نرگس باجغلی
أعلنت الحكومة الإيرانية الشهر الفائت أنه نظراً إلى الارتفاع في مستويات العقم، سوف تساهم في تمويل 85 في المئة من علاجات العقم في المستشفيات الحكومية للأسر الراغبة في الإنجاب. تُظهر دراسات أجراها باحثون طبيون أن أكثر من عشرين في المئة من الأزواج الإيرانيين لا يستطيعون الإنجاب، في حين أن المعدل العالمي يتراوح من 8 إلى 12 في المئة. ويشكّل الإعلان الأخير خطوة إضافية من الجمهورية الإسلامية لتشجيع الإنجاب، وهو ما يشنّ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حملة من أجله في الأعوام الأخيرة. في هذا الإطار، جرى خفض الموازنات المخصصة لتنظيم الأسرة، وحظر وسائل منع الحمل مثل العمليات الجراحية لقطع القناة الدافقة.
لطالما كانت إيران رائدة في الشرق الأوسط في علاج العقم، مع وجود نحو مئة عيادة في مختلف أنحاء البلاد لا تستقبل الأزواج الإيرانيين وحسب إنما أيضاً الأزواج من الدول المجاورة الذين يأتون للإفادة من موقف البلاد العلني الداعِم لهذه العلاجات. غير أن السؤال يبقى، لماذا تخطّت مستويات العقم في إيران المعدل العالمي؟
لا يزال المجتمع العلمي يجد صعوبة في تحديد أسباب العقم. في حالة إيران، يشير بعض الباحثين الطبيين في البلاد إلى احتمال أن يكون لارتفاع مستويات تلوث الهواء في الأعوام الأخيرة تأثير سلبي على الخصوبة. غير أن بلداناً على غرار الصين والمكسيك عانت من مستويات أعلى بكثير من التلوث لفترات زمنية أطول، ولم تُسجّل زيادة في مستويات العقم. لذلك، قد يكون التلوث عاملاً مساهِماً، لكنه ليس العامل الوحيد.
يُشار إلى أن معدلات العقم في الشرق الأوسط مرتفعة في شكل عام بالمقارنة مع المعدلات العالمية. تلفت مارسيا إينهورن، وهي عالمة في الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة ييل متخصصة في تقنيات المساعدة على الإنجاب في المنطقة، إلى أن أحد الأسباب الأساسية هو ارتفاع نسبة الزيجات بين الأنسباء في الشرق الأوسط، لا سيما الأنسباء الذين تجمع بينهم صلة قرابة من الدرجة الأولى. وتعتبر في الخلاصات التي توصّلت إليها بعد عقود من الأبحاث الميدانية في المنطقة أن العقم عند الرجال هو "الحكاية المخفية في الشرق الأوسط".
بيد أن الأطباء في إيران يشيرون أيضاً إلى أن هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار في هذه المعادلة. قال الدكتور مهشيد الهاشمي، وهو طبيب متخصص في الصحة النسائية في طهران، لموقع "المونيتور": "ثمة عوامل عدة يجب أخذها في الاعتبار، ومنها عامل لم ندرسه كما يجب في إيران، لكن يتبيّن أنه من المسائل الأساسية المطروحة في هذا الإطار في بلدان أخرى، وهو أن الأمراض المنقولة جنسياً التي لا تتم معالجتها يمكن أن تكون سبباً رئيساً للعقم".
من السهل إجراء فحوصات سنوية لتشخيص الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، مثل التهاب المتدثّرة (الكلاميديا) وداء التعقيبة أو السيلان، والتي يمكن أن تؤدّي إلى العقم إذا لم تتم معالجتها. غير أـن المشكلة تبقى أن الأطباء لا يجرون فحوصاً للنساء غير المتزوّجات لمعرفة إذا كنّ مصابات بهذه الأمراض إلا إذا طلبن ذلك بأنفسهن. قال الدكتور حسين أشرف، وهو طبيب متخصص بالعقم في مدينة أصفهان الإيرانية، لموقع "المونيتور": "ثمة حقيقة بسيطة، وهي أن عدد الأشخاص الذين يمارسون الجنس قبل الزواج في إيران أصبح أكبر من أي وقت مضى، لكن فحص الرجال أو النساء لتشخيص إصابتهم بالأمراض المنقولة جنسياً يبقى من المحظورات الاجتماعية".
بحسب "المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها"، التهاب المتدثّرة وداء التعقيبة من الأسباب المهمة التي تؤدّي إلى الإصابة بمرض التهاب الحوض والعقم، والتي يمكن الوقاية منها. إذا لم تتم معالجة التهاب المتدثّرة، تُصاب 10 إلى 15 في المئة من النساء بمرض التهاب الحوض. والأشد خطورة هو أن التهاب المتدثرة يمكن أن يتسبب أيضاً بالتهاب قناة فالوب من دون ظهور أي عوارض. يمكن أن يؤدّي مرض التهاب الحوض والالتهاب "الصامت" الذي يتسبّب به التهاب المتدثرة في الجهاز التناسلي العلوي، إلى حدوث أضرار دائمة في قنوات فالوب والرحم والأنسجة المحيطة، ما قد ينجم عنه الإصابة بالعقم. هذان المرضان المنقولان جنسياً قابلان للعلاج إذا تم تشخيصهما باكراً. بناءً عليه، توصي "المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها" بأن تخضع جميع النساء دون سن الخامسة والعشرين اللواتي يُعتبَرن ناشطات جنسياً لفحوص سنوية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النساء اللواتي يقمن علاقات جنسية مع العديد من الشركاء أو لديهن شريك مصاب بمرض منقول جنسياً.
قالت جيلاريه، وهي مهندسة في السابعة والعشرين من العمر في مدينة شيراز الإيرانية، لموقع "المونيتور": "لم يطلب مني الطبيب قط إجراء أي من هذه الفحوص. لست متزوجة لكنني ناشطة جنسياً، والحقيقة هي أنني لا أعرف ما الذي يجب أن أسأل طبيبتي عنه. وطبيبتي تفترض أنه نظراً إلى أنني غير متزوّجة، لا داعي لأن تطرح علي أياً من الأسئلة عن الأمراض التي يمكن أن أصاب بها عن طريق ممارسة الجنس".
يوافق أشرف على أنه إذا لم تكن المريضة متزوّجة، لا يطرح عدد كبير من زملائه مزيداً من الأسئلة. أضاف لموقع "المونيتور": "أعرف واقع مجتمعنا في الوقت الراهن، وأحاول أن أحمل زملائي على التنبّه إلى أن الشاب أو الشابة قد لا تكون متزوّجة إنما ناشطة جنسياً. لكن يبقى الأمر صعباً. فهو لا يزال من المحظورات الكبرى بالنسبة إلى جيلنا، على الرغم من أن النزعة لدى الجيل الشاب تؤشّر إلى واقع ينبغي علينا التعامل معه". يشتكي مرضى آخرون، لا سيما أولئك الذين لا يملكون الإمكانات المادّية للذهاب إلى العيادات الخاصة في المدن الكبرى، من غياب الخصوصية في عيادات أطبائهم ما يجعلهم يمتنعون عن طرح الأسئلة. روت ساره، وهي شابة في الخامسة والعشرين من العمر من بلدة صغيرة في ضواحي مدينة يزد الإيرانية، لموقع "المونيتور": "يكون هناك دائماً أشخاص آخرون في العيادة عندما أتواجد فيها". ساره ناشطة جنسياً أيضاً، وقد أشارت إلى أنه حتى لو كان بإمكانها أن تكلّم طبيبها على حدة، تخاف جداً من أن تخبره بأنها ناشطة جنسياً، نظراً إلى أن البلدة حيث تعيش صغيرة جداً. وتابعت "أظن أنه سيحكم علي، مع أنني أعلم أن هناك نساء غير متزوجات أخريات في بلدتنا ناشطات جنسياً أيضاً".
قالت نيغار، وهي مهندسة مدنية في التاسعة والعشرين من العمر من أصفهان، لموقع "المونيتور": "لا أدري لماذا نواجه مشكلات في الإنجاب". حاولت طوال عامَين أن تحمل، قبل أن تذهب مع زوجها لرؤية طبيب اختصاصي. وهما يخضعان حالياً للعلاج بواسطة التلقيح الاصطناعي. وقد ذكرت نيغار أن خمسة أزواج على الأقل في مجموعة أصدقائها، وهم في أواخر العشرينات من العمر، يخضعون أيضاً لعلاج العقم. علّق الهاشمي: "ما يثير الصدمة هو أن هناك عدداً متزايداً من الأزواج في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات يسعون للخضوع لعلاج العقم"، مضيفاً: "المعدلات الحالية أكبر من تلك التي شهدتها طوال مزاولتي لمهنة الطب. يؤشر ذلك إلى مشكلة أعمق. صحيح أن هناك مشكلة عقم لدى الرجال في إيران. لكن ما أشهده الآن هو معدلات مرتفعة من العقم لدى الشابات. في مجتمعات كثيرة، علاج العقم هو للنساء اللواتي أصبحن في أواخر الثلاثينات من العمر. لا يُفترَض بالنساء في أواخر العشرينات من العمر أن يعانين من مشكلة الحمل والإنجاب – لا سيما بهذه الأعداد الكبيرة. يجب أن نحدّد المسائل الكامنة خلف هذه المشكلة".
اضف تعليق