والتطبيق
د. عقيل الحسناوي- باحث اكاديمي:
الحديث عن الديمقراطية ينبغي أن يكون في سياقنا الوطني، لا في السياق الدولي؛ لأن السياسة الخارجية للدول الكبرى لا تحكمها المبادئ نفسها التي تحكم سياساتها الداخلية، فالديمقراطية التي تمارسها أمريكا داخليًا مثلًا ليست هي نفسها التي تمارسها خارجيًا، بل تختلف جذريًا في مبادئها وآلياتها.
من هنا أقول: ليس صحيحًا أن نفقد الثقة بالنظام الديمقراطي من حيث المبدأ، لا يوجد نظام ديمقراطي حقيقي يمكن أن تُفقد الثقة به؛ لأن الديمقراطية في جوهرها وسيلة، مثل القانون، حتى لو بدا القانون ظالمًا، فإن تطبيقه السليم يحقق الاستقرار ويبين للناس حقوقهم وواجباتهم، كذلك الديمقراطية فهي فكرة فلسفية مرنة، قابلة للتطوير والتعديل بما يخدم الشعوب.
في التجربة العراقية، نحن لم نعش ديمقراطية حقيقية لنقول إننا فقدنا الثقة بها، ما عندنا في الواقع ليس أكثر من نظام ديمقراطي شكلي: انتخابات شكلية، دستور شكلي، لكن الجوهر الحقيقي قائم على المحاصصة، حيث تُقسم المناصب وفق اعتبارات قومية وطائفية، لا وفق برامج انتخابية، النتيجة أن السلطات متداخلة، والدولة ضعيفة، والمشهد محكوم بثلاث قوى كبرى: الشيعة والسنة والأكراد، وكل طرف يملك ميليشياته الخاصة، فهل يمكن أن نسمي هذا نظامًا ديمقراطيًا؟ بالتأكيد لا.
إذن، الخلل ليس في الديمقراطية نفسها، بل في طريقة تطبيقها، الديمقراطية نظريًا تحمل أجمل الأفكار: تداول سلمي للسلطة، فصل بين السلطات، حرية التعبير، ضمان الحقوق. لكن عند التطبيق، تتحول إلى أداة بيد من يديرها: فإذا كان القائم عليها ديكتاتوريًا، صبغها بصبغته، وإذا كان عادلًا وواعيًا، منحها روحًا جديدة تحقق العدالة والاستقرار.
ولذلك أقول: لا يوجد بديل حقيقي عن الديمقراطية، الديكتاتوريات قد تحقق تنمية مؤقتة كما في الصين أو سنغافورة أو كوريا الجنوبية، لكنها في النهاية أنظمة محفوفة بالمخاطر لأنها بلا ضمانات ولا معارضة فاعلة، أما الديمقراطية فهي قابلة للإصلاح والتطوير، شرط أن نشخص بصدق أسباب فشل تجربتنا، ونفتح نقاشًا وطنيًا جادًا حول كيفية تجاوز هذه العثرات.
منظومة القيم وأزمة النماذج في التجربة الديمقراطية
- الاستاذ علي حسين عبيد- كاتب في شبكة النبأ:
إذا تأملنا في منظومة الأعراف والقيم السائدة داخل المجتمع، نجد أنها تعاني من كثير من الخلل والنواقص، ومن الطبيعي أن الطبقة السياسية –مجلس النواب، قادة الحكومة، وغيرهم– خرجت من رحم هذا المجتمع، وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن أن نتوقع من منظومة سياسية نشأت في بيئة مرتبكة أن تقدم لنا نموذجًا رصينًا أو ممارسة ديمقراطية سليمة.
إن ما نحتاجه أولًا في تقديري، هو إعادة بناء وتقوية منظومة الأخلاق والأعراف داخل المجتمع، قبل أن نحاسب ما يصدر عن الطبقة السياسية، ذلك لأن المؤسسات التي يفترض بها أن تكون القدوة والنموذج في القيادة والممارسة الديمقراطية، هي الأخرى قد فشلت في هذا الدور، وقدمت نماذج أسوأ مما كنا نتوقع.
خذوا مثلًا بعض النقابات؛ هذه المؤسسات يفترض أن تكون نموذجًا راقيًا في الانتخابات وتداول المناصب والقيادة، لكنها لم تقدم شيئًا من ذلك، فمنذ 2003 وحتى اليوم، بقيت نفس الوجوه تسيطر على معظم المجالس المركزية، ولم يتغير إلا من غيبه الموت، هذه الصورة تكاد تكون نسخة طبق الأصل مما نراه في الطبقة السياسية، وربما أسوأ.
إن ما يثير القلق أن المؤسسات الثقافية والنقابية، التي كان يفترض أن تكون مرآة نقية للديمقراطية، أضحت تعكس أزمات المجتمع بدلًا من أن تُصلحها ومع ذلك، لا بد من الإقرار أن عشرين عامًا فترة قصيرة نسبيًا في عمر التجارب الديمقراطية، وقد نحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تتبلور التجربة بشكل أوضح وأكثر نضجًا.
الديمقراطية بين الفكرة النقية والتطبيق المشوَّه
- د. منتصر العرداوي- باحث اكاديمي:
موضوع الديمقراطية موضوع واسع الأبعاد، يختلف باختلاف تطبيقاته ومصاديقه، إذ يفترض أن تكون أداة لراحة الشعوب وتطورها، باعتبارها منبثقة من إرادة الشعب، غير أن ما نراه في الواقع مختلف تمامًا: فالشعب –الذي يفترض أن يكون أساس النظام الديمقراطي– غالبا ما يستغل باسمه، ولا يكون له دور حقيقي سوى المشاركة الدورية في الانتخابات.
لكن حتى هذه الانتخابات، التي يفترض أن تكون التعبير الأصدق عن الإرادة الشعبية، تشوبها شوائب كثيرة: تزوير، ترغيب، ترهيب. والنتيجة أن من يصل إلى الحكم لا يأتي بالطرق السليمة، بل عبر مسارات ملتوية، مما ينتج نظامًا أعوج غير قادر على إدارة الدولة بصورة صحيحة.
إذن، المشكلة ليست في الديمقراطية كفكرة أو كنظام، بل في التطبيقات العملية التي شوهت جوهرها، بل أكثر من ذلك، الشعب لا يُغيَّب فحسب، بل يُساء إليه أيضًا عبر سلب حقوقه وحرياته، ولعل المفارقة أن معظم الناس اليوم لا يعرفون حقيقة معنى الديمقراطية أو مصاديقها، وحتى القائمون على العملية السياسية يتجاهلون عمدًا تطبيق أسسها؛ لأن الالتزام بالديمقراطية الصحيحة سيُقصي الكثير من المنتفعين من المشهد السياسي.
لقد ذكر الزملاء مصاديق عديدة يفترض أن تقوم عليها الديمقراطية:
النظام المؤسساتي، وهو غائب في العراق.
النظام القضائي، وهو متهم بالتسييس وضعف تطبيق القانون.
الحريات العامة، وهي مغيبة إلى حد كبير، إذ كثيرًا ما تُكمم الأفواه، ويُلاحق الإعلاميون الذين يكشفون ملفات الفساد بالأدلة، حتى يصل الأمر إلى تهديدهم وتصفيتهم أو تهجيرهم.
من هنا أقول: ليس هناك بديل سهل عن الديمقراطية، فهي تجربة فتية في العراق، لكنها لم تُطبَّق بصورة صحيحة، بل أسيء استخدامها إلى درجة جعلت الناس ينفرون من تسميتها، كما نفروا من الدكتاتورية من قبل، المطلوب إذن وعي شعبي بمفهوم الديمقراطية الحقيقي ومصاديقها السليمة، مع توفير مساحة فعلية للحرية، وتطبيق جاد لمبادئ الديمقراطية حتى تؤتي ثمارها في المستقبل.
الديمقراطية العراقية بين الأمل والخيبة
- الاستاذ صلاح الجشعمي- باحث قانوني:
منذ عام 2003 انتقلنا من حكم الدكتاتورية إلى تجربة ديمقراطية كنا نراها –في بداياتها– الأمل المنشود، فكنا ندافع عنها ونعطيها المبررات، إيمانًا بأن النظام الديمقراطي هو الأفضل، لكن مع مرور الزمن برزت عدة مؤشرات خطيرة قوضت هذا الأمل وأدت إلى فقدان الثقة بالممارسة الديمقراطية في العراق.
أول هذه المؤشرات هو العنف السياسي واحتكار السلطة، فالقوى التي تولت الحكم أغلقت الأبواب أمام أي قوى جديدة أو بديلة، ولم تسمح بمشاركة حقيقية في السلطة، ما جعل العملية السياسية محصورة بيد فئة محددة، صحيح أن الديمقراطية كفكرة راسخة ومفهومة على المستوى الأكاديمي، لكن عامة الناس لا يعرفونها كمفهوم فلسفي، بل كممارسات ملموسة مثل حرية التعبير، وحين يجدون أن حتى هذه الحريات مهددة أو مقيدة، يفقدون ثقتهم تدريجيًا بالنظام.
المؤشر الثاني هو سوق العمل والأزمة الاقتصادية، فالعراقيون كانوا يتوقعون أن تأتي الديمقراطية بفرص جديدة، واستثمارات، وتنمية اقتصادية، لكن احتكار السلطة وعدم الإصلاح عمّق هشاشة الاقتصاد وزاد البطالة، مما جعل الناس يرون أن الديمقراطية لم تحقق لهم العدالة ولا الرفاهية الموعودة.
أما المؤشر الثالث فهو ضعف سيادة القانون، فالقانون يُطبق بانتقائية، على شخص دون آخر، وعلى جهة دون أخرى وهذا ينسف أحد أهم أركان النظام الديمقراطي. ومع تفشي هذه الممارسات يفقد المواطن ثقته بالقضاء وبالدولة نفسها، حتى وإن وُجدت داخل الأجهزة مؤسسات أو قوى تحاول التصحيح، إلا أن الموجة الغالبة كانت باتجاه الفوضى وتسييس القانون.
نتيجة هذه المؤشرات الخطيرة، أصبح العراقيون يرون أن الديمقراطية تحولت عمليًا إلى وسيلة للهيمنة، أقرب إلى ديكتاتورية مقنّعة، والأسوأ أن الوعي الشعبي بدأ يميل –بدافع الإحباط– إلى قبول فكرة العودة لنظام الفرد الواحد، سواء عبر صناديق الاقتراع أو بانقلاب داخلي أو حتى بتدخل خارجي، وجميعها سيناريوهات بالغة الخطورة على مستقبل البلاد.
الأمل الوحيد المتبقي، في تقديري، هو وعي الشعب وإصلاح العملية السياسية من الداخل، صحيح أن المؤشرات السائدة سلبية، لكن بعض المبادرات في مجال الإعمار والخدمات منحت الناس جرعة بسيطة من الثقة، ما يعني أن الطريق لم يُغلق تمامًا، وأن الإصلاح لا يزال ممكنًا إذا توفرت الإرادة والجدية.
الديمقراطية بين النضج الغربي والهشاشة العربية
- الاستاذ محمد علاء الصافي- مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
عندما نتحدث عن الديمقراطية، من المهم أن نفصل بين النظام الديمقراطي كفكرة ونظرية وبين النظام السياسي كتجربة واقعية في بلدان مثل العراق والشرق الأوسط عمومًا.
فالديمقراطية في أوروبا وأمريكا لم تأتِ بين ليلة وضحاها، بل هي ثمرة تجربة تاريخية ممتدة لقرون، نقلت المجتمعات من العصور الوسطى المظلمة إلى مراحل متقدمة اقتصاديًا واجتماعيًا وعلميًا وصحيًا، لقد بنت هذه المجتمعات مؤسسات قوية، وقوانين عادلة، ونظمًا تعليمية وصحية متطورة، وحققت رفاهية وحقوقًا لا تقارن بما كانت عليه قبل مئات السنين، هذه القفزة الحضارية لم تكن ممكنة لولا التراكم الديمقراطي.
أما في منطقتنا، فالتجربة الديمقراطية لا تتجاوز عقودًا قليلة، وغالبًا ما جاءت مستوردة من الخارج أكثر مما كانت وليدة سياقات داخلية، ولذلك كان طبيعيًا أن تكون تجربة مليئة بالشوائب، وربما أقرب إلى الفشل حين نقيسها على الواقع العراقي.
في العراق تحديدًا، ما نعيشه يمكن وصفه بـ الديمقراطية الهجينة، أو بالأحرى التوافقية، فالانتخابات تجري، والأحزاب تتشكل، لكن نزاهة العملية الانتخابية مشكوك بها، تُمنح مساحة لمنظمات وأحزاب، لكنها في حال عارضت التوجهات السائدة، تُقصى أو تُحارب. أما إدارة الحكم، فهي خاضعة للتوافقات السياسية بين أحزاب وقوى تمتلك مقاعد برلمانية، أو نفوذًا اجتماعيًا، أو حتى قوة عسكرية، وهذا أبعد ما يكون عن جوهر الديمقراطية.
السلطات الثلاث في العراق تكاد تكون شكلية.
التنفيذية متغولة ومهيمنة على كل شيء.
التشريعية عاجزة عن محاسبة رموز السلطة التنفيذية أو استرجاع الأموال المنهوبة، لكنها تلجأ لمحاكمة صحفي أو ناشط لأنها الحلقة الأضعف.
القضائية متهمة بالتسييس والعجز عن محاسبة الفاسدين أو إنصاف المواطنين.
أما مؤشرات المشاركة في الانتخابات، فلا يمكن القياس عليها وحدها، انخفاض نسبة المشاركة في فرنسا مثلًا لا يعني فشل النظام السياسي هناك، بل العكس؛ يعكس وصول النظام إلى مرحلة من الاستقرار والرفاهية بحيث لا يشعر المواطن بقلق حيال من يحكمه، لأنه مطمئن إلى قوة المؤسسات، وشفافية التمويل، وسيادة القانون، أما في العراق، فإن انخفاض المشاركة مؤشر على انعدام الثقة بالمنظومة كلها.
من هنا نفهم أن الديمقراطية، بخلاف الديكتاتورية، قابلة للإصلاح، يمكن تصحيح مسارها عبر تغيير الأشخاص أو السياسات، ويمكن للشعوب أن تقرر من خلال صناديق الاقتراع مستقبلها وتتحمل نتائجه، كما حصل في تجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أما الديكتاتورية والسلطوية، فهي أنظمة مغلقة لا تقبل المراجعة أو التصحيح.
بين حلم الديمقراطية وواقع المحاصصة
- الاستاذ حسين علي- مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية
متى يثق الحالم في حلمه؟ عندما يتحقق.
نحن حلمنا بالديمقراطية بديلاً عن الدكتاتورية، لكن الديمقراطية التي وصلتنا لم تكن ما حلمنا به؛ بل تحولت إلى ديمقراطية محاصصاتية قامت على تقاسم المناصب والنفوذ، بدل أن تكون أداة لإرادة الشعب.
اليوم، الشعب العراقي يجد نفسه محكومًا بين خيارين أحلاهما مرّ: ديمقراطية ديكتاتورية أو ديمقراطية محاصصة. وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة: نظام مشوّه لا يعبر عن إرادة الناس.
ومن وجهة نظري، إذا اضطررت للاختيار بين دكتاتورية الفرد ودكتاتورية المئات عبر المحاصصة، قد أختار الأولى. لماذا؟ لأن الفرد الواحد يمكن محاسبته أو تغييره، بينما في نظام المحاصصة نجد أنفسنا أمام عشرات ومئات الفاعلين، كل منهم يبحث عن مصلحته الخاصة، ويستحيل محاسبتهم جميعًا أو تغييرهم دفعة واحدة.
الديمقراطية: نظرية جميلة ومطبات تطبيقية
- الاستاذ باسم الزيدي- مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
دعونا نكون صريحين: الديمقراطية ليست نصا مقدسا نزل من السماء، بل هي نظرية حكم من صنع البشر، قابلة للنقد والتجريب والتعديل مثل سائر النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عبر قرون من التطبيق تراكمت لدى الديمقراطيات مؤشرات تقويها وتؤشر على نقاط ضعفها، ومن حقنا أن نشخص مواقع الخلل بدل أن نعصم الفكرة من النقد.
في تقديري، هناك خلل بنيوي في تشكيل الديمقراطية المعاصرة رغم جمال فكرتها، الفائدة الحقيقية من فكرة جميلة ليست مجرد الإعجاب بها، بل قدرتها على أن تطبق بشكل سليم؛ وإذا كان التطبيق سيئا فلا بد من مساءلة جذور الفشل وإصلاحها.
من مظاهر التصدع اليوم أن الديمقراطية تبدو مجزأة كأنها مخصخصة إلى نماذج متفاوتة: هناك «ديمقراطية أميركية»، و«أوروبية»، و«آسيوية»... فلا معيار موحد يمكن أن يطبق على الجميع، وهذا التشتت يفضي أحيانًا إلى تناقضات: دولة تدعي ديمقراطيتها تتهم دولة أخرى بأنها غير ديمقراطية لمجرد اختلاف تطبيقاتها أو مصالحها.
وعلى مستوى العمق، أرى أن الديمقراطية الحقيقية لا تقوم إلا على ركيزتين أساسيتين: الإيمان بالقيم والالتزام الأخلاقي، لا يمكن قيام نظام ديمقراطي صالح دون قيم راسخة تظهر في سلوك النخب والمواطنين: احترام القانون، النزاهة، تحمل المسؤولية، والولاء للمصلحة العامة.
مشكلة إضافية تبرز على الساحة الدولية: ازدواجية المعايير، كثيرا ما تمارس الديمقراطية داخليا بشكل أو بآخر، بينما تدار السياسة الخارجية بمقاييس أخرى تخالف مبادئها المعلنة، هذه الممارسة الكيل بمكيالين تكسر المصداقية وتغذي شعورا عالميا بأن الديمقراطية أداة لمصالح، لا مبدأ ثابتا.
أما عن البدائل، أعتقد أن هناك نماذج حكم تركز على البعد الأخلاقي والشرعي والاستشاري قد تكون أكثر فاعلية في بعض السياقات إذا توفرت لديها ضمانات الكفاءة والعدالة، النظام الاستشاري أو بعض الرؤى التي تجمع بين الشرعية الأخلاقية والضوابط المؤسساتية (كما في بعض المقاربات الإسلامية التي تركز على الشورى والعدالة والولاية الصالحة) قد تقدم بدائل لتجاوز اختلالات التطبيق الديمقراطي، شرط أن تبنى على مقاييس واضحة لحماية الحريات وحقوق الإنسان.
الديمقراطية بين المثال والتجربة
- د. خالد العرداوي- مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
تبقى الديمقراطية هاجسا إنسانيا عالميا، سواء للشعوب التي تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية مستقرة أو لتلك التي تعاني من الاستبداد وتطمح للخلاص منه، وهنا لا بد من التفريق بين مبادئ الديمقراطية الثابتة، مثل: حكم الشعب لنفسه، التداول السلمي للسلطة، احترام الحقوق والحريات، وجود دستور ديمقراطي، وبين أشكال الحكم الديمقراطي التي تتنوع بين رئاسي وبرلماني وجمعية وغيرها، هذا التعدد لا يضعف الفكرة، بل يعكس غناها ومرونتها وقدرتها على التكيف.
لكن عند مقارنة الديمقراطية كمثال مع ما يطبق في واقعنا، نجد فجوة كبيرة، فلو عاد جان جاك روسو نفسه ونظر إلى ما يمارس اليوم تحت عنوان الديمقراطية، لقال: "هذا ليس ما حلمنا به". إذ إن الديمقراطية الحقيقية هي حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب، بينما التطبيق في منطقتنا لم يتجاوز في الغالب مجرد استبدال الاستبداد السياسي بواقع جديد من المحاصصة والفوضى.
المشكلة أن شعوبنا لم تكن تحلم بالديمقراطية كقيمة بحد ذاتها، بل كانت تحلم فقط بالخلاص من المستبد، لكنها لم تحدد اليوم التالي لما بعد سقوط الاستبداد، ولهذا لم تبن مؤسسات دستورية راسخة ولم تحم المبادئ الديمقراطية من الانحراف، فلم نحصل على ديمقراطية حقيقية، ولا تخلصنا من الاستبداد كليا، بل عشنا ما يشبه "اللصوصقراطية" أو حكم الفاسدين والناهبين، كما وصفه فرانسيس فوكوياما.
إن الديمقراطية، في جوهرها، ليست مجرد نظام حكم، بل نظام حياة: طريقة في الحوار، أسلوب في إدارة الاختلاف، وأداة لضبط السلطة عبر القانون والشفافية، الشعوب الديمقراطية المستقرة لم تفقد ثقتها بالديمقراطية، بل تسعى باستمرار إلى تطويرها وتوسيع فضاءات الحرية ومنع الشعبويين والمتطرفين من استغلالها، أما عندنا فالعجز عن حماية الديمقراطية أفرز شعورا عاما بالخذلان، جعل الناس يتأرجحون بين الحنين للاستبداد أو التمرد على النخبة السياسية القائمة.
الخيار إذن ليس بين الديمقراطية والاستبداد، لأن البديل عن الديمقراطية ليس إلا الديمقراطية نفسها بأشكالها المتعددة وتطبيقاتها المختلفة، أما الديكتاتورية، حتى في أفضل صورها، فهي في النهاية استبداد، وإذا ما تزيت بالدين أو القومية صارت أسوأ وأقسى، الديمقراطية تبقى الإطار الوحيد القابل للتطوير والتصحيح، فيما الفوضى والاستبداد لا يولدان إلا المزيد من القمع والانهيار.
بين فشل التجربة والحاجة إلى مشروع دولة
د. حسين السرحان- مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
منذ التغيير السياسي عام 2003، كان من المفترض أن ينتقل العراق من الاستبداد إلى الديمقراطية، لكن ما حصل هو أننا ما زلنا ندور في مرحلة انتقالية لم تنضج بعد لتصل إلى التحول الديمقراطي الحقيقي، فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات أو شعارات، وإنما عملية مركبة تمر بمراحل أساسية.
المرحلة الأولى هي الانتقال الديمقراطي، أي تهيئة المجتمع على المستويين الشعبي والمؤسساتي، وهذا يقتضي نشر ثقافة الديمقراطية بين الناس: احترام الحقوق والحريات، سيادة القانون، التداول السلمي للسلطة، ضمان المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين أو العرق أو المذهب، إضافة إلى توفير منظومة قوانين تنظم الأحزاب، الانتخابات، الحريات العامة والحقوق الأساسية، كما يتطلب الأمر وجود إدارة انتخابية مستقلة ونظام مؤسساتي راسخ يشكل الإطار الحامي لهذه المبادئ.
أما المرحلة الثانية فهي التحول الديمقراطي، حيث يتم اختبار تلك الأطر عبر الممارسة الفعلية: انتخابات نزيهة، حكومات مسؤولة، معارضة فاعلة، ومحاسبة حقيقية، لكن في العراق لم نتجاوز بعد مرحلة الانتقال، بل شهدنا فشلا مؤسسيا وشعبيا انعكس في تجربة مشوهة اتسمت بالمحاصصة والفساد وغياب المشروع الوطني.
هنا تبرز إشكالية شرعية القبول وشرعية الإنجاز، الناخب يمنح الحاكم شرعية أولى عبر التصويت، لكنه ينتظر شرعية ثانية تتحقق عبر الإنجاز وتنفيذ البرامج الانتخابية، وعندما تغيب هذه الأخيرة، يفقد الحاكم شرعيته وتتصاعد الاحتجاجات، وهو ما شهدناه مرارا في العراق.
التجارب العالمية تثبت أن الديمقراطية، وإن كانت تعاني من أزمات، إلا أنها قادرة على تصحيح نفسها متى ما توفرت الإرادة السياسية ومشروع الدولة، فالنظام التوافقي مثلا ليس فاشلا بالضرورة، إذ نرى نموذج النرويج حيث جميع الأحزاب ممثلة في البرلمان والحكومة ومع ذلك تحقق الدولة مستويات عالية من الرفاهية والاستقرار. أما عندنا، فالمحاصصة الطائفية والحزبية حلت محل التوافق الوطني وأفشلت النظام السياسي.
إسرائيل –رغم عدائنا لها– تقدم مثالا آخر على نظام ديمقراطي فاعل: حكومات ائتلافية، تداول سلطة، ومؤسسات قوية قادرة على التغطية حتى على فساد بعض رموزها عبر صناديق الاقتراع ومحاسبة قانونية، مع اقتصاد يتفوق على معظم الدول العربية مجتمعة (باستثناء النفطية).
في المقابل، الطبقة السياسية العراقية بعد 2003 لم تأتِ بمشروع دولة، بل اعتمدت على الهويات الطائفية والمذهبية، وحتى على المستوى الشعبي، لم ننجح في ترسيخ سلوك ديمقراطي حقيقي يترجم في المؤسسات والممارسات اليومية.
فنحن لا نعيش ديمقراطية فعلية، بل ما زلنا نتعثر في مرحلة الانتقال، من دون مشروع دولة واضح، ومن دون وعي اجتماعي وسياسي كافي لإنجاح عملية التحول، الديمقراطية يمكن أن تصحح وتبنى، لكن ذلك مشروط بإرادة جادة لإقامة دولة على أساس الدستور، القانون، والمواطنة، بعيدا عن المحاصصة والهويات الفرعية.
تبدد حلم الشعوب بالديمقراطية
- الاستاذ أوس الغانمي- صحفي في شبكة النبأ المعلوماتية:
الديمقراطية كانت حلم الشعوب للخلاص من الاستبداد، لكنها في التطبيق العملي خيّبت آمال الكثيرين، التراجع في الثقة بها لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة أزمات بنيوية وواقع سياسي مرتبك.
تراجعت الثقة بالديمقراطية لعدة أسباب، أهمها أن التجارب في منطقتنا ارتبطت بالفوضى والفساد وسوء الإدارة بدلًا من الوعود بالحرية والعدالة. كثير من الناس شعروا أن النظام الديمقراطي لم يحقق لهم الأمن ولا الخدمات ولا العدالة الاجتماعية، بل صار أحيانًا واجهة لصراعات الأحزاب والمصالح الشخصية. وهكذا تحوّل حلم الشعوب بالديمقراطية إلى خيبة أمل، لأنها لم تُترجم إلى مؤسسات قوية وقوانين تُطبّق على الجميع.
البديل الذي قد تلجأ إليه الشعوب ليس بالضرورة العودة إلى الدكتاتورية، بل البحث عن نموذج ثالث يجمع بين الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية والشفافية. قد يكون ذلك عبر ديمقراطية معدّلة تركز على الحكم الرشيد والمساءلة، أو عبر أنظمة مختلطة توازن بين قوة الدولة وحماية حقوق الأفراد. المستقبل مرهون بقدرة المجتمعات على إنتاج نموذج محلي يناسب واقعها، بدلًا من استيراد أنظمة جاهزة لا تنجح بالضرورة في بيئاتها.
وفي ختام الملتقى الفكري تقدم مقدم الورقة البحثية الدكتور لطيف القصاب بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.
اضف تعليق