تسير على خطى بايدن وتصورات الحزب الديمقراطي في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وبما يحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة وأمن إسرائيل. في عناوين رئيسية وتتمثل في أولوية مسار التطبيع، والابتعاد عن السياسة التقليدية للحزب حول طرح خطة للسلام في الشرق الأوسط، وعدم العمل بشكل جدّي للعودة إلى...
يعتقد بعض المهتمين والمتخصصين بالشأن الأمريكي، بأن الأسابيع القليلة الماضية تميزت بتباين كبير بين حملتي كامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري والطامح إلى الوصول بقوة إلى البيت الابيض مرة اخرى.
إذ وصفت حملة هاريس الانتخابية في آب/ اغسطس، بأنها مثالية، فقد استطاعت في وقت وجيز أن تطبع الحملة ببصمتها وتعيد الديناميكية إلى صفوف المعسكر الديمقراطي، ولاسيما بعد أن اختارت (تيم والز) نائبًا لها في البيت الأبيض في حال فازت بالانتخابات الأمريكية المقبلة، والإعلان عن مقترحاتها بشأن ملف الاقتصاد والهجرة وشاركت في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي نظم في مدينة شيكاغو، إذ لم يعرف لقاءها الأول مع الصحافة أخطاء هامة من الممكن أن تسجل ضدها في السباق الانتخابي، وهذا من شأنه أن يزيد من حظوظها الانتخابية في الوصول إلى البيت الابيض؛ ولهذا من المهم جدًا أن نأخذ مواقفها وبرامجها من منطقة الشرق الاوسط، بنظر الاعتبار، وما يدور فيها من صراع وتنافس سياسي وعسكري واقتصادي، ولاسيما أن هاريس ستكون مدعومة من الحزب الديمقراطي بشكل كبير وممثلة لسياسته الخارجية.
إنَّ استحضار ملف الشرق الاوسط في برنامج المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لا يؤخذ في الدعاية الانتخابية أو اثناء السباق الانتخابي فقط، من دون الرجوع إلى المواقف السابقة عن كل الملفات. ولعل من أبرز مواقف هاريس عن الشرق الاوسط، يبدأ من موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر. ففي مواقفها السابقة بهذا الشأن، أيدت هاريس حل الدولتين عندما كانت عضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأبدت رأيها عن موضوع الحرب الإسرائيلية في غزة، بدعوتها إلى وقف اطلاق النار بين الجانبين، لحين التوصل إلى حلول لوقف الحرب، وكذلك وجهت توبيخًا شديد اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية نتيجة تعاملها مع ملف المساعدات.
إلا أن هذا التوبيخ لا يعني وقوفها ضد الحكومة الإسرائيلية وقرار الحرب على غزة، فهاريس في النهاية مرشحة عن الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن هو من زكَّاها لهذا المنصب نيابة عنه بعد قراره بعدم خوض منافسات السباق الانتخابي، وبالتالي فلا يمكن أن نتوقع منها أن تكون أكثر حيادية في موضوع الحرب على غزة، او أن تتخذ قرارات ضد الحكومة الإسرائيلية، أو يمكن أن تتخذ مواقف مختلفة عن مواقف الرئيس جو بايدن. ولاسيما أن لها بعض المواقف الداعمة للحرب.
فقد تبنت هاريس موقف إدارة بايدن الداعم لإسرائيل ورفضت مطالب بعض الديمقراطيين بإعادة النظر في الدعم العسكري لتل أبيب في ضوء عدد الضحايا المتزايد بين الفلسطينيين، وقالت إنها تدعم وجود "إسرائيل قوية"، لكنها أكدت أيضًا أهمية الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإخراج الرهائن، إلا أن مواقفها ربما تكون اقل حدة من الرئيس بايدن فيما يتعلق بالحرب على غزة، وقد تكون هاريس أكثر تعاطفًا مع محنة الفلسطينيين، وهو ما يمكن أن يخفف من حدة الغضب لدى الناخبين العرب الأمريكيين وغيرهم ممن ينتقدون الدعم القوي الذي قدمه بايدن للجهود الحربية الإسرائيلية في غزة. أو قد تكون أكثر توازنا في هذا الملف من بايدن؛ وهذا التوازن الحذر قد يكون مفتاحًا لكسب دعم أوسع في الداخل والخارج.
بالمجمل تجمع هاريس مواقف متضادة في موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فهي تتمتع بعلاقات قوية مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. وزوجها "دوغ إيمهوف" يهودي كان له دور بارز كحلقة وصل مع الجالية اليهودية الأمريكية، وتحدث عن جهود إدارة بايدن في مكافحة معاداة السامية؛ لهذا لا يمكن لهاريس "في حال فوزها" أن تتخذ مواقف متصلبة ضد إسرائيل أو ضد حكومة نتنياهو، وربما قد تتراجع حتى عن طروحاتها السابقة الهادفة إلى حل الدولتين.
أما بالنسبة لمواقفها السابقة في الملف الإيراني، فهي بالتأكيد لا تخرج عن دائرة سياسة الحزب الديمقراطي بهذا الجانب، ولاسيما في الملف النووي الإيراني، التي تم التوصل له في فترة حكم الرئيس الاسبق باراك اوباما من خلال اتفاقية الإطار الاستراتيجي. إذ دعمت هاريس خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015؛ لكبح جماح إيران النووية، فهي تعتقد "كما يعتقد اغلب الديمقراطيين"، بأن كبح جماح إيران يتوقف على أعادة العمل بمشروع الاتفاق النووي الإيراني من جديد بعد أن انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حقبة دونالد ترامب.
كما ادانت هاريس الضربة العسكرية الأمريكية التي استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد الدولي في شهر يناير من العام 2020. فضلًا عن ذلك، فقد شاركت هاريس في رعاية تشريع "لم ينجح" في منع شن المزيد من الاعمال العسكرية ضد القادة الإيرانيين والاهداف الإيرانية. وسواء كان الرئيس المقبل ترامب أو هاريس فإن أمريكا قد تواجه قرارًا كبيرًا يتعلق بمستقبل إيران وفكرة امتلاكها للسلاح النووي. إذ يرى "روبرت ساتلوف" المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: أن الرئيس المقبل سواء كان هاريس أو ترامب قد يواجه ذلك الاحتمال، وسيكون الاختبار كبيرًا بين فكرة عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي واتخاذ كل ما يلزم من الخيارات من أجل منع ذلك أو الذهاب باتجاه استراتيجية أخرى تتمثل بقبول امتلاك إيران للسلاح النووي والعمل على احتوائها.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فستأتي هاريس بعد عهد بايدن الذي كانت شريكة فيه، وبدأ بتوجه متشدد ضد السعودية ثم انتهى بالعودة إلى سياسة التحالف التقليدية مع الرياض. أما عن مواقفها السابقة، فقد ايدت هاريس تشريعًا يقيد مبيعات الاسلحة والمساعدات العسكرية للسعودية؛ بسبب دورها في الحرب الاهلية اليمنية، وتورطها في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا. لكن من المستبعد أن تتخذ هاريس مواقف متشددة أو عدائية ضد السعودية بعد انهاء حربها في اليمن، ومن المرجح أن تتعزز العلاقات بين إدارة هاريس والسعودية، ولاسيما أن هناك أسسًا وتاريخًا ومصالح مشتركة بين البلدين.
أما بالنسبة لسوريا، فقد كانت هاريس من ابرز المنتقدين للنظام السياسي والرئيس بشار الاسد، وادانت استخدامه للأسلحة الكيمائية في عام 2017، وقالت: بان الرئيس السوري ليس فقط دكتاتورًا عديم الرحمة يعامل شعبه بوحشية، بل هو مجرم حرب، لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله. كما أن مواقفها من تركيا لا تبدو جيدة، فقد دعمت هاريس التشريع لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، والتي كانت مصدرًا للتوتر بين تركيا وأرمينيا العضوتين في الناتو لمدة قرن من الزمان.
بشكل عام، يمكن التكهّن بالخطوط العريضة لما ستكون عليه سياسة هاريس في الشرق الاوسط "إذا ما نجحت في الوصول إلى البيت الابيض"، فهي من المؤكد أن تسير على خطى بايدن بشكل خاص وتصورات الحزب الديمقراطي بشكل عام في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وبما يحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة وأمن إسرائيل. ويمكن أن نستشف تلك الخطوط بثلاث اتجاهات أو عناوين رئيسية وتتمثل في أولوية مسار التطبيع، والابتعاد عن السياسة التقليدية للحزب حول طرح "خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الشرق الأوسط، وعدم العمل بشكل جدّي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
ففي الاولى يمكن أن تعيد الاستثمار السياسي الأمريكي في مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي حتى مع استمرار الحرب في غزة، وكذلك يمكن أن تدفع باتجاه دمج إسرائيل في المنطقة عبر تحالفات سياسية واقتصادية، مثل تحالف أو مبادرة "I2U2"، التي تُعرف أيضًا باسم "الرباعية في غرب آسيا" وتتألف من أربع دول: الهند، والإمارات العربية المتحدة، و"إسرائيل"، والولايات المتحدة. أو عبر الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يربط مرفأ حيفا بالموانئ الأوروبية. وقد تم التوقيع على مذكرة التفاهم من قبل السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول/سبتمبر 2023. وفيما يتعلق بالثانية (خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين) فمن المتوقع أنها ستحاول أن تمسك العصا من الوسط – شكليًا- كما هو حال خطابها في المؤتمر الديمقراطي، وستلتزم بالسياسات الأمريكية التقليدية في دعم "إسرائيل" بلا قيد ولا شرط كما فعل بايدن. أما بالنسبة للاتفاق النووي، فلا يمكن لهاريس العودة الفعلية إلى الاتفاق في ظل تزايد العداء لإيران لدى أعضاء الكونغرس من الحزبين، ولاسيما بعد حرب غزة، وتنامي نفوذ إيران في المنطقة.
أما بالنسبة للعراق، فلا يمكن أن تقدم هاريس أكثر من الملفات المطروحة أمام كل الرؤساء الأمريكان بغض النظر عن هويتهم (ديمقراطي أم جمهوري) وسيكون ملف تواجد القوات الاجنبية وطبيعة العلاقة مع إيران والجماعات المسلحة العراقية، والعقوبات الاقتصادية على المصارف العراقية، وتوازن القوى الداخلية وطبيعة تقاسم السلطة، هي الملفات الرئيسة المطروحة أمام هاريس أو حتى ترامب، إلا أن هاريس من الممكن أن تحافظ على السياسة التقليدية الأمريكية في هذا الملف وتسير بها بقدر تعلق الامر بمصلحة النظام السياسي العراقي وديمومة تحقيقه للمصلحة الأمريكية والعالمية ومصالح منطقة الشرق الاوسط بشكل عام.
اضف تعليق