للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج، وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. ولا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج، رضى كاملاً لا إكراه فيه، هذا ما نصت عليه المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
والزواج لغةً: هو الارتباط والاقتران، ويعني الاقتران بين شيئين، وارتباطهما معاً بعد أن كانا منفصلين عن بعضهما، وقد شاع استخدامه للتعبير عن الارتباط بين الرجل والمرأة بهدف الاستقرار، وإنشاء المنزل، والأسرة. والزواج اصطلاحاً: هو اتفاق بين الرجل والمرأة على الارتباط بهدف إنشاء الأسرة، ويعود الزواج بفائدة حفظ النوع البشري.
هذا الارتباط والاقتران الهادف إلى تأسيس أسرة، يفرض حقوقا وواجبات على الزوجين معا، ينبغي الإيمان والعمل بهما مازال الزواج قائما، لان الحقوق والواجبات الزوجية المتبادلة هي أساس تطور العلاقة المشتركة واستمرارها، ودونهما أو دون أحدهما لا يمكن تصور بقاء العلقة الزوجية أو يمكن أن نتصور بقاءها ولكنها تظل مشلولة لا تقدر على المواصلة والاستمرار، وفي النهاية لابد من اللجوء إلى الانفصال أو ما يًعرف بـ "الطلاق" وهو آفة من الآفات الاجتماعية الآخذة بالزيادة المطردة في العديد من المجتمعات لا سيما العراق.
فقد أعلنت السلطة القضائية الاتحادية، ان الطلاق بين الزوجين في العراق وصل إلى أعلى معدلاته هذا العام الحالي، حيث أظهرت إحصاءات رسمية تسجيل نحو 6 آلاف حالة خلال شهر واحد. وبحسب إحصائية رسمية للقضاء فان "محاكم العراق كافة سجلت خلال شهر واحد 5926 طلاقاً بمعدل 198 حالة في اليوم الواحد، ووضعت الإحصائية بغداد بجانبي الكرخ والرصافة في المرتبة الأولى مقارنة ببقية المحافظات من خلال تسجيل محاكم العاصمة 2719 حالة خلال المدة ذاتها".
ليس هناك إحصاءات تحدد الأسباب الرئيسة للطلاق بين الأزواج، وما يقال عن وجود أسباب مثل الفقر والبطالة والأمية؛ والزواج المبكر والسكن المشترك؛ والخيانة الزوجية؛ وضعف القانون وتساهل المحاكم، كلها أسباب لا تصلح لتبرير تزايد حالات الطلاق بين الأزواج في العراق، وإن كان بعضها يمثل جزء من أسباب بروز تلك المشكلة.
فالفقر والبطالة والأمية، هي عوامل تاريخية كانت ومازالت ترافق الأسرة العراقية منذ أمد بعيد، ومع ذلك هي لم تكن يوما ما دافعا أساسيا لحالات الطلاق، فضلا عن أن نسبة الفقر قلت؛ والبطالة تراجعت؛ والأمية اضمحلت إلى حد ما، مقارنة بالسنوات السابقة.
والزواج المبكر لم يكن يوما ما سببا جوهريا من أسباب الطلاق، بل كان دوما عاملا مؤثرا في الحد من الانحراف الخلقي والجنسي لدى الشباب، وساعد على الاستقرار النفسي والمجتمعي؛ لان الأزواج الصغار يعيشون عادة في كنف أسرة الزوج وتحت أنظار أسرة الزوجة، ويحصل الزوجان على حاجتهما من الطعام والملبس والمال والسكن، بل التربية والتعليم من عائلتيهما الكبيرتين، وهما موضع احترام وتقدير دائمين.
أما القول إن ضعف القانون وإجراءات المحاكم هما من أسباب الطلاق، هو تبرير لا يمكن الركون إليه؛ فمع أن القوانين كانت ضعيفة والمحاكم تكاد أن تكون مغيبة في حالات الزواج والطلاق معا، إلا أن نسبة الطلاق كانت متدنية إلى حد كبير، بل تكاد أن تنعدم في العديد من المناطق التي تحكمها العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تعد الزواج مقدسا والطلاق شبه محرم!
كما أن القول إن الطلاق تضاعف بسبب ضعف الوازع الديني والتحلل من القيم والمبادئ والأعراف هو السبب الأهم وراء حالات الطلاق، ليس قولا صحيحا؛ فالمعرفة الدينية تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بين الشباب، بسبب أجواء الحرية والحرية الدينية والإعلام الديني والمدارس الدينية والمراسم الدينية، ناهيك أن المفاهيم الدينية والقيم أدرجت في الكتب المدرسية، وهي تدرس في المراحل الدراسية كافة، ويعرف الشباب عن الدين ويعقل أكثر مما كان يعرفه ويعقله الآخرون في الأزمنة السابقة. ربما يكون الأمر معكوسا؛ فهناك من يعتقد أن الهرولة وراء "التدين" المجتمعي المجتز كالذي تبثه وسائل الإعلام الديني الفئوي والمتطرف، لأسباب سياسية ومذهبية قد ساهم في انجراف الشباب وساعد على بروز ظاهرة الإرهاب العالمي كتلك التي تنتشر في أوساط الشباب المسلم اليوم.
بناء على هذا، فإذا لم تكن تلك العوامل المذكورة أسبابا حقيقية وراء انتشار ظاهرة الطلاق في العراق، فما هي الأسباب الحقيقية؟
في الواقع، أن انفصال الزوجين لا يرجع إلى الفقر ولا البطالة ولا الأمية ولا إلى الزواج المبكر ولا إلى اضمحلال القيم والمبادئ والدين، وإن كانت تلك العوامل تحرك الزوجين نحو الطلاق، بل يرجع الطلاق بين الزوجين أساسا إلى مشكلة تغيير المفاهيم الزوجية وتعسف تطبيقاتها في هذه المرحلة الزمنية من عمر البشرية. وبغض النظر عن صحة تلك المفاهيم الجديدة، فهناك مجتمعات وأفراد آمنوا بتلك التغييرات وطبقوها، وهناك مجتمعات وأفراد آمنوا بها ولم يطبقوها، وهناك مجتمعات وأفراد لم يؤمنوا بها ولا يريدون تطبيقها؛ إما لأسباب مجتمعية أو دينية أو اقتصادية.
في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979 اتخذت خطوة رئيسية نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وتضع هذه الاتفاقية المؤلفة من 30 مادة، في قالب قانوني مُلزم، المبادئ والتدابير المقبولة دوليا لتحقيق المساواة في الحقوق للمرأة في كل مكان.
وهي تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، وباتخاذ خطوات تستهدف تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى إدامة هذا التمييز.
وفيما يتعلق بأمور الزواج والعلاقات الأسرية، فيتساوى الرجل والمرأة في: (أ) نفس الحق في عقد الزواج؛(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل؛(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛(د) نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها؛ وفي جميع الأحوال، تكون مصالح الأطفال هي الراجحة؛ (هـ) نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق؛ (و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني؛ وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة؛ (ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة؛ (ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات، والإشراف عليها، وإدارتها، والتمتع بها، والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض ذي قيمة. ولا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.
هذه المفاهيم ذات العلاقة بالزواج والعلاقات الأسرية، لم تقتصر على الاتفاقيات والإعلانات والمواثيق والقوانين الدولية، بل عمدت العديد من الدول إلى تضمينها في دساتيرها وقوانينها الوطنية، ومن أجل ذلك أنشأت العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لرعاية المرأة وتمكينها وتنظيم العلاقات الزوجية والأسرية، وأدرجت حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحق المساواة في الكتب المدرسية، انطلاقا من تلك المفاهيم التي تضمن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.
وفي سبيل ذلك خصصت أموال طائلة من أجل الوصول إلى تلك الأهداف الإنسانية المعاصرة، وعقدت المؤتمرات والندوات وورش العمل، وصنعت البرامج والأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة في المجتمعات كافة، بصرف النظر عن طبيعة المجتمعات وأعرافها وتقاليدها، وعن الوعي المجتمعي لتطبيق تلك المفاهيم بطريقة سليمة تضمن استقرار الأسرة وديمومتها.
بهذا المفاهيم وغيرها، تغيرت المجتمعات وتغيرت المرأة ليست في العراق وحسب، إنما في العالم بأسره، وأصبحت تمارس حريتها وتطالب بحقوقها في الأسرة قبل الزواج وبعده، وفي التعليم والصحة والعمل والسياسة والاقتصاد والتجارة والرياضة والأمن وغيرها، وتقف وراءها حزمة من التشريعات والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير حكومية وشرطة مجتمعية...
في المجتمع العراقي، ماذا يحصل لو طالبت المرأة بحقها في التعليم، والعودة للدراسة للحصول على شهادة جامعية؟ ماذا يحصل لو طالبت المرأة بحقها في العمل والبحث عن وظيفة لها؟ ماذا يحصل لو امتنعت الزوجة عن إعطاء جزء من مرتبها إلى زوجها؟ ماذا يحصل لو امتنعت المرأة عن رعاية وتربية أطفالها وطالبت بمربية؟ ماذا يحصل لو امتنعت المرأة عن إعداد الطعام لزوجها أو غسل ملابسه؟
ماذا يحصل لو طالبت الزوجة ببيت سكن مستقل عن أهل الزوج؟ ماذا يحصل لو اعتدت الزوجة على أهل زوجها كما يعتدي الزوج على أهل زوجته مرارا وتكرارا؟ ماذا يحصل لو تكلمت الزوجة مع رجل غريب تعرفت عليه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي كما يفعل العديد من الرجال؟ ماذا يحصل لو وضعت المرأة في غرفتها صورة لممثل أو رياضي مشهور كما يفعل الزوج؟ ماذا يحصل لو قررت الزوجة أن تخرج من منزلها برفقة صديقاتها كما يفعل الزوج؟ ماذا يحصل لو اشتكت المرأة زوجها في المحاكم والشرطة كما يشتكي هو منها؟ ماذا لو اهانت الزوجة زوجها كما يفعل الأزواج في العادة؟ ماذا لو ضربت المرأة زوجها حين يضربها؟ ماذا لو اخذت قرارات لنفسها دون الرجوع إلى زوجها تماما كما يفعل الأزواج؟
إذا استطعنا أن نجيب على هذه الأسئلة وغيرها مما يدور حولها، ونجد تطبيقات مناسبة لها وحلول واقعية ومساعدة حكومية ومجتمعية، اظن سنزيد من حالات الزواج المستمر، وسنقلل من حالات الطلاق إلا ما ندر، وإن أغمضنا أعيننا عما يحصل من تغييرات مجتمعية عالمية وتجاهلنا كعادتنا تلك المتغيرات فاننا مضطرون للبحث عن مبررات للطلاق وليست أسبابا حقيقية وسوف تستمر الانهيارات...
...................................................
اضف تعليق