q
قد نختلف في مدى التغير الحاصل في المنظومة القيمية الاخلاقية ولذلك فأن اللجوء الى القياس النفسي من خلال مقاييس علمية عالمية وعلى وفق منهجية علمية مختبرة وباستخدام نفس أداة القياس عبر سنوات مختلفة يمكن ان يكون الحل لكي نبني آرائنا على أرقام واقعية وليس مجرد آراء وملاحظات شخصية أو نظرية...

سأسلط الضوء على سلسلة من التغيرات القيمية الحاصلة في المجتمع العراقي خلال العقدين الاخيرين على موضوع تغير القيم الاخلاقية. أعلم ان هذا الموضوع حساس جداً وقد يثير الكثير من ردود الافعال الا اني اعتقد ان من المهم تشخيص واقعنا الاجتماعي الذي لا يختلف اثنان انه مر بظروف ضاغطة خلال العقود الماضية تركت آثارها على المنظومة القيمية عموماً وعلى الاخلاق بشكل خاص.

قد نختلف في مدى التغير الحاصل في المنظومة القيمية الاخلاقية ولذلك فأن اللجوء الى القياس النفسي من خلال مقاييس علمية عالمية وعلى وفق منهجية علمية مختبرة وباستخدام نفس أداة القياس عبر سنوات مختلفة يمكن ان يكون الحل لكي نبني آرائنا على أرقام واقعية وليس مجرد آراء وملاحظات شخصية أو نظرية.

كل الارقام تستند الى دراسة يجريها مشروع مسح القيم العالمي الذي يغطي حوالي 100 دولة في العالم ويشرف عليه مجموعة من كبار اساتذة العالم في مجالات الاجتماع والسياسة وعلم النفس وسواها من التخصصات. وقد شُمل العراق منذ عام 2004 هذا المسح الذي أشرفت انا وفريق المجموعة المستقلة للابحاث عليه.لذا فأن المنهجية المستخدمة وبالتالي الارقام التي تقرأونها مرت بكل مراحل البحث العلمي الرصين.

اليوم سأتناول قيمتين أخلاقيتين تم سؤال العراقيين عنهما على أمل ان أعرض لباقي القيم والتي تعد جزء من منظومة القيم الاخلاقية في العراق. هاتان القيمتان تتعلقان بتعامل الفرد مع الآخرين في المجتمع بعد أن عرضت لبعض القيم المتعلقة بتعامل العراقي مع دولته في المقالات السابقة.

تقبل رشوة، سألنا العراقيين عن مدى تقبل الرشوة وعن مدى تقبلهم لفكرة سرقة أملاك الآخرين، في عام 2004 رفض 98% من العراقيين فكرة تلقي شخص للرشوة تحت أي ذريعة ولم يبررها سوى 1% فقط. أما بعد 15 سنة من ذلك، أي عام 2019 فقد انخفضت نسبة من يرفضون الرشوة باي شكل من الاشكال الى 85% قابلها صعود ملموس في نسبة من يبررون الحصول على الرشوة لتكون 21%. أي أن عراقي من كل خمسة باتوا يبررون الرشوة عام 2019 وقد تكون النسبة أكبر الآن!!

بمعنى ان ثقافة العيب الخاصة بالرشوة كرادع قيمي ضد الفساد بدأت بالتلاشي. أذكَر مرة ثالثة أن أسئلة المرغوبية الاجتماعية والتي هذا السؤال واحد منها عادةً ما تجعل الناس يجيبون عنها بالشكل الذي يعتقدون ان الناس تريد ان تسمعه منهم، لذلك فأن الرقم الخاص بمن يتقبلون فكرة الرشوة (21%) وأن بدا للبعض قليلاً أو مقبولاً الا ان من المؤكد أنه أعلى من ذلك وهذا ما يجعل ناقوس الخطر يدق.

أذكر أني في تسعينات القرن الماضي كتبت مقالاً عن الفساد الذي بدأ ينتشر آنذاك وقلت ان الفساد يتحول ثقافياً من التجزر (جزر صغيرة معزولة) الى التجذر! أما الان وفي ظل هذا الرقم القيمي الذي تسنده وتدعمه أرقام ووقائع كثيرة فيبدو أن الفساد عندنا قد تحول من حالة تعاطي الى أدمان!

أما الرقم الثاني الخطير والمقلق هو ذلك الارتفاع الملحوظ في نسبة من يستحلّون سرقة الآخرين!! نعم، قد يبدو الأمر غريباً للبعض بل ومستنكراً الى الحد الذي يرفضون فيه التصديق بوجود هذه النسبة ممن لا يجدون ضيراَ بل ويبررون سرقة أملاك الآخرين في المجتمع العراقي! ففي عام 2020 ارتفعت نسبة من يبررون سرقة أملاك الاخرين حوالي 10 مرات لتصل حوالي 20% مقارنة ب 2% فقط في عام 2010! بمعنى ان عراقي من كل خمسة لا يجد ضيراً في سرقة املاك الاخر! في المقابل انخفضت نسبة من لا يقرّون هذا الفعل مطلقاً من 92% عام 2010 الى 78% فقط عام 2020.

وعلى الرغم من انه لا تتوفر لدي ارقام احصائية عن معدل السرقات في العراق لكني استطيع تلمس ارتفاع معدل الجريمة في العراق عموماً خلال السنين الماضية مما يستدعي القول مرة أخرى بضرورة الوقوف عند هذه الارقام جدياً للتعرف على دلالاتها والمعالجات المطلوبة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق