q
اقتصاد - تنمية

الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه لغرض المحافظة عليها

المحور الرابع: قطاع الزراعة والري والمياه والثروة الحيوانية

10068
أصبح موضوع الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه يحظى باهتمام العديد من الدول العربية وخاصة الواقعة في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا نتيجة لمساهمته الفعالة في إيقاف الاستنزاف المستمر للخزانات الجوفية الطبيعية ومنع التبخر من المياه السطحية ومحاولة لتطوير الزراعة والحد من هدر مياه السيول الموسمية والحفاظ...
ورقة دراسة موجزة: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا

 

مدخل

يزداد الاهتمام بوضع المياه في العراق نظرا لشحتها والحاجة الماسة لها في مختلف مجالات التنمية الزراعية والصناعية والصحية والبيئية. وتعتبر إدارة مياه الأمطار عن طريق ما يعرف بحصاد المياه من الوسائل التي يمكن استعمالها لاستثمار مياه الأمطار والاستفادة منها والمحافظة عليها من التبخر والضياع والتلوث وخاصة في المناطق التي تعاني من شحة المياه.

ويعتبر الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه إحدى وسائل حصاد مياه الأمطار والسيول وخاصة في المناطق الجافة والشديدة الحرارة لغرض توفير جزء من متطلبات الأمن المائي حيث يمكن اعتبارها إحدى وسائل إدارة الموارد المائية عن طريق خزنها في باطن الأرض والحصول عليها مجددا عندما تكون هنالك حاجة ملحة لذلك.

وأصبح موضوع الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه يحظى باهتمام العديد من الدول العربية وخاصة الواقعة في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا نتيجة لمساهمته الفعالة في إيقاف الاستنزاف المستمر للخزانات الجوفية الطبيعية ومنع التبخر من المياه السطحية ومحاولة لتطوير الزراعة والحد من هدر مياه السيول الموسمية والحفاظ على مخزون استراتيجي من المياه للحالات الطارئة. وقامت بعض الدول العربية (تونس، المغرب، الإمارات، السعودية، سلطنة عمان،... ) والأجنبية (أمريكا، استراليا،.... ) بتطبيق تقنيات التغذية الاصطناعية للمياه وذلك بعد إجراء تجارب ودراسات مكثفة وما زال العراق بعيدا عن الاهتمام بتطبيق هذه التقنية رغم مميزاتها وفوائدها العديدة في الخزن والحفاظ على المياه من التبخر والتلوث ورغم الظروف المناخية الشديدة الحرارة في العراق.

الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه

يتم عادة تغذية المياه الجوفية طبيعياً من مياه الأمطار والمياه السطحية وعن طريق الرشح. وبالمقارنة بهذه التغذية الطبيعية، فإن التغذية الاصطناعية للأحواض الجوفية تعرف بأنها تخزين المياه تحت سطح الأرض في طبقة حاملة للمياه أو في خزانات أرضية تعمل لهذا الغرض وذلك بواسطة العديد من الطرق التي تشمل خنادق الترشيح وطريقة الحفر وأحواض التسريب أو الترشيح وآبار الحقن والتغذية ونشر المياه. إن الكلف الاستثمارية تختلف من طريقة لأخرى اختلافا كبيرا ولكن في مجملها هي اقل كلفة من إنشاء السدود أو القيام بمعالجة المياه.

إن الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه هي تقنية شبيهه بما كان يعرف سابقا في بعض الدول بالبرك الرومانية غير أن الخزانات الاصطناعية هي أكبر حجما وسعة مع استعمال وسائل الخزن والسحب والمراقبة الحديثة. والبرك الرومانية أو الصهاريج تتألف عادة من أحواض ترابية يتم حفرها في الأراضي في مناطق قليلة الانحدار تستقبل مياه الجريان القادمة إما من الوديان أو من منطقة تجمع مائي كبير ويتم بناؤها عادة بعمل جدران حجرية وتتراوح طاقتها الاستيعابية ما بين (10-500) متر مكعب ويتم فيها تخزين المياه ليتم استهلاكها من قبل الإنسان والحيوان.

ودائماً ما يتم حفر هذه الخزانات تحت سطح الأرض في تربة تكون في معظم الحالات كتيمة أو يتم معالجتها لتصبح كتيمة. وتعتبر الآبار الرومانية في بادية حلب من أهم الوسائل المتبعة في عملية حصاد المياه منذ العصور القديمة حتى الآن حيث تم حفرها بمواقع تعترض مجرى سيول الأمطار وبأعماق مختلفة وذلك بحسب كمية المياه المتوقع الحصول عليها في كل موقع وحسب طبيعة التربة في المنطقة المراد الحفر فيها إضافة إلى دور ومهارة الأيدي العاملة.

إن من أكبر المعوقات التي تواجه التوسع في التغذية الاصطناعية للأحواض الجوفية هو توفير المياه اللازمة للشحن (مياه الأمطار أو المياه السطحية) ومن الممكن استعمال بدائل أخرى كالمياه المحلاة او مياه الصرف الصحي المعالجة. وتستخدم المياه المحلاة الفائضة عن الاستخدام المدني في دول الخليج العربي خلال أشهر الشتاء في التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية. وذكرت هيئة البيئة في أبو ظبي إلى ان تقنية الخزن الجوفي للمياه المحلاة أثبتت كفاءتها مقارنة بالخزن السطحي نظرا إلى ان تخزين كميات هائلة من المياه في خزانات سطحية له محاذير أمنية وصحية واقتصادية مقارنة بتخزينها في خزانات المياه الجوفية.

ومن الممكن الإشارة إلى الخطوط العامة لطرق الخزن الاصطناعي للمياه وهي:

- شحن المياه السطحية (مياه الأنهار أو المياه المحلاة أو المعالجة أو مياه الأمطار والفيضانات) في باطن الأرض بواسطة إحدى الطرق المذكورة أعلاه.

- إقامة سدود وحواجز في مجاري الوديان ثم تحويل المياه المتجمعة عبر قناة إلى مناطق منخفضة مجاورة ومعروف مسبقاً بخصائصها الجيولوجية المناسبة التي تسمح بتغذية الطبقات المائية فيها.

- إقامة سدود لنشر المياه في المناطق الرسوبية الفيضية بهدف تحسين نسبة الرطوبة وتغذية طبقات المياه الجوفية.

- تحويل جزء من مياه السيول إلى خزانات صناعية موزعة في مناطق بها طبقة مائية وذلك بهدف تخزين مياه السيول مؤقتاً.

- تحويل جزء من مياه السيول إلى الطبقة المائية الجوفية مباشرة.

مزايا الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه

إن خزن المياه تحت سطح الأرض ضمن الطبقات الجيولوجية أو في خزانات يتم حفرها وتبطينها لهذا الغرض له العديد من المزايا والفوائد مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى السطحية لخزن المياه كسدود حصاد المياه حيث يساهم الخزن الجوفي في:

- تكوين خزين استراتيجي من المياه لسد الاحتياجات الضرورية في حالات الطوارئ والشحة والأزمات والكوارث الطبيعية.

- التقليل من عملية التبخر وخاصة في المناطق الجافة أو شبه الجافة ذات الحرارة العالية والتبخر العالي.

- خزن المياه السطحية الزائدة عن الحاجة وخاصة مياه الفيضانات الناتجة في مواسم الأمطار كما يمكن استعمالها لخزن المياه المحلاة والمياه المعالجة.

- الحفاظ على نوعية المياه المخزونة من التلوث لفترات طويلة.

- المرونة الزمانية والمكانية بحيث يمكن التخزين في أي وقت والاحتفاظ بالمياه المخزونة لفترات طويلة تصل لعشرات السنين.

- توفير مساحات كبيرة من الأراضي مقارنة بالبدائل الأخرى لخزن المياه.

- تساهم في الاستقرار الاجتماعي في المناطق الجافة وشبه الجافة وتحسين ظروف المعيشة فيها.

نشير إلى إن التضاريس الأرضية هي عامل غير محدد لهذه التقنية كما هو الحال في حالة السدود حيث يمكن عمل الخزن الجوفي الاصطناعي في الأراضي المستوية.

أهمية الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه في العراق

- يعاني الأمن المائي العراقي حاليا من مشكلتين أساسيتين هما قلة كمية الأمطار الساقطة وانخفاض كمية المياه السطحية الواصلة إليه عن طريق الأنهار المشتركة مع دول الجوار من جهة والظروف المناخية الصعبة المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة التبخر من المصادر المائية السطحية من جهة أخرى.

- يفقد العراق سنويا ما يعادل (8،5) مليار متر مكعب من المياه السطحية من الأنهار والبحيرات والخزانات عن طريق التبخر من مجموع (50) مليار متر مكعب من المياه السطحية الواردة إليه (المعدل السنوي لكمية المياه المتوفرة للفترة من عام 2000 - 2013) أي أن هنالك فقد للمياه السطحية عن طريق التبخر يبلغ (17%) من الكمية الكلية.

- حدوث حالات من الفيضانات الموسمية الناتجة عن سقوط الأمطار في بعض المناطق وخاصة في الجهة الشرقية من العراق والتي تؤدي إلى عدم الاستفادة القصوى من المياه وفي بعض الأحيان إلى حدوث أضرار مهمة.

- إن مشكلة الفقد الكبير للمياه السطحية عن طريق التبخر، كما في اغلب مناطق العراق وخاصة المناطق الوسطى والجنوبية، يدعوا إلى الأخذ بالتقنيات الحديثة والتفكير بحلول تساعد في التقليل من ظاهرة تبخر المياه المخزونة وإلى خزن قسم من مياه الفيضانات الموسمية لبعض المناطق والاحتفاظ بخزين مائي يستفاد منه في حالات الشحة والضرورة وهذا ما توفره تقنية الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه.

المطلوب

دخلت تقنية الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه وإمكانية إعادة استعمال المياه المخزونة فيما بعد حيز التنفيذ في العديد من الدول العربية والأجنبية. وينبغي للعراق، بعد إجراء الدراسات والبحوث اللازمة لتطبيق وتطوير تقنيات الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه بما يتلائم مع الظروف المحلية، الاستفادة من هذه التقنية لغرض خزن المياه ومنها مياه الانهار او المياه المحلاة أو مياه الفيضانات التي تحدث سنويا في بعض المناطق ومنع تبخرها وضياعها نتيجة الظروف المناخية غير الملائمة كارتفاع درجات الحرارة وشدة التبخر والاستفادة من المياه المخزونة في معالجة شحة المياه وبالخصوص في بعض مناطق وسط وجنوب العراق.

..................................
* تدعو الأمانة العامة للهيئة الاستشارية العراقية للإعمار والتطوير (ICADP)، التي تأسست عام 2010، الأخوات والإخوة الزملاء الأعزاء من الأكاديميين والخبراء العراقيين المختصين في مختلف المجالات والميادين العلمية والثقافية من داخل العراق وخارجه، لتقديم رؤيتهم لإصلاح الوضع في العراق، من خلال: تقييم تجربة الحكم والعملية السياسية وإدارة الدولة ما بعد عام 2003 وإيجاد الحلول الناجعة لإخفاقاتها، عِبرَ مشاركتهم بدراساتهم ومقترحاتهم العلمية كلٌ حسب اختصاصه، وتقييمها بالشكل التالي:
أولاً ـــ تحديد المشاكل والمعوقات فيما يتعلق بالموضوع الذي يتم إختياره.
ثانياً ـــ تقديم الحلول والمقترحات العلمية الواقعية لها دون الخوض في تفاصيلها.
وإرسالها عن طريق البريد الالكتروني: E- mail: [email protected]
د. رؤوف محمّد علي الأنصاري/الأمين العام

اضف تعليق