في إحدى المحاضرات، كان مجتبى يتحدث أمام مجموعة من شباب وشخصيات ذي قار، وقال: "الإعاقة ليست في الجسد، بل في الفكر. نحن قادرون على تجاوز كل العوائق إذا تعاون المجتمع معنا". هذه الجملة لامست قلوب الحضور، وكانت نقطة تحول في نظرة الكثيرين لقضية الإعاقة...

في مدينة ذي قار، جنوب العراق، يعيش الشاب مجتبى كريم السعيدي، ذو الـ 26 عامًا، الذي على الرغم من كونه كفيفًا، كان دائمًا يرى العالم بوضوح قلبه وعقله. يدرس ماجستير في علوم القرآن، وهو مجال يتطلب الكثير من التفكر والتأمل، ليصبح رمزا للإصرار والعزيمة. ولأنه عاش تجربة الإعاقة بعمق، أدرك منذ سنوات شبابه المبكرة التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة في مجتمع غالبًا ما يضع العراقيل أمامهم دون وعي.

ذات يوم، وبينما كان مجتبى يتحدث مع أصدقائه، أدرك أن كثيرين لا يعرفون شيئًا عن كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. بل إن بعضهم ينظر إليهم بعين الشفقة أو العجز، وهو أمر كان يؤلمه بشدة. عندها قرر مجتبى أن يقوم بتغيير هذه النظرة السلبية ويعمل على تحسين فهم المجتمع حول حقوق وإمكانات الأشخاص من ذوي الإعاقة.

ولادة فكرة "إعاقة بلا حواجز"

من هذا الدافع العميق، وُلدت فكرة مبادرة "إعاقة بلا حواجز". رأى مجتبى أن التوعية هي المفتاح الأساسي لتغيير النظرة المجتمعية، ولذلك قرر أن يستخدم الأدوات المتاحة له للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس. كان يعلم أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأسرع للوصول إلى الناس في عالم اليوم، فبدأ بنشر محتوى توعوي على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام.

كان محتوى مجتبى متنوعًا بين مقاطع الفيديو التوعوية، والنصائح العملية حول كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة، وقصص النجاح الملهمة لأشخاص من ذوي الإعاقة. كان مجتبى يؤمن أن الإعاقة ليست عائقًا أمام تحقيق الأهداف، بل إن التحديات التي يضعها المجتمع هي التي تصعب حياة الأشخاص. لذلك، كانت كل قصة يرويها عبر منصاته الاجتماعية تهدف إلى تحفيز الناس على تغيير تفكيرهم ورفع مستوى الوعي لديهم.

المحاضرات الحضورية وتفاعل المجتمع

بعد نجاحه في نشر الوعي على منصات التواصل الاجتماعي، قرر مجتبى أن يأخذ المبادرة خطوة أخرى إلى الأمام. بدأ بتنظيم محاضرات حضورية في مختلف المؤسسات التعليمية والثقافية في محافظة ذي قار. كان يرى أن اللقاء المباشر مع الناس يتيح له فرصة لمواجهة المفاهيم الخاطئة بشكل أكثر فاعلية، فزار المدارس والجامعات، وقابل الطلاب والأساتذة، ليشرح لهم أهمية احتضان ذوي الإعاقة في المجتمع.

في إحدى المحاضرات، كان مجتبى يتحدث أمام مجموعة من شباب وشخصيات ذي قار، وقال: "الإعاقة ليست في الجسد، بل في الفكر. نحن قادرون على تجاوز كل العوائق إذا تعاون المجتمع معنا". هذه الجملة لامست قلوب الحضور، وكانت نقطة تحول في نظرة الكثيرين لقضية الإعاقة.

إشادة ودعم مجتمعي واسع

مع مرور الوقت، بدأت مبادرة "إعاقة بلا حواجز" تكتسب زخمًا واسعًا. بدأ الناس يتحدثون عنها في المقاهي، والشوارع، ووسائل الإعلام المحلية. لم يكن مجتبى يتوقع هذا القدر من الدعم، لكنه كان سعيدًا لأنه يرى حلمه يتحقق. تلقى دعوات من مؤسسات مختلفة لتنظيم ورش عمل وفعاليات حول حقوق ذوي الإعاقة الخاصة، مما زاد من تأثير المبادرة وانتشارها.

كان مجتبى دائمًا يرد على دعم المجتمع بتواضع، مؤكدًا أن الهدف ليس أن يُعرف هو، بل أن يُعرفوا حقوق ذوي الإعاقة ويُنظر إليهم بعين الاحترام والتقدير، لا الشفقة. كان يرى أن التغيير الحقيقي يبدأ عندما يدرك الجميع أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية لتحديات جديدة يمكن التغلب عليها بالتعاون والإرادة.

رؤية المستقبل والتطلع للتوسع

لم يكن مجتبى يكتفي بتأثير مبادرته في ذي قار فقط، بل كان يحلم بأن تنتشر هذه الفكرة في جميع أنحاء العراق. كان يطمح إلى أن يرى مجتمعه، بلده، يتحول إلى مكان أكثر شمولية، حيث يعيش ذوو الإعاقة بلا حواجز، سواء كانت حواجز مادية أو نفسية.

أثناء حديثه في إحدى الورش، قال: "أحلم بمجتمع يستطيع فيه الجميع تحقيق أحلامهم بغض النظر عن اختلافاتهم. كل فرد منا لديه قدراته الفريدة، وعلينا أن نتحد لنصنع مجتمعًا أكثر تلاحمًا وشمولية".

بهذه الكلمات المليئة بالأمل، يستمر مجتبى كريم السعيدي في قيادة مبادرته، عازمًا على بناء مجتمع يقدر فيه الجميع، ويكسر كل الحواجز التي تعيق تقدم ذوي الإعاقة. قد تكون رحلته طويلة، لكنها بلا شك مليئة بالإلهام والإنجازات، وطموحه أن يغير النظرة المجتمعية للأبد.

اضف تعليق