الْأَرْض إذا انخفض المعروض منها، بسبب سيطرة الحكومات عليها ومنعها الناس من حيازتها واستثمارها إلا بقيود وروتين وبيروقراطية، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع قيمتها وغلائها كما سبق، وكما هو مقتضى قانون العرض والطلب البديهي، ولكن الذي نريد طرحه هنا، وقد صرح به عدد من كبار علماء الاقتصاد، هو...
الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر واليه على مصر، يشير صراحة إلى الأركان الأربعة التي أشّر عليها ـ فيما بعد ـ مينارد كينز، ويزيد عليها ركنين آخرين، وقد أشرنا الى الركن الاول وكان عن (خفض الضرائب حتى يصلح أمرهم)، واشرنا كذلك الى الركن الثاني: زيادة الإنفاق وصولاً إلى الإصلاح الاقتصادي، والركن الثالث: الإنفاق خاصة على المحرومين. والركن الرابع: القضاء على الاحتكارات، والركن الخامس: إنفاق الأغنياء زائداً الإنفاق الشعبـي.
الركن الرابع: القضاء على الاحتكارات، الركن الخامس: إنفاق الأغنياء زائداً الإنفاق الشعبـي، وفيما يلي:
الركن السادس: حرية تملك الأراضي والثروات الطبيعية
إلغاء القوانين الكابتة التي تحول دون حيازة / تملك الناس للأراضي والثروات الطبيعية إلا برخصة وإجازة وإذن وألف قيد وقيد، وإقرار القانون النبوي الذي يصرح بـ: (مَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهُوَ لَهُ)(1)، وتفعيل القانون الإلهي الذي يقول (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً)(2)، واعتبار الأرض وما عليها بأجمعها حقاً من حقوق الناس الأولية، فلهم أن يتملكوا أو يحوزوا كما شاءوا وكيف شاءوا ومتى شاءوا من دون حدّ لذلك، إلا حد الإضرار بالآخرين وعدم الاستئثار بحصصهم في إطار قوله تعالى: (لَكُمْ)(3).
وقد دلت على ذلك الروايات المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) كما جرت سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) والإمام المجتبى (عليه السلام) على المنهج نفسه.
الأرض وما فيها لكل من أحياها
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ)(4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سُئِلَ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ رَجُلٍ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً، فَكَرَى فِيهَا نَهَراً، وَبَنَى بُيُوتاً، وَغَرَسَ نَخْلًا وَشَجَراً؟ فَقَالَ: هِيَ لَهُ، وَ لَهُ أَجْرُ بُيُوتِهَا، وَعَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ(5) فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سَيْلُ وَادٍ أَوْ عَيْنٌ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَقَتِ الدَّوَالِي وَالْغَرْبُ(6) نِصْفُ الْعُشْرِ)(7).
وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَعَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ)(8).
وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ أَوْ عَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا)(9).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَا يَسْبِقُهُ إِلَيْهِ مُسْلِمُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)(10).
وروى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)(11).
وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله): (مَوْتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئاً فَهُوَ لَهُ)(12).
وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَنْ أَحَاطَ حَائِطاً عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ)(13).
وروي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (عَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي، فَمَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ)(14).
وعن جابر الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلْتِ الدَّوَابُّ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ)(15).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْمُرْهَا وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا وَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا، يُؤَدِّي خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا)(16).
قانون (الأرض للناس) يكافح التضخم والفقر
وقد كتب المؤلف بحثاً عن ذلك في كتاب (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً، الأرض للناس لا للحكومات) نقتبس منه بعض اللقطات: ومن ذلك كله يتضح وجه آخر وحِكمة أخرى للقانون الإلهي: (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)(17)، و: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)(18)، و: (هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً)(19)، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً بوجه، والتفصيل الآن بوجه آخر، وهو: أن العمل بهذا القانون يوجّه ضربة قاصمة للتضخم والغلاء والفقر والبطالة، وأن إهمال هذا القانون يؤدي إلى سلسلة متصلة الحلقات من الغلاء والتضخم، والغريب في هذا السلسلة هو أنها تتصاعد تصاعداً هندسياً لا حسابياً فقط، وتوضيح ذلك:
إن (الْأَرْضِ) إذا انخفض المعروض منها، بسبب سيطرة الحكومات عليها ومنعها الناس من حيازتها واستثمارها إلا بقيود وروتين وبيروقراطية، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع قيمتها وغلائها كما سبق، وكما هو مقتضى قانون العرض والطلب البديهي، ولكن الذي نريد طرحه هنا، وقد صرح به عدد من كبار علماء الاقتصاد، هو أنّ حلقات الغلاء المتتالية في (البضائع الطولية) ستتصاعد تصاعداً هندسياً لا حسابياً، وذلك حسب معادلة إجمالها أن ارتفاع (الأجور) يؤثر في غلاء البضائع ويرفعها بنحو التزايد الحسابي (1 ـ 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5...) أي بطريقة الفوائد البسيطة، أما ارتفاع (الأرباح) فإنه يؤثر في غلاء البضائع وارتفاع قيمتها بنحو التزايد الهندسي (1 ـ 2 ـ 4 ـ 8 ـ 16...)، ونقصد بذلك نفس طريقة الفوائد المركبة.
ولنقتطف فقرة من كلام أب الاقتصاد الحديث منذ قرنين ونصف، فإنه حجة عليهم، كما أنه مطابق للقواعد العلمية، قال في ثروة الأمم:
(لكننا في الواقع نرى الأرباح المرتفعة تؤدي إلى رفع سعر العمل أكثر مما تؤدي إليه الأجور المرتفعة. فإذا كانت أجور مختلف العمال في صناعة الكتان على اختلاف أدوارهم من تحضير الخيوط إلى الغزل، والنسيج على سبيل المثال، تدفع لهم مسبقاً بمعدل بنسين في اليوم، فمن الضروري رفع سعر قطعة الكتان بمقدار يعادل عدد الأفراد الذين تقاضوا بنسين في هذا العمل، مضروباً بعدد الأيام التي عملوا فيها. وذلك الجزء من سعر السلعة الذي تحول إلى أجور سيرتفع بنسبة متوالية حسابية عبر المراحل المختلفة للصنع ليصل إلى هذا الارتفاع في الأجور. أما إذا ارتفعت أرباح كل أرباب عمل هؤلاء العاملين بنسبة خمسة بالمائة، فإن ذلك الجزء من سعر السلعة الذي تحول إلى ربح سوف يرتفع عبر المراحل المختلفة للتصنيع بنسبة متوالية هندسية إلى هذا الارتفاع في الربح. وعندما يقوم ربّ عمل العمال العاملين في تهيئة خيوط الكتان ببيع هذه الخيوط فإنه يحتاج إلى إضافة خمسة بالمائة على كامل قيمة المواد والأجور التي دفعها مسبقاً إلى عماله. وربّ عمل العاملين في غزل الخيوط يحتاج إلى إضافة خمسة بالمائة على السعر المدفوع مسبقاً لهذه الخيوط ولأجور عمال الغزل. وربّ عمل العاملين في النسيج سوف يحتاج بالمثل إلى إضافة خمسة بالمائة على السعر المدفوع لغزول الكتان وعلى أجور عمال النسيج.
وعند رفع سعر السلع يعمل ارتفاع الأجور بالطريقة نفسها التي تفعلها الفائدة البسيطة في تراكم الدين، أما ارتفاع الربح فيعمل كما تعمل الفائدة المركبة، لكن تجارنا وأرباب الصناعة لدينا يتذمرون كثيراً من الآثار السيئة لارتفاع الأجور عند رفعهم للسعر، وبذلك تقل مبيعات بضائعهم داخلياً وخارجياً. وهم لا يقولون شيئاً عن الآثار السيئة لارتفاع الأرباح؛ هم صامتون فيما له صلة بالآثار الضارة لأرباحهم. لا يشتكون إلا من أجور أولئك الأشخاص)(20).
كيف ينتج غلاء الأراضي غلاء كل شيء بتصاعد هندسي؟
وتوضيح الفكرة أو القاعدة: (ارتفاع الغلاء بمتوالية هندسية عند ارتفاع نسبة الأرباح، وزيادته بمتوالية حسابية عند زيادة الأجور) مع تطبيقها على (الأرض) في صورتي سلطنة الحكومة عليها وعدمها:
إن الحكومات بمنعها حيازة الناس للمباحات والأراضي الموات، إلا بألف قيد وشرط وروتين وبيروقراطية، وباستيلائها هي على الكثير من الأراضي وتجميدها(21)، فإنها تقلل نسبة المعروض من الأراضي، ومن الثابت أنه كلما قلّ العرض، مع بقاء الطلب على حاله، زاد الغلاء، فإذا فرضنا أن الحكومة قلّلت عرض الأراضي بعدم سماحها للناس ببنائها وزراعتها، ولو كان ذلك تحت ستار قوانين وقيود قد لا يستطيع الناس تلبيتها أو قد يمكنهم تحقيقها ولكن بعد مضي فترة كسنة أو أكثر، فإن الأراضي ترتفع حينئذٍ قيمتها كأية بضاعة إذا قلّ عرضها بشكل مؤقت (خاصة إذا كان لفترة طويلة نسبياً) أو دائم.
فإذا فرضنا أنها منعت حيازة نسبة 5% من الأراضي (وهو حد أدنى بكثير مما تمنعه حالياً الحكومات، لكن القصد إيضاح مبدأ الغلاء المتصاعد تصاعداً هندسياً)، وفرضنا أن خفض المعروض من الأراضي بنسبة 5% سيؤثر على ارتفاع قيمتها بنسبة 5% أيضاً(22) (وفي الواقع الخارجي قد يكون تأثيره أكبر بكثير وقد يكون أقل) فهذا يعني:
أ ـ إن مالك الأرض وليكن اسمه (أ) مثلاً الذي اشتراها بمائة ألف دولار وكان يبيعها بمائة وخمسة آلاف دولار مثلاً أي (بربح معين قدره 5% بالنسبة إلى رأس المال) فإنه سيبيعها الآن بمائة وعشرة آلاف دولار(23)، أي بربح أكبر (من ربحه المعيّن السابق) بنسبة 5%، فهذه هي الحلقة الأولى.
ب ـ ثم إن التاجر (ب) الذي يشتري هذه الأرض (أو يستأجرها بارتفاع قيمة الإجارة 5% فرضاً) ليربي فيها الماشية ليتاجر بصوفها مثلاً (وكذا بلحومها... الخ) فإنه حيث يريد أن يربح 5% (فرضاً) فإن هذه الـ5% سيحمّلها فوق 110 آلاف وليس فوق الـ105 ألف في الحالة العادية، أي إن التاجر (ب) إذا كانت قاعدته أن يربح على كل رأسمال يخصصه للتجارة بمقدار 5% فإن رأسماله الذي خصصه للتجارة واشترى به الأرض هو 110 آلاف فسيبيع الصوف بحيث يغطي الرأسمال الذي صرفه وأنفقه (أي يعوضه) زائداً 5% على الـ110 آلاف (بدل 5% على الـ105 ألف) فهذه هي الحلقة الثانية.
نعم، حيث إن التاجر الذي اشترى الأرض بسعر أغلى، لا يقوم عادة، بتعويض الخسارة، في الدورة والوجبة الأولى من المبيعات، بل يقسمها على عشر دورات متتالية مثلاً(24)، فإن هذا الغلاء يتوزع على عشر دورات (وسلاسل من المبيعات)، مما يعني أن نسبة الغلاء في الدورة الأولى ستكون نصف بالمائة (05%) في مثالنا السابق، فيكون التصاعد محسوباً على أساس نصف بالمائة، ثم تبدأ سلسلة التصاعد الهندسي المذكور في الحلقات اللاحقة، بدءاً من نصف بالمائة، وأما إذا سحب التاجر كامل الخسارة على الوجبة الأولى من المبيعات (في السنة الأولى مثلاً) فسيكون الأمر حسبما ذكرناه من معادلة تضاعف الـ5% والتي بنينا افتراضاتنا عليها، وذلك غير بعيد، إذ أن السوق أحياناً تتحمل إضافة 5% على الأسعار وذلك فيما إذا كان الطلب شديداً والعرض قليلاً، خاصة وأن ارتفاع سعر الأراضي جميعاً يؤثر بشكل عام على أسعار مختلف البضائع لأن أكثرها يعود، بشكل أو بآخر، إلى سعر الأرض، لذلك سيكون مصلحة التجار جميعاً في رفع الأسعار بنسبة كبيرة إلى حد ما.
وهذا كله مع أننا، دفعاً لتوهم الإشكال والأخذ والرد، يمكننا أن نفرض أن التاجر (ب) (استأجر) هذه الأرض (ولم يشترها)، وذلك نظراً لأن قيمة الإيجار حيث كانت سنوية فإن التاجر يضطر حينئذٍ إلى تعويض الخسارة في ضمن السنة نفسها، فإذا كان إنتاجه ومحصوله في السنة دفعة واحدة، كالمحاصيل الزراعية عادة، حمّلها كامل الخسارة وهي 5% وهكذا.
ج ـ ثم إن التاجر (ج) الذي اشترى الصوف من تاجر المواشي وكانت تجارته بأن يحوله إلى خيوط ويربح 5% مثلاً، فإنه سيضيف على سعر بضاعته 5% وذلك على كامل الرأسمال الذي دفعه(25)، (وهو مائة وخمسة آلاف + 5% التي دفعت لمالك الأرض + 5% التي دفعت لتاجر المواشي) فهذه هي الحلقة الثالثة.
د ـ ثم إن التاجر (د) الذي يشتري المغزول لينسجه، يضيف 5% على كامل ما دفعه لبائع المغزول (والمتضمن رأسمال المال الأصلي مع إضافات متتالية بقدر 5% تزداد بزيادة كل حلقة).
وهكذا نجد تاجر الأقمشة.. ثم تاجر الملابس.. يضيف كل منهما 5% على الأصل وعلى الزيادات، وهذا يعني بالنتيجة النهائية أن الثياب والدشاديش مثلاً ارتفعت قيمتها 5% ولكن متوالية متصاعدة هندسياً، فكلما توسطت حلقة زادت الـ5% على الرأسمال السابق وعلى مجموع الزيادات السابقة.
وهكذا فبدل أن تتزايد حسابياً أي 5% + 5% +5% على أصل رأس المال نجد النتيجة هي 5% على الأصل والزيادة السابقة التي هي 5%، ثم 5% على الأصل والزيادة السابقة والزيادة الأسبق.. وهكذا.
وبلغة رياضية تكون المعادلة هكذا: في الحلقة صفر 105 آلاف (قبل الزيادة التي حدثت بعد خفض المعروض من الأراضي)، وفي الحلقة الأولى: 105×1.05، وفي الحلقة الثانية: 105 × 1.05 × 1.05 وفي الحلقة الثالثة: 105 × (1.05)3، وفي الحلقة العاشرة: 105 × (1.05)10 وهكذا وهلم جرا.
وبعبارة أخرى: المبلغ الذي يجب أن يدفعه صاحب المواشي مع افتراض عدم تدخل الدولة في احتكار 5% من الأراضي يكون بهذه الصورة(26):
100 + 100 × 0.05 − −−→ 105000
المبلغ الذي يجب أن يدفعه صاحب المواشي مع افتراض تدخل الدولة في احتكار 5% من الأراضي
(100 + 100 × 0.10) − −−→ 110000
الزيادة التي يدفعها صاحب المواشي (ب) هي 5%
110000 - 105000 = 5000
لكن الزيادة التي يدفعها مشتري الصوف (ج) ليست 5% بل هي:
110000 + 110000 × 0.05 = 115500
105000 + 105000 × 0.05 = 110250
إذن الزيادة التي يدفعها مشتري الصوف (ج) 10.25%
115500 - 110.25 = 5250
الزيادة التي يدفعها مشتري المغزول (د)
115500 × 1.05 = 121.275
110250 × 1.05 = 115.762.5
الزيادة التي يدفعها مشتري المغزول (د) ٧٦٢٥.1٥%
121275 - 115762.5 = 5512.5
على هذا الغرار يمكن محاسبة الزيادة التي يدفعها المستهلك الموجود في الحلقة الرابعة مثلاً وهو مشتري الأقمشة (هـ)
5000 × (1.05) 4 = 6078
الزيادة التي يدفعها المستهلك النهائي الموجود في الحلقة العاشرة هي 63%
5000 × (1.05) 10 = 8145 )
قاعدة الـ70
ومن القواعد العامة الرياضية في الزيادة المركبة هي "قاعدة الـ70" ()ule)f 70) والتي تقول: بأن مقداراً من الزيادة قدرها س في كل حلقة (أو في كل سنة في أرباح الفوائد المركبة) ستتضاعف خلال 70/ س سنة، فإذا كانت الزيادة مثلاً 2% سنوياً فإن المبلغ الكلي سيتضاعف في 35 سنة، وعليه فإذا اقترضت بفائدة مقدارها 7% سنوياً فهذا يعني ان المبلغ الذي عليك دفعه للمقرض بعد عشر سنوات (لو لم تسدد له شيئاً طوال هذه المدة) سوف يتضاعف فإذا كان الذي اقترضته مائة ألف فإن عليك، إذا تحملت فائدة مركبة قدرها 7% سنوياً على أن تسدد له كامل المبلغ مع فوائده بعد عشر سنوات، فإن عليك أن ترجع له مائتي ألف دولار، وبعد عشر سنوات أخرى عليك أن ترجع له اربعمائة ألف وهكذا..
وفي كتاب (الاقتصاد): (ومن القواعد المفيدة ذات العلاقة بالفائدة المركبة "قاعدة الـ70" " )ule)f 70" والتي تنص على أن مقداراً من النمو معدله س في السنة سيتضاعف خلال 70/ س سنة مثلاً، جماعة بشرية تزيد بمعدل 2 بالمائة سنوياً سوف تتصاعد خلال 35 سنة، وبالتالي إذا استثمرت أموالك بفائدة مقدارها 7 بالمائة سنوياً، فإنها سوف تتضاعف كل 10 سنوات).
(وحين تستثمر النقود بشكل متواصل، فإنها تكسب فائدة مركبة، أي أن هناك فائدة تكتسب على الفائدة السابقة. والنقود التي تكتسب بفائدة مركبة تزداد حسب متوالية هندسية.
ومن الحسابات المحيّرة تحديد ما كانت ستؤول إليه قيمة الـ24 دولاراً التي تلقاها الهنود الحمر ثمناً لجزيرة مانهاتن لو أنها أودعت بفائدة مركبة في ذلك الحين وبقيت حتى اليوم. افرض أن هذا المبلغ قد أودع كوقف بفائدة مقدارها 6% سنوياً منذ العام 1624م، فإنه سيساوي 59 بليون دولار في العام 1995م)(27))(28).
المضاعف لقانون الأرض للناس لا للحكومات
وإذا طبّق هذا القانون زاد عرض الأراضي بنسبة كبيرة جداً (لنفرضها ألف بالمائة)(29)، وتكون الأراضي الجديدة (أي الأراضي الموات التي يراد إحياؤها) مجانية، بينما ترخص كافة الأراضي السابقة في المدن والقصبات والأرياف، وسوف يؤثر ذلك على رخص أسعار كافة البضائع الأخرى، فيكون بمقدور الفقير حينئذٍ أن يشتري عدة كيلوات من اللحم بدل كيلو واحد مثلاً، كما يكون بمقدوره شراء عدة كتب بدل كتاب واحد وهكذا..
إضافة إلى ذلك فإنه سوف يجد المزيد والمزيد من الناس فرصاً كثيرة جداً للعمل، وذلك لأن القاعدة العامة هي: كلما كثر الطلب زادت نسبة التوظيف (لتلبية الطلب المتزايد) وقلّت البطالة بنفس النسبة.
توفير فرص عمل للملايين من الناس
وبوجه آخر: فإنه لو فرضنا أن الحكومة طبّقت قانون (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)، فإن الملايين من الناس الذين لا يملكون بيوتاً سوف يُحجّرون أو يحجزون أرضاً لبناء دار أو مزرعة أو متجر أو غير ذلك، فإذا فرضنا أن العراق يحتاج إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية، فلو فرضنا، كحد أدنى، أن مليون عائلة قررت بناء مليون منزل، وأن بناء كل منزل يحتاج ـ فرضاً ـ إلى عمل شخصين لمدة سنة (من حفّار وبنّاء وكهربائي وصباغ وسمكري و...) وفرضنا أن بعضهم يبني بيته بنفسه وأولاده، وبعضهم (من الطبقة المتوسطة) يستأجر عمالاً، وبعضهم يعمل هو ويستأجر عاملاً إلى جواره، وفرضنا أن عدد من يُستأجرون (من عمّال وبنّائين وصبّاغين و...) هو النصف، فهذا يعني توفير فرص عمل لمليون شخص عاطل إضافة إلى ملأ وقت مليون شخص آخر (من ملّاك الأراضي الجديدة) ببناء دار لهم أو مزرعة أو محل! فتصور هذا الحل السهل المذهل لنسبة كبيرة من البطالة!
معدلات البطالة في دول العالم
وليس غريباً أن نعرف بعد ذلك السرّ في عجز أرقى دول العالم عن حل مشكلة البطالة، فلنقرأ الأرقام التالية التي تتحدث عن معدلات البطالة في الدول الإسلامية، وفي الدول الشرقية والغربية، سواء الغنية منها والفقيرة:
دلالات معدلات البطالة في دول العالـم
وفي أحدث إحصاء(31) لمعدلات البطالة في العالم:
وذلك كله لأن دول العالم ـ الإسلامي والغربي والشرقي ـ بنت على أساس غير وثيق، فإن مشكلة البطالة لا يمكن حلها إلا بالعودة إلى النظام الاقتصادي الفطري الإلهي في الأرض وغيرها، مما مضى في الكتاب السابق ومما استعرضناه في هذا الكتاب، ومما سيأتي بإذن الله تعالى في سلسلة البحوث هذه، وحيث أبت الحكومات ذلك ورفضته فإن أكثرها ثراءً وتطوراً في الاقتصاد وقف عاجزاً عن حل مشكلة البطالة، وأصبح غاية فخر علماء اقتصاد أكثر البلاد ثراءً وتطوراً أن يتكيّفوا مع نسبة بطالة منخفضة! أي إنهم استسلموا لوجود البطالة ولم يجدوا لها حلاً أبداً، لذلك فإنهم يعتبرون المحافظة على نسبة بطالة منخفضة كـ3% أو حتى 4% امتيازاً!(32)
والغريب أن كندا تعد من أغنى دول العالم وأكثر الاقتصادات العالمية تطوراً، كما أن عدد نفوسها قليل جداً بالقياس إلى مساحتها وثرواتها، ومع ذلك تعاني من بطالة تقارب الـ6%، وأستراليا كذلك، وأمريكا تعاني مع نسبة بطالة حوالي 4% أو 8% رغم أنه لا توجد في التاريخ دولة أكثر غنى وثراء وفرصاً للعمل منها، فما الذي يكشف عنه ذلك؟ إنه يكشف عن وجود خلل بُنيوي ـ منهجي في النظام الاقتصادي الغربي والشرقي، حيث أعرضوا عن المنهج الإلهي ـ الفطري الذي يتكفل بحل أعقد المشاكل المستعصية بأبسط الوصفات وأقلها تكلفةً)(33).
وقد مرّ بنا في مقدمة الكتاب نفسه: رباعي الشؤم: البطالة، التضخم و...
غاية البحث: أن البشرية كانت ولا زالت تعاني من (الرباعي المشؤوم): الفقر، المرض، البطالة والتضخم(34)، والغريب أن أقوى الدول في العالم اليوم وأكثرها من حيث الأموال ووسائل الإنتاج والثروات (وهي الدول الغربية) لا تزال تعاني شرائح واسعة جداً من شعوبها من الفقر(35)، ومن نسبة بطالة مرتفعة(36)، ومن تضخم متواصل ومتزايد، وقد جمعت الدول الغربية بين متناقضين: الوفرة الكبيرة من جهة، والفقر والتضخم من جهة أخرى، مع أن المفروض أن الوفرة (وزيادة العرض) تقضي على التضخم، وتوفر السبيل إلى توزيع أكثر عدالة للثروة.
وقد وضع الإسلام أفضل الحلول وأنجع البلاسم لحل تلك المعضلات الأربع، والتي تشكل المنهج الصحيح في التعاطي مع عوامل الإنتاج الثمانية، وهي الثلاثة المعروفة مضافاً إليها الخمسة الأخرى.
معضلة البحث: المعضلة التي يواجهها البحث هي وجود بطالة مرتفعة وتضخم كبير وفقر واسع، في كافة دول العالم، حتى الدول المتحضرة منها، على اختلاف في درجات البطالة والتضخم والفقر فيها، مع عجز علماء الاقتصاد عن حل هذه المعضلات إلا بشكل نسبي، من دون توفّر القدرة على القضاء عليها بشكل كامل، رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها الدول الكبرى؛ كما يستبطن الكتاب إشارات إلى معضلة أخرى وهي: أن الاقتصاد عَلِقَ في معادلة التنافر بين حل معضلة البطالة وحل معضلة التضخم: وأنه كلما انخفض معدل البطالة وازداد الطلب على العمالة في فترات الازدهار (والذي تدفع نحوه أيضاً السياسة المالية التوسعية) ازداد التضخم، وكلما زادت البطالة في فترات الركود والهبوط (والذي تدفع نحوه أيضاً السياسة النقدية المتشددة) انخفض التضخم وهي المعادلة التي أشار إليها (منحنى فيليبس).
ويتطرق الكتاب بالتفصيل إلى المعضلة الأولى وتأثير (الأرض للناس لا للحكومات) على حل المشاكل الثلاث (الفقر، التضخم والبطالة) كما يرسل إشارات تمهيدية تلقي الضوء مِن بُعد على حل معضلة التنافر بين حل المعضلتين (البطالة والتضخم)، على أن يأتي تفصيل البحث عن ذلك في الكتب القادمة بإذن الله تعالى.
نطاقه وهيكليته: الكتاب يتحدث حصراً عن (الأرض) كعامل من عوامل الإنتاج، وعن تأثير قانوني (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)(37)، و: (الثروات والمعادن للناس، لا للحكومات) في القضاء على الفقر والبطالة والتضخم، أو على خفضها وتقليص مساحتها إلى أبعد الحدود الممكنة، وذلك عبر السماح للناس كافة بحيازة الأراضي واستثمارها دون تدخّل من الحكومات)(38).
السياسة المالية التوسعية في نصول الإمام، الرقم2:
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأطيبين الأطهرين.
اضف تعليق