تزداد ثقة الأفراد بالمجتمع، ويتعزز انتماؤهم له، ويطمئنون لنواياه، ويبعث في نفوسهم الاسترخاء، اذ ما رأوا ان الذوق السائد فيه رفيعا، في تعاملات الأشخاص، والعناية بانتقاء الألفاظ، وحسن اختيار الملبس، وطريقة السير في الشارع، واسلوب تناول الطعام في الأماكن العامة، والاهتمام بالبيئة...
تزداد ثقة الأفراد بالمجتمع، ويتعزز انتماؤهم له، ويطمئنون لنواياه، ويبعث في نفوسهم الاسترخاء، اذ ما رأوا ان الذوق السائد فيه رفيعا، في تعاملات الأشخاص، والعناية بانتقاء الألفاظ، وحسن اختيار الملبس، وطريقة السير في الشارع، واسلوب تناول الطعام في الأماكن العامة، والاهتمام بالبيئة وغيرها من مظاهر الذوق العام. وهو معيار يُستدل به على مستوى تحضر المجتمع، فاذا تراجع الذوق العام وساد الخاص فتيقنوا ان الغابة في طريقها للتشكل، بمعنى ان السلوكيات تجري على الهوى وبحسب النزعات والميول وعدم احترام الآخرين، ما يفقد الحياة جانبا من جمالها.
وشكر من يسدي لك فضلا، ينم عن ذوقك، وهو من البديهيات التي قد يكون التذكير بها معيبا، فبالشكر تدوم النعم، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى، والشكر مفتاح القلوب، هذه تأكيدات ورثناها لبيان ما للشكر من أهمية، لكن الملاحظات تشير الى ان هذه المفردة البسيطة التي لا تكلف جهدا او مالا لا وجود لها في القاموس اللغوي والروحي للبعض، وهذا البعض آخذ بالازدياد، مثلا : توقف سيارتك في شارع عام ليعبر أحدهم ، فيعبر ولا يومىء لك بالشكر، وتفسح المجال لمرور سيارة بعد ضيق، فيمر سائقها دون أن يلتفت لك، أظن ان لديكم أمثلة مشابهة كثيرة في مجالات أخرى.
وفي الوقت الذي يبخل فيه البعض بكلمة طيبة من شأنها دوام سبيل المعروف وعدم قطعه، ثمة من يقدم لك شكرا فارغا لا قيمة له، وكأنه لم يصدر عن طيب خاطر او من الوجدان، وهو ما درجت عليه بعض المؤسسات ومنها الجامعات التي يهديها أساتذتها كتبا استغرقوا في تأليفها سنوات، وأنفقوا في طباعتها الطائل من أموالهم الخاصة، لاسيما وان مؤسساتنا الجامعية لم تعد تدعم تأليف الكتب.
بالرغم من ان الفكر جوهر العمل الجامعي، فما يتبقى من المؤسسة التربوية والتعليمية يتمثل في انتاجها الفكري الذي ترفد به المجتمع، فلا خلود الا للفكر، وكل ما سواه في طريقه للاندثار او النسيان، لكن الاهداء فيها يقابل بكتاب رسمي تحت عنوان (شكر على اهداء)، لا يترتب عليه أي شيء، بما في ذلك الاجراء الاداري البسيط الذي يمنح الاستاذ قدما وظيفيا لمدة شهر اذا كان الشكر موقعا من رئيس الجامعة فأعلى.
بينما يتطلع المؤلفون لدعم حقيقي معنويا وماديا انطلاقا من قدسية العلم ودوره في ارتقاء الحياة، فالشكر على الاهداء لا يساويهم حتى مع عضو في لجنة صيانة او مشتريات مع الاحترام للجميع.
يبدع البعض في تدمير العقول، ويبتكرون الغريب من التفسيرات، (فالشكر والتقدير) يمنحك قدما وظيفيا، بينما (الشكر على الاهداء) للحفظ فقط، ولا ادري بالضبط هل لمثل هذا التفسير وجود في القوانين والتعليمات، ام انه اجتهاد شخصي من الذين يذهبون على الدوام بالاتجاه السلبي، ويترددون كثيرا بما هو ايجابي.
ولا يتوقف رصد واقع الشكر عند هذا الحد، بل ثمة شكر مجاني يقدم لأشخاص لم يسدوا جميلا للناس، ومثاله شكوى بعض طلبة الدراسات العليا من اهمال مشرفيهم، فتراهم كالغرقى تتقاذفهم الأمواج، هم في البداية وليس عيبا عندما لا يجيدون السباحة، بينما يتفرج المشرف على طالبه بانتظار أن يصله البحث جاهزا، لا أملك تفسيرا لهذه الفرجة سوى اللامبالاة مع ان حظها لدي من التأكيد ضعيف، او قل الافتقار لمؤهلات كافية، فما رأيت كبيرا الا وجدته كريما، ومع ذلك يضطر الطالب الى وضع مشرفه في مقدمة المشكورين مع عبارات لطيفة تؤكد ان هذا الجهد ما كان له ان يرى النور لولا توجيهاته (السديدة)، ونقول: طلبتنا أمانة والتعليم رسالة، ويستدعيان تطوير أنفسنا خدمة لهم ولوطننا المنكوب. ولصبركم على قراءة المقال بالرغم من طوله اقول لكم من القلب: شكرا.
اضف تعليق