اقتناء مودة الناس ومحبتهم للحكام، وهي مرتبطة بالقلب. استجلاب حسن نوايا الناس تجاه المسؤولين، وحسن النية أمر متعلق بالعقل والفكر، كما أنه نتيجة طبيعية للمودة والمحبة. حسن السمعة في الناس وبين الأمم وعلى مدى التاريخ باستفاضة العدل والخير في البلاد والعباد. فبهذا الثلاثي الذهبي تستقر دعائم الحكم...

ومن المهم التأشير على بعض الثمرات والمنافع والنتائج الإيجابية التي تحصل عليها الحكومة من خفض الضرائب، والذي تكرهه الحكومات عادةً لأنه يخفض واردها ويكبّل أيديها، وذلك غفلة عن نتائجها(1) الكبيرة إن لم تكن المذهلة، وذلك بحسب كلامه (عليه السلام): (وَلا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ عَنهُمُ؛ فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ في عِمارَةِ بِلادِكَ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ، مَعَ "اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم و" اسْتِجْلابِكَ حُسنَ نِيّاتِهِم، وَتَبَجُّحِكَ بِاستِفاضَةِ العَدْلِ "والخَيرِ" فيهِمْ، "وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم).

ومفردة (ذُخرٌ) التي تعني إحراز شيء يحفظه(2) عميقة الأغوار، كونها تستبطن دلالات اجتماعية واقتصادية وعمرانية وسياسية مفتاحية، وقد صرّح الإمام (عليه السلام) بعدد من تلك الأبعاد:

أ- في البعد السياسي والاجتماعي

أما البعدان الاجتماعي والسياسي فهما كما قال (عليه السلام): (اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم، و" اسْتِجْلابِكَ حُسنَ نِيّاتِهِم، وَتَبَجُّحِكَ بِاستِفاضَةِ العَدْلِ "والخَيرِ" فيهِمْ)، وبهذا الثلاثي الذهبي:

1ـ اقتناء مودة الناس ومحبتهم للحكام، وهي مرتبطة بالقلب.

2ـ استجلاب حسن نوايا الناس تجاه المسؤولين، وحسن النية أمر متعلق بالعقل والفكر، كما أنه نتيجة طبيعية للمودة والمحبة.

3ـ حسن السمعة في الناس وبين الأمم وعلى مدى التاريخ باستفاضة العدل والخير في البلاد والعباد.

فبهذا الثلاثي الذهبي تستقر دعائم الحكم، ويسود الأمن وتتوفر البيئة الآمنة التي يمكن للبلاد أن تتحرك فيها نحو التنمية البشرية والاقتصادية والمستدامة بخطى ثابتة، وتلك هي النتيجة الطبيعية لتوثق الصلة والعلاقة بين الحكام والمحكومين، ولاستفاضة عدل الحاكم في الناس وعموم خيره لهم.

وبعبارة أخرى: إن هذه الذخيرة تشكّل نوعاً من أهم أنواع رأس المال الاجتماعي، الأساسي والضروري في عملية التنمية بأنواعها، ولذلك أكّد (عليه السلام) ذلك بقوله: (فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيهِمْ مِنْ بَعْد احْتَمَلُوهُ طَيبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ يَحْتَمِلُ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا).

ب ـ في البعد الاقتصادي والعمراني

وأما البُعدان الاقتصادي والعمراني، فاليهما يشير قوله (عليه السلام): (فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ في عِمارَةِ بِلادِكَ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ)، وقوله: (ما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم)، والنص يتضمن البعد الجمالي أيضاً.

وهذا النص يمنحنا قاعدة اقتصادية مهمة، وهي أن خفض الضرائب في فترات الركود الاقتصادي وعند حاجة المزارعين والناس في مثل الحالات المذكورة في كلامه (عليه السلام)(3) يقود إلى عمران البلاد والنهوض بالقطاع الزراعي بأكمله، ومن ثَمّ وبالتبع: القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية؛ لأنه يوفر السيولة الضرورية للملايين أو لمئات الألوف من المزارعين، وذلك يعني، فيما يعني، زيادة الدخل الإجمالي للبلاد الذي يزيد من قدرة المجتمع على الاستثمار في قطاعات الصناعة والسياحة والمعلومة والخدمات، وعلى تطوير القطاع الزراعي وتمويل شتى أنواع التجارات والاستثمارات.

وبعبارة أخرى: إنّ خفض الضرائب والخراج يؤدي إلى ← زيادة في الادخار الوطني، الذي يؤدي إلى ← توفير التمويل للمشاريع العمرانية والصناعية وتوفير الرأسمال اللازم للنهوض بالقطاع الزراعي وغيره، وذلك كله يؤدي إلى ← عمارة الأرض وازدهار الزراعة وتطورها ونموها، والذي يؤدي بدوره مرة أخرى إلى ← المزيد من الادخار الوطني، ثم ← المزيد 

من المقدرة على تمويل الصناعات والتجارات وغيرها.. وهكذا تكون الدورة الاقتصادية إذ تمضي متشكلة من حلقات تنتظم في سلسلة متصاعدة متنامية، عكس ما لو زاد الحاكم الخراج والضرائب على الناس أو لم يخفضه عنهم، فإن المعادلة كلها سوف تنعكس وتبدأ سلسلة متنازلة من التدهور الاقتصادي والركود ثم الكساد العام. 

ج ـ نوع من الاستثمار المستقبلي

وبعد ذلك كله نجد أنه إذا ارتفعت نسبة الذخيرتين والرأسمالين الاجتماعي والاقتصادي كان الناتج لذلك هو ما قاله (عليه السلام): (مَعَ أنَّها عُقَدٌ تَعتَمِدُ عَلَيها، إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم مُعْتَمِداً لِفَضلِ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةِ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ عَلَيهِم، ورِفقِكَ بِهِمْ. فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيهِمْ مِنْ بَعْد احْتَمَلُوهُ طَيبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ. فَإِنَّ الْعُمْرَانَ يَحْتَمِلُ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا)، فذلك إذاً هو نوع من أهم أنواع الاستثمار المستقبلي في رأس المال الاجتماعي.

وفي شرح النهج: (ثم أمره أن يخفف عنهم متى لحقهم شيء من ذلك؛ فإن التخفيف يُصلح أمورهم وهو وإن كان يُدخِل على المال نقصاً في العاجل إلا أنه يقتضي توفير زيادة في الآجل، فهو بمنزلة التجارة التي لا بد فيها من إخراج رأس المال وانتظار عَوْدِهِ وعَوْدِ ربحه.

قال: ومع ذلك فإنه يفضي إلى تزيين بلادك بعمارتها، وإلى أنك تتبجح بين الولاة بإفاضة العدل في رعيتك معتمداً فضل قوتهم، و(معتمداً) منصوب على الحال من الضمير في (خفّفت) الأولى، أي خفّفت عنهم معتمداً بالتخفيف فضل قوتهم. والإجمام الترفيه.

ثم قال له: وربما احتجت فيما بعد إلى تكليفهم بحادث يحدث عندك، المساعدة بمال يقسطونه عليهم قرضاً أو معونة محضة، فإذا كانت لهم ثروة نهضوا بمثل ذلك طيبة قلوبهم به)(4).

 

قواعد اقتصادية في نصوص الإمام

والنص السابق الصادر من الإمام (عليه السلام) يؤشّر على مجموعة من القواعد الاقتصادية التالية(5):

نتائج الاستثمار في الزراعة أو العكس

الأولى: ما سبق من أن الاستثمار في الزراعة وعمران الأرض عبر السياسة المالية التوسعية بالإنفاق على المزارعين، يعود بالمردود الإيجابي على الحكومة نفسها، نتيجة زيادة واردها من الخراج والزكاة حينئذٍ: (فَإِنَّ الْعُمْرَانَ يَحْتَمِلُ مَا حَمَّلْتَهُ)، و: (وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ؛ فَإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً، إِنْ شَاءَ الله).

الثانية: إن النص: (وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا)، يحدد العلاقة بين ظاهرتين اقتصاديتين هما: رأس المال، والنمو والتنمية، ويفيد أنّ فقدان عامة الناس لرأس المال ينتهي إلى تصفير النمو والتنمية وصولاً إلى منحدر خطير ينتهي إلى حد خراب الأرض.

وذلك هو ما توصل إليه ابن خلدون في مقدمته بعد مئات السنين، قال: (إن معظم الجباية إنما هي من الفلاحين والتجار، لاسيما بعد وضع المكوس، ونمو الجباية بها، فإذا انقبض الفلاحون عن الفلاحة، وقعد التجار عن التجارة، ذهب جملة، أو دخلها النقص المتفاحش، وإذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية، وبين الأرباح، وجدها بالنسبة إلى الجباية أقل من القليل، ثم إنه ولو كان مفيداً، فيذهب بحظ عظيم من الجباية، فيما يعانيه من شراء وبيع، فإنه من البعيد أن يوجد فيه من المكس ولو كان غيره في تلك الصفات لكان تكسبها كلها حاصلاً من جهة الجباية، ثم فيه التعريض لأهل عمرانه واختلال الدولة بفسادهم ونقصه، فإن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة والتجارة نقصت وتلاشت بالنفقات، وكان فيها إتلاف أحوالهم)(6).

وقال بعض الباحثين: (عندما يتم متابعة أمر الخراج، ولكن ليس بما يصلح أهله، وإنما بما يهبط عزيمة أهله على الاستمرار في الإنتاج، أو في زيادته، فإن هذا التأثير السلبي لا ينحصر في طبقة أهل الخراج (المنتجين)، بل يمتد إلى الطبقات الاجتماعية الأخرى، حيث تقلّ التحويلات النقدية والعينية المقدمة لهم، وتقلّ النفقات العامة، ومن ثم الخدمات العامة، وهكذا تنخفض معدلات إعمار الأرض، على المدى الطويل، على الرغم من زيادة مقدار الخراج في المدى القصير، وذلك لأن ارتفاع نسبة الخراج إلى حجم الإنتاج، أي المبالغة في تحصيل مقادير الخراج، بدون النظر إلى كل من تكاليف الإنتاج، أو المقدرة الإنتاجية للأرض، أو أوقات جني الإنتاج، أو المخاطر التي يتعرض لها الإنتاج الزراعي من ظروف جوية قاسية أو الأمراض وغيرها من العوامل التي تؤثر على الإنتاج الزراعي، فإن عدم مراعاة هذه الظروف وغيرها، والتأكيد فقط على الخراج، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض الإنتاج، والذي سيقود إلى انخفاض الاستخدام، ثم انخفاض الدخول، أي تضرر جميع طبقات المجتمع بما فيها طبقة أهل الخراج، والسبب في ذلك يعود إلى الآتي(7):

1 ـ انخفاض الحافز والرغبة لدى المكلفين المنتجين، الذي سيترتب عليه انخفاض جهودهم وإنتاجهم.

2 ـ تأثر أخلاق المكلفين، إذ يحاول بعض المكلفين التهرب من دفع مقادير الخراج كلياً أو جزئياً بطرق غير مشروعة، عن طريق الغش والاحتيال.

3 ـ انتشار الرشوة وانحراف بعض الجباة، بسبب قوة التأثير التي يقوم بها المكلفين تجاه الجباة، وهذا يؤدي إلى المحاباة وعدم العدالة.

4ـ انتقال بعض عناصر الإنتاج من القطاع الزراعي إلى القطاع الأخرى، وهذا يؤدي إلى نقص عرض السلع الزراعية، ثم ارتفاع أسعارها، وتزعزع الأمن الغذائي.

5ـ تأثر الكثير من الصناعات، التي ترتبط مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالقطاع الزراعي، كالصناعات الغذائية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

6ـ هجرة العديد من المستثمرين والعاملين إلى خارج حدود البلاد، بحثاً عن فرص استثمار أحسن)(8).

الثالثة: إن النص (فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ في عِمارَةِ بِلادِكَ)، يفيد فيما يفيد أن (تكثيف رأس المال الاجتماعي) هو أحد مفاتيح عمران الأرض وزيادة الإنتاج، كما أن (تكثيف رأس المال الاقتصادي) يقود إلى زيادة الإنتاجية، إذ أن رأس المال كلما ازداد كثافةً بالنسبة إلى الأيدي العاملة زاد الإنتاج كما زادت الإنتاجية.

الرابعة: ومما قد يُستنبط أيضاً: أن الادخار، بما يشمل الادخار الاعتباري والمعنوي، كلما ازداد زاد الإعمار والاستثمار حسب القاعدة الاقتصادية المعروفة، ولكن الأصح هو: (كلما زادت القدرة على الإدخار زادت القدرة على الإعمار والاستثمار)؛ إذ أن مفهوم الرواية، شبه الصريح، أن عمران الأرض مرتهن، فيما هو مرتهن به، بغنى أهلها، فإنه إذا كان (خراب الأرض يؤتى من إعواز أهلها) فإن (عمران الأرض يؤتى من غنى أهلها)(9).

تباطؤ التنمية نتيجة استئثار الولاة

الخامسة: إن تباطؤ التنمية وفشل الاقتصاد وانتشار ظاهرة الفقر يعود بالأساس إلى (إِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ)، الذي يتمصدق تارةً في زيادة الخراج والضرائب بأنواعها، وأخرى في خفض الإنفاق، وبذلك يحمِّل الإمام (عليه السلام) الحكومات المسؤولية الكبرى عن الفقر والعِوَز وذلك كله صريح قوله (عليه السلام): (وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ).

وقال ابن خلدون: (إن الدولة هي السوق الأعظم للعالم، ومنها مادة العمران، فإذا احتجن السلطان الأموال والجبايات، أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها، قلّ حينئذٍ ما بأيدي الحاشية والحامية، وانقطع أيضاً ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم، وقلّت نفقاتهم جملة، وهو معظم السواد، ونفقاته أكثر مادة للأسواق ممن سواهم، فيقع الكساد حينئذٍ في الأسواق، وتضعف الأرباح في المتاجر، فيقل الخراج لذلك، لأن الخراج والجباية إنما تكون في الاعتماد والمعاملات، وإنفاق الأسواق وطلب الناس للفوائد والأرباح، ووبال ذلك عائد على الدولة بالنقص، لقلة أموال السلطان حينئذٍ بقلة الخراج، فالمال إنما هو متردد بين الرعية والسلطان منهم إليه ومنه إليهم، فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية، سنة الله في عباده)(10).

وأما قوله (عليه السلام): (وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ)، فإنه يحتمل أن يراد به أن الحكومات والولاة حيث يخشون أن تدور عليهم الدوائر وأن يفقدوا مواقعهم ومناصبهم، لما يعرفونه من كراهية الناس لهم لاستبدادهم وظلمهم وعدم كفاءتهم، أو لأي سبب آخر، لذلك تجدهم يسارعون إلى نهب ثروات الشعب عبر آليات مختلفة، منها زيادة الضرائب والسرقات المقنّعة وخفض الإنفاق (مما هو بالأساس ملك للناس). ولكنهم يغفلون أو يتغافلون عن أن المعادلة هي على العكس تماماً، لأن ذلك هو الذي يسرّع في سقوطهم، إذ يتراكم بذلك غضب الشعب ضدهم حتى يبلغ مرحلة الانفجار، وهذا يعني فيما يعني: (قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَر)، إذ أن مصير كل حاكم مستبد هو الزوال مصحوباً بالعار والشنار.

وقاعدة سياسية ـ اجتماعيـة

ويعطينا الإمام (عليه السلام) القاعدة العامة في كلا طرفي المعادلة، إذ يقول (عليه السلام): (وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَعْرِفَ عَوَاقِبَ الْإِحْسَانِ وَالْإِسَاءَةِ، وَضَيَاعَ الْعُقُولِ بَيْنَ ذَلِكَ، فَانْظُرْ فِي أُمُورِ مَنْ مَضَى مِنْ صَالِحِي الْوُلَاةِ وَشِرَارِهِمْ:

فَهَلْ تَجِدُ مِنْهُمْ أَحَداً مِمَّنْ ‌حَسُنَتْ فِي النَّاسِ سِيرَتُهُ، وَخَفَّتْ عَلَيْهِمْ مَئُونَتُهُ، وَسَخَتْ بِإِعْطَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ، أَضَرَّ بِهِ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ مُلْكِهِ، أَوْ فِي لَذَّاتِ بَدَنِهِ، أَوْ فِي حُسْنِ ذِكْرِهِ فِي النَّاسِ؟

أَوْ هَلْ تَجِدُ أَحَداً مِمَّنْ سَاءَتْ فِي النَّاسِ سِيرَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ مَئُونَتُهُ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْعِزِّ فِي مُلْكِهِ مِثْلُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ بِهِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؟

فَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَا تَجْمَعُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَا تَجْمَعُ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَتَعْمَلُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؛ فَإِنَّ الْمُحْسِنَ مُعَانٌ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ)(11).

* مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

.................................................

(1) نتائج خفض الضريبة.

(2) معجم مقاييس اللغة: مادة (ذخر).

(3) (فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ).

(4) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، مكتبة المرعشي: ج17 ص72 ـ 73.

(5) التي تتوزع بين ما أشرنا إليه وما لم نشر إليه.

(6) ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، دار الفكر ـ بيروت: ج1 ص348.

(7) توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، مطبعة أسعد، بغداد، 1962م: ص212.

(8) د. رضا صاحب أبو حمد، السياسة المالية في عهد الإمام علي (عليه السلام)، مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي ـ النجف الأشرف: ص93 ـ94.

(9) وهو المسمى بمفهوم المخالفة.

(10) ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: حجر عاصي، مكتبة الهلال ـ بيروت، 1983م: ص239.

(11) نعمان بن محمد التميمي المغربي، دعائم الإسلام، دار المعارف ـ مصر: ج1 ص363.

اضف تعليق