القواعد الظاهرة الى حد ما في أي مجتمع والتي يمكن له ان يتبناها، هي ما يسمى بالمعايير الاجتماعية. وتتكون تبعا لقيم سائدة، والذي لا يحترمها يصبح عرضة للنبذ الاجتماعي: مثال ذلك آداب السلوك، وما تم الاصطلاح على ارتدائه من ملابس، وطريقة التصرف في الشارع، وفي الأماكن العامة. يمكن للعديد من هذه المعايير ان تدخل في صراع فيما بينها، كونها طبيعية لدى البعض او غير مشروعة لدى البعض الاخر: فما يعتبره البعض طبيعيا يمكن ان يكون غير طبيعي بالنسبة للأخرين.
وهي أيضا لدى اخرين تحمل تسمية الاخلاقيات الاجتماعية، وتكون متضمنة في نظم المجتمع ومعاملاته، تتجلى في مكارم الاخلاق او القيم العليا للاجتماع البشري، القيم التي توزن الأفعال الاجتماعية وبها يتم تقويم المسالك والتصرفات. وموضوع الاخلاقيات الاجتماعية الرئيسي هو الأعراف الخاصة بالقوى الاجتماعية، والانحراف عن الأعراف، وما يلازمه من خلل وتفكك وفساد أخلاقي.
يعتبر عالم الاجتماع الفرنسي ريمون بودون ان المعايير هي وليدة القيم، اما جون الستر/(تفسير السلوك الاجتماعي)، فيعتبر ان المعايير تكمن أساسا في الانفعالات.
رغم اختلاف التفسيرات للمعايير الاجتماعية، فهناك اتفاق بين علماء الاجتماع ان تلك المعايير تتضمن في الوعي الجمعي لكل مجتمع كما تتضمن المعايير الأخلاقية والدين والايديولوجيات السياسية.
والوعي الجمعي هو: مجموعة القيم والمعتقدات المشتركة بين أعضاء هذا المجتمع، تعمل المعايير الاجتماعية من خلال الجزاءات غير الرسمية الموجهة لمن ينتهك أي معيار اجتماعي. وبالفعل فان مثل هذه العقوبات ربما تؤثر على الموقف المادي للمنتهك، سواء من خلال الية العقاب المباشر او من خلال خسارته لبعض الفرص بسبب النبذ الاجتماعي الذي يتعرض له.
ان النبذ والتحاشي هو اهم ردود الفعل إزاء انتهاك المعايير الاجتماعية. وإذا كان الوضع لا يمثل انتهاكا متكررا، فان قطع العلاقات الاجتماعية مع المنتهك ربما يكون هو الاستجابة الأكثر ملاءمة لسلوكه.
وهذا القول تدعمه فكرة ان المعايير الاجتماعية تعمل من خلال عاطفتي الخزي او العار من قبل من ينتهك هذا المعيار او بالاحتقار من جانب كل من يشاهد هذا الانتهاك.
وتؤثر العواطف في حياة الانسان بثلاث طرق أساسية: الأولى وهي أكثر حالاتها شدة، حيث تكون من أكثر مصادر السعادة والشقاء أهمية، وهي التي تتجاوز في ابعادها المتع المحببة، او الألم البدني.
فانفعال الخزي يمكن ان يكون مدمرا تماما. وقد كتب فولتير: (ان تكون موضع احتقار من تعيش معهم، فان هذا شيء لم يستطع – ولن يستطيع-أحد تحمله).
الطريقة الثانية تكون هناك بعض العواطف التي تبلغ من القوة ما يمكنها من الإطاحة بجميع الاعتبارات الأخرى.
اما الطريقة الثالثة فيمكن ان تبرز من خلال تأثيرها على الحالات العقلية الأخرى، وبخاصة تأثيراتها على المعتقدات. فعندما تكون الرغبة في الوصول الى حالة عقلية معينة مدعمة بعاطفة قوية، فان الميل للاعتقاد بالوصول الى هذه الحالة لا يمكن مقاومته.
ولان الميل للسلوك الذي ينتج عن الشعور بالاحتقار هو التحاشي، وهو ما قد يتسبب بخسائر مادية للشخص المنبوذ، فان هناك علاقة بين الاستجابة الانفعالية وفرض العقوبات. الا ان العقوبات لها أهمية اكبر كوسيلة لتواصل الانفعال تفوق تأثيرها الفعلي في ذاتها. بالإضافة الى ان تكاليف فرض العقوبة بالنسبة لمن يطبقها لها أهمية خاصة في تحديد درجة انفعاله.
ترتبط بالمعايير الاجتماعية الكثير من الظواهر مثل المعايير الأخلاقية، والمعايير شبه الأخلاقية، والمعايير القانونية، والأعراف. ورغم ان الحدود الفاصلة بين هذه الظواهر ربما تكون مرنة، فان هناك حالات قاطعة تمثل كل فئة منها. فكل من المعايير الأخلاقية وشبه الأخلاقية قادرة على تشكيل السلوك حتى عندما يعتقد الشخص انه لا يوجد من يراه. وعلى العكس من ذلك، فان الشعور بالخزي الذي يدعم المعايير الاجتماعية يكون سببه الشعور بالاحتقار الذي يلقاه الشخص من الاخرين. وعلى ذلك، فان التصرف ردا على ذلك يكون هو الهروب من الاتهام المحدق الذي يمكن ان يتعرض له الشخص بالاختباء او الفرار او حتى الانتحار.
وتختلف المعايير القانونية عن المعاير الاجتماعية في انها تفرض من قبل أجهزة واشخاص متخصصين يقومون بفرض عقوبات مباشرة وليس النبذ.
ونلاحظ ان الأعراف او التوازنات العرفية يمكن من حيث المبدأ فرضها من خلال مجرد وجود مصلحة ظاهرة للشخص، وبدون أي تصرف من جانبه.
وهناك ما هو أكثر تعقيدا يتمثل في وجود معايير قانونية وسياسية غير مكتوبة كالأعراف الدستورية. وهذه المعايير لا يتم فرضها قانونيا، بالرغم من ان المحاكم قد تضعها في اعتبارها عندما تقوم باتخاذ قراراتها. وبدلا من ذلك، فانه يتم فرضها من خلال العقوبات السياسية او بسبب الخوف من هذه العقوبات.
....................................
للاطلاع اكثر راجع:
تفسير السلوك الاجتماعي/جون الستر
مفاتيح اصطلاحية جديدة/توني بينيت
معجم المصطلحات الاجتماعية/الدكتور خليل احمد خليل
اضف تعليق