ارتحل العام الماضي بمسراته واحزانه، مخلفا الكثير من الذكريات حلوها ومرها في قلوب البشر ونفوسهم.. منها ماكان خارجا عن ارادة الكثيرين، ومنها ما كان سعيا لارادات اخرى، الا انها في المحصلة النهائية من نفس الانسان تنطلق واليه تعود.
ارتحل العام الماضي واغتبط كثير من الناس بمسراتهم، واكتأبوا باحزانهم، وهم بين الحالتين يسيرون الى اجل محتوم لا مهرب أو فكاك منه.
ما يفرح الناس له او يكتئبون لاجله كثيرة ووافرة اسبابها، الا ان الكاتب يعتقد انهما اثنان يشكلان مصدر الفرح او الحزن لدى الغالبية العظمى من الناس، وبسببهما تحدث الكثير من المشاكل، وهذان هما الغبطة والحسد.
فالغِبْطَةُ: أَن يتمنى المرءُ مِثْلَ ما للمغبوط من النعمة من غير أَن يتمنَّى زوالَها عنه.
وهي: حُسن الحال، المسرّة، الرضا التامّ الدائم.
وهي من الفوارق بين المؤمن والمنافق، (المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط).
وصاحبُ الغِبْطة: لقبٌ للبطريرك عند النصارى.
والغبطة ... فكرة كما في قصيدة للشاعر ايليا ابي ماضي يقول فيها:
أيّها الشاكي الليالي إنَّما الغبطةُ فِكْرَهْ
ربَّما اسْتوطَنَتِ الكوخَ وما في الكوخِ كِسْرَهْ
وخَلَتْ منها القصورُ العالياتُ المُشْمَخِرَّهْ
تلمسُ الغصنَ المُعَرَّى فإذا في الغصنِ نُضْرَهْ
وإذا رفَّتْ على القَفْرِ استوى ماءً وخُضْرَهْ
وإذا مَسَّتْ حصاةً صَقَلَتْها فهيَ دُرَّهْ
لَكَ، ما دامتْ لكَ، الأرضُ وما فوق المَجَرَّهْ
فإذا ضَيَّعْتَها فالكونُ لا يَعْدِلُ ذَرَّهْ
ومن قصيدة له اسمها (دموع وتنهّدات) يقول فيها:
وكيف اغتباط المرء لا أهل حوله ولا هو من يستعذب الصّفو نائيا
احد حكماء الهند يجعل الغبطة برهانا مباشرا على وجود الله سبحانه وتعالى فهو يقول: أن البرهان على وجود الله يكمن في نفوسنا. إنه اختبار باطني. لا بد أن تتذكر ولو لحظة واحدة في حياتك في الصلاة أو المناجاة عندما شعرت أن القيود والعوائق الجسدية قد تلاشت أو كادت، وأن الحب الصغير والكراهية واللذة والألم كلها تقلـّصت في عقلك وتدفقت الغبطة النقية والسكينة من قلبك واستمتعت بهدوء لا يعكـّره شيء.. بالغبطة والرضاء.
ومع أن مثل هذا الاختبار السامي لا يحصل عادةً للجميع، لكن لا شك أن كل واحد في وقت ما، في الدعاء أو التعبد أو التأمل، قد تمتـّع بلحظات قليلة من النشوة الروحية والسلام النقي. ألا يُعتبر هذا برهاناً على وجود الله؟، وأي برهان مباشر آخر يمكننا تقديمه عن وجود وطبيعة الله سوى الغبطة النقية التي نحس بها في داخلنا أثناء الصلاة الصادقة أو العبادة الوجدانية الخالصة؟.
ماهو الحسد؟
أنه تمني زوال النعمة عن الغير.
والحسد حسدان: تمني زوال النعمة وحصولها للحاسد، وتمني زوالها من غير أن يطلب حصولها للحاسد، وهو شر الحاسدين؛ لأنه طلب المفسدة الصرفة من غير معارض عادي أو طبيعي.
وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله عز وجل لموسى بن عمران عليه السلام: يا ابن عمران لا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدن عينيك الى ذلك.. ولا تتبعه نفسك، فان الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك، فلست منه وليس مني.
وعن الامام الصادق عليه السلام قال: إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط
ومن اقوال الامام علي عليه السلام في الحسد:
الحسد داء عياء لا يزول إلا بهلاك الحاسد أو موت المحسود.
الحسد عيب فاضح وشح فادح لا يشفي صاحبه إلا بلوغ آماله فيمن يحسده.
اضف تعليق