تعد المياه أحد الموارد المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها أبدا، خصوصاً في الوقت الحاضر، حين أخذت الأصوات تتعالى بوجود شحة في المياه على المستوى العالمي فضلاً عن المستوى الإقليمي والمحلي.
المشكلة والموارد الاقتصادية في ضوء علم الاقتصاد
وبصرف النظر عن النظرة المذهبية، وإن كانت هي الصواب في نظرتها للمشكلة الاقتصادية، حيث ترى ان الموارد لا تتسم بالندرة وإنما سوء إدارتها هو الذي يسبب الندرة، ولكن في المحصلة هناك مشكلة اقتصادية، سواء سوء الإدارة او نقص الموارد، لا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجتها. ترى الأمم المتحدة إن ندرة المياه تعني ندرة في توافر المياه بسبب النقص المادي، أو ندرة في الوصول إليها بسبب فشل المؤسسات لضمان إمدادات منتظمة أو بسبب عدم وجود البنية التحتية الكافية.
وفي ضوء علم الاقتصاد، تحدد الموارد على إنها اقتصادية، بناءاً على أمرين هما الندرة، أي ندرة ذلك المورد، والإشباع(المنفعة) الذي يتحقق عند استعمال ذلك المورد، ولابد ان يتحقق كلا الأمرين في ذلك المورد حتى يعد مورداً اقتصادياً، فعلى سبيل المثال يعد الهواء رغم أهميته الكبيرة في الحياة البشرية، وإشباعه لحاجة الإنسان، إلا أنه لم يعد مورداً اقتصادياً لأنه غير نادر، حتى وان كان مشبعاً للحاجة البشرية، وذلك لغياب الكلف اللازمة لإنتاجه.
هل المياه مورد اقتصادي؟
وعندما نُخضع المياه لهذين الأمرين سنجد المياه كانت في السابق متوفرة إلى حد كبيرة ولا وجود لكلام حول ندرته، فلم يكن مورداً اقتصادياً كما هو الحال في الوقت الحاضر حين أصبح يتسم بالندرة، وأخذت الدراسات والإحصاءات والتقارير والبحوث خصوصاً الاقتصادية تتنبأ بحصول أزمات مستقبلية في المياه على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي.
بعض الأرقام والمعلومات عن قطاع المياه
- على المستوى العالمي
تشير الأمم المتحدة عبر منظماتها وبرامجها ان هناك مشكلة مياه لابد من معالجتها للقضاء على الكثير من المشاكل المرتبطة بالمياه سواء من حيث الأمن الغذائي او الأمراض التي تسببها والمياه وغيرها. فلولا وجود ندرة في المياه لماذا تضع الأمم المتحدة على موقعها، ضمن أهداف التنمية المستدامة هدفاً خاصاً بالمياه وخدمات الصرف الصحي، وهو الهدف السادس من الـ17 هدفاً، وتصرح بان 5000 طفل في المتوسط يموتون يومياً نتيجة لأمراض مرتبطة بالمياه والصرف الصحي يمكن الوقاية منها.
كما وان الأمم المتحدة وعلى موقعها ضمن قضايا عالمية - فقرة المياه، ترى بأن ندرة المياه تؤثر على أكثر من 40% من سكان العالم، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة. وتشير التقديرات إلى ان 783 مليون شخص لا يحصلون على مياه نظيفة، وإن أكثر من 1.7 مليار شخص يعيشون حالياً في أحواض الأنهار حيث إعادة التعبئة، هذا على المستوى العالمي.
- على المستوى المحلي
أما على المستوى المحلي، فقد ذكر وزير الموارد المائية في تاريخ 23/7/2017 ضمن جلسة النواب العراقي السابعة، عدة نسب ومعلومات مهمة بخصوص أزمة المياه، حيث ذكر" أن 70% من الموارد المائية تأتي من خارج العراق"، وأوضح أيضاً " ان عدم التنسيق مع دول الجوار يسبب خلل كبير جداً في إدارتنا للمياه رغم إحساسنا بحجم المشكلة"، كما وذكر " نحن الآن في بداية شحة المياه حتى نعرف حجم هذه المشكلة، بالإضافة إلى انعدام التنسيق او غياب الاتفاقات طويلة الأمد بين بلدنا وبلدان الجوار، بالإضافة إلا التغيرات المناخية التي لا نحتاج إلى إثباتها، أيضاً زيادة الطلب نتيجة للتنمية والاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان(الجوار)، المشكلة ستتضاعف كثيراً "
ويقول "فقدنا من 30-40% من إيراداتنا المائية من حوض الفرات، وسنفقد من 40-50% من إيراداتنا المائية القادمة من تركيا في حوض دجلة، أيضاً فقدنا من إيراداتنا المائية التي تأتي من إيران نسبة كبيرة جداً".
تسعير قطاع المياه
فنلاحظ اغلب المعطيات تشير إلى وجود أزمة في المياه وستتفاقم في المستقبل على المستوى العالمي والمحلي، ما لم تتخذ الإجراءات والأساليب الكفيلة بمعالجتها من قبل الجهات المعنية، وإحدى تلك الإجراءات التي تؤدي عند استخدامها إلى زيادة كفاءة استخدام الموارد المائية والحد من مشكلة المياه، هي التسعير لقطاع المياه على ضوء فرض الضرائب، لتجنب مسألة التبذير والهدر فيها سواء على المستوى الخدمي أو الإنتاجي.
فمثلاً عندما يروم المشرع المالي إلى فرض ضرائب على الأفراد سوف يقوم بأخذ الظروف الشخصية والعائلية بعين الاعتبار فيعمل على تكوين شرائح لدخول الأفراد، فيقرر أن الشريحة الأولى تكون معفية من الضرائب، لضرورة استمرار الحياة، ولكن ستخضع الشرائح الأخرى التي تتجاوز الشريحة الأولى، إلى فرض الضرائب.
تسعير المياه مع إعفاء الحد الأدنى
وعلى هذا الضوء يكون تسعير قطاه المياه، فبعد تشكيل لجنة مختصة لدراسة ومعرفة متوسط الحد الأدنى من عدد لترات المياه اللازم لإدامة الحياة، والذي بدون ستتعرض حياة الإنسان إلى الموت، وكذا الحال بالنسبة للنشاط الإنتاجي، والذي لا بد أن يعتمد على آليات الري الحديثة، وبعد معرفة متوسط الحد الأدنى من عدد لترات المياه اللازم للفرد او للنشاط الإنتاجي، سيتم اتخاذ قرار بإعفاء هذه الحد من عدد لترات المياه من الضرائب أو الرسوم، وتفرض على ما زاد عن ذلك الحد، إذ ان فرض الضرائب على ما زاد عن متوسط الحد الأدنى، سيؤدي إلى زيادة كفاءة استخدام المياه وترشيدها، لان الفرد والمنتج حين يشعر ان تجاوز هذا الحد من عدد لترات المياه، سيؤدي إلى انخفاض دخله بفعل الضرائب المفروضة على المياه، وهذا ما لا يرغبه إنسان.
تكاليف عدم التسعير
أما في حال لم تفرض الضرائب حين يتجاوز الحد المُعفى، من الضرائب سيؤدي إلى مزيد من الإهمال بل وسوء استخدام المياه وهدرها بشكل عبثي، وهذا ما يزيد من مشكلة ندرة المياه، وتعميق كل المشاكل المرتبطة بهذا المشكلة وخصوصاً الأمن الغذائي، فضلاً عن الأمراض التي تصيب الإنسان عندما تتفاقم مشكلة المياه، لأنه بالتأكيد ان نقص المياه يدفع بالفرد إلى استعمال المياه غير النظيفة، وهذا ما يزيد من التكاليف المادية والمعنوية على المستوى الشخصي والوطني.
وما يؤكد على زيادة استهلاك المياه في العراق وعدم الكفاءة في استخدامه (تبذيره)، ما ذكرته جريدة الصباح عن النائب محمود رضا أمين حين اعد بحثاً مستفيضاً عن أزمة المياه في العراق وقدمه إلى مجلس النواب "تم تسجيل زيادة ملحوظة في استهلاك الفرد العراقي إلى 350 لترا من الماء يومياً بينما يحتاج إلى 125 لتراً في حين يبلغ استهلاك المواطن في الدول المتقدمة ما بين 125 إلى 200 لترا"
نعم ما يفرض جباية على قطاع المياه بشكل عشوائي ليس منطقياً ولا اقتصادياً ولا يتضمن مبدأ العدالة ما بين أفراد المجتمع في تحمل الواجبات مقابل الحقوق، فالجميع يتم التعامل معهم على مستوى معين.
ولذا، فتجنب تبذير المياه ومعالجتها في العالم أو العراق، مع تجنب كل المشاكل التي ترافقها، تكمن في تسعير قطاع المياه مع إعفاء الحد الأدنى اللازم للحياة.
اضف تعليق