يتأثر المجتمع بصورة مباشرة وكبيرة في تغريدة على موقع إكس لزعيم سياسي، وكأنها منهج يجب اتباعه وعدم الحياد عنه، وينطبق ذات الامر على الرموز الأخرى، تترسخ القناعة دون التفكير بأبعاد الكلام وانعكاساته على المستويين الداخلي والخارجي، فكثيرا ما يأتي اتخاذ المواقف المعادية بين الشعوب عبر هذه البوابة...
لا يبنى مجتمع من المجتمعات دون تحلي افراده بالوعي الكامل او بالقدر الذي يجعلهم قادرين على تخطي الازمات والتعامل معها بشكل يحميهم من تأثيراتها، فهل المجتمع العراقي يصنف ضمن هذه المجتمعات ام للواقع حديث آخر؟
اُحيط المجتمع العراقي بجدار عزله لاكثر من ثلاث عقود عن المحيط الإقليمي والدولي، فُرض عليه بحكم سياسات النظام السابق الذي يعي جيدا ان لهذا الحصار فوائد جمة، منها انه يجعل الشعب لا يرى النور خارج هذا الجدار ولا يعرف معنى الحرية والتمتع بها كما يتمتع بها الآخرون على وجه المعمورة.
استمر النظام بضخ أفكاره وايديولوجيا معينة رسخها في نفوس المجتمع، حتى تكونت أجيال مخطوفة عقولهم ومسيطر على أفكارهم، يتحكم فيهم ذات اليمين وذات الشمال، رسخ لديهم ان القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي يجب ان يحيوا ويموتوا من اجلها.
كوّن جيوش باسم القدس، جند شرائح المجتمع لخدمة مسعاه وتوسيع رقعة مقبوليته الدولية على مستوى البلدان العربية، حتى أصبح يلقب بقائد العرب، او قائد الضرورة، جاءت هذه التسميات من كونه الرئيس الوحيد الذي امتلك الشجاعة ووجه ضربات مباشرة الى مدينة تل ابيب بصواريخ سكود.
على مدار عقود بقي الفرد العراقي يعيش في عزلة اجبارية وهذه العزلة بالتأكيد لها آثار واضحة على الوعي الاجتماعي، اذ تميز المواطن بانخفاض كبير في الوعي، الذي استثمره النظام السابق في تعزيز موقعه وديمومة حكمه وتقوية قبضته على مؤسسات الدولة.
بعد تغيير النظام تحلحلت بعض الإشكاليات وادخلت تحسينات على النظام الاجتماعي من خلال الانفتاح على المحيط الخارجي، أصبح في كل منزل جهاز استقبال للبث الفضائي والإطلاع على التجارب العالمية السياسية والاجتماعية وغيرها من الممارسات التي غيرت سلوكيات الافراد ونبهتم الى حقائق غائبة عن الكثير منهم.
مع هذا الانفتاح لا يزال الوعي المجتمعي قاصرا عن استيعاب كل ما يدور في الاروقة الاجتماعية والسياسية، ولايزال الرأي العام منقاد الى تصريحات او مواقف بعض الشخصيات سواء على المستوى الديني او السياسي او الاجتماعي.
يتأثر المجتمع وبصورة مباشرة وكبيرة في تغريدة على موقع إكس لزعيم سياسي، وكأنها منهج يجب اتباعه وعدم الحياد عنه، وينطبق ذات الامر على الرموز الأخرى، تترسخ القناعة دون التفكير بأبعاد الكلام وانعكاساته على المستويين الداخلي والخارجي.
فكثيرا ما يأتي اتخاذ المواقف المعادية بين الشعوب عبر هذه البوابة، (بوابة الزعيم)، وهنا يقع الحمل الأكبر على عاتق المواطنين الذين يجب ان يبحثوا ويدققوا في صغائر الأمور لمعرفة الحقيقة والمنطق المصاحب لجميع الاقوال، وإن وصل الفرد لهذه المرحلة يكون بذلك بلغ اقصى درجة من درجات الوعي والفطنة.
هذا الوعي المجتمعي يتطلب من كل فرد في المجتمع بذل الجهد لفهم أعمق وأدق لما يواجه من تحديات خاصة وقت الأزمات، والتوصل الى اتفاق حول الحقيقة الثابتة التي نعرفها جميعا من أن الأزمات والصراعات في مختلف أرجاء العالم مستمرة وتمثل جزءا من تجربة الإنسان على مر العصور.
المؤشرات الاجتماعية الحالية تشير الى وجود خلل في منظومة الوعي الاجتماعي وعلى كافة الأصعدة، بعيدا عن المجال السياسي فلا تزال العادات والتقاليد الاجتماعية هي الحاكمة في مناطق كثيرة من البلاد، وعند الحديث عن تشذيبها وابعاد غير المناسب منها تقوم الدنيا ولا تقعد.
النظم الاجتماعية لا تختلف كثيرا عن القوانين الوضعية، فمثلما الأخيرة تحتاج الى إعادة نظر وتعديل لبعض الفقرات لاتي لا تلائم التغييرات السياسية والاجتماعية، فالعادات بحاجة الى وعي مجتمعي يتسم بالشجاعة وقوة الإرادة لإعادة ترتيب الأولويات المجتمعية.
إن التركيز على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بين أفراد مجتمعنا في ظل ما نشهده من أحداث وتحديات كبيرة، تأتي بمثابة الدعوة إلى أهمية تحفيز الأفراد على المشاركة في بناء مجتمع يستند إلى التفاهم والتعاون، يقوده الوعي بأهمية حماية المصلحة الوطنية، فالوعي المجتمعي يلعب دورا أساسيا في تشكيل هويتنا الاجتماعية والمشاركة في تطوير المجتمع، وعندما يكون لدينا وعي قوي يمكننا أن نبني مجتمعا أفضل وأكثر استدامة.
اضف تعليق