يبدو أننا نكرر تجربة ذلك الجدل بشكل غير مبرر مع المرأة، فنترك واقعها وحقيقة قدراتها ونلقيها في متاهات البحث عن أشياء لا تحتاجها بالضرورة بقدر ما تحتاج الى تقييم ذاتها والاستفادة من قدراتها الحقيقية لتكون جزءاً من حلول وبدائل لما نعيشه من أزمات وتحديات في الوقت الحاضر...

إن مشاعر الاستضعاف وهاجس الاستغلال والاضطهاد الذي نجد له عوامل نمو في أذهان شريحة واسعة من الفتيات قبل الزواج، هو الذي يدفعهنّ للجوء الى لغة القوة في التعامل مع الرجل بعد الزواج لتحقيق عنصر الردع وضمان عدم تجرؤ الزوج على فعل خاطئ! هذا أولاً؛ ثم تضمن تحقيق رغباتها وما تريده في حياتها من هذا الزوج ايضاً!

الحديث المتصاعد هذه الأيام عن المرأة يفترض انه يحملها لتحقيق ما تريد من تغيير واقعها نحو الأحسن، بيد أن التأمّل في هذا الحديث الصاخب المشحون بالعواطف والسابق للعقل والمنطق، يكشف عن غير هذا.

فالبحث في وجود انساني يفترض انه يتجه الى سياقات بنوية في الحياة كون الانسان سيّد الكائنات في الأرض، وتقف المرأة الى جانب الرجل في ثنائي متناغم وتكاملي له الدور الحاسم والأساس في تسيير الحياة نحو الأفضل، والنظر بجدّ الى احتمالات الخطأ والانحراف لما يهدد كيان هذا الانسان بشكل عام، سواءً؛ كان صعيد الفرد (الرجل او المرأة)، او على صعيد الجماعة (المجتمع والأمة). 

وعندما يتركز الحديث بشكل مكثف على مقولة "حقوق المرأة"، والتفرّع الى مفردات مثل؛ الحرية، ومن ثم آليات الوصول الى هذه الحقوق، فهذا يعني أن ثمة قصور في الفكر الإنساني أدى الى إلقاء المرأة في دوامة صراع وقلق واضطراب هي في غنىً عنه، بل يمثل خسارة فادحة، لكن غير محسوسة لمنزلتها الحقيقية المقرر لها منذ بداية الخليقة. 

لماذا المرأة؟!

قبل تعليقي على الحديث الصاخب حول تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، والتخندق الغريب بين رافض ومؤيد، كمثال أورده على إشكالية التفكير إزاء المرأة، أحب الفت نظر القراء الى سبب عدم وجود دعوة او حملة للمطالبة بحقوق الرجل كعنصر ذكوري في المجتمع، في قضايا تتعلق بالحرية، والتملك، والعمل، بينما تكثر الدعوات في العالم، ثم تفد الينا بعض لفحات العواصف عن حقوق المرأة، بل والدفاع عنها ضد "الظلم"، و"الاضطهاد"، و"التمييز"؟ 

الفارق التكويني بين الرجل والمرأة دفع البعض لرسم صورة مزيفة لشخصية المرأة على أنها أقل شأناً من الرجل، ومن ثمّ فهي ضعيفة ومعرضة على طول الخط للاضطهاد والاستضعاف من قبل الرجل الذي يتملك قدرات عضلية وذهنية أكثر من المرأة، فهو أقدر على الوصول الى المال والحكم، فعندما نسمع التحشيد لرفض تعديل القانون المشار اليه، بالإمكان ملاحظة التأييد من شريحة واسعة من النساء اللواتي لا علاقة لهنّ بالحضانة ولا بالزواج المبكر، فقد أنهين مهمتهنّ بزواج بناتهنّ، ولكن مع ذلك نلاحظ موقف التأييد للرافضين، والقدح بالمعدّلين لسبب يمكن أن نعزوه الى نزعة التملّك التي لا تحظى المرأة بنصيب مساوٍ للرجل فيه، فترى –مثلاً- في تقليل سنوات الحضانة الى سبع سنوات ثم إعادة الطفل الى والده في حالات الطلاق، إجحافاً وتعسفاً بحق المرأة، حتى فقرة تثبيت زواج الفتيات دون الثامنة عشر في المحاكم، يعدنه نوعاً من التسيّب وهدر الكرامة أمام الرجل! مع تأكيد عديد أهل القانون على أن الأب غير المستقيم الذي يزوج ابنته في سن الثانية عشر من العمر قهراً –مثلاً- لن يلتفت بالأساس، لا الى القانون ولا الى الدين، وإنما الى مسائل أخرى تخصّه.

انتشار الحديث عن قضايا المرأة في هذا الإطار يعد أمراً في غاية الخطورة، ينطوي على نتائج في غير صالح المرأة على المدى البعيد، ليس أقلها؛ انتفاء مشاعر الحب والمودّة والسكون المغروز اساساً في تكوين المرأة، وتحولها الى ندّ للرجل داخل الأسرة، بمعنى تعرّض هذا الكيان العظيم لاهتزازات غير مقصودة من الزوجة والأخت، وحتى البنت الصغيرة، فهنّ على يقين أن الصدام والصراع ليس في صالحهن، وهي الحقيقة التي يقرها الرجل ايضاً على نفسه، إنما الجميع يحتاجون الى أجواء ودّية وبناء للعيش بسلام وهناء. 

الرؤية الواقعية

لا أعرف السبب في عدم التفات دعاة حقوق المرأة في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي الى عوامل نشوء الازمات التي تعاني منها المرأة؟ بلى؛ بحث علماء مختصون بالشأن الاجتماعي والأسري هذه الجزئية تحديداً، وخرجوا ببحوث ودراسات حول أسباب تعرض المرأة للمنغّصات في حياتها الزوجية، وحتى بالنسبة للبنت الشابة قبل الزواج، فقد أشبعوا البحوث الخاصة بالحياة الزوجية باستدلالات علمية، كما تم الاسترشاد بنماذج سامية من حياة زوجية ناجحة كالذي نقرأه في حياة أمير المؤمنين مع الصديقة الزهراء، وسيرة حياة الزهراء مع أبيها النبي الأكرم، وايضاً؛ حياة السيدة زينب مع أبيها أمير المؤمنين، صلوات الله عليهم.

لو كنّا أقرب بنسبة قليلة من تلكم النماذج الراقية في التعامل مع العنصر الأنثوي، لكنا على فاصلة بعيدة جداً من الأزمات، وفي مقدمتها؛ الطلاق اساساً، أو نقل؛ التقليل الى الحد الأدنى من اللجوء الى هذا الخيار المُر. 

إن مشاعر الاستضعاف وهاجس الاستغلال والاضطهاد الذي نجد له عوامل نمو في أذهان شريحة واسعة من الفتيات قبل الزواج، هو الذي يدفعهنّ للجوء الى لغة القوة في التعامل مع الرجل بعد الزواج لتحقيق عنصر الردع وضمان عدم تجرؤ الزوج على فعل خاطئ! هذا أولاً؛ ثم تضمن تحقيق رغباتها وما تريده في حياتها من هذا الزوج ايضاً! وهذا يعني أننا غير معنيين بالآية المباركة التي يخاطبنا فيها الله –تعالى- محدداً دور المرأة في أنها عامل سكون للرجل، وهو أروع ما يكون من وصف يتطابق مع التكوين الإنساني، بين التعب والصخب خارج البيت، والسكون والهدوء و الراحة داخل البيت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، إن تحقيق السكون في البيت بين الرجل والمرأة يُعد عند الله -تعالى- آية من آياته في الوجود، مثل الليل والنهار، و وجود السماء الزرقاء فوقنا، والأرض الكروية المسطحة تحت ارجلنا، بيد أن هذا يحتاج الى أناس يتفكرون.

فيما مضى من الزمن عشنا جدلاً دار بين المفكرين حول نظريات النهضة والتغيير السياسي والاجتماعي في القرن الماضي، فقالوا إن المشكلة ليست كلها في الاستعمار، وإنما في قابلية الشعوب على الاستعمار، كما قال آخرون فيما يتعلق بالثورات ضد الأنظمة الفاسدة؛ أن المفترض توعية الشعب بواقعه الفاسد قبل الانطلاق للإطاحة بالنظام الفاسد، فالفقر حالة اجتماعية ونفسية يجب على صاحبها معالجتها، وبمساعدة أطراف أخرى حتى تكون نتيجة ثورته، التحول من الفقر الى الغنى والرخاء، او العيش الكريم على الأقل، لا أن يكون فقره –مثلاً- جسراً يعبر عليه الثوار نحو قمم السلطة والحكم.

ويبدو أننا نكرر تجربة ذلك الجدل بشكل غير مبرر مع المرأة، فنترك واقعها وحقيقة قدراتها ونلقيها في متاهات البحث عن أشياء لا تحتاجها بالضرورة بقدر ما تحتاج الى تقييم ذاتها والاستفادة من قدراتها الحقيقية لتكون جزءاً من حلول وبدائل لما نعيشه من أزمات وتحديات في الوقت الحاضر.  

اضف تعليق