ان المشكلة ليست بالسن بقدر ما تتعلق بالخبرة والفطنة بإدارة الامور، فالنبي الأكرم صلوات الله عليه وآله تمكن من البدء بنشر الدعوة الإسلامية في أمة مترامية الأطراف، ونجح بذلك نجاحا باهرا، اذ أرسى دعائم الدولة الإسلامية القوية، واستطاع ان يوحد الأمة تحت راية الإسلام، فأين نحن من هذه التجربة...
وقفا احمد ومازن ينتظران سيارة الأجرة التي اعتادوا على اتخاذها وسيلة للوصول الى مكان عملهم الذي يبعد عن محل سكنهم مسافة ليست قليلة.
خلال الرحلة التي تستغرق أكثر من ربع ساعة، شاهدا الزميلان موكبا حكوميا يتكون من عشرة سيارات مظللة، تسير جميعها بصورة سريعة، في الأثناء توجه احمد بالسؤال الى مازن، "مازن متى نشارك بالعملية السياسية؟، ومتى نركب بمثل هذه السيارات الفارهة"؟، إجابته حسرة قبل الكلام، "لن يأتي هذا اليوم كُن على يقين".
مرحلة الشباب بالنسبة للفرد تُعد من اهم المراحل التي يمر بها الإنسان، فهي الفترة التي تتسم بالتوهج، والإمكانية الكبيرة على تقديم العطاء في شتى المجالات، فهي تأتي+ بعد مرحلة من اللعب واللهو وعدم الشعور بالمسؤولية.
وحين بلوغها يصبح امام الفرد مهام كثيرة عليه ان ينجزها، الزواج والانخراط بوظيفة محترمة تتلاءم واختصاصه او ما يمتلكه من مهارات في جانب معين، يمكن للفرد من خلاله ان يخدم مجتمعه الذي ينتمي اليه، وغير ذلك من الواجبات التي لابد من الاهتمام بها ليصبح بذلك إنموذجا ناجح يحتذى به من قبل بعض الأقران.
الشباب كثيرا ما يتسم بالحيوية العالية والقدرة على إدارة العديد من الملفات، ويحقق نجاحات كبيرة يُشار لها بالبنان، ولكن بنفس الوقت هنالك فريق كبير يرى قصور بالشباب في تسنم المواقع الحكومية الحساسة، والسبب هو انهم غير متفهمين لمعطيات الاحداث ولم يدركوا بعد كيف تسير القافلة السياسية في البلد.
وذاتهم ينظرون للشباب بعين مختلفة، كالعين التي تنظر للنصف الفارغ من القدح، فمهما بلغ الشاب مرحلة من التطور والرقي والحصول على مكانة علمية رصينة، قادر بموجبها على إنجاز المهام بشكل سليم بعيدا التخبط وعدم المعرفة، فهنالك من يرشقه بعبارات التحقير والتقليل من أهمية ما قام به محاولا نسفه وزرع الإحباط في نفسه.
تجربة إعطاء الشباب فرصة الخوض في المضمار السياسي، أصبحت من التجارب النادرة الحصول، اذ نجد اغلب رؤساء الدول والحكومات يتم اختيارهم بسن يناهز الخمسون او أكثر من ذلك بقليل، وأصبح ايضا اختياره من الاحداث التي تحظى باهتمام مميز من قبل وسائل الإعلام.
فمن الأكيد ان يتصدر هذا الخبر جميع النشرات الإخبارية وقد تضعه بعض المحطات بصيغة الخبر العاجل، ومن ثم تقوم بجمع المعلومات عن الشخصية الشابة وإشباعها بالتحليل وتعريف الجمهور بمرجعتيها السياسية، والأفكار التي تعتنقها، وكيف يمكن ان يكون حال البلاد في عهدها، وكأنه وافد غريب حل على العملية السياسة القائمة في بلد معين.
الخشية التي ترقد في نفوس المُسنين من وصول الشباب الى الأماكن السياسية، وأتكلم هنا عن التجربة العراقية جعلهم يسنون قوانين تمنعهم من الولوج الى عالم السياسة، ويأتي الهدف الأساس من سن هذه المواد هو لجعلهم يتشبثون بالسلطة لفترة اطول.
يحققون خلالها جميع ما تمنوا ان يحصلوا عليه قبل الانخراط بالعمل السياسي، في حين اذا سمحوا لشريحة الشباب مشاركتهم، هذا يعني انهم اصبحوا شركاء في تقاسم الامتيازات من وجهة نظر الكِبار، وبالنتيجة نراهم يضعون العصى في عجلة المركبة التي تقل مجموعة من الشباب نحو الكابينات الوزارية او الوظائف الحكومية الأخرى.
من الممكن ان نطلع على بعض التجارب التي مُنحت للشباب على مستوى العالم، يأتي في مقدمتها وأكثرها قربا من اذهان المتابعين، هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تربع على عرش الرئاسة ولديه من السنين أربعون، واستطلع ان يقف الى جانب اعظم رؤساء الدول كدونالد ترامب وإجراء الحوارات والمباحثات بخصوص اهم وادق القضايا الدولية.
فحكم ماكرون الذي يعد من فئة الشباب لم يجعل من فرنسا تعاني سوء الإدارة وعدم معرفة تمشية جميع القطاعات، فهي لا تزال دولة قوية مؤثرة بالمشهد السياسي الدولي وتشارك بجميع المحافل التي تجمع الدول العظمى، ما يعني ان أسلوب الحكم فيها يجري بشكل صحيح.
وبعد المكوث قليلا في فرنسا اصبح لزاما علينا العودة الى بلاد الرافدين والحديث عن التجربة العراقية في الحكم الشبابي، وتتجسد في تسنم محمد ريكان الحلبوسي منصب رئيس البرلمان، ويمكن القول انه نجح الى حد ما في إدارة جلسات البرلمان وخلق التوازن بين الكتل السياسية المتباينة في اغلب المواقف.
الشباب في العراق تحديدا لا يستطيعون وحدهم التصدي للمهام المختلفة، وذلك لقلة الخبرة التي يتمتعون بها، نظرا لنظام الحكم الشمولي الذي حكم البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي حتى مطلع الالفينية، وبذلك فهم بحاجة الى الخبرات المتراكمة لدى كبار السن لتمتزج مع عنفوان الشباب، لينجو من العثرات والنتيجة الخروج بوصفة سليمة قدر الإمكان.
فالاستفادة من الشريحتين يمكن ان يكون عبر الاعتماد على الشباب في السلطات التنفيذية، وترك امر التشريع للمسنين وأصحاب الخبرات الكبيرة في اغلب الميادين، بينما في وضعنا الحالي فان النهج الذي اتبعته الكتل السياسية هو ابعاد الشباب عن المشهد السياسي، والاعتماد بشكل جلي على الكبار الذين عايشوا انجح التجارب الدولية لكنهم فشلوا في تطبيقا على ارض الواقع.
بينما الشباب في العراق في حال وصلوا الى المناصب الحكومية، فأنهم يبقون تحت إشراف الكتل السياسية التي مكنتهم من ذلك، ويبقى للتأثيرات الخارجية والتدخلات الإقليمية دور كبير ومؤثر في تمشية الامور السياسية، وهذا الحال ينطبق على الشريحتين معا.
ان المشكلة ليست بالسن بقدر ما تتعلق بالخبرة والفطنة بإدارة الامور، فالنبي الأكرم صلوات الله عليه وآله تمكن من البدء بنشر الدعوة الإسلامية في أمة مترامية الأطراف، ونجح بذلك نجاحا باهرا، اذ أرسى دعائم الدولة الإسلامية القوية، واستطاع ان يوحد الأمة تحت راية الإسلام، فأين نحن من هذه التجربة التي لا تزال محط اهتمام واعجاب من قبل الأعداء قبل الأصدقاء؟
اضف تعليق