q
إنسانيات - مجتمع

حماية الاسرة من اثار الحروب

ان حماية كيان الأسرة من آثار الحروب، يحتاج لجهد فكري خاص يفتح الابواب امام مؤتمرات وندوات لنقاش مفتوح وصريح للبحث في سبل إعادة الأسرة الى وضعها الطبيعي بعيداً عن آثار الحروب، قدر الإمكان، بتسليط الضوء على دور الرجل وايضاً دور المرأة والابناء في هذه المهمة...

اهتمام الاسلام بالزواج والاسرة والعلاقات الاجتماعية، ربما لا يدانيه اهتمام في المنظومة الاخلاقية والشرعية في آن، تزينه آيات قرآنية وأحاديث للنبي الأكرم والأئمة المعصومين، عليهم السلام، و مردّ هذا ليس فقط الى كون الزواج والاسرة ذو مدخلية واسعة في تحديد هوية المجتمع والامة، بل في الطابع الحساس الذي يتسم به هذا البناء الاستراتيجي، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: "ما بُني بناء في الاسلام أعظم من الزواج"، وكل ما نقرأه من آيات وروايات تدلنا على السبل الناجحة لعلاقات زوجية واجتماعية مثمرة، إنما يكشف عن حرص واضح لعدم تعرض هذا البناء للتصدع بأي سبب كان.

لنلاحظ الحرص الشديد والمُبهر في القرآن والسنة الشريفة، على انتقاء الكلمات بين الزوجين، او بين الابوين والابناء، او بين الابن و والديه، فربما تنزلق كلمة جارحة، ولو صغيرة وبشكل عابر، تسبب هدم أسرة أو تعكّر علاقات زوجية واجتماعية ممتدة مع الزمن، ولكن؛ كيف بهذا البناء –والحال هكذا- وهو يتعرض لتصدّع ليس بالكلمات والتصرفات، وإنما من نيران الحروب وجنائز القتلي وارقام المفقودين في سوح المعارك، الى جانب البطالة والفقر.

تشويه الوجه الحقيقي للأسرة

الحروب التي تحصد الرجال وتخلف الايتام والارامل، تخلق اوضاعاً اجتماعية طارئة ملؤها المعاناة والمنغّصات بسبب فقدان المعيل، وإن وجد، فانه يعاني البطالة بسبب انعكاس الحروب على الاوضاع الاقتصادية. الامر الذي يجعل تغطية تكاليف المعيشة الشغل الشاغل لجميع افراد الأسرة، وليس الأب فقط.

وقد بحث الخبراء والمختصون في الشأن الاجتماعي حجم الآثار الكارثية على الأسرة في ظل الحروب في بلادنا الاسلامية، لاسيما ما جرى في العراق وسوريا واليمن، وقبلها في افغانستان وغيرها من البلاد المأزومة والمسكونة بالصراعات السياسية وتقاطع المصالح الاقليمية والدولية.

معظم الآثار السلبية للحروب على الاسرة بشكل عام والمرأة خاص، يمكن تعويضه، من تكاليف المعيشة والسكن وحتى فرصة العمل، بفضل المؤسسات الخيرية والانسانية ونشاطاتها الملحوظة في مخيمات النازحين، وفي مناطق سكنى الارامل والايتام، وبمرور الزمن بالامكان التقليل من آثار فقدان الأب من وجه الاسرة، بيد ان الذي يصعب تعويضه الهيكلية الاساس للأسرة قبل ان تظللها غيوم الحرب السوداء، وما تستهدفه من تقويض لدور الأب في الاسرة؛ إما بفقدانه نهائياً، او تجريده من دوره الحقيقي في ظل "اقتصاد الحروب"، فوجوده ليس فقط باعثاً على الاطمئنان من لقمة العيش، إنما ظلاله النفسية ومكانته في قلوب افراد الاسرة لاسيما الزوجة، مما يجعل كل فرد يأخذ مكانه الصحيح، فالأم تمارس دورها الطبيعي بما يتلائم مع خصوصياتها، وايضاً الابناء، فحتى وإن كانوا في ميدان العمل وليس الدراسة، فانهم لا يشعرون بثقل المسؤولية كالتي يتحملها الأب وهو يمارس عمله في الظروف الطبيعية.

إن غياب الدور الطبيعي للزوج والاب يجبر الزوجة لأن تعوض نقاط الفراغ في الاسرة، لاسيما فيما يتعلق بالعمل خارج البيت والتصرف بالمورد المالي مما يهدد القيم الاجتماعية وحتى الدينية، مثل؛ "القيمومة" وحق اتخاذ القرارات المصيرية من بيع وشراء و زواج وغيرها، الامر الذي يخلق ردود فعل سلبية من الزوج او افراد الأسرة لتقويم الانحراف الحاصل او التنبيه الى خطأ فادح، وفي معظم الحالات لا تفلح هذه المحاولات، او تكون عبارة عن اعتراضات صامتة ومكبوتة يسكت عنها صاحبها بداعي الحفاظ على ما تبقى من كيان الأسرة، وايضاً السمعة الاجتماعية، وربما نجد حالات من الانفجار بوجه هذا التطور غير المرحب به، فتحدث حالات طلاق او زواج فاشل وهو ما يكثر في بلادنا –للأسف الشديد- بسبب سوء التدبير والاختيار، وعدم وجود الحكمة والاحتكام الى العقل والتجربة، بل الاعتماد على العواطف والرغبات المادية تحديداً.

القيم الدينية إكسير التوازن الاجتماعي

حسناً ما تحدث به أحد علماء الدين في العراق عن دور المرأة العراقية في إذكاء الروح الحسينية في الجيل الحاضر، عازياً الحالة الولائية المنتشرة، ومظاهر التفاعل بين الشباب في مواسم الزيارات المليونية وإقامة الشعائر الحسينية، الى جانب الحالة الدينية بشكل عام، الى الجهد التربوي للأم العراقية طيلة السنوات الماضية التي تخللتها حروب صدام الكارثية، وما اعقبه من الحرب الطائفية التي شنتها قوى التكفير والارهاب داخل العراق، فبالرغم من الظروف المعيشية القاسية، لم تنس المرأة العراقية جذورها الدينية وانتمائها وتاريخها، بما يمكن القول معه؛ أن قيمة الولاء لأهل البيت، عليهم السلام، مثلت بالنسبة لشريحة واسعة من النسوة العراقيات، نعمة عظيمة حَظَين بها الى جانب القرب من المراقد المقدسة و أثره الخاص والمباشر على النفوس، مما يخلق نوعاً من التحدي وإثبات الذات والهوية، وحسب الرواة عن أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991، فان النسوة كُنّ المبادرات لكسر حاجز الخوف ودخول المراقد المشرفة في كربلاء المقدسة لزيارة الامامين الحسين والعباس، عليهما السلام، ثم أعقبهم الرجال، وبذلك نجد مساحة واسعة لحضور الشباب والرجال، ليس في النشاط الشعائري الحسيني وحسب، وإنما في النشاطات والفعاليات المتفرعة من الطقوس العاشورائية الداعية الى التكافل الاجتماعي ونشر الوعي والثقافة وتنمية الطاقات طيلة أيام السنة، بفضل المجالس الحسينية والندوات والمنتديات التي تقيمها مؤسسات ثقافية تحمل فكر وثقافة أهل البيت، عليهم السلام.

علماً أننا نجد هذه التجربة قائمة في سائر البلاد التي يأتي منها الموالون لأهل البيت، عليهم السلام، لاسيما من ايران وافغانستان وباكستان والخليج ولبنان وبلاد اسلامية اخرى، وبالامكان إثرائها وتوسيع رقعتها الاجتماعية لتكون صمام أمان للمجتمعات المتأثرة بالحروب والصراعات السياسية، وتحد من تسرّب الافكار الغريبة على مجتمعاتنا والتي تحاول ان تكون الخيار الجديد لمجتمع متضرر من الحروب.

ان حماية كيان الأسرة المسلمة من آثار الحروب، يحتاج لجهد فكري خاص يفتح الابواب امام مؤتمرات وندوات لنقاش مفتوح وصريح للبحث في سبل إعادة الأسرة الى وضعها الطبيعي بعيداً عن آثار الحروب، قدر الإمكان، بتسليط الضوء على دور الرجل وايضاً دور المرأة والابناء في هذه المهمة الخطيرة، وعدم الانحناء للعاصفة مهما كانت الظروف، وايضاً نشر ثقافة الايثار والتضحية والتعاون واحترام الآخر، ونبذ الأنانية والطموحات المجنحة التي لا تحمل الأسرة والمجتمع إلا لمزيد من الاخطاء والكوارث.

اضف تعليق