كان الجوع شرسا على الروائي النرويجي كنوت هامسون صاحب رواية «الجوع» والحائز على جائزة نوبل للادب عام 1920 ، فهو كما يصف حال بطل الرواية – ويصف نفسه، في آلامه (يضطر إلى قضم الخشب قبل أن يلوكه طويلاً لتسكين آلام الجوع). وكان ( الجوع الذي يعكّر مزاجه يدفعه إشفاقاً على نفسه حد البكاء)، ملحمة الجوع والكرامة الإنسانية التي وصفت بها الرواية، مستمرة عبر العالم من خلال وجود ملايين الجائعين.
فبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 805 مليون شخص في العالم ليس لديهم طعام كاف، وذلك مقارنة بأكثر من مليار شخص في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ولكن هناك أيضا نحو 500 مليون شخص يعانون من البدانة، بينهم 45 مليون طفل.
وأظهر مؤشر سنوي أن 16 دولة تعاني من مستويات مقلقة للجوع وأنّ بوروندي هي الأكثر تضررا، فيما يعاني نحو ملياري شخص من الجوع المقنع الذي هو نقص في الفيتامينات والمعادن يضعف جهاز المناعة ويعوق النمو البدني والذهني ويمكن ان يفضي الى الموت.
مقابل الملايين الجائعة، والتي لاتعرف طريقا لاشباع جوعها، نتيجة لسلوك قادة الدول التي يكثر فيها هؤلاء الجائعين نتيجة سياساتهم التي تنصب على شراء الأسلحة وعدم انفاق تلك الأموال على مشاريع تنموية يمكن ان تسهم في الحد من جوع الجائعين وحفظ كرامتهم.
فتجارة السلاح شهدت نمواً نسبته 14 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية. وارتفعت واردات دول الشرق الأوسط من الأسلحة الثقيلة بنسبة 61 بالمئة في الفترة من 2011 و2015. وجاءت الهند في المرتبة الأولى في شراء السلاح تليها السعودية التي ضاعفت مشترياتها ثلاث مرات في الفترة بين 2006 و2010. وتأتي الإمارات في المرتبة الرابعة وتركيا في المرتبة السادسة.
أما المكسيك فقد ضاعفت مشترياتها من الأسلحة الثقيلة ثلاث مرات بين عامي 2006 و2010 كنتيجة لحرب المخدرات التي أوقعت أكثر من 100 ألف قتيل في السنوات العشر الماضية.
وتصل المبالغ الاجمالية التي انفقها الشرق الأوسط على التسلح قبل أعوام الى 111 مليار دولار، لا غرابة والحال هذه ان تحدث انتفاضات وثورات واضطرابات في عدد من الدول بحثا عن العدالة الاجتماعية وتوفير حق رئيسي من حقوق الانسان وهو التغذية او الخبز.. ويذكر التاريخ لنا أنه كلما اشتد الفقر وطأة، كان حلم الخلاص من الحاكم هو الهدف.
كما في مصر مثلا، حيث شهدت أول ثورة للجياع في تاريخ البشرية، إضافة الى قرابة 147 واقعة ثورية، بين ثورة مكتملة أو إضراب أو احتجاج عمال، أو انتفاضة شعبية للمطالبة بالغذاء، طيلة تاريخها.. وكانت تلك الثورات صراعا ما بين الجوع والكرامة.. يصف الحكيم الفرعوني "ايبور" في احدى البرديات التي عثر عليها، أول ثورة للجياع بشكل تفصيلي، وضم فيها نصائح للملك بيبي الثاني، الذي حكم البلاد لأكثر من 96 عامًا، انتهت بثورة تمكن بها الشعب المصري من خلع حاكمه المستبد.
وقد لخص أيبور في برديته أحداث الثورة الأولى: انقلبت البلاد إلى عصابات، لا أحد يعمل في الحقول، امتنع الشعب عن دفع الضرائب، توقفت التجارة مع البلاد المجاورة، هجم الناس على مخازن الحكومة، واعتدوا على مقابر الموتى، صب الناس انتقامهم على الأغنياء، فنهبوا القصور، إن الأصلع الذي لم يكن يستخدم الزيت أصبح يمتلك الأواني المليئة بخير أنواع العطور، والفتاة التي كانت تذهب إلى النهر لرؤية وجهها أصبحت تملك مرآة في المنزل.
هل يملك السلاح إعادة كرامة مهدورة لجائع؟
لا يستطيع ذلك.. لان ماهية الكرامة كما يتحدث عنها الدكتور رجا بهلول تتحدد (انطلاقًا من نفيها، أي انتهاكها، بمعنى الإكراه أو الإجبار الذي يمنع الإنسان أن يعيش بطريقة معينة، وهو نوعٌ من "الجبر" مصدره الإنسان لا الطبيعة وينتهك كرامة إنسان آخر؛ ومن ذلك تمييزه بين الجوع (الذي تتسبّب به الظروف الطبيعية البحتة) والتجويع (الجوع الذي يتسبّب به الآخر قسرًا وإكراها).
في محاولة حديثة تكشف عن ارتباط الجوع بالكرامة، ومحاولة الحفاظ على كرامة الجائع عبر سلوك معين، عمدت احدى المنظمات الهولندية الى فتح سوبر ماركت يوزع المنتجات الغذائية مجانا على المحتاجين، يوجد فيه "فاكهة وخضروات وخبز يمكن الحصول عليها مجانا" و"يمكن لاصحاب الدخل المحدود الحصول على ما يريدون باستخدام بطاقة ائتمان خاصة يتم تزويدهم بها".
طريقة الحفاظ على كرامة الجائعين تتلخص على الشكل التالي:
تنظيم توزيع المنتجات عن طريق التسوق داخل سوبر ماركت بدلا من الوقوف في طوابير امام بنوك الاغذية وهو ما يشعر الناس عادة بالخجل. ويتم ذلك من خلال الحصول على بطاقة ائتمان من السوبر ماركت فيها نقود وهمية وبإمكان الفقير الذي لايملك المال الدخول الى المتجر واختيار ما يشاء شرط ان تكون على البضائع اشارة بلون برتقالي ليعرف انها مجانية ثم يتوجه لدفع الحساب الوهمي من بطاقته وكأنه يتسوق بماله بالفعل. وهذه الطريقة تحافظ على كرامة الناس وتساعدهم في الحصول على تغذية جيدة، مثل هذه النشاطات تسهم ولو قليلا في الحد من هدر كرامة الانسان الجائع.
اضف تعليق