ثمة كم هائل من الموروثات السلبية التي تغلب سلوكيات البعض من الرجال، او بالأصح الذكور، تجاه المرأة، من غير أن يتوقفوا مع ضمائرهم لحظات، ليفكروا بأنّ المرأة مخلوق له حق الحياة بكرامة وبما يتناسب مع إنسانيتها، المشكلة بالأساس تكمن في الوصاية التي يتعامل بها ذلك البعض مع المرأة...
ثمة كم هائل من الموروثات السلبية التي تغلب سلوكيات البعض من الرجال، او بالأصح الذكور، تجاه المرأة، من غير أن يتوقفوا مع ضمائرهم لحظات، ليفكروا بأنّ المرأة مخلوق له حق الحياة بكرامة وبما يتناسب مع إنسانيتها.
المشكلة بالأساس تكمن في الوصاية التي يتعامل بها ذلك البعض مع المرأة، حتى لو لم تكن فردا من عائلته، فهو يفرض نفسه وصيا حتى على الأخرى التي لايمت لها بصلة أيضا، فنراه يحاول فرض سيطرته عليها وهو ما لا يحق له، ويتعامل معها ومع أفكارها بسخرية وتهكم أحيانا، ويحاول التقليل من شأنها وشأن أي عمل تقوم به او تبدع فيه، ويتحرش بها في الشارع مع إنه لايرضى بأن تتعرض بنات أسرته للتحرش.
المفارقة أن بين هذا الكم غير الواعي من الذكور أصحاب شهادات عليا للأسف يتوهمون أن المرأة بلاعقل وأنها وجدت لإرضاء الرجل وإشباع رغباته فقط.
هؤلاء يحاولون تقييد المرأة ووضعها في زاوية ضيقة تروق لمخيلاتهم المريضة، لأنهم وعلى مايبدو، يخشون المرأة، فالرجل الحقيقي، القوي، المبدأيلايخشى المرأة بل يساندها ويدفعها الى الأمام من خلال دعمه المعنوي لها، ويعدها شريكا حقيقيا له.
نأتي الى مسألة استخدام التكنولوجيا او ماأتاحته من مساحة حرية واسعة جدا، لها جانبان : إيجابي وسلبي، ومايهمنا هنا هو الاستخدام السلبي او السيء. هؤلاء الذكور المتخلفون يسمحون لأنفسهم بالتضييق على حرية المرأة وحقها في استخدام الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، فنراهم يتجاوزون الحدود معها ويرسلون لها رسائل او صورا خادشة للحياء، وإذا لم تستجب لأغراضهم الدنيئة قاموا بمضايقتها أكثر من خلال الألفاظ غير اللائقة والإتهامات الجاهزة الموجودة في عقولهم المريضة.
ترافق هذه الظاهرة ظاهرة قبيحة أخرى برزت مع دخول الأنترنت الى العراق، هي محاولة البعض تسقيط الآخر إذا ما اختلف معه، فيقوم بتشويه سمعته عبر المواقع الألكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو امر يتعرض له الرجال والنساء، لكن تأثيره على المرأة أشد بسبب حساسية وضعها في مجتمعاتنا.
هذا الإرهاب الألكتروني او الفيس بوكي تصدت له صفحة بعنوان : " معاً لفضح إرهاب فيس بوك ضد النساء "، اجتذبت مؤيدين، وتعرضت أيضا لهجوم وتهديدات من معارضين، وهم ينقسمون الى فئتين باعتقادنا : فئة مسيئة مليئة بالعقد تقف ضد المرأة وتنظر اليها على أنها سلعة وتابع، وأن وجودها في شبكات التواصل الاجتماعي لابد أن يكون لسبب غير أخلاقي، من وجهة نظر مريضة، وأنها بالضرورة تريد إقامة علاقات مع الرجال عبر استخدامها هذه المساحة التكنولوجية، وهذه هي نظرة الإنسان الفاسد الذي يحكم على الآخرين من خلال سلوكه الشائن، وهي كذلك نظرة الشخص المتخلف الذي ليس له عقل يميز.
الفئة المعارضة الأخرى تضم أشخاصا لا يفهمون أهداف تلك الصفحة، وبالتالي يحكمون عليها من خلال منشوراتها التي تفضح سلوكيات البعض بنشر رسائل يبعثها سيئون الى النساء، متصورين جهلاً أن تلك المنشورات تحرض على تخريب الأخلاق من خلال ما يرونه فيها من عبارات غير لائقة هي بالأصل محتوى الرسائل الموجهة من أشخاص ضالين الى نساء، جرى نشرها بقصد فضحهم وليس ترويج الألفاظ البذيئة.وقد تعرضت القائمات على الصفحة الى تهديدات بالقتل، ولربما تكون من مراهقين ومجرد حبر على ورق للترهيب فقط، وربما لاتكون كذلك.
نحن مع أن تأخذ المرأة حقها بنفسها، لكننا أيضا مع وقوف الأسرة مع المرأة التي تعنيها ، حين تتعرض لإساءة، بأن تتصدى للمسيء، لا أن تطلب من المرأة أن تنزوي وتبتعد عن الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حفاظا على سمعتها وراحة بالها . إن الإنسحاب والانزواء وترك الساحة للمسيئين لن يحل المشكلة، مايتطلب شجاعة ومقدرة على المطاولة الى أن تحصل المرأة على الأمن في العالمين الواقعي والافتراضي.
حقيقة ينبغي للضالين والمتخلفين والمسيئين أن يفهموها وهي أن المرأة مخلوق إنساني له قيمته الكبرى في الحياة، وأن الأرض خلقت لها مثلما خلقت للرجل، وعليهم إعادة التفكير في وصايتهم المَرَضية التي تحركهم في تعاملهم معها، إذ إن هذه الوصاية نوع من الإرهاب الذي يمارسونه ضدها، يحاولون به أن يتحكموا في تفكيرها وكلامها وطريقة لبسها وعملها وخياراتها في الحياة .
الأسرة متهمة هي الأخرى بأن لها يداً في الإرهاب ضد المرأة، فهي مسؤولة عن التربية، وينبغي للوالدين أن يكفا عن التعامل مع أبنائهما على أساس أفضلية الولد على البنت، بل عليهما أن يقوما بتوعية الابن الذكر منذ الصغر بأهمية وجود بنت في الأسرة، ويعلماه أن لايتحرش بالأخريات وإنما يحترمهن، حتى يعرف كل واحد حدوده.
هذا ما نطالب به الأب المتعسف مع بناته، والأم التي تقف ضد ابنتها لمصلحة ابنها، حقا او باطلا. وهذا النوع من الأمهات الذكوريات ناجم عن الموروثات السلبية والاعتقادات المخطوءة، نضيف لها التشجيع المستمر من المجتمع للذكر كي يسيء الى الأنثى، وإن كان تشجيعا غير مباشر، هذا كله خلق ذكورا بلا ضمائر ولاعقول، وجبناء يستخدمون عضلاتهم ضد المرأة فقط ما أسهموا في نكوص المجتمع الى الوراء.
لكننا في الوقت نفسه لاننكر وجود رجال إيجابيين متفتحي الذهن ومتحررين من الرواسب المتخلفة، يحترمون المرأة، وهم بالمقابل يستحقون التقدير والاحترام منها، لاسيما أن منطلقهم في الاحترام أنها هي التي ولدت الرجل.
اضف تعليق