في ظلّ أجواء شهر رمضان المبارك، حيث يلتزم الملايين بالصوم كعبادة روحية، تبرز تساؤلات طبية ملحّة حول كيفية التوفيق بين الفرائض الدينية والصحة الجسدية، خاصةً لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري. في هذا الحوار الصحفي، نستضيف الدكتورة زينب تكليف الحسناوي، اختصاصية طب الأسرة، لنتعرف على المعايير الطبية الآمنة...

في ظلّ أجواء شهر رمضان المبارك، حيث يلتزم الملايين بالصوم كعبادة روحية، تبرز تساؤلات طبية ملحّة حول كيفية التوفيق بين الفرائض الدينية والصحة الجسدية، خاصةً لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري. في هذا الحوار الصحفي، نستضيف الدكتورة زينب تكليف الحسناوي، اختصاصية طب الأسرة، لنتعرف على المعايير الطبية الآمنة لصيام مرضى السكري، والتحديات التي قد تواجههم خلال الشهر الكريم. تأكيدًا على أهمية التوعية الصحية، تستعرض الدكتورة زينب إجاباتٍ علميةً وعمليةً، مدعمةً بأحدث التوصيات الطبية، لتكون دليلًا لكل مريض سكري يرغب في الصيام بأمان، دون إغفال الجانب الإنساني الذي يربط بين الإيمان بالله والحرص على نعمة الصحة.  

ما هي المعايير الطبية التي تحدد إذا كان مريض السكري قادرًا على الصيام بأمان؟

على الرغم من أن الصيام يعتبر آمنًا لمعظم الأشخاص، إلا أن القرآن الكريم ينص على تجنب الصيام إذا كان ضارًا بصحة الفرد. حيث لا يجب أن يصوم من سبق له انخفاض شديد للسكر خلال الأشهر الثلاثة السابقة لرمضان، أو من أصيب بارتفاع الأحماض الكيتونية في الدم خلال نفس الفترة، أو كان لا يشعر بأعراض انخفاض السكر، أو كان مصابًا بالسكري النوع الأول مع عدم انتظام السكر، أو من يعانون من فشل كلوي أو التجلطات في الدم.

كيف يمكن لمريض السكري تجنب هبوط السكر (Hypoglycemia) أثناء الصيام، وما هي العلامات التحذيرية التي يجب الانتباه لها؟

خلال شهر رمضان، ينصح بمراقبة مستوى السكر في الدم بانتظام. إذا قل معدل السكر في الدم عن 70 mg/dl، يعتبر ذلك حالة "hypoglycemia". أعراضها تشمل التعرق الشديد، الدوخة، الصداع، تسارع ضربات القلب، الارتعاش أو الرجفة، والغثيان. يجب على المريض الإفطار فورًا لتجنب الإغماء.

 ما هي التوصيات الخاصة بتعديل جرعات الأنسولين أو الأدوية الفموية خلال شهر رمضان؟

ينصح بمريض السكري مراجعة طبيب الخاص به لتعديل جرعات العلاج برمضان حيث تختلف حسب نوع السكري المصاب به وحسب مستوى السكر بالدم و حيث تنقسم إلى عدة أقسام فهناك من يعتمد على الأنسولين وهناك من يعتمد على الادوية، الإنسولين ممكن يؤثر بشكل كبير على مستويات السكر من خطر هبوط او ارتفاع السكر في الدم لذا ينصح بالمرضى بإدارة علاجهم بعناية ويعتمد على نوع الأنسولين صافي او مخلوط او سريع المفعول او طويل الأمد وعدد مرات الجرع باليوم، اماً الذين يعتمدون على الأدوية مثلا السلفونيل يوريا إذا كانت جرعة يومية واحدة يجب تناولها كاملة عند الإفطار إذا جرعتين تترك الجرعة الاولى بدون تغيير وتقلل الجرعة الثانية إلى النصف عند السحور امًا مساعد السكر المتفورمين لا يحتاج إلى تعديل تؤخذ عند الإفطار الجرعة الاولى والثانية عند السحور إذا كان 500 ملغم او ثلاث جرع تؤخذ جرعتين عند الإفطار وتترك الجرعة الثالثة عند السحور طبعا تقلل الجرع إذا كانت تسبب انخفاض في مستوى السكر وبقية الادوية يفضل عموما استشارة الطبيب المختص او الصيدلاني لتعديل الجرع لمريض السكري. 

هل هناك فرق في إدارة مرض السكري بين النوع الأول والنوع الثاني خلال الصيام؟ وما هي هذه الاختلافات؟

السكري النوع الأول هو سكر ما قبل سن 30 أو سكر الأطفال، ويعتمد على الأنسولين فقط. لا يُنصح بالصيام لهذا النوع من السكري، لأن تناول الأنسولين يتطلب غذاء مما يشكل خطورة في حال انخفاض السكر. إذا قرر المصاب الصيام، يحتاج إلى متابعة مكثفة مع ضرورة استقرار السكر في الأشهر الثلاثة السابقة لرمضان. أما النوع الثاني فهو سكر ما بعد سن 30 أو سكر الكبار، ويعتمد إما على الأدوية أو الأنسولين. يكون الصيام آمنًا في أغلب الحالات مع تعديل الجرعات والأنظمة الغذائية، لكن المصابين بالنوع الثاني مع مضاعفات مثل أمراض الكلى أو الأوعية الدموية أو عدم استقرار السكر في الدم، لا يُنصح لهم بالصيام.

ما هي الأطعمة المثالية للإفطار والسحور لمرضى السكري، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الكربوهيدرات والبروتينات والدهون؟

يفضل في الإفطار والسحور تناول النشويات المعقدة مثل الشوفان والحبوب، والابتعاد عن النشويات البسيطة مثل المعجنات والمخبوزات والسكر الأبيض، لأنها تسبب ارتفاعًا سريعًا في مستوى السكر. يُنصح أيضًا بتجنب الحلويات والدهون، ويفضل تأخير وجبة السحور لتجنب هبوط السكر أثناء اليوم.

كيف يمكن لمريض السكري التعامل مع الرغبة الشديدة في تناول الحلويات خلال رمضان دون التأثير على مستويات السكر؟

كما تم ذكره في النقطة السابقة، يُفضل تجنب الحلويات والدهون. إذا كانت هناك رغبة شديدة في تناول الحلويات، يمكن تناول قطعة صغيرة منها بعد الإفطار بساعتين.

ما هي المخاطر المحتملة للصيام على مرضى السكري الذين يعانون من مضاعفات مثل اعتلال الكلى أو اعتلال الشبكية؟

هناك نظام لتقييم المخاطر:

ـــ مخاطر منخفضة: يمكن للمريض الصيام بأمان. تشمل هذه الفئة المصابين بالسكري النوع الثاني والذين يتحكمون جيدًا في مستوى السكر أو يعتمدون على أدوية لا تسبب انخفاضًا في السكر.

ـــ مخاطر متوسطة: يتطلب الصيام مراقبة دقيقة لمستوى السكر مع تعديل العلاج والنظام الغذائي. تشمل هذه الفئة المصابين بالنوع الثاني الذين يتحكمون في السكر لكن يتناولون أدوية مثل السلفونيل يوريا أو الأنسولين.

ـــ مخاطر مرتفعة: تشمل الأشخاص المصابين بالسكري النوع الأول أو الذين لديهم تاريخ من نوبات انخفاض السكر أو الحامض الكيتوني السكري، وكذلك المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى المتقدمة أو الحوامل المصابات بالسكري. يُنصح لهذه الفئة بعدم الصيام بسبب المخاطر الصحية المحتملة.

كيف يمكن لمريض السكري مراقبة مستويات السكر في الدم بشكل فعال خلال الصيام، وما هو المعدل الطبيعي الذي يجب أن يهدف إليه؟

مراقبة مستوى السكر ضرورية خلال رمضان لتجنب المضاعفات. يُفضل قياس نسبة السكر خلال النهار، قبل الإفطار، وبعد الإفطار بساعتين، وعند السحور للتأكد من أن مستوى السكر ليس منخفضًا بشكل يشكل خطرًا. المعدل الطبيعي للسكر يتراوح بين 80 mg/dl إلى 120 mg/dl.

ما هي النصائح الطبية لمرضى السكري الذين يعانون من ارتفاع متكرر في مستويات السكر أثناء الصيام؟

يُنصح مرضى السكري بالابتعاد عن الحلويات والدهون، وتناول الألياف والنشويات المعقدة، وشرب كميات كافية من السوائل، والقيام بالفحص الدوري لمستوى السكر في الدم.

هل يمكن لمريض السكري ممارسة الرياضة خلال رمضان؟ وما هي التمارين المناسبة وأفضل الأوقات لممارستها؟

يُفضل تجنب الجهد الرياضي خلال النهار، ولكن لا بأس بممارسة بعض التمارين البسيطة بعد الإفطار.

ما هي الإرشادات الخاصة بمرضى السكري الذين يعانون من أمراض مصاحبة مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب خلال الصيام؟

يجب تنظيم علاج مرضى السكري والضغط خلال شهر رمضان لضمان استمرارية العلاج بشكل صحيح. يُنصح أيضًا بشرب كميات كافية من السوائل، والابتعاد عن العصائر الصناعية أو المشروبات التي تحتوي على الكافيين، وتقليل كمية الملح في الطعام قدر الإمكان.

كيف يمكن لمريض السكري تجنب الجفاف خلال الصيام، خاصة في الأيام الحارة؟  

لتجنب الجفاف، يجب شرب كميات كافية من السوائل، خاصة كبار السن الذين هم أكثر عرضة للجفاف. ينبغي أن تكون كمية السوائل بين 2 إلى 3 لتر يوميًا.

ما هي العلامات التي تشير إلى أن مريض السكري يجب عليه الإفطار فورًا لأسباب صحية؟

العلامات تتقسم إلى قسمين:

ـــ علامات الهبوط: مثل الرعشة، الدوخة، الصداع، عدم انتظام أو تسارع ضربات القلب، الشحوب. إذا كان مستوى السكر في الدم أقل من 70 mg/dl، فهذا يشير إلى "hypoglycaemia".

ـــ علامات الارتفاع: مثل العطش الشديد، جفاف الفم، كثرة التبول، التعب والإرهاق. إذا كان مستوى السكر أكثر من 300 mg/dl، فهذا يشير إلى "hyperglycaemia" أو "DKA" إذا كانت هناك رائحة كيتونية أو أسيتونية مع الغثيان والتقيؤ.

كيف يمكن لمريض السكري الاستعداد لرمضان من الناحية الطبية، مثل إجراء الفحوصات اللازمة وتعديل الأدوية؟

يُنصح بإجراء تقييم طبي قبل 6 إلى 8 أسابيع من رمضان، يشمل فحص السكر التراكمي الذي يجب أن يكون أقل من 5.7%، بالإضافة إلى قياس نسبة الدهون والضغط. بناءً على هذه الفحوصات، يتم وضع خطة علاجية وغذائية حسب الحالة الصحية للمريض بالتعاون مع الطبيب المتابع.

ما هي النصائح الطبية لمرضى السكري بعد انتهاء رمضان للعودة إلى نظامهم الغذائي والدوائي المعتاد دون مشاكل؟

العيد هو وقت الاحتفال والولائم، لذا لا يُنصح بالإفراط في تناول الطعام والحلويات. يمكن للصائم العودة بأمان إلى نظامه الغذائي المعتاد بعد رمضان.

ختامًا، لا يسعنا إلا أن ننوّه إلى أنَّ الصيام في رمضان ليس مجرّد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتعزيز الوعي بالذات والمسؤولية تجاه الجسد الذي هو أمانة. عبر هذا الحوار الشامل مع الدكتورة زينب الحسناوي، اتضح أنَّ التوازن بين العبادة والصحة ممكنٌ باتباع الإرشادات الطبية، والاستعانة بالمتابعة الدقيقة، والوعي بعلامات الخطر. ندعو قراءنا الأعزاء إلى اعتبار هذه النصائح جسرًا يربط بين التقوى والعلم، ولتكن هذه المعلومات حافزًا لكم لقراءة التفاصيل كاملةً، لأنَّ المعرفة قد تكون سببًا في إنقاذ حياة. كما قالت الدكتورة زينب: "الصيام أمانة.. فاحرصوا على أدائها بحكمةٍ تُرضي الربَّ وتصون الجسد". رمضان مبارك، وصحةٌ دائمةٌ للجميع. 

اضف تعليق